ما أجمل مشاهد رمضان في البيت المسلم .. بين مشاعر روحية عالية وتحرر من ثقل المادة، وبين تربية كريمة، ومرح ودعابة، تظلل ذلك كله سكينة عجيبة.. لا يعرفها ويحس بها إلا من يعيشون حقيقة الشهر!
ورب عابد صائم قائم (يغتنم ثواني الشهر قبل الدقائق في العبادة والتلاوة، فلا يكاد يكون لأهل بيته منه نصيب) يخسر كثيرا مما يربحه عابد مثله، حريص كحرصه، لكنه يضع نصب عينيه قول الحكيم العليم جل وعلا:
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ..} (الطور:21).
فلله در صائم مبارك يحيط صومه بأحسن الأخلاق، ويوطّن نفسه على حقيقة الصبر والاحتساب؛ فإذا انتهى من عمله وسعيه على قوت بيته؛ وصله بشيء من معاونة زوجه، وملاطفة صغاره، ومتابعة للصائمين الجدد منهم؛ ينافسهم وينافسونه في التلاوة والختمات، ويسرّي عنهم بالمرح والمداعبات، والوعود بالهدايا والهبات!
أما البراعم الأحباب الذين يرون شاناً عجيبا من حولهم من أبيهم وأمهم وإخوتهم؛ من امتناع عن الطعام والشراب فيما هم يأكلون ويشربون على غير ما كانوا يألفون! فشأنهم أعجب، ومتعة التواصل معهم نعمة من الكريم المنان، وذكريات رائعة نظل نرويها عبر السنين!
حتى إذا آنست منها مزيد إصرار؛ ازددت تبسُّماً واضطررت لمداراتها وإظهار موافقتها وإخفاء ما أعطتني بيدها الصغيرة البريئة؛ فتتوهم أني استجبت لها؛ فتفرح وتقر عينها!
وإنها لهمسة تتردد وتتجدد في آذان أولياء البيوت بإشاعة الرفق: فإن الله جل وعلا "إذا أراد بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق" (كما صح عن جابر رضي الله عنه مرفوعا).