د.العمر لصحيفة الشروق: لتعد جمعية العلماء بالجزائر.. نبهت عن خطأ العنف قبل ربع قرن.. الأسلحة حق للمقاومة..لم يتضح الوضع بالصومال
2 ربيع الأول 1430

 

 

على هامش مؤتمر اسطنبول المنعقد أواسط فبراير، التقت صحيفة الشروق الجزائرية بالشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر، وسألته عن رأيه في الأوضاع الجزائرية، واستمعت لرأيه في مسألة العنف التي حدثت هناك، وردوده عمن يقول بأن الإدانة التي لاقتها التجاوزات هناك لم تحدث إلا عندما طال العنف الجزيرة العربية، إلى جانب العديد من الأسئلة الأخرى التي تتعلق بغزة والصومال والجماعات الإسلامية.. وما إلى ذلك، وكان هذا الحوار الذي نعيد نشره هنا؛ فإلى نص الحوار:

 

الشيخ ناصر العمر من أبرز دعاة التيار السلفي في المملكة العربية السعودية، يتحدث بلغة صريحة دون لف أو دوران، سبق له أن زار الجزائر ونصح الإسلاميين قبل وقوع الأحداث الدامية التي شهدتها بلادنا في تسعينيات القرن الماضي، بعدم الاصطدام مع السلطة. ويأسف أن هؤلاء لم يأخذوا بنصيحته، ويعتبر إهدار دم المسلم فسادا في الأرض، كما تناولنا في حديثنا معه العديد من القضايا.

كيف يقيم الشيخ ناصر العمر، حالة المسلمين في عالمنا اليوم؟

إذا أراد إنسان أن يقيم أي شيء يقيمه بناء على مقياس الزمان والمكان والحال، النظرة المجردة لأهل المسلمين دون مراعاة الظروف، يقول الحالة سيئة، لكن في الحقيقة وفي ظل كل الظروف الدولية والأوضاع العالمية، أعتقد أن المسلمين الآن في حالة ايجابية، لم تمر من قبل في الزمن المتأخر، قد تقول لي كيف؟، أعتقد أن مجرد انشغال العالم بالمسلمين في كل خبر على أنهم موجودون، أيضا الآن الأمة مقبلة على دينها، وعندما نتحدث عن أنه في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من سبعة ملايين مسلم، وفي بريطانيا أربعة ملايين مسلم، في فرنسا وإيطاليا كذا وكذا مسلم، فهل نقول بعد ذلك أنهم قد دخلوا الإسلام بالسيف؟! أبدا، هذا معناه أن الإسلام ينتشر بفعل الدعوة، حتى في الاتحاد السوفيتي الذي عاش في ظل الشيوعية الآن الإسلام يتقدم، لكن المشكلة لا تزال في رأس الأمة، فعلى مستوى الشعوب تبدو مقبلة على دين الله عز وجل، لكن لا يزال على مستوى رأس الأمة، الرأس الهرمي يحتاج إلى مزيد من النظر واستثمار كل الطاقات المتاحة.

أيضا هناك مشكلة تعاني منها الأمة في ظل هذا الوضع مما ينكد على تقويمها، الخلافات الموجودة، سواء أكانت داخل الشعوب أم داخل الجماعات الإسلامية أم غيرها، فإذا وجد دور لها وبخاصة دور العلماء، بإذن الله ستصل الأمة إلى مجد، ويحسب لها الأعداء حسابا كبيرا، ويكفي أن أشير في هذا اللقاء إلى أن التقارير العالمية، من الاستخبارات ومراكز الدراسات تؤكد أن أقوى قوة قادمة في القرن القادم هي الإسلام، هذا إجماع تقارير الأعداء، قدموها لمخابراتهم وليس لنا.

في تقديركم، ما هو سبب هذه الخلافات التي تعصف بالأمة، وخاصة بين الحركات الإسلامية، هل تجدون مبررات لذلك؟

بعض الأسباب حقيقية، فهناك خلافات منهجية واقعية، وفي بعضها ـ الحقيقة اسمح لي أقول لك ـ وهمية، مضخمة، وبعبارة أدق المشكلة بدل أن نأتي بالأسباب الحقيقية لسبب الخلافات ونعالجها استخدمناها وسيلة لمزيد من التشرذم والخلافات، هذه قضية جوهرية، بدل أن نأتي، مثلا جار مع جاره،عنده مشكلة بسبب الجوار، أن يحلوا المشكلة جعلوها سببا لتفرقة العائلتين والجارين، هذا واقع بين كثير من الجماعات الإسلامية، وإلا المشكلة موجودة، لكن ضخمت واستثمرت لمزيد من العداوة والتمكين والتفرقة.

ما رأيكم في بعض الجماعات التي ترفع شعار المغالبة؟

هذا يختلف بعضه عن بعض؛ فالذي أراه، هو منهج التدرج، وأرى أنه الأنسب بالنسبة لحالتنا، وقد ناقشنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في هذا الأمر، بأن عصرنا قريب من العصر المكي، فقط أن بعض الأحكام الشرعية كالصلاة، والزكاة والصيام والحج أتت أحكاما محكمة، لكن مراحل الدعوة، أرى أن يؤخذ بعضها من العصر المكي من حالة الضعف وعدم الدخول في نزاعات ومشكلات لا طائل من ورائها، ولذلك أنا أقسّم البلاد إلى ثلاثة أقسام:

النوع الأول : بلاد محتلة، يجب الجهاد فيها، مثل فلسطين، وأفغانستان، والصومال، هذه بلاد محتلة، فيها عدو أجنبي يجب الجهاد، وهو فرض...

(مقاطعا) بالرغم من أن الرئيس الحالي للصومال، هو الشيخ شريف، وهو إسلامي، ورئيس المحاكم الإسلامية التي قادت مرحلة سابقة تحرير الصومال من القوات الأجنبية؟

إلى الآن لا استطيع الحكم، وليست عندي خلفية عن الموضوع الصومالي، أتحدث فقط الآن عن وجود القوات الإثيوبية والأمريكية.

النوع الثاني من البلاد، هي بلاد مسلمين، ويحكمها حكام قد يكونوا علمانيين، فأرى أن ينظر في أسلوب التغيير، لأن المصالح والمفاسد قد لا تراعى هنا، الذين يذهبون ضحايا لهذا هم المسلمون أنفسهم، أما الحكام فلا يطالهم شيء كما هو في كثير من البلاد الإسلامية، فالذي أراه أن الكثير من الجماعات الإسلامية ـ وحتى أكون دقيقا في كلامي معك ـ لم توفق في هذا الموضوع، ودخلت في صراعات لم تأت بنتائج ايجابية، مثلا في سوريا حكم بعثي، ولا نشك في هذا، لكن أسلوب المغالبة لم يكن موفقا ولم يأت بنتائج، بل الذي حدث هو أن ضربت الدعوة، وضرب المسلمون، وتأخروا، وبقي الحكم كما هو، وهذا خطأ.

النوع الثالث، بلاد فيها مسلمون وفيها نصارى، والحكام نصارى، أو كفار، والأصلح أن أهل البلد والعلماء هم الذين يقررون ماذا يفعلوا بالتشاور مع العلماء المسلمين المعتبرين، ليقرروا ماذا يناسب هذا البلد، وكيف يفعلون معه.

البعض من المراقبين لشؤون الحركات الإسلامية، يذهبون إلى الاعتقاد بأن جماعة الإخوان فرخت في وقت من الأوقات جماعة الجهاد، ثم جاء الدور على السلفية مع الألفية الجديدة لتفرخ هي بدورها جماعة الهجرة والتكفير والسلفية الجهادية، ما هو تعليقكم؟

هذا حكم عام، ولا يجوز أن يكون مطلقا، هذا أولا، وثانيا، أعتقد أن الجهاد لا يحتاج إلى أحد كي يفرخه، الإسلام هو ذاته يفرج الجهاد، الجهاد الحقيقي في مواطنه الصحيحة هو ذروة سنام الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين يقاتلون حتى يأتي أمر الله"، فالجهاد قائم بعز عزيز أو بذل ذليل، ولكن ما يقصدونه شيء آخر، يقصدون مظاهر الغلو التي حدثت، ومظاهر تكفير للمسلمين ولبعض علماء المسلمين، وإن المسئول عنها هي سجون بعض الحكام في بعض البلاد العربية، مثلا زمان أيام جمال عبد الناصر، هي التي أخرجت التكفير والهجرة، وسجون عدد من الدول العربية بل أمريكا وأتباعها هي التي أخرجت هؤلاء، لما يجري في السجون من ظلم وطغيان، وبعد عن العدالة، هو الذي أخرجهم، أما الجهاد الحقيقي فهو امتداد للإسلام ولا يعتبر هو الذي فرخه فلان أو علان، أو الجماعة الفلانية.

هناك مؤاخذات حقيقية على بعض علماء السعودية كما نعتقد نحن في الجزائر، عندما كانت تواجه جماعات العنف سكت العلماء وبعضهم حرض على العنف، وعندما اهتزت المملكة على ضربات هؤلاء تحرك العلماء بتحريم إهدار دم المسلم، لماذا التمييز بين دماء المسلمين، وتردد العلماء دائما في إبراز الموقف الشرعي؟

ذهبت إلى الجزائر سنة 1986 وألقيت محاضرة "العلم ضرورة شرعية"، وحذرت علانية مما يقع في الجزائر، وقلت إذا سارت الأمور في الجزائر بمثل هذا الوضع فإن المآل لا يحمد.

ثم ألفت كتابا هو "العلم ضرورة شرعية"، وقلت فيه إنني زرت عددا من البلدان وكنت أقصد الجزائر وحذرت من هذا الأمر، وبعد أن وقعت الأحداث تكلمت أيضا.

هل توقعت حدوث تلك الأحداث؟

نعم توقعت ذلك، لأني رأيت أن الوضع يسير إلى الاصطدام، سواء في تعامل السلطة، أو تعامل الناس، أو المدارس الدعوية، وأعرف أن عددا من المشايخ تكلموا في هذا بوضوح، وقد أرسل لي بعض الجزائريين مثل هذا الكلام ورددت عليهم، وبينت لهم مواقفي، ولي بيان منشور موجود في موقع المسلم.

أما إنهم يقولون إنكم لم تتكلموا إلا بعد أن سالت الدماء في بلدكم فهذا كذب، الدليل على ذلك أنني حدثت السوريين بسبب أحداث سوريا، ونصحتهم وبينت لهم خطأ هذا المنهج، وألفت كتابا سميته "حقيقة الانتصار" مؤلف في عام 1992 وبينت خطأ هذه المناهج. فكيف يقال لنا هذا الكلام، هذه تهمة باطلة، أما كون أن بعض الأشخاص لم يتكلموا في الموضوع، فهذا فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين.

ما هو موقفكم من العمل المسلح الذي يعصف ببعض الدول ومنها الجزائر خاصة؟

لدينا بيان (في موقع المسلم) أرى الرجوع إليه لمعرفة رأينا في ذلك بتفصيل، وكنت قد أصدرت منذ عدة سنوات رسالة إلى أهل الجزائر، وبينت فيها موقفي، ومن جهتي أنصح الجميع بالعودة إلى دين الله، والذين لديهم بعض الأفكار، والآراء، أقول لهم تعالوا إلى كلمة سواء، هذا الذي أنصح به، أن يجلسوا ويتناقشوا، أليس كلهم مسلمون، وكلهم يقول أنا مسلم، ما داموا مسلمين، فالكتاب واضح والسنة واضحة ولا أشكال.

كما أوجه كلمتي إلى الحكومة الجزائرية، وللشعب الجزائري وللدعاة، ولكل من يحمل هما، أقول لهم اتقوا الله جل وعلا، فالمسؤولية مسؤولية الجميع، وعليهم أن يحتكموا إلى الكتاب والسنة، وإذا كان الله امرنا أن نقول لأهل الكتاب: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله"، فأحسن باب هو أن ندعو بعضنا بعضا، ونتحاور ونتناقش. أليسوا كلهم مسلمون، الإسلام واضح، أما استمرار هذه الدماء واستمرار هذه الحالة وبطش البعض بالبعض الآخر والظلم، وادعاء كل إنسان أن رأيه هو الصحيح، فسيزيد المشكلة ويعقدها، فلنتق الله في هذا الشعب المؤمن الصابر الذي خسر الآلاف في قتاله مع الفرنسيين، فما ذنبه أن يخسر مزيدا من الدماء بلا ثمن؟

فضيلة الشيخ.. سمعنا فتاوى متناقضة حيث إن البعض حرم المسيرات للتعبير عن دعم الشعوب للمقاومة الفلسطينية في غزة، وبعضهم أفتى بضرورة دعم المقاومة والجهاد ضد الاحتلال، مما لبس الأمور على عامة الناس، لماذا هذا التناقض الصارخ في الفتاوى؟

طرحت عدة قضايا، سبب الاختلاف بين العلماء كبير، "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك"، وهذا قضاء قدري، لا أستطيع أن أحله أنا أو غيري، حتى الاختلاف حدث وإن كان في بعض الفروع بين الصحابة رضوان الله عنهم.

أما إن كنت تسألني عن رأيي في المقاومة، فأرى أن هذا الجهاد واجب دعمه، وكل يهودي في فلسطين هو محتل ويستحق القتل، لأنه ظالم ومجرم، ويحتل أرضاً ليست أرضه، أما عن المظاهرات فهي على نوعين، إذا كانت مظاهرات فيها فساد وفيها إفساد في الممتلكات وفيها فوضى وإثارة الفراق فلا تجوز، أما إن كانت مظاهرات سلمية ومجرد تعبير عن رأي أصحابها لنشر فكرة أو مدافعة باطل فلا أرى حرجا في ذلك.

ولكن لماذا تحفظتم على فتوى الشيخ عوض القرني الذي أفتى باستهداف المصالح "الإسرائيلية"؟

أنا لم أناقش فتوى عوض القرني ولم أتحفظ عليها، فقط قلت أرى أنه في الأزمات يجمل أن تكون الفتاوى جماعية، فإذا لم توجد هذه الفتاوى الجماعية، فيمكن للفرد أن يصدر فتوى فردية، أما الفتوى فلم أناقاشها إطلاقا، لكني تحدثت عن طريقة إصدار الفتاوى في الأزمات، فأقول إن الفتاوى يجب أن تصدر بطريقة مؤسسية وبطريقة جماعية وبمشاركة مجموعة من العلماء، وبالذات مع أهل البلد، فمثلا أي فتوى تتعلق بفلسطين ينبغي أن يناقش فيها أهل فلسطين، لأن الموضوع يمسهم سلبا أو إيجابا.  

هناك شد وجذب بخصوص منع التهريب عبر الأنفاق في قطاع غزة، ما هو الموقف الشرعي من هذه المسألة؟

التهريب يتعلق بالمخدرات والحشيش، أما الأسلحة فمن حق المقاومة والمجاهدين أن تحصل ـ ويحصلوا ـ عليها، وأنا أقول، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيجب دعم الفلسطينيين، ويجب إيصال الأسلحة لهم، والذي يقف دون وصول الأسلحة إلى المقاومة فهو خائن ومفرط، فلا يسمى إيصال الأسلحة لهم تهريباً إطلاقا لأنه يدافع عن دينه وعن بلده، فهو لا يعتبر مهربا إطلاقا.

ماذا يقول فضيلة الشيخ إلى القراء في الجزائر؟

الشعب الجزائري شعب أبيٌ ومضحٍ، وشعب بطل، فيكفي أنه في سنوات طويلة أخرج "الاستعمار" الفرنسي وقدم تضحيات ضخمة هائلة، أصبحت مضرب المثل في التاريخ المعاصر، فمن الخطأ أن يفرط في هذا الانجاز، وتضيع حقوق الأمة، وما حارب الجزائريون إلا بالإسلام، ويجب أن يظل الإسلام هو الحاكم في الجزائر، وأن يبتعد الجميع عما يثير أي قلاقل في حياة الشعب الجزائري، والدولة مسؤولة عن تأمين البلد وتحقيق المعيشة ورغد العيش.

كما أنصح العلماء، وأقول لقد صارت "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" مضرب المثل في العالم، ووقتها أصبحت تجربتها أمنية يطمع كل شعب في تحقيقها، فليعد دور جمعية العلماء المسلمين التي كانت في الجزائر على يد البشير الإبراهيمي وغيره، أن تعود الآن بقوة لتوجه الناس، وأن يكون لها التأثير ذاته في الناس؛ لأن الناس يتبعون علماءهم، وأعتقد أن سبب المشكلات الموجودة في الجزائر هو غياب العلماء وتقصير الكثير من العلماء عن أداء دورهم، لأن الناس لو وجدوا العلماء الصادقين المخلصين ما حدثت هذه المشكلات والاضطرابات، فبقدر تقصير العلماء تقع الفتن في أي بلد، في الجزائر أو في غيرها.