11 شوال 1439

السؤال

ما معنى هذا الحديث: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"؟

أجاب عنها:
د. عمر بن عبد الله المقبل

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالحديث الذي سألت عنه رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، في قصة معروفة([1])، ورواه البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من نِيحَ عليه يعذب بما نِيحَ عليه يوم القيامة".([2])
وقد اتفق العلماء على أنه ليس المراد من هذه الأحاديث مطلق البكاء والحزن، بل المراد بالبكاء هنا: النياحة ورفع الصوت، فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم وحزن لما مات ابنه ابراهيم([3])، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم"([4])، قال النووي رحمه الله: "وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا بصوت ونياحة، لا مجرد دمع العين".([5])  
وأقرب ما قيل في توجيه هذا الحديث ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وغيره من المحققين، وهو أن معنى (يعذب) أي: يتأذى؛ وإطلاق التأذي على العذاب وارد في السنة، كما في حديث: "السفر قطعة من العذاب"([6])، ومعلوم أن العذاب هنا مقصودٌ به التعب والنصب، وإلا فلا يوجد عاقل يختار العذاب على السلامة، وبناء على هذا التوجيه، فلا تعارض بين هذا الحديث بين النصوص الأخرى كقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، وأمثالها([7])،والله تعالى أعلم.

---------
[1]- أخرجه البخاري ح (1286، 1287، 1292)، ومسلم ح (2182 ، 2191، 2192).
[2]- أخرجه البخاري ح (1291)، ومسلم –وهذا لفظه- ح (933).
[3]- أخرجه البخاري ح (1303)، ومسلم ح (2315).
[4]- أخرجه البخاري ح (1304)، ومسلم ح (924).
[5]- شرح النووي على مسلم (3/ 339).
[6]- أخرجه البخاري ح (1804)، ومسلم ح (5070).
[7]) ينظر: مجموع الفتاوى (24/ 369).