حكاية هذا العمل الصالح اليومي .. !
23 رجب 1439
د. خالد رُوشه

لا تستغرب كثيرا إذا حدثتك عن نفسك وقلت لك ، ان هناك عملا صالحا يوميا كبير الاجر كثير الاثر، ستجده في ميزانك يوم القيامة ، ان انت رجوت به وجه الله .. عمل ، ربما لم يعده كثير منا في حسبانه !

 

روى كَعْبُ بنُ عُجْرَة: أنَّه مر على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلٌ، فرأى أصحابُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من جَلَدِه ونشاطِه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيلِ الله، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إن كان خرجَ يسعى على وَلَدِه صِغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه، يَعُفُّها، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومُفاخرة، فهو في سبيل الشيطان"؛ رواه الطبراني وصححه الألباني

 

وقال صلى الله عليه وسلم " إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً " منتفق عليه

 

فانت أيها الساعي على أهلك وولدك تتصدق كل يوم أعظم الصدقات بما تنفقه عليهم ، بل إن خروجك وعملك وشغلك وتعبك هو في سبيل الله .

 

عن عائشه رضي الله عنها قَالَتْ :" جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً , وَرَفَعَتْ إلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلْهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتْ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا فَذَكَرْت الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنْ النَّارِ " مسلم

 

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا , وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ } مسلم

 

ولا ينقطع الأجر ما لم تنقطع النفقة ابدا ، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله هل لي أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما هم بني فقال: "نعم لك أجر ما أنفقت عليهم" متفق عليه

 

يقول شيخ الإسلام : " من أحب أن : يلحق بدرجة الأبرار ويتشبه بالأخيار .. فلينوِ في كل يوم تطلع فيه الشمس نفع الخلق ، فيما يسر الله من مصالحهم على يديه , وليطع الله في أخذ ما حل ، وترك ما حرم , وليتورع عن الشبهات ما استطاع ، فإن طلب الحلال والنفقة على العيال باب عظيم , ﻻ يعدله شيء من أعمال البر "

 

على الجانب الآخر فإن المقصر في حقهم البخيل عليهم المانع منهم وهو عامد لذلك إنما هو على خطر عظيم واثم صريح ، بل إن الامتناع من النفقة الواجبة محرم بل من كبير الذنوب: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" أخرجه ابن حبان

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثما أن يحبس، عمن يملك قوته" رواه مسلم.

 

يقول ابن بطال : " يُنْفِق عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ غَيْرَ مُقَتِّرٍ عَمَّا يَجِبُ لَهُمْ وَلَا مُسْرِفٍ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } وَهَذِهِ النَّفَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَمِنْ جَمِيعِ النَّفَقَاتِ "

 

قال ابن قدامة تعليقا على قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي بخل عليها زوجها " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " :  "وفيه دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها، وأن ذلك مقدَّر بكفايتها، وأن نفقة ولده عليها دونها بقدر كفايتهم، وأن ذلك بالمعروف، وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يُعطها إياه" 
 

ثم تعال هنا ايها البخيل المقتر عليهم ، ودعني أسألك : من ينفق على ابنائك إذا انت لم تنفق عليهم ؟! ومن يمنحهم إذا لم تمنحهم ؟!

 

البعض يتحجج بوجود ما هو أهم من أن يهبهم أو يمنحهم ، ودعني أسوق إليك كلام النبي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" رواه مسلم.

 

قال المناوي في فيض القدير: ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجراً من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. انتهى.

 

قال النووي في شرح مسلم: قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن أبي شيبة: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. مع أنه ذكر قبله النفقة في سبيل الله وفي العتق والصدقة ورجح النفقة على العيال على هذا كله لما ذكرناه. انتهى.

 

وروى الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه أحفِظَ أم ضيَّع، حتى يُسألَ الرجلُ عن أهل بيته )) رواه احمد ، وابن حبان في صحيحه، الصحيحة.

 

وعن المقدام بن مَعْديَكْرِب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمتَ زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة" اخرجه احمد ، الصحيحة .