ما لا يسع أئمة المساجد جهله من صلاة الكسوف
15 محرم 1433
عبد المجيد بن صالح المنصور
 
  الحمد لله العليم الحكيم، العزيز الرحيم، القائل في محكم التنزيل: "وقل رب زدني علماً" وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وسع كل شيء علماً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أتقى البرية وأفضلهم حلماً وعلماً، القائل: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين.
  أما بعد: فقد كان سألني بعض الأحبة، من أئمة المساجد، ولهم في العلم رغبة، ولديهم من خوف التقصير رهبة، أن أكتب عنهم لصلاة الكسوف خطبة، برؤوس أقلام موجزة مقتضبة، ليقولها الإمام في الخطبة، ولما أحسنوا بي الظن لم أجد بد من الاستجابة لطلبهم، فكتبت هذه الكلمات المختصرات، وقد قسمتها إلى قسمين:

القسم الأول: ما يقال في خطبة صلاة الكسوف: وقد جعلته في نقاط:

1-             مقدمة تناسب الحال.
2-             ذكر حديث عائشة في صفة صلاة النبي للكسوف وخطبته مع بيان بعض الروايات من حديث غير عائشة.
3-     بيان فوائد الحديث العلمية والإيمانية المتعلقة بالكسوف، مردفاً عليها بعض الأحكام والمسائل الفقهية المتعلقة بها، ومعرضاً عن الفوائد المتعلقة بغير الكسوف.
القسم الثاني: بيان بعض المسائل الفقهية التي لا يسع أئمة المساجد جهلها، والتي قد يحتاجون إليها أثناء صلاة الكسوف أو الخطبة أو بعد الخطبة حين يستقبل الإمام أسئلة الناس المعتادة، وقد أتيت على هذه المسائل والأحكام الفقهية مركزاً على ما يكثر السؤال عنه، ومعتمداً على الراجح من أقوال أهل العلم المحققين، أمثال: شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن عثيمين وغيرهم رحمة الله عليهم جميعاً.
القسم الأول:
  الحمد لله مصرف الأكوان، ومعاقب الليل والنهار ومقلب الأزمان، لتشرق بها قلوب أولي العرفان، وتزيد من يقين أهل الإيمان، وتقوم بها الحجة على أهل الفسوق والكفران، وأشهد ألا إله إلا الله الكريم المنان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حبيب الرحمن، وسيد الأكوان، وصاحب المعجزات والبرهان، المبعوث إلى الخلق أجمعين من الإنس والجان، والمنعوت بالفضل العميم، والخلق العظيم، في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الكرام الحسان، وعلى التابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً ما تعاقب الحدثان.
  أما بعد: فقد كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد ارتفاع الشمس قيد رمح صباحاً، ففزع النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، وصلى صلاة غريبة لا نظير لها، ورأى حينها هولاً وأموراً، وقال بعدها كلاماً عجيباً بليغاً، فتوافرت لذلك همم جمع من الصحابة لرواية الحدث والقصة، وتواتر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حين رواه جمع من الصحابة يتفقون في بعض الوقائع والأحداث، ويزيد بعضهم على بعض، وممن رواه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وعلي، والحبر ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وجابر، وأسماء وأبو بكرة، والمغيرة بن شعبة، وأبو مسعود الأنصاري، وأبو موسى وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم رضي الله عنهم وأحاديثهم ثابتة في الصحيحين أو في أحدهما، وأشهر الأحاديث في ذلك حديث عائشة فقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما (واللفظ لمسلم) من طريق محمد بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي(2)، فأطال القيام جدا(3) ثم ركع فأطال الركوع جدا ثم رفع رأسه(4)، فأطال القيام جدا وهو دون القيام الأول(5)، ثم ركع فأطال الركوع جدا وهو دون الركوع الأول ثم سجد(6)، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم رفع رأسه فقام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد(7)، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد تجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الشمس والقمر من آيات الله، (وفي رواية:إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله)(8)، وإنهما لا ينخسفان (وفي رواية: لا يكسفان) لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فكبروا وادعو الله وصلوا وتصدقوا (وفي رواية: فاذكروا الله)(وفي رواية: فافزعوا للصلاة حتى يفرج الله عنكم) (9)، يا أمة محمد إنْ من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا (وفي رواية: ثم رفع يديه فقال) ألا هل بلغت ؟) وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها ابن لحي وهو الذي سيب السوائب).
  وفي حديث جابر: عرضت علي النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك يجر قصبه في النار وإنهم كانوا يقولون إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم...) الحديث،    
  ومن طريق آخر قال:( انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس إنما انكسفت لموت إبراهيم)، ومن طريق آخر: (لقد جيء بالنار وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه في النار كان يسرق الحاج بمحجنه، فإن فطن له قال إنما تعلق بمحجني، وإن غفل عنه ذهب به، وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعاً، ثم جيء بالجنة وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي، ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل، فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه).
 وفي حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ففزع فأخطأ بدرع حتى أدرك بردائه بعد ذلك، قالت: فقضيت حاجتي، ثم جئت ودخلت المسجد فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً فقمت معه، فأطال القيام حتى رأيتني أريد أن أجلس، ثم ألتفت إلى المرأة الضعيفة فأقول هذه أضعف مني فأقوم، فركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فأطال القيام حتى لو أن رجلا جاء خيل إليه أنه لم يركع.
  وفي حديث ابن عباس: (ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط، ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا بم ؟ يا رسول الله قال: بكفرهن قيل أيكفرن بالله ؟ قال بكفر العشير وبكفر الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط).
  وفي حديث أبي موسى قال: خسفت الشمس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد).
  وفي حديث أبي بكرة: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى دخل المسجد...) الحديث.
  وفي حديث عائشة رضي الله عنها: جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته...)الحديث.
  هذه هي قصة الكسوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تجلت لنا من مجموع رواياتها وطرقها المتواترة وفيها فوائد عدة سنقتصر على ما يخص باب الكسوف دون غيره.
1)     في الحديث مشروعية صلاة الكسوف لكسوف الشمس ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم، وأكثر أهل العلم على أنها مشروعة لخسوف القمر.
 مسألة: الصحيح أن صلاة الكسوف فرض واجب إما على الأعيان أو على الكفاية في أقل أحواله لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها وتغير حاله وأفعاله وفزعه، ولأمره بالصدقة والاستغفار والذكر... وكل هذه قرائن تدل على الوجوب.
 مسألة: لم تكسف الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة، ولم يحصل خسوف للقمر في عهده على الصحيح من أقوال العلماء.
2)     في الحديث بيان صفة صلاة الكسوف، وقد وردت بوجوه كثيرة أصحها ما رواه ابن عباس وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى أربع ركعات وأربع سجدات أي: ركعتين في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان.
3)     فيه مشروعية النداء لصلاة الكسوف بـ(الصلاةَ جامعة) (10) لحديث عائشة (فبعث مناديا الصلاة جامعة)، ولا يشرع لها أذان ولا إقامة، ولا نداء في معناهما ولا شيء من ذلك باتفاق العلماء اليوم، ويكرر النداء مرتين أو ثلاثاً بحيث يعلم أو يغلب على ظنه أن الناس قد سمعوا.
4)     في الحديث أن السنة تطويل القراءة جداً، وتطويل القيام، وتطويل الركوع والسجود جداً(على الصحيح)، ولا ينبغي تخفيف الصلاة لأجل مريض أو ضعيف أو كبير أو نحوهم لحديث جابر: (حتى جعلوا يخرون) مع أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ضعفاء وعجائز، ولم يراعهم في الصلاة كما ذكرت أسماء بنت أبي بكر t، ولكن من عجز منهم أو تعب جاز له الصلاة قاعداً أو حسب حاله، ولو اقتصر على الفاتحة في كل قيام وأدى طمأنينته في كل ركوع صحت صلاته وفاتته الفضيلة.
5)     في الحديث أنه يشرع عند الكسوف عدة أمور منها: الفزع للصلاة لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك، وسبق بيان صفتها، والخطبة وسيأتي حكمها وأحكامها، والصدقة والاستغفار والذكر والدعاء، والتكبير؛ لأن كل هذه الأمور مما يستدفع بها البلاء.
6)     في الحديث مشروعية خطبة واحدة بعد صلاة الكسوف، والصحيح أنها سنة مؤكدة على الإمام، يبين فيها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف من أقوال وأفعال، ويبين للناس بعض الأحكام الفقهية التي قد يحتاجونها أثناء صلاة الكسوف، ويعضهم ويذكرهم بالتوبة والاستغفار والدعاء والصدقة والذكر والتكبير كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحثهم على الإقلاع عن الذنوب والمعاصي، ورد المظالم والحقوق إلى أهلها، ويركز على الجانب الوعظي في هذه الأمور، قال ابن حجر: ( وفي الحديث ترجيح التخويف في الخطبة على التوسع في الترخيص لما في ذكر الرخص من ملائمة النفوس لما جبلت عليه من الشهوة، والطبيب الحاذق يقابل العلة بما يضادها لا بما يزيدها).
7)     فيه أنه ينبغي على الإمام في خطبته أن يركز على بيان أهمية تحقيق التوحيد وخطر الشرك ونواقض الإسلام، وأنها أكبر أسباب غضب الجبار، ولذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته أنه رأى عمرو بن لحي في النار يجر قصبه أي أمعائه في النار؛ لأنه أول من سيب السوائب، وغير دين إبراهيم الخليل عليه السلام من التوحيد إلى الشرك، وأضل بذلك قريشاً والعرب.
8)     في الحديث بيان السبب الشرعي للكسوف والخسوف وهو (يخوف الله بهما عباده) وهو سبب شرعي لا يمكن للبشر الإحاطة به إلا بالوحي ليتوبوا ويقلعوا عن الذنوب والمعاصي، وينيبوا إليه، وليس مجرد التخويف عقوبة، ولكنه نذير سخط من الله قد انعقدت أسبابه، ويخشى بعده نزول العقوبات، وتحقق العذاب والابتلاءات.
    قال العلماء: ولا تعارض بين السبب الشرعي والسبب الحسي الذي يدركه أهل الفلك؛ لأن سبب الكسوف الحسي ليس من أمور الغيب وقد يدركه البشر، وأما السبب الشرعي فليس للبشر الإحاطة به، والذي يجب على المؤمن هو العناية بالسبب الشرعي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو كان السبب الحسي مهماً لأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم .
9)     في الحديث بيان حقيقة الشمس والقمر وأنهما آيتان من آيات الله، فينبغي على المؤمنين التفكر فيهما، وفي أحوالهما ومنازلهما، والتفكر في غيرهما من آيات الله العظمى كالسماوات والأرض، والنجوم والجبال وغيرهما.
10)   في الحديث إبطال أن الشمس والقمر ينخسفان لموت أحد من العظماء أو حياته كما كان يعتقد ذلك أهل الجاهلية، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك خلال خطبته وبين السبب الحقيقي للكسوف والخسوف، وأنهما خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما، ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما.
11)    في بيان النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته للسبب الحقيقي من الكسوف نأخذ أنه ينبغي على الدعاة والعلماء وطلاب العلم، وكذلك وسائل الإعلام التركيز على هذا السبب والعناية به أكثر من غيره، ويجب أن يوجهوا الناس إلى التوبة والإقلاع عن الذنوب قبل كل شيء.
  ومن المؤسف أن نجد من بعض وسائل الإعلام التركيز على السبب الحسي دون بيان السبب الشرعي، وكذلك توجيه الناس إلى الحذر من آثار الكسوف السلبية على البصر وأنه يسبب العمى، ولا نجد لهؤلاء حديثاً عن السبب الشرعي، نعم، الإسلام يدعو إلى العناية بالبصر والمحافظة عليه، ولكن الاهتمام في رفع أسباب سخط الله أولى وأحرى؛ لأن غاية التقصير في تنبيه الناس بخطر الذنوب والمعاصي هلاك الأمم والدول، وغاية التقصير في تنبيه الناس من خطر الكسوف الصحي ذهاب البصر على أغلب الأحوال، ولا شك أن الأول هو الأولى والأحرى مع أنه لا تعارض بينهما ويمكن الجمع بينهما على أن تكون الأولوية العناية بالسبب الشرعي أكثر من غيره وهو المطلوب والمقصود.
12)   في الحديث جواز صلاة الكسوف للنساء في المسجد مع الإمام لحديث جابر: (ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا إلى النساء)، ويجوز لهن وللرجال أن يصلوا فرادى في البيوت، ومع الجماعة أفضل.
13)   في القصة بمجموع طرقها إشارة إلى بعض الذنوب والمعاصي التي قد تكون من أكبر أسباب سخط الله عز وجل، وحصول الكسوف والخسوف، وحلول العقوبات، ومنها:
   أولاً: تفشي الشرك ونواقض الإسلام وضعف تحقيق التوحيد عند المسلمين، حيث أشار النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث إلى أنه رأى عمرو بن لحي يجر قصبه في جهنم؛ لأنه أول من سيب السوائب وغير دين إبراهيم كما سبق.
    ثانياً: انتشار الزنا وتفشي الفواحش والمنكرات الأخلاقية فإنها من موجبات غيرة الله عز وجل على حرماته ولا أحد أغير من الله، وقد أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته حين قال: (يا أمة محمد إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته) فإن غيرته تعالى وكراهيته ذلك أشد من غيرتكم وكراهيتكم على زنا عبدكم وأمتكم، وفي زمننا هذا تنامت الفواحش والزنا والدعارة من كثير من وسائل الإعلام التي ضل فيها كثير من المسلمين، وكل ذلك من أسباب العقوبات، وغضب رب الأرض والسموات، وغيرة الجبار على انتهاك تلك الحرمات، والله المستعان.
   ثالثاً: انتشار الظلم والاعتداء على الآخرين بغير حق فقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حين أخبر قي خطبته أنه رأى في النار المرأة التي كانت حبست الهرة لم تتركها تأكل من خشاش الأرض، فإذا كان الله عز وجل قد عذبها بسبب حيوان (هرة) فكيف بمن يظلم الآدمين ويعتدي عليهم أو يحبسهم ويمنعهم حقوقهم، لا شك أن هذا أشد خطورة؛ لأن بني آدم مكرم عند الله جل وعلا فكيف إذا كان المعتدى عليه مسلماً! والله المستعان.
  رابعاً: الاعتداء على حقوق الآخرين وأموالهم بالسرقة والغصب والنهب وجحدها وغير ذلك، وقد أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر في خطبته أنه رأى سارق الحاج بمحجنه يجر قصبه في النار.
  خامساً: تسلط النساء على أزواجهن، وكفرانهن لمعروف وحقوق الزوج، وإلحافهن في المسألة، وإفشاء أسرار الزوج، إضافة إلى تفشي منكرات النساء المتعددة في الحياة التي لا تكاد تنتهي، وقد نأخذ هذا من إشارة النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى النار، وأن أكثر أهلها النساء، وذلك لكفرانهن العشير والإحسان.
14)   في الحديث أن السنة الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف سواء أكان في الليل أو النهار لحديث عائشة أنه جهر فيها بالقراءة.
15)   في الحديث دليل على أن القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى أقصر من القيام الأول والركوع، وكذا القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الثانية أقصر من الأول منهما من الثانية، وهذا باتفاق العلماء، والأصح أن القيام الأول من الركعة الثانية يكون دون القيام الثاني من الركعة الأولى.
    القسم الثاني: مسائل يحتاجها أئمة المساجد في صلاة الكسوف
  المسألة الأولى: الكسوف والخسوف شيء واحد وكلاهما قد وردت به الأخبار وجاء القرآن بلفظ الخسوف، وقال بعضهم: الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، ولعل هذا إذا اجتمعت الكلمتان فقيل: كسوف وخسوف، أما إذا انفردت كل واحدة عن الأخرى فهما بمعنى واحد، ولهذا نظائر في اللغة العربية.
   المسألة الثانية: التعريف الصحيح للكسوف:انحجاب ضوء أحد النيرين" أي: الشمس أو القمر"بسبب غير معتاد.
  فسبب كسوف الشمس أن القمر يحول بينها وبين الأرض فيحجبها عن الأرض، إما كلها أو بعضها، لكن لا يمكن أن يحجب القمرُ الشمسَ عن جميع الأرض؛ لأنه أصغر منها، حتى لو كسفها عن بقعة على قدر مساحة القمر لم يحجبها عن البقعة الأخرى؛ لأنها أرفع منه بكثير، ولذلك لا يمكن أن يكون الكسوف كلياً في الشمس في جميع أقطار الدنيا أبداً، إنما يكون في موضع معين، مساحته بقدر مساحة القمر.
  وإذا قلنا بهذا القول المحقق المتيقن: إنَّ سبب كسوف الشمس هو حيلولة القمر بينها وبين الأرض تبيّن أنه لا يمكن الكسوف في اليوم السابع أو الثامن أو التاسع أو العاشر لبعد القمر عن الشمس في هذه الأيام، إنما يقرب منها في آخر الشهر(قاله الشيخ ابن عثيمين).
  ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - -: لا يمكن أن تكسف الشمس إلا في التاسع والعشرين أو الثلاثين أو آخر الثامن والعشرين؛ لأنه هو الذي يمكن أن يكون القمر فيه قريباً من الشمس فيحول بينها وبين الأرض.
  كذلك القمر سبب كسوفه حيلولة الأرض بينه وبين الشمس؛ لأن القمر يستمد نوره من الشمس كالمرآة أمام القنديل، فالمرآة أمام القنديل يكون فيها إضاءة نور، لكن لو أطفأت القنديل أصبحت ظلمة، ولهذا سمى الله القمر نوراً، فقال : (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (الفرقان:61)، وعلى هذا التقدير الواقعي لا يمكن أن يكسف القمر في الليلة العاشرة، أو الثامنة، أو التاسعة، أو الحادية عشرة، أو السابعة عشرة، أو العشرين، أو الخامسة والعشرين، أو السابعة والعشرين، فلا يمكن أن يكسف إلا في ليالي الإبدار أي: الرابعة عشرة، والخامسة عشرة؛ لأنها هي الليالي التي يمكن أن تحول الأرض بينه وبين الشمس؛ لأنه في جهة والشمس في جهة، فهو في جهة الشرق، والشمس في جهة الغرب فيمكن أن تحول الأرض بينهما وحينئذٍ ينكسن القمر، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) (الإسراء:12)، قاله (الشيخ ابن عثيمين).
  المسألة الثالثة: هل من الأفضل أن يخبر الناس بالكسوف قبل أن يقع؟
أجاب عن هذا السؤال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله فقال: لا شك أن إتيانه بغتة أشد وقعاً في النفوس، وإذا تحدث الناس عنه قبل وقوعه، وتروضت النفوس له، واستعدت له صار كأنه أمر طبيعي، كأنها صلاة عيد يجتمع الناس لها، ولهذا لا تجد في الإخبار به فائدة إطلاقاً بل هو إلى المضرة أقرب منه إلى الفائدة، ولو قال قائل: ألا نخبر الناس ليستعدوا لهذا الشيء؟
  فالجواب: نقول: لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، بل إذا وقع ورأيناه بأعيننا فحينئذٍ نفعل ما أمرنا به)أ.هـ
  المسألة الرابعة: إذا قال الفلكيون: إنه سيقع كسوف أو خسوف فلا نصلي حتى نراه رؤية عادية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم ذلك فصلوا" ، أما إذا منّ الله علينا بأن صار لا يرى في بلدنا إلا بمكبر أو نظارات فلا نصلي.(قاله الشيخ محمد العثيمين)
  المسألة الخامسة: إذا شرع في صلاة الكسوف قبل دخول وقت الفريضة ثم دخل وقت الفريضة، فماذا يفعل؟
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (الجواب: إن ضاق وقت الفريضة وجب عليه التخفيف؛ ليصليها في الوقت، وإن اتسع الوقت فيستمر في صلاة الكسوف).
 المسألة السادسة: إذا غابت الشمس كاسفة، فإنه لا يصلى للكسوف؛ لأنها لما غابت ذهب سلطانها، ولما زال سلطانها سقطت المطالبة بالصلاة لكسوفها.
  المسألة السابعة: الصحيح أنه لو كسفت الشمس بعد العصر فإننا نصلي للكسوف؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : "إذا رأيتم ذلك فصلوا" ، فيشمل كل وقت؛ ولأن القول الراجح: أن كل صلاة لها سبب فإنها تصلى حيث وجد سببها، ولو في أوقات النهي.
  فإذا شرع في صلاة الكسوف بعد العصر ثم غابت كاسفة فإنه يتمها خفيفة؛ لأنها إذا غابت فهي كما لو تجلى.
  المسألة الثامنة: إذا طلعت الشمس والقمر خاسف فإنه لا يصلى لخسوف القمر؛ لأنه ذهب سلطانه فإن سلطان القمر الليل، كما لو غابت الشمس، وهي كاسفة.
  المسألة التاسعة: المشهور من مذهب الحنابلة أنه لو طلع الفجر وخسف القمر قبل طلوع الشمس أنها لا تصلى؛ لأنه وقت نهي، والصحيح: أنها تصلى إن كان القمر لولا الكسوف لأضاء، أما إن كان النهار قد انتشر، ولم يبق إلا القليل على طلوعٍ الشمس فهنا قد ذهب سلطانه، والناس لا ينتفعون به، سواء كان كاسفاً أو مبدراً(قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله).
  المسألة العاشرة: الركوع الأول من كل ركعة ركن، والركوع الثاني سنّة وليس ركناً، وبناء على ذلك لو صلاها مقتصراً على ركوع واحد في كل ركعة، كما تصلى صلاة النافلة، فلا بأس؛ لأن ما زاد على الركوع الأول سنة.
  المسألة الحادية عشرة: تدرك الركعة بإدراك الركوع الأول، ولا تدرك بإدراك الركوع الثاني، فعلى هذا لو دخل مسبوق مع الإِمام بعد أن رفع رأسه من الركوع الأول فإن هذه الركعة تعتبر قد فاتته فيقضيها كما صلاها الإمام.
  المسألة الثانية عشرة: الصحيح من قولي العلماء استحباب إطالة الجلوس بين السجدتين بقدر السجود في صلاة الكسوف.
  المسألة الثالثة عشرة: الصحيح أنه لا يشرع تكرار الصلاة إذا لم ينجلي الكسوف، ولكن يكتفى بالدعاء والأذكار والصدقة ونحو ذلك.
  المسألة الرابعة عشرة: إذا انجلى الكسوف أثناء الصلاة فالمشروع تخفيفها، وإن لم يعلم به إلا بعد انجلاءه لم يشرع قضاء الصلاة لزوال السبب وهو الكسوف.
 هذه أهم الأمور التي ينبغي للناس أن يعوها، وللأئمة أن يقولوها في خطبة الكسوف، والله أسأل أن يعفو عنا وأن يتجاوز عن سيئاتنا وذنوبنا، ولا يعاقبنا بذنوبنا، وأن يعاملنا بجوده وكرمه وإحسانه وفضله وعفوه، وألا يعاملانا بما نحن أهله، وأن يعاملنا بما هو أهله فإنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة، وأسأله سبحانه وتعالى أن يقينا أسباب سخطه وعقابه، وأن يجعلنا ممن يتعظون بآياته إنه الجواد الكريم، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء، وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 
1.      (وفي رواية: فبعث مناديا: الصلاة جامعة)(وفي رواية: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد)
2.      (وفي رواية:فقام وكبر وصف الناس وراءه).
3.      (وفي حديث جابر: حتى جعلوا يخرون) (وفي حديث ابن عباس: قدر نحو سورة البقرة).
4.      (وفي رواية: فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد).
5.      (وفي رواية: فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى).
6.      (وفي حديث جابر: وركوعه نحوا من سجوده) (وفي حديث ابن عمرو: قالت عائشة: ما ركعت ركوعا قط ولا سجدت سجودا قط كان أطول منه).
7.      (وفي حديث جابر: ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا إلى النساء، ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه).
8.      (وفي رواية: يخوف الله بهما عباده).
9.      (وفي حديث أبي موسى: فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره).
10. بنصب (الصلاة) ويجوز الرفع.