علمادينا زوكو " للمسلم " : كنا في سراييفو بدون ماء أو وقود أو تدفئة وأكلنا ورق الأشجار من الجوع !!

إذا كان كان العالم الاسلامي قد أصابه الكثير من الغزو العسكري والثقافي والسياسي ،واستطاع أعداءه أن يجدوا لهم موضع قدم فوق أرضه ، وينشئوا لهم طابورا خامسا بين أفراده ، فإن أطراف العالم الاسلامي تنوء بأثقال و أثقال ،لكنها دافعت وتدافع ،وتضرب المثل لمركز العالم الاسلامي لعله يفيق ويساهم في انقاذها . في هذا الحوار مع سكرتيرة " جمعية الشبان المسلمون "علمادينا زوكو ، قبسات ونماذج من جهاد المرأة المسلمة يسوقه "المسلم"من البلقان وتحديدا البوسنة .
 
حاورها في سراييفو : عبدالباقي خليفة
المسلم : كيف تعيش المرأة المسلمة في هذه الأرض بين تعاليم الاسلام والتقاليد الغربية ، وبطريقة أخرى كيف توفق بينهما وهل تعيش بذلك تناقضا أو تأليفا بينهما ؟
علمادينا زوكو : المرأة المسلمة في البلقان وأوربا تعيش منذ قرون في هذه الارض ، بل أن كلمة أوربا بلقانية الأصل . ففي هذه الأرض ولدت المرأة المسلمة وترعرعت وليس لديها أي عقدة من أوربا .
وإن كانت هناك مشكلة ذاتية فهي الأمية الدينية المنتشرة بين المسلمين في العالم ولا سيما البلقان بسبب الظروف التاريخية التي مرت بها المنطقة .
من جهة أخرى عانت المرأة المسلمة وبشكل غاية في الفظاعة من محاولات الابادة الثقافية ثم البيولوجية ،وتجسد ذلك بشكل سافر في العدوان الذي تعرض له المسلمون نهاية القرن الماضي 1992 / 1995 م .
المسلم  : دورالبيئة نسبي على ما يبدو ،وإلا كيف نفسر وجود مظاهر مختلفة في المجتمع الواحد ؟
علمادينا زوكو : صحيح أن هناك مستويات متعددة وتفاوت في النظر إلى المرأة المسلمة في البلقان ،ولا سيما غرب البلقان ،كما هناك مستويات من التفكير داخل الفسيفساء النسوية في الاطار الاسلامي ،وكل ذلك نتاج نسبة التلقي عن المخزون الثقافي الاسلامي ومدى التفاعل معه.فكلما ازداد الاحتكاك بالتراث الاسلامي وبالقراءات المعاصرة لذلك التراث وللواقع المتجدد مع كل نفس ،كلما كان فهم الانسان المسلم - رجلا كان أو امرأة - أفضل لدينه .
ولدينا من لم تسعفهم ظروفهم الاسرية وغيرها لنيل هذه الحضوة المعرفية ، فانساقوا وراء ما هو سائد وهو ما لا يخفى على أحد .إذ أن تكوين الشخص منذ الصغر له دور فيما يشب عليه ، فكل مولود يولد على الفطرة . هناك اشكالية كونية وهي أن الكثير من الناس لا يبدون حرصا على نقل ما يحرصون عليه لانفسهم من خير لأبنائهم . الاسلام يضع معالم لطريق الانسان عبر التفاعل مع الحياة ،مع الدنيا ،فالعمل عبادة ويمكن للمرأة أن تتعلم وتعمل وتمارس كافة المهن المناسبة لها وهي بذلك ملتزمة بتعاليم دينها .
ولذلك لا نرى أي تناقض بين تعاليم الاسلام الصحيحة والتقاليد الغربية المفيدة ، بعيدا عن واقع الانحراف الذي بدأ الغربيون يدركون مخاطره على مستقبلهم ومستقبل أجيالهم .
المسلم : تعيش المسلمة في منطقة البلقان عدة تحديات في ظل الانفجار العولمي ولا سيما الاعلام والإقتصاد ، كيف تنظرون لهذا الموضوع ؟
علمادينا زوكو : لقد عشنا في ظل نظام قمعي شمولي إبان الحكم الشيوعي الذي استمر 45 سنة كان كل شئ يخضع للتعليب وبمقاسات ذلك النظام ..
فقد علب كل شئ حتى الدين فتدخل في أخص خصوصيات الانسان .وحوسب الناس وحوكموا بسبب وجهات نظرهم رغم أنها لم تكن تمثل تهديدا لذلك النظام ،لكن ذلك تلاشى بسرعة وكأنه لم يكن ،وإن بقي منه شئ فهي الاضرار التي لحقت بالانسان الذي خضع للتعليب بدوره ، بسبب جهله بالدين . اليوم هناك تحديات أكبر منها تحدي الحرية فنحن أحرار ولكن كيف سنستخدم حريتنا وسط هذ الكم الهائل من المؤثرات المعلومة . كيف يمكن أن نحصن أنفسنا وأبناءنا وفي نفس الوقت نستغل هذه الفضاءات للتعريف باسلامنا فتوسيع دائرة الانتشار أنفع وأسلم من التقوقع والانكفاء .التلفزيون والانترنت ووسائط الاتصال المختلفة تدخل علينا في كل مكان .وإن لم نستخدمها فسنكون ضحاياها . هناك تحديات تواجه المرأة المسلمة حتى لا نكون بعيدين على الواقع رغم وعينا الكامل به ، وهذه التحديات تتعلق بعمل المرأة المحجبة ، ففي ظل نظام السوق يملك رب العمل الحق في اختيار موظفيه ،وكثيرا ما ترفض المرأة لأنها محجبة . وهنا تكمن أهمية المستثمر المسلم والتاجر المسلم ورجل الأعمال المسلم . لم يعد العائق ذاتي بعد إدراك المرأة المسلمة بأن حجابها هو جواز خروجها من البيت ، فالحجاب ليس للبيت وإنما هو لقضاء ما تتطلبه ظروف الحياة خارج البيت كالعمل والسفر والزيارة أوغير ذلك . المرأة المسلمة لا تستطيع في بعض الاحيان المواءمة بين تعاليم دينها ونظرة الطرف الآخر لحجابها ، فتختار الحجاب . وهذا يدفع المسلمة للتمسك أكثر بحجابها ،عكس ما يظن الطرف الآخر بأن التضييقات والاكراهات قد تدفعها للتخلي عن الحجاب ،فلا أحد يتخلى عن قناعاته عن طريق الاكراه .
المسلم : تاريخ المرأة المسلمة في البلقان هو تاريخ النضال وهو أيضا تاريخ المعاناة ،كيف استطاعت المرأة المسلمة الصمود والحفاظ على هويتها طوال هذه الفترة في أوضاع شديدة القتامة ؟
علمادينا زوكو : للاسرة دور كبير في عملية الحفاظ على الهوية وهي النواة الأولى أو المحضن الاساسي للتربية ،وقد أدت الاسرة المسلمة دورا كبيرا في هذا المجال .كما كان للمسجد وعلماء الاسلام دور كبير في هذا الميدان والاحتكاك بالمسلمين من خارج المنطقة ،فالشباب الذين درسوا في العالم الاسلامي أثروا في محيطهم بعد العودة .ونحن اليوم ندرك الأهمية الثقافية والاجتماعية العظمى للمساجد , ولعيدي الاضحى والفطر ورمضان والحج والجمعة والختان فهذه الشعائر ساهمت بدورها في الحفاظ على الهوية الاسلامية ، واذكاء الذاكرة والروح الاسلامية في البلقان ،ولم تكن المرأة بعيدة عن ذلك ،بل كانت في قلب الحدث ودورها مركزي في الداوئر المذكورة .
 المرأة المسلمة في البلقان راهنت على التعليم ،ولم تبق في البيت فقد أدركت بأن المعرفة تجعلها أكثر نفعا سواء كانت بنتا أوزوجة أوأما ، أكثر نفعا لمحيطها وأمتها ودينها.
 لقد تمتعت المرأة المسلمة في البلقان بشجاعة كبيرة وواجهت التحديات بصلابة ولم تمثل عائقا للنهضة أو نقطة ضعف في مجتمعها أو عالة عليه .
وفي أثناء الحرب في البوسنة وكوسوفو استخدمت جميع معارفها لخدمة قضيتها من الحفاظ على البيت والاطفال والمساهمة في عملية التعبئة الشاملة وفي كل التخصصات وحتى القتال في الخنادق .
 المرأة المسلمة عملت أثناء الحرب في البوسنة وكوسوفو بدون راتب في المستشفيات كطبيبة وممرضة وفي المدارس كاستاذة ومعلمة ومحاضرة في الجامعات ومهندسة في المختبرات المختلفة ،عملت في الاغاثة لتوزيع الطعام وتضميد جراح المصابين في جبهات القتال ولم تتخلف عن أي نشاط أسري أو انساني يتعلق بأمتها .واليوم تخوض المرأة المسلمة جهادا في مختلف الميادين ،في الدعوة والعمل الاغاثي وجمع التبرعات إلى جانب كونها طالبة أو موظفة أو عاملة في أي مهنة من المهن .
المسلم : هناك مغالطات كثيرة في الساحة الاعلامية والثقافية ، تحاول وضع اسفين بين التقدم والعصرنة من جهة والدين من جهة أخرى ، ما قولكم
علمادينا زوكو : قد ينطبق ذلك على أديان أخرى ، أما الاسلام فهو لكل العصور ،لم يتم حرق العلماء من قبل سلطة دينية في تاريخنا الاسلامي ، وحتى إن حاول البعض إلباس تصرفات البعض لبوسا اسلاميا فالمراجع تفند ذلك سواء كانت متمثلة في العلماء الراسخين في العلم ، أو النصوص المحكمة من الدين الحنيف . الله سبحانه عليم وعلمه بدون أدنى شك يفوق خلقه جميعا ، وهو الذي ارتضى لهم ما ارتضى من حياة وفق كتابه وسنة رسوله . وهذا قمة العقل والعقلانية بالنسبة للمؤمنين بوجود إله يحكم الكون ، فلا يمكن لله الرحمن الرحيم أن يترك خلقه يتخبطون بدون نور يهديهم سواء سبيل ،ولهم في التفكير والتدبير مساحات شاسعة يعملون فيها عقولهم التي وهبها لهم الله كما يشاؤون ، حتى لو استخدموها في غير الاطر التي وضعها الله لهم للنجاة ، لأنهم محاسبون على ذلك يوم القيامة . وهذه فلسفة بل منهاج الحياة في الاسلام . 
وهذا المنهاج هو الذي يحمي الدين ويحمي العقل من الزيغ ، فالعقل له حدود لا يمكن تجاوزها ، رغم إنه يكبر مع الزمن ، وكلما كبر اكتشف مدى قصوره عن إدراك أشياء لا يمكن الوصول إليها إلا بعد فترات زمنية متباعدة ، كما توصل العقل إلى معرفة كنه أشياء كنت مستحيلة قبل قرون أو سنوات معدودة . العقل لا يجيب على كل شئ في كل وقت ، ويحتاج لزمن حتى يعرف وقد لا يعرف ، وإذ عرف شيئا ظلت أشياء في علم الغيب ، لكن خالقه سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما سيكون .
وهذا لا يعني إلغاء العقل ولكن الاعتراف بحدوده ،وفي نفس الوقت توسيع مداركه لنفهم الوحي ونفهم الطبيعة ونفهم الانسان ونفهم ذواتنا بشكل أفضل وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا والحياة وما بعد الموت على حقيقته . انظر ،الرسول صلى الله عليه وسلم آخر الانبياء والرسل ،والاسلام آخر الرسالات ، وقد تزامن ذلك ، بالتقويم الحضاري ، مع الانفجار المعرفي ، ليؤكد على بزوغ نور العقل ، ووصول الانسان إلى مرحلة النضج فكل ما يحتاجه من روح و هدي وحقيقة أزلية موجود في القرآن ، وكل ما يحتاجه لحياته موجود في الطبيعة وله القدرة العقلية على الاستفادة من الاثنين . لقد أشار القرآن الكريم في العديد من الآيات إلى معجزات كونية لم تكن معروفة من قبل وصدق لله العظيم عندما قال " سنريهم آيتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتين لهم أنه الحق " إنه يشير إلى عصرنا ، إذن الاسلام هو دين العصر ودين كل العصور ، وهناك علماء في الطب والجيولوجي والفلك اعتنقوا الاسلام بعدما أدركوا حقائقه . وعلموا أن لا إله إلا الله " فاعلم أن لا إله إلا الله " والاسلام لا يطلب منا أن نعيش كما كان المسلمون الأوائل ، فلا يمكن في عصر يغزو فيه الانسان الفضاء ،أن نظل على ظهور الجمال ، الاسلام لا يطلب منا ذلك بل يحفزنا على التقدم واعمال العقل في مجالاته الواسعة والمتعددة . وهذا ينطبق على وضع المرأة ، فليس هناك ما يمنع أن تكون في المناصب التي تستحقها عن جدارة ، بما فيها المناصب القيادية في الادارة والوزارة وحتى رئاسة الدولة .
 الاسلام يضع الانسان المناسب في المكان المناسب سواء كان رجلا أوإمرأة ،ويدعو الجنسين لتلقي العلم والارتقاء لاعلى المراتب الروحية والمادية . وكما قال أحد المفكرين المسلمين ،نصف المجتمع من النساء والنصف الآخر يتربى بين أحضانهن ،وبذلك تكون المرأة صانعة المجتمع والمحددة لسمته وثقافته ، ولذلك تحتاج لاعداد خاص فعليها تقوم أركان المجتمع . فالمرأة غير المتعلمة تمثل عائقا لمجتمعها فكيف بمجتمع نصفه من المعاقين .
لا بد من تعليم المرأة المسلمة وليس فقط السماح لها بالتعليم فهي مسؤولية عامة ، حتى تتمكن من تثقيف أبنائها وتوجيههم الوجهة الصحيحة، فالام هي المربي الاول . الاسلام يركز كثيرا على قضية التعليم ، فأول كلمة نزلت هي " إقرأ " و"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون "وقوله تعالى "وفوق كل ذي علم عليم "و"إنما يخشى الله من عباده العلماء " .
 والتقدم والحداثة لا تعني أبدا التخلي عن الدين أو لي أعناق النصوص لتوافق هوى شخص أو مجموعة أشخاص بل إن افرازت التقدم والحداثة تدفع الانسان دفعا للروحانيات للتخفيف من الضغوط النفسية والمادية التي يعاني منها انسان الحداثة في عصرنا . والعودة للطبيعة وللبساطة وحتى للتقاليد العتيقة أصبحت ظاهرة وسمة الكثيرين من أبناء الحداثة الغربية . لقد ازدادت في أوربا نسبة الراغبين في العيش بالريف ، ونسبة المستخدمين لأدوات عتيقة في إعدد الطعام والقهوة . ولا يعني ذلك ترك المنتجات الحديثة ولكن التخلص من عقدة التحديث بمفهومه السطحي وما يعبر عنه بالقشور .
المسلم : في الحرب الظالمة التي فرضت على المسلمين مدة 4 سنوات – تقريبا – كانت المرأة البوسنية أكبر الضحايا .غير أن ذلك لم يكن المشهد الوحيد لدور المرأة فقد ساهمت في الدفاع والمساندة ، لو تحدثينا عن ذلك ؟
علمادينا زوكو : نعم المرأة البوسنية ورغم كل محاولات إذلالها وكل السادية التي مورست ضدها من قبل الاعداء إلا انها لم تنكسر ولم تضعف ولم تستسلم . وعبرت عن شجاعة نادرة حيث شاركت في الحرب كمقاتلة وكطبيبة وكمساعدة في مجالات مختلفة تأسيا بالصحابيات الاوليات .وعملت الطبيبات المسلمات لمدة 4 سنوات في المستشفيات بدون مقابل ، ومنهن من تركت أبناءها وحدهم في المنزل ولمدة 3 أيام وأكثر ،لأن الحالات الخطيرة التي كانت تنقل من جبهات القتال ومن الشوارع والمنازل تستدعي ذلك .
 فقد شمل القصف البربري المدن والقرى والشوارع والاسواق المكتضة وسقط العدد الكثير من الابرياء بين قتيل وجريح .
كان الرجال في جبهات القتال ومن بقي من النساء في البيوت كن يسهرن على تربية الابناء وتوفير الطعام لهم ،عبر طرق أبواب المؤسسات الخيرية الاسلامية التي ساهمت بدور فعال في الحرب ،ومنعت حصول مجاعة ،فكارثة انسانية من نوع آخر .
 وساهمت النساء في حملت التبرع بالدم وفي دفن الشهداء والقتلى ، وزرعن المساحات الترابية أمام المنازل في الريف وفي المدن لتوفير بعض الخضار وغيرها التي حرمن منها بسبب الحصار الذي استمر 1480 يوما .
المسلم : إلى جانب هذه البطولات كانت هناك مآسي ، وضريبة باهضة جدا فالحرية لم تكن هبة بدا
علمادينا زوكو : أجل ، لقد مرت الكثير من النساء عبر المعتقلات ،ومورست ضدهن أبشع أنواع الاعتداءت وهناك نحو 32 ألف إمرأة مسجلات كضحايا للعدوان . والكثير منهن لا يتحدثن عن ذلك ، فمن الصعب على المرأة التطرق لما تعرضت له من عدوان . هناك نحو ألفي إمرأة وثقت شهاداتهن والباقيات امتنعن عن ذلك للأسباب الآنفة .
من المآسي الأخرى التي عاشتها المرأة ،وعاشها الشعب ، وأخص المرأة لأنها كائن عاطفي جدا وحساس جدا ،وقدرتها على التحمل ضعيفة مقارنة بالرجل إذا تعلق الأمر بالشعور الخاص تجاه الاحداث وما يجري من حولها ، ولا سيما وضعها الاسري .
كانت سراييفو ومدن أخرى بدون ماء وبدون غاز وبدون تدفئة . وكان الناس يجازفون بأرواحهم فيخرجون بحثا عن الماء فيعودون بالقليل منه وبالكثير من الاشلاء .
عندما يطلب الأطفال الطعام ولم يكن لدى الام ما تقدمه لهم ، فإن ذلك يعذبها ويؤرقها ، وقد عاشت الام البوسنية كل ذلك أثناء العدوان .
الناس أكلوا الأعشاب وأوراق الشجر عندما أغلقت الاجواء والمعابرالبرية في وجه المساعدات الاغاثية .
 لم يكن هناك تدفئة فخلعت النساء أرضيات المنازل الخشبية لتوفير الدفء لأبنائهن ، وقد حدث معي ذلك شخصيا ، بل اضطررت كغيري لوضع الكتب في الموقد لتوفير الدفء لأبنائي ، من ذلك ،رمضان سنة 1993 م وكانت درجة الحرارة 25 تحت الصفر. وضعنا الملابس والاحذية في الموقد رغم رائحتها من أجل توفير التدفئة للابناء . وكادت الاوبئة أن تقضي على الكثيرين لكن الله سلم .
وفي ظل هذه الظروف لم تتوقف ماكينة العدون والقتل على الهوية فكل ما هو مسلم ويمت للاسلام بصلة تم استهدافه ،المساجد والمدارس وحتى المقابر كانت هدفا للعدوان .وكان النفق رحمة من الله، فمن خلاله استطاع أهالي سراييفو التنفس والاتصال بالعالم الخرجي ،كان محاكاة واقتداء بحادثة الخندق بالمدينة المنورة . الحرب صعبة جدا لا يعرفها إلا من عاشها واكتوى بنارها .
المسلم : لو نعود للوضع الراهن ، وانطلاقا من المقولة الشهيرة للرئيس الراحل علي عزت بيجوفيتش ، رحمه الله ، وهي " انتهت حرب وبدأت حروب " ؟
علمادينا زوكو : اتفاقية دايتون لم تكن جيدة بالنسة لنا ، لم تكن اتفاقية عادلة . كنا مجبرين على توقيعها ، بسبب الضغوط الكبيرة . وعوض أن يعاقب المعتدي تمت مكافأته . بالنسبة لي ، وهنا أتحدث كمواطنة ، لا ننتظر أي تغيير في السلوك الدولي تجاهنا . فقد كانوا شهود عيان لما تعرضنا له ، ولم يتدخلوا في الوقت المناسب لوقفه . كانو قادرين على وقف الحرب سنة 1992 م ولم يفعلوا . لم ننعم بالحرية والديمقراطية الحقة التي يتشدقون بها ويجلدون بها الآخرين .
 لا تزال البوسنة مقسمة وكأنها ثلاث جمهوريات . أنا كمحجبة لا أستطيع الذهاب إلى موستار الغربية التي يقطنها الكروات ،ولا إلى مناطق الكثافة الصربية ، وما لم تتوحد البوسنة بشكل حقيقي لا يمكن أن نعيش حياة طبيعية . ما يسمى المجتمع الدولي ،ومجلس الأمن ،والامم المتحدة ، هؤلاء تمت الإبادة تحت أنظارهم ومناظرهم . المبعوث الدولي يقبض نحو 20 ألف يورو كراتب ، محسوبة كمساعدات للبوسنة . مشكلتهم إنهم يستطيعون طرد المغاربيين وغيرهم متى شاؤوا ولكنهم لا يجدون مبررات سياسية لطردنا . وتحمل المسؤولية عما أقول . فأنا أتحدث كامرأة وكانسان عادي ،كمواطنة ،وبدون دبلوماسية .وعلى سياسيينا أن يرفعوا رؤوسهم ولا يخجلوا من قول ما أقوله الآن . فلا يمكن أن يفعلوا بنا أكثر مما فعلوه حتى الآن . الشباب عاطل عن العمل ، هناك أكثر من نصف مليون عاطل .
المسلم : المسلمون لم يستسلموا وهم لا يزالون يناضلون من أجل الحرية والديمقرطية والمساواة وحياة أفضل ، أليس كذلك ؟
علمادينا زوكو : الشبان المسلمون ،قادو حرب الدفاع ، ودافعوا عن حق البوشناق المسلمين في دولة عصرية و متطورة ومتعددة الطوائف . لقد كانت معركة من أجل البقاء في المقام الأول ، لأن وجودنا الديمغرافي والثقافي والسياسي والاقتصادي كان مهددا . وبعد الحرب لا يزال التهديد قائما بأشكال أخرى .مثلا هناك هجرة من مناطق لأخرى لأسباب اقتصادية وحتى هجرة للخارج وعديدنا لا يسمح بذلك فنحن لسنا مثل مصر أو الجزائر أو المغرب ، نحن في حاجة لكل فرد من جل أن نحيا أحرارا في أرضنا وبلدنا ، فالله أعطانا هذه الحرية منذ خلقنا ولا بد من الدفاع عنها . وهناك استهداف لثقافتنا ومحاولة لتحجيمنا سياسيا ، وحرب ضد نمونا الاقتصادي وهذا يحتاج لشرح خاص .
المسلم : ماذا عن المرأة في " جمعية الشبان المسلمين " ؟
علمادينا زوكو : الجمعية تضم الجنسين ، وهدفنا أن يكون الشباب المسلم متعلما ومثقفا وأن يوفق بين تعاليم دينه وضروريات الحياة . بين قيم الاسلام ومتطلبات الواقع الراهن . أن يعرفوا ماذا يريدون وكيف يحصلون عليه . وأن يعيشوا للافكار الكبرى المتعلقة بالاسرة والشعب والامة . أن يكون الامام والطبيب والمهندس والاعلامي والخبير في أي مجال يفقه دينه ويحسن صنعته . وأن يقدم النموذج الاسلامي الذي يوفق بين الدين والدنيا .وأن يكون مستعدا للتضحية من أجل دينه إذ ستدعى الأمر ذلك ، كم حصل أثناء العدون سنة 1992 م . وكان الرعيل الاول الذي قضى بين السجون وأحكام الاعدام ، القدوة والقبس لذي تستضئ به الأجيال الحاضرة .
 هناك حكمة أرادها الله ، وهي أن الرعيل الاول في كل منطقة سلمية في أي بقعة من لرض يكون مصيرها ، الاعدام ولسجن والنفي . هذه سنة من سنن الله لا تخطئها العقول .
المسلم : " جمعية الشبان المسلمين " تختلف عن بقية الجمعيات ، فهي لا تعتني سوى بالشباب إلى سن معينة لماذا ؟
علمادينا زوكو : نحن نريد من الشباب عدم الارتباط العضوي بالجمعية للابد ، نريدهم أن يكونوا روحا تسري في المجتمع . صحيح يبقى هناك رابط معنوي قوي جدا . منظمة المرحمة رئيسها كان عضوا في الجمعية ، ورئيس الجامعة كان عضوا فيها ، والحزب ، حزب العمل الديمقرطي ، أسسته الجمعية والكثير من قادته الآن من أبناء الجمعية . ولدينا برنامج سنوي للشباب ،ولدينا عدد من المشاريع التي تحتاج لتمويل مثل عدد من مقاهي الانترنت وطباعة مصحف جيب مع ترجمة لمعاني القرآن الكريم ،ونحتاج للمساعدة ،والله لا يضيع أجر المحسنين .