كيف يجب أن يعرض المنكر في القصة والرواية؟

من المعلوم في ديننا الحنيف أن كل إنسان محاسب على كل حرف يصدر من لسانه، قال تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (قّ:18).
لذا فإن موقفنا من تصوير "المنكر" الذي هو "الشر" يجب أن ينطلق من منطلق إسلامي يستقي منهجه في كل شيء من الكتاب والسنة.
فنحن لا نقول للأدباء لا تصوروا المنكر في كتاباتكم ولكن نقول: عليكم الالتزام بالمنهج الوسط الذي جاء في الكتاب والسنة والذي يصور "الشر" وفق الضوابط التالية:
<font color="#0000FF">1-الإيجاز في العرض: </font>
فهو خبر وليس عرضا تفصيليا، من ذلك قول الله سبحانه: "وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً" (النساء: من الآية156)، فالرسالة فهمت، فقد علم المراد، والفائدة حتى لا يلتصق الخبر بمريم.
مثال آخر: في حادثة الإفك قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ" (النور: من الآية11)، ففهم المراد بدون تفصيل للقصة ...

<font color="#0000FF">2-تسمية الشر باسمه: </font>
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه)، فقلّ أن تجد إنسانًا يطلق على فعل يعتقده صحيحا أنه شر.. وقد سمى الله المنكرات بأسمائها اللائقة بها، قال سبحانه: "وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ" (المائدة: من الآية62)، وقال سبحانه: "يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ" (النساء: من الآية50).
ولا زال الناس يسمون الأشياء بأسمائها، على خلاف ما نرى أحيانًا من العجب: فالخمر أصبح مشروبًا روحيًا، والزنا واللواط دعارة وشذوذاً..!!!!

<font color="#0000FF">3-وضع الشر في إطار ينسف آثاره السلبية: </font>
كقوله تعالى: "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً" (مريم:88) فهنا تجد الإيجاز في العرض وتسمية الشر باسمه ثم تجد ما يصرف عن هذا الشر وينفر منه ويدل على قبحه ومدى فظاعته حيث يتبعها الله بقوله: "لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً" (مريم:89-95).
ومثل ذلك قول الحق سبحانه: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (المائدة:64).

<font color="#0000FF">4- جعل الغَلَبَة دائمًا للخير: </font>
وليس المقصود ختم الأعمال بالإنابة والتوبة كالذين يتحدثون عن الزنا مثلا ثم يختمون بالتوبة.
وقانون المولى سبحانه جعل الانتصار للخير، فالعاقبة للمتقين وحتى لو انتشر الشر واستشرى فالخير هو الغالب؛ولذا تجد الخير منتصرًا في قصص الأنبياء إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام بعد أن عانى ما عانى: "إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" (يوسف: من الآية90).

<font color="#0000FF">الشُّبَه التي يدافع بها هؤلاء عن كتاباتهم: </font>
<font color="#FF0000">1- مقولة (ناقل الكفر ليس بكافر). </font>
ونحن لا نقول إن ناقل الكفر كافر بل نقول لِمن نقل لنا هذا الشر أو هذا المنكر: لِمَ نقلت لنا المنكر؟
وليس معنى هذا أن ناقل الكفر لا يكفر فقد يكفر بعمله هذا"والكفر أمر يتعلق بالقلب هنا"

<font color="#FF0000">2-مقولة (تعرية المجتمع ونقده): </font>
وهم يعتقدون أن هذا نابع من المدرسة الواقعية الأدبية، والرد عليهم:
أولًا: إذا كانت الواقعية تدعو إلى ذلك بهذه الصورة فهي ليست واقعية أدبية بل واقعية سوداء "تركز على المفاسد والعيوب" وهذا ما لا يجعلها واقعية؛لأن الواقعية الأدبية تعرض الخير والشر، أمّا واقعيتهم فهي تركز على الشر وحده....
ثانيًا: أن المجتمع المسلم يقوم على الستر والعفَّة والحياء وعدم المجاهرة بالمنكرات والفواحش كما نهى عن ذلك- صلى الله عليه وسلم-؛لأن المجاهرة تنقل التصرف من الدائرة الفردية إلى الدائرة الجماعية، فهي تكسر الحاجز النفسي لدى الفرد، ثم إن المجتمع المسلم مجتمع حياء (والحياء لا يأتي إلا بخير) إذن: "مقولة تعرية المجتمع ونقده لا تنطبق على المجتمع المسلم".
ثالثًا: أن الأدب له خاصية التعميم، بمعنى أنَّ ما في الأدب ينسحب على المجتمع فهو لا يعبر عن الفرد فقط "ولذا صورتنا مشوهة عند الغرب والشرق بسبب نظرة التعميم التي يرونها في الإعلام والأدب وغيرهما"
ومن ذلك ما تجده عند العرب قديمًا؛ فالشاعر إذا هجا رجلًا فإن هجاءه يعمم على قبيلة الرجل المهجوُّ.
"فالأدب منطلقه فرديّ لكنَّ أثره جماعي عام".
فالمجاهرة بالمنكر لا شك أنها تطمئن المنحرف فيظل على انحرافه وتدعو الآخرين للمنكر.
قال تعالى: "لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" (النساء: من الآية148).
وقال سبحانه في مديحه لعباده: "وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً" (الفرقان:72).
اللهم اجعلنا من عبادك الذين مدحتهم..
ــــــــــــــ
إن المتأمل لهذه الروايات السيئة يجد أنها تأخذ بُعْدًا دعائيًا، لأغراض مادية وفكرية منحرفة..!!!
إن المتأمل الفطن لهذه الروايات يجد أنها فقيرة فنيًا في: الأحداث، والشخصيات، والخيال، والحبكة، والحوار..
ونتيجة للفشل الكتابي (أو الإفلاس) الأدبي يسَوِّقون أنفسهم بالخروج (المجاهرة) بهذه السخافات الكتابية.
فقضيتنا مع هذه القصص والروايات هي (طريقة عرض الشر والغاية منها).
"وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون".