التداوي بالرقى دراسة فقهية معاصرة (1)
22 ذو الحجه 1428
د. عبود بن على بن عائض درع

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبدهُ ورسولُه.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" (آل عمران:102).
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً" (النساء:1).
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً" (الأحزاب:70، 71)
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار(1).
وبعد، فإن موضوع التداوي بالرقى من الموضوعات المهمة في هذا العصر، التي يحتاج إليها كثير من الناس، وبخاصة بعد أن انتشرت مراكز العلاج بالرقى، وكثر من أقحم نفسه في معالجة الناس بها دون أن يعرف أصول التداوي بها، والضوابط الشرعية لها. وكثر المترددون على تلك المراكز، وتهافتوا عليها من غير معرفة حقيقية للغث والسمين منها. فكتبت هذا البحث لبيان حقيقة التداوي بالرقى، وأحكامه الشرعية، وضوابط التداوي بها، مع ذكر بعض الممارسات الخاطئة التي نراها ونلاحظها.

تمهيد:تعريف التداوي
التداوي لغة: مصدر تداوى: أي تناول الدواء، وهو مأخوذ من داواه عالجه(2) وجمع الدواء: أدوية. وهو: "اسم لما استعمل لقصد إزالة المرض والألم"(3) ويطلق على المرض الداء، وهو مصدر من داء الرجل يداوى، وفي لغة: دوى يدوى دوى. وجمع الداء: أدواء. وهو: "علة تحصل بغلبة بعض الأخلاط على بعض"(4).
والتداوي لا يخرج في استعمال الفقهاء عن المعنى اللغوي له، فهو: "استعمال ما يكون به شفاء المرض بإذن الله من عقار (طبي) أو رقية، أو علاج طبيعي: كالتمسيد ونحوه"(5).

المبحث الأول: حكم التداوي من الأمراض
لما كان حفظ النفس من أهم الضرورات الشرعية اللازمة، فقد اقتضى هذا اتباع مختلف الأسباب التي تؤدي لهذا الحفظ؛ فالإنسان - ولله المثل الأعلى - عندما يغرس الشجرة وأنواع النبات يتعهدها بالماء، ويعمل على حفظها من الآفات، وعندما يبني البناء يتعهده بما يلزمه من المواد الضرورية كي يبقى سليماً من التصدع والسقوط، وإذا كان هذا في عالم المادة فهو آكد وأوجب في عالم الإنسان؛ فالنفس في مراحلها تواجه الكثير من العوارض المرضية التي تتولد من الغذاء، أو من البيئة، أو من العلل المصاحبة لوجودها.
وهذه العوارض والعلل تتنوع شدة وضعفاً، وقد قدّر الله للإنسان أجله فلا يتقدمه أو يتأخره، وفي هذا قال عز وجل: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ" (الأعراف:34).
ولكن حكمته -عز وجل- اقتضت أن يكون للإنسان إرادة في إصلاح نفسه بما ينفعه في دينه ودنياه، وفي هذا قال تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا" (فصلت: من الآية46).
والعمل الصالح في إطلاقه يقتضي ما فيه نفع الإنسان في دينه ودنياه؛ فمداواته نفسه من الأمراض والعلل يعد إصلاحاً وقواماً لها في أمور الدين والدنيا معاً؛ فالمريض لا يقدر على كسب رزقه ورزق ولده، والمريض لا يؤدي واجباته الدينية مثلما يؤديها السليم في نفسه، وهذه المداواة إن لم تكن من الواجبات - على رأي من يقول ذلك - فهي من المقاصد الشرعية؛ لأن الإنسان ملزم بحفظ نفسه، ومن حفظها مداواتها عندما تتعرض لعارض أو علة(6).
والأصل في التداوي الكتاب، والسنة، والمعقول، أما الكتاب فأذكر هنا ما قاله الإمام الحافظ ابن حجر بأن مدار الطب على ثلاثة أشياء:
- حفظ الصحة.
- الاحتماء عن المؤذي.
- استفراغ المادة الفاسدة.
وقد أشير إلى هذه الأشياء في كتاب الله:
فالأول: (حفظ الصحة) قول الله تعالى: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" (البقرة: من الآية184). وذلك أن السفر مظنة النصب، وهو من مغيرات الصحة، فإذا وقع فيه الصيام ازداد فأبيح الفطر إبقاء على الجسد، وكذا القول في المرض.
الثاني: وهو الحمية من قوله تعالى: "وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ" (النساء: من الآية29). فإنه استنبط منه جواز التيمم عند خوف استعمال الماء البارد.
أما الثالث: فقول الله تعالى: "أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة: من الآية196). فإنه أشير بذلك إلى جواز حلق الرأس الذي منع منه المحرم لاستفراغ الأذى الحاصل من البخار المحتقن في الرأس(7).
أما السنة فقد حث رسول الله على التداوي من الأمراض والعلل، حيث روى جابر بن عبد الله أنه قال: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عزوجل)(8). وروى أبو هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)(9).
وفي حديث ابن مسعود مرفوعاً: (إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله)(10).
وفي حديث أسامة بن شريك أنه بينما كان عند النبي جاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: (نعم: يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد) قالوا: وما هو؟ قال: (الهرم)(11). وفي حديث أبي الدرداء مرفوعاً أن رسول الله قال: (إن الله جعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام)(12).
وفي حديث أبي خزامة: قلت: يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ قال: (هي من قدر الله)(13). وفي حديث زيد بن أسلم مرسلاً أن النبي قال لرجلين: (أيكما أطب؟) قالا: وفي الطب خير؟ قال: (أنزل الداء الذي أنزل الدواء)(14).
وفي هذه الأحاديث إخبار وأمر: أما الإخبار فقول رسول الله : (إن لكل داء دواء) وهذا الإخبار يفيد العلم اليقين؛ لأن رسول الله مبلغ لرسالة الله "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى" (النجم:3). فعلم من هذا بداهة أن لكل مرض دواء باستثناء داء واحد هو الهرم (الشيخوخة)، وهذا هو ما ورد في كتاب الله في قوله عز وجل: "ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ" (الحج: من الآية5).
وقوله: "ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً" (غافر: من الآية67).
وعدم شفاء بعض الأمراض، أو استعصاؤها على الأدوية لا يعني أنها مستعصية في ذاتها، بل ربما أن الطب لم يستطع معرفة دوائها. واستقراء تاريخ الطب يؤكد هذا؛ فكثير من علاج الأمراض لم يحدث إلا بعد سنوات طوال من التجارب؛ فمرض التدرن الرئوي مثلاً كان يقتل العديد من البشر قبل معرفة علاجه، ومثله مرض الجلاكوما الذي كان يدمر العصب البصري قبل معرفة علاجه، وقس على ذلك العديد من الأمراض الأخرى .. وعندما يقال اليوم إن هناك أمراضاً مستعصية أو ميؤوساً منها فلا يعني ذلك أنه ليس لها دواء البتة، بل لأن الطب ربما عجز عن معرفة دوائها كما ذكر، وهذا مصداق قول رسول الله : (علمه من علمه وجهله من جهله). وقد يحدث العلم بمعرفة الدواء، وقد لا يحدث في هذا الزمان أو ذاك؛ لأن علم الإنسان سيظل قاصراً إلى أن يعلمه الله العلم؛ لأنه لا علم إلا منه، كما قالت الملائكة لله عز وجل: "سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" (البقرة: من الآية32).
وأما الأمر بالتداوي فالدليل عليه قول رسول الله للأعراب: (تداووا). وقوله عليه الصلاة والسلام: (تداووا ولا تداووا بحرام)(15)، وهذا أمر، والأمر في إطلاقه يفيد الوجوب، ولا يستثنى منه إلا ما كان محرماً. وما كان يأمر به رسول الله من التداوي كان يفعله بنفسه؛ فقد ورد في مسند الإمام أحمد أن عروة كان يقول لأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - يا أمتاه، لا أعجب من فهمك أقول: زوجة رسول الله وابنة أبي بكر ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس، أقول: ابنة أبي بكر وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو؟ ومن أين هو؟ قال: فضربت على منكبه وقال: "أي عريّة، إن رسول الله كان يسقم عند آخر عمره، أو في آخر عمره وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فكانت تنعت له الأنعات وكنت أعالجها له فمن ثم"(16).
وقد احتجم عليه الصلاة والسلام فأمر بالحجامة وقال: (شفاء أمتي في ثلاث: ...شرطة محجم)(17).
واستدل الفقهاء بهذه الأحاديث على جواز التداوي أحياناً ووجوبه أحياناً أخرى. ففي مذهب الإمام أبي حنيفة القول بهذا الجواز، بل إن من أصحاب المذهب من أجاز التداوي بالمحرم كدواء العين بلبن البنت إذا علم فيه الشفاء، ولم يوجد دواء غيره.. وفي التهذيب يجوز للعليل شرب البول، والدم، والميتة، للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم أن فيه شفاءه، ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه. أما إن قال الطبيب يتعجل به شفاؤك ففيه وجهان، وهل يجوز شرب العليل من الخمر للتداوي ففيه وجهان. وقد ذكره الإمام التمرتاشي وكذا في الذخيرة: "وما قيل إن الاستشفاء بالحرام حرام غير مجري على إطلاقه، وأن الاستشفاء بالحرام إنما لا يجوز إذا لم يعلم أن فيه شفاء، أما إن علم وليس له دواء غيره يجوز، ومعنى قول ابن مسعود - رضي الله عنه - لم يجعل شفاؤكم فيما حرم عليكم، يحتمل أن يكون قال ذلك في داء عرف له دواء غير المحرم؛ لأنه حينئذ يستغني بالحلال عن الحرام، ويجوز أن يقال تنكشف الحرمة عند الحاجة فلا يكون الشفاء بالحرام وإنما يكون بالحلال"(18).
وفي مذهب الإمام مالك أن التداوي مما لا بأس به وأن ذلك لا ينافي التوكل؛ لأن النبي كان على غاية التوكل وكان يستعد للحرب، وقال لصاحب الناقة: (اعقلها وتوكل)، ويجوز التعالج بكل ما يراه العالم بالطب نافعاً ومناسباً لصاحب المرض من الأسماء، وهذا خاص بالعلاج الحلال، أما المحرم فلا، أي لا يجوز التداوي بالخمر إلا ما قام الدليل عليه، مثل أن يدفع بها غصته أو عطشاً(19).
وعند الإمام الشافعي أن العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان(20). وذكر الجمل في حاشيته أنه لو قطع بإفادته كعصب محل الفصد وجب، وقال: ويجوز الاعتماد على طب الكافر ووصفه ما لم يترتب على ذلك ترك عبادة أو نحوها مما لا يعتمد فيه(21). وإذا اضطر المريض إلى التداوي بشرب الدم أو البول أو غيرهما من النجاسات المائعة غير المسكر جاز له ذلك بلا خلاف(22).
ويرى الإمام الغزالي أن "الأسباب المزيلة للمرض تنقسم إلى مقطوع به كالماء المزيل لضرر العطش والخبز المزيل لضرر الجوع، وإلى مظنون كالفصد والحجامة وشرب الدواء المسهل وسائر أبواب الطب، أعني معالجة البرودة بالحرارة والحرارة بالبرودة، وهي الأسباب الظاهرة في الطب، وإلى موهوم كالكي والرقية. أما المقطوع فليس من التوكل تركه بل تركه حرام عند خوف الموت. وأما الموهوم فشرط التوكل تركه إذ به وصف رسول الله المتوكلين، وأقواها الكي ويليه الرقية. وأما الدرجة المتوسطة وهي المظنونة كالمداواة بالأسباب الظاهرة عند الأطباء ففعله ليس مناقضاً للتوكل بخلاف الموهوم، وتركه ليس محظوراً بخلاف المقطوع، بل قد يكون أفضل من فعله في بعض الأحوال وفي بعض الأشخاص، فهي على درجة بين الدرجتين"(23).
وفي مذهب الإمام أحمد يرى القاضي وأبو الوفاء وابن عقيل وابن الجوزي أن الأفضل فعله، وجزم به ابن هبيرة في الإفصاح، وقيل يجب، وزاد البعض إذا ظن نفعه. والذين قالوا بتركه ابتغوا فضيلة التوكل أو ربما قصدوا تركه لمنافاته التوكل(24).
ويرى الإمام ابن تيمية أن كل ما قاله رسول الله بعد نبوته وأقر عليه ولم ينسخ فهو تشريع، لكن التشريع يتضمن الإيجاب والتحريم والإباحة. ويدخل في ذلك ما دل عليه من المنافع في الطب، فإنه يتضمن إباحة ذلك الدواء والانتفاع به فهو شرع لإباحته، وقد يكون شرع لاستحبابه فإن الناس قد تنازعوا في التداوي هل هو مباح أم مستحب أم واجب، ثم يقول: ".. وقد يكون منه ما هو واجب وهو ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره، كما يجب أكل الميتة عند الضرورة، فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، وقد قال مسروق: من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار، فقد يحصل أحياناً للإنسان إذا استمر المرض ما إن لم يتعالج معه مات والعلاج المعتاد تحصل معه الحياة كالتغذية للضعيف، وكاستخراج الدم أحياناً"(25).
ويرى الإمام ابن القيم أن الأحاديث النبوية في مسألة التداوي قد تضمنت إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول من أنكرها، ويجوز أن يكون قوله: (لكل داء دواء)، على عمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة، والأدواء التي لا يمكن لطبيب أن يبرئها، ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها، ولكن طوى علمها عن البشر، ولم يجعل لهم إليه سبيلاً؛ لأنه لا علم للخلق إلا ما علمهم الله، ولهذا علق النبي الشفاء على مصادفة الدواء للداء، فإنه لا شيء من المخلوقات إلا له ضد، وكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده، فعلق النبي البرء بموافقة الداء الدواء، وهذا قدر زائد على مجرد وجوده، فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية، أو زاد في الكمية على ما ينبغي، نقله إلى داء آخر، ومتى قصد عنها لم يف بمقاومته، وكان العلاج قاصراً، ومتى لم يقع المداوي على الدواء أو لم يقع الدواء على الداء، لم يحصل الشفاء، ومتى لم يكن الزمان صالحاً لذلك الدواء، لم ينفع، ومعه كان البدن غير قابل له، أو القوة عاجزة عن حمله، أو ثم مانع يمنع من تأثيره، لم يحصل البرء لعدم المصادفة، ومتى تمت المصادفة حصل البرء بإذن الله ولابد، وهذا أحسن المحملين في الحديث(26).
ثم يشير الإمام ابن القيم إلى المنكرين للتداوي بحجة التوكل ويرد عليهم بقوله: "وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، ولا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع داء الجوع، والعطش، والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسماء التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عما ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما به العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولابد لهذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للحل والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً، ولا توكله عجزاً.
وفيها رد على من أنكر التداوي، وقال: إن كان الشفاء قدر، فالتداوي لا يفيد، وإن لم يكن قد قدر، فكذلك. وأيضاً المرض حصل بقدر الله، وقدر الله لا يدفع ولا يرد، وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول الله وأما أفاضل الصحابة، فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا، وقد أجابهم النبي بما شفى وكفى، فقال هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله، فما خرج شيء عن قدره، بل يرد قدره بقدره، وهذا الرد من قدره، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما، وهذا كرد قدر الجوع، والعطش والحر، والبرد بأضدادها، وكرد قدر العدو بالجهاد، وكل من قدر الله الدافع والمدفوع والدفع.
ويقال لمورد هذا السؤال: هذا يوجب عليك أن لا تباشر سبباً من الأسباب التي تجلب بها منفعة، أو تدفع بها مضرة؛ لأن المنفعة والمضرة إن قدرتا، لم يكن بد من وقوعهما، وإن لم تقدرا لم يكن سبيل إلى وقوعهما وفي ذلك خراب الدين والدنيا، وفساد العالم، وهذا لا يقوله إلا دافع للحق، معاند له، فيذكر القدر ليدفع حجة المحق عليه، كالمشركين الذين قالوا: "لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا" (الأنعام: من الآية148)، و "لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا" (النحل: من الآية35). فهذا قالوه دفعاً لحجة الله عليهم بالرسل.
ثم يشير -رحمه الله- إلى التأثير النفسي للتداوي فيقول: "وفي قوله (لكل داء دواء) تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعر نفسه أن لدائه دواءً يزيله، تعلق قلبه بروح الرجاء، وبردت عنده حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء، ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية، وكان ذلك سبباً لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية، ومتى قويت هذه الأرواح، قويت القوى التي هي حاملة لها، فقهرت المرض ودفعته.
وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه. وأمراض الأبدان عنوان أمراض القلوب، وما جعل الله للقلب مرضاً إلا جعل له شفاء بضده، فإن علمه صاحب الداء واستعمله، وصادف داء قلبه، أبرأه بإذن الله تعالى"(27).
فقد ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السابع إلى الثاني عشر من شهر ذي القعدة لعام (1412هـ) ما يلي: "فيكون (التداوي) واجباً على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه، أو عجزه أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره، كالأمراض المعدية"(28).
قلت: وأما الأصل الثالث في التداوي فهو المعقول؛ ذلك أن الإنسان بطبعه يكره الألم، وقد لا يكون له قدرة في الصبر عليه؛ لأن الألم ضد اللذة؛ فالله -جل وعلا- عندما قال: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (الكهف: من الآية46). أدركنا عقلاً أنه ليس في الفقر لذة وليس في العقم لذة، كما أدركنا نقلاً أن أهل الجنة لا يمرضون؛ لأنه ليس في المرض لذة، والجنة كلها لذات لأهلها.
والله -جل وعلا- عندما قال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" (البقرة: من الآية172). أمر عباده أن يجتنبوا كل رديء أو نجس من المأكولات، لما يسببه ذلك من ضرر للنفس، ومن ضمن هذا الضرر المرض وآثاره المادية والنفسية.. ومن يقول بترك التداوي من المرض يخالف طبيعة الأشياء؛ لأنه بذلك يقسر النفس على ما لا تطيقه، ويصرفها عما تريده؛ ذلك أن المرض يسبب الألم، وفي الدواء تسكين لهذا الألم، ورغبة النفس في اللذة بتسكين الألم من مسلمات العقل.
والدواء يكون مستحباً في حالات، وواجباً وضرورياً في حالات. أما المستحب فما قد يصيب الإنسان من ألم خفيف فيصير عليه إذا ظن أن ذلك عارض يزول بزوال سببه من حر أو برد أو نحوهما، فالمريض بحاله هذه أدرى طالما أن الألم لم يدركه ولم ينزله منزلة الضرر والخطر، أما الواجب أو الضروري فعندما يكون في حال يستضر بها، والأمثال على هذا كثيرة، فقد يتعرض لحادث يجعله ينزف دماً، فإن ترك الدم على حاله تلك فقد حياته وقد يتعرض لهجوم من دابة أو حيوان مفترس، فإن لم يتداو يدركه خطر السم فيموت، وقد يصاب بعدوى مرض خطير أو (فيروس) قتل، فإن ترك علاجه تردت حاله فهلك، ففي هذه الأمثلة وأشباهها يجب عليه التداوي، ولا حجة له بالقول بالتوكل؛ لأنه إذا امتنع عن العلاج أصبح قد عرض نفسه للهلاك، فهو بهذا لا يختلف عمن يترك الطعام والشراب مع إمكان حصوله عليه حتى يموت، فدخل في حكم قول الله تعالى: "وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة: من الآية195). وقوله عز وجل: "وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً" (النساء: من الآية29). فكان كحال من قتل نفسه.
وأما القول بمنافاة التداوي للتوكل فيرد عليه بأن منزل الداء هو المنزل للدواء، وهو الله، فكلاهما من قدره، وكلاهما من حكمته وإرادته، وهذا هو معنى قول رسول الله لأبي خزامة (هي من قدر الله)، وهذا هو أيضاً معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم الطاعون في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض فلا تخرجوا منها)(29). والطاعون في كلتا الحالتين من قدر الله. ولا يعني عدم الدخول إلى البلاد الموبوءة فراراً من قدر الله، وهذا هو ما فعله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين رجع بمن معه إلى المدينة لما علم في الطريق عن الطاعون الذي حدث في الشام، ولما قاله له من معه أتفر من قدر الله؟ قال -رضي الله عنه-: "نفر من قدر الله إلى قدر الله"(30).

المبحث الثاني: حكم التداوي بالمحرم أو النجس.
وقد اتفق الفقهاء على حرمة التداوي بالمحرم أو النجس في حال الاختيار، بأن لم تكن ثمة ضرورة إليه، لوجود الدواء المباح الذي يقوم مقامه في علاج الداء، أو لعدم تعينه في معالجته(31).
أما إذا دعت الضرورة إلى التداوي به، بأن أخبر طبيب مسلم عدل ثقة حاذق بالطب، أن فيه شفاء للمريض، وأنه لا يجدي غيره من الأدوية المباحة في شفائه، فقد اختلف الفقهاء في حكم التداوي به على مذاهب:
القول الأول:
يرى أصحابه جواز التداوي بالمحرم أو النجس، على تفصيل بين بعضهم في ذلك، وإلى هذا ذهب بعض الحنفية، إذ يرون جواز الاستشفاء بالحرام، إذا أخبر طبيب مسلم أن فيه شفاء للمريض، ولم يوجد دواء مباح يقوم مقامه في التداوي به من المرض، وما عليه مذهب الشافعية وقطع به جمهورهم، هو جواز التداوي بالنجاسات مطلقاً غير المسكر، إذا لم يوجد طاهر يقوم مقامها في التداوي، وكان المتداوي عارفاً بالطب، يعرف أنه لا يقوم غير النجس مقامه في المداواة، أو كان يعرف ذلك من تجربة سابقة له مع المرض، أو أخبره طبيب مسلم بذلك، ومذهب الظاهرية جواز التداوي بالمحرم والنجس حاشا لحوم بني آدم وما يقتل من تناوله، فلا يحل التداوي به وإن دعت إليه الضرورة(32).
القول الثاني:
يرى من ذهب إليه حرمة التداوي بالمحرم أو النجس، على تفصيل بين بعضهم في ذلك.
إلى هذا ذهب جمهور الحنفية، ويرى المالكية عدم جواز التداوي بالنجاسة في ظاهر الجسم أو باطنه، ولا بشيء مما رم الله سبحانه، وثمة وجه في مذهب الشافعية وصفه النووي بالشذوذ، أنه لا يجوز التداوي بالنجاسات مطلقاً، ومذهب الحنابلة عدم جواز التداوي بالمحرم ولا بشيء فيه محرم(33).
أدلة المذهبين: استدل أصحاب المذهب الأول على جواز التداوي بالمحرم أو النجس عند الضرورة إليه بما يلي:
أولاً: من الكتاب الكريم:
قال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام: من الآية119).
وجه الدلالة من الآية: أسقط الله سبحانه تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة إليه، فكل محرم هو عند الضرورة حلال، والتداوي بمنزلة الضرورة، فيباح فيه تناول المحرمات للتداوي بها.
ثانياً: السنة النبوية المطهرة:
1 – روي عن أنس رضي الله عنه قال: "إن رهطاً من عرينة أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا إنا اجتوينا المدينة، وعظمت بطوننا، وارتهست أعضادنا، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا براعي الإبل، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعي الإبل، فشربوا من أبوالها وألبانها، حتى صلحت بطونهم وأبدانهم، ثم قتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في طلبهم، فجيء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أيعنهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون"(34).
وجه الدلالة منه: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لهؤلاء القوم بشرب أبوال الإبل، على سبيل التداوي مما أصابهم من مرض، وقد صحت أبدانهم بعد شربه، والتداوي بالأبوا هو من قبيل التداوي بالنجس (عند من يرى نجاسة البول ولو كان من مأكول اللحم، وقد قال به جابر بن زيد، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وحماد، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وجمهور الشافعية)(35)، وهو من قبيل التداوي بالمحرم كذلك (إذ أجمع الفقهاء على حرمة تناول الأبوال عامة حال الاختيار)(36),
اعترض على الاستدلال به: قال العيني والمرغيناني: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خص العرنيين بذلك، لما عرف من طريق الوحي أن شفاءهم فيه، فهو خاص بهؤلاء العرنيين، أو لأنهم كانوا كفاراً في علم الله تعالى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم علم عن طريق الوحي أنهم يموتون على الردة، ولا يبعد أن يكون شفاء الكافر بالنجس(37).
أجيب عن هذا الاعتراض: قال ابن المنذر: من زعم أن هذا الحكم خاص بأولئك الأقوام، فلم يصب، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، ويؤيد هذا تقرير أهل العلم استعمال الناس أبوال الإبل في أدويتهم قديماً وحديثاً، وعدم إنكارهم ذلك(38).
2 – روي عن أنس رضي الله عنه قال: إن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام، شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل، فرخص لهم في قمص الحرير في غزاة لهما، وفي رواية أخرى بلفظ: "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في القمص الحرير في السفر، من حكة كانت بهما أو وجع"(39).
وجه الدلالة منه: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذين الصحابيين في لبس الحرير، بسبب ما أصابهما من حكة، لتوالد الهوام في ثيابهما، والحرير مما يحرم على الرجال لبسه حال الاختيار بالإجماع(40)، فدل الحديث على حل التداوي بالمحرم عند الضرورة إليه.
اعترض على الاستدلال به: قال المرغيناني: إن هذه الرخصة خاصة بهذين الصحابيين، فلا يلحق بهما غيرها(41).
أجيب عن هذا الاعتراض: قال ابن القيم: إن دعوى تخصيص هذين الصحابيين بهذه الرخصة على خلاف الأصل، إذ الأصل عدم تخصيص الرخصة، فإذا ثبتت في حق بعض الأمة لمعنى، تعدت إلى كل من وجد فيه هذا المعنى، إذ الحكم يعم بعموم سببه، والصحيح عموم هذه الرخصة، لأنه عرف خطاب الشارع في ذلك، ما لم يصرح بالتخصيص، وعدم إلحاق غير من رخص له أولاً به(42).
استدال أصحاب المذهب الثاني على ما ذهبوا إليه من حرمة التداوي بالمحرم أو النجس، وإن دعت إليه الضرورة، بما يلي:
أولاً: الكتاب الكريم:
قال تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (الأعراف: من الآية157).
وجه الدلالة من الآية: أفادت الآية الكريمة أن الشارع حرم تناول كل خبيث، ولو كان هذا لأجل التداوي به، سواء كان خبثه لنجاسته أو لغيرها.
ثانياً: السنة النبوية المطهرة:
1 – روي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها"(43).
2 – روي عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام"(44).
وجه الدلالة منهما: نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة أن يكون فيما حرم الله تعالى دواء، فدل على عدم جواز التداوي به، لعدم الفائدة منه ولا أثر له في الشفاء من الأمراض، ونهى في حديث أبي الدرداء عن التداوي بالمحرم، والنهي يفيد التحريم عند الإطلاق، لأنه حقيقته، فأفاد كسابقه حرمة التداوي بالمحرم.
تأول بعض العلماء هذين الحديثين: قال البيهقي: هذان الحديثان إن قيل بصحتهما يحملان على النهي عن التداوي بالمسكر أو على التداوي بكل محرم في غير حال الضرورة إلى التداوي به، جمعاً بينها وبين حديث العرنيين(45).
ثالثاً: المعقول:
إن الله تعالى إنما حرم ما حرمه على هذه الأمة لخبثه، حماية وصيانة لها عن تناوله، فلا يناسب هذا أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه إن أثر في إزالتها أعقب سقماً أعظم منها في القلب، بقوة الخبث الذي فيه، فمن يتداوى به يكون قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
المناقشة والترجيح: إن الذي تركن النفس إليه من هذين القولين – بعد الوقوف على أدلتهما – وما اعترض به على بعضها، وما أجيب به عن بعض هذه الاعتراضات – هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، من جواز التداوي بالمحرم في الجملة، إذا ثبت أن فيه دواء لداء معين، ودعت إليه الضرورة، بأن لم يوجد دواء مباح يقوم مقامه في التداوي به من المرض، ووصف الدواء المحرم طبيب مسلم عدل ثقة حاذق بالطب، أو كان المريض يعلم أنه لا ينفع في مرضه إلا هذا الدواء المحرم، لمعرفته بالطب، أو لتجربة سابقة له مع هذا المرض، ولم يكن في التداوي به اعتداء على حياة معصوم الدم أو صحته، وكان الغالب من استعمال هذا الدواء السلامة لمن يستعمله، وذلك لما استدل به أصحاب هذا المذهب من الكتاب الكريم والسنة المطهرة.

المبحث الثالث: تعريف الرقية الشرعية وحقيقتها.
الرقية بسكون القاف. ويقال: "رقى" بالفتح في الماضي. "ويرقي" بالكسرِ في المستقبل. و"رقيتُ فلاناً" بكسر القاف أرقيه. ويقال: "استرقى" أي طلبَ الرقية. و(الرقْيةُ) تجمع على رقى. وتقول: "استرقيتُه"، فرقاني رقيةً، فهو راق"(46).
ويقال: رقى الراقي رقيةً ورقياً، إذا عوذ ونفث في عوذته.
ويعرفها ابن الأثير بقوله: "الرُّقْية: العوذَةُ التي يُرقى بها صاحبُ الآفة كالحمّى والصّرع وغير ذلك من الآفات"(47).
ويقول ابن منظور: "الرقْية: العودةُ، معروفة. قال رؤبةُ:
فما تركا من عوذة يعرفانها ولا رقية إلا بها رقياني"(48)
وقال أيضاً: "والعوذةُ والمعاذات والتعويذ: الرقية، يرقى بها الإنسانُ من فزع أو جنون، لأنه يعاذ بها، وقد عوذه، يقال: عوذت فلاناً بالله وأسمائه وبالمعوذتين؛ إذا قلت: أعيذُك بالله وأسمائه من كل ذي شر"(49).
وعرّفها بعض الفقهاء ب: "ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء"(50).
وقال ابن التين: "الرقَى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى الحسنة هو الطّبُّ الروحانيُّ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق، حصل الشفاء بإذن الله تعالى، ولما عزّ هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني"(51).

الرقية قبل الإسلام:
عن عمرة بنت عبد الرحمن؛ "أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله"(52).
عن ابن عباس أن ضماداً(53) قدم مكة، وكان من أزد شنوءةَ، وكان يرقي من هذه الريح(54)، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمداً مجنون. فقال: لو أني رأيتُ هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي. قال: فلقيه، فقال: يا محمد، إني أرقى من هذه الريح، وإن الله يشفي على يدي من شاء، فهل لك؟(55) فقال رسول الله: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه..."(56) الحديث.
وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: "أعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شركٌ"(57).

المبحث الرابع: مشروعية الرقية.
أ – رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه:
عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: (قل هو الله أحد) و(قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس)، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات"(58).
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "كان رسول الله يتعوذ من الجانّ وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا؛ أخذ بهما وترك ما سواهما"(59).
ب – رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره.
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول: (اللهم ربّ الناس! أذهب البأس، اشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً)(60).
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: "إنّ أباكما(61) كان يعوِّذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة"(62).
رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره:
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل قال: باسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، وشر كل ذي عين"(63).
وعن أبي سعيد رضي الله عنه: "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! اشتكيتَ؟ فقال: "نعم". قال جبريل: باسم الله أرقيك، من كل شيء يُؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد اللهُ يشفيك، باسم الله أرقيك"(64).
يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويندب غيره في الرقية ويرخص فيها:
عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جاريةً في وجهها سفعةٌ؛ فقال: "استرقوا لها؛ فإن بها النظرة"(65).
عن عثمان ابن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله: "ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: باسم الله ثلاثاً. وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"(66).
عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك"(67).
يقر الرسول صلى الله عليه وسلم غيره على الرقية:
عن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقي، فجاء آل عمرو ابن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى. قال: فعرضها عليه. فقال: "ما أرى بأساً، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه"(68).
وكذلك إقراره للراقي؛ كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه لما رقى سيد القوم الذين استضافوهم فلم يضيفوهم، وهو مرويٌّ في "الصحيحين"(69).

المبحث الخامس: أنواع الرقى.
أ – أنواع الرقى من جهة دواعي قراءتها:
أولاً: تقرأ الرقية لدفع البلاء قبل وقوعه: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي يعوّذ الحسن والحسين ويقول: .. الحديث(70).
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "من قال في أول يومه أو في أول ليلته: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات؛ لم يضره شيء في ذلك اليوم أو في تلك الليلة"(71).
وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه"(72).
وتقدم حديث مسلم عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "فمن نزل منزلاً أن يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق".
ثانياً: تقرأ الرقية لرفع البلاء بعد وقوعه: قد تقدم ذكر طائفة من الأحاديث المرفوعة الصحيحة في هذا المعنى عن عائشة رضي الله عنها في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه وشكواه، وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه في وضع اليد على موضع الألم من الجسد ثم القراءة ونحوها؛ مما يفيد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ورقيته لنفسه، ورقيته صلى الله عليه وسلم لغيره، ورقية غيره له صلى الله عليه وسلم، وترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ووصيته لمن وجد ألماً أو نزل به بلاء(73).
ب – أنواع الرقى من جهة ما يقرأ به.
أولاً: الرقية بالقرآن الكريم:
ثبت فيما تقدم ذكره قراءة سورة (الفاتحة)، كما في حديث النفر الذين انطلقوا في سفرة، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للراقي قراءة سورة (الفاتحة) وإنها رقية(74).
وثبت كذلك أن سورة (البقرة) رقية نافعة كما في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "... اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلةُ"(75).
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر؛ إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"(76).
وثبت كذلك أن قراءة (آية الكرسي) من الرقى النافعة بإذن الله تعالى، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه حين كان يحرس الصدقة، وجاءه شيطان في صورة رجل يسرق الطعام.. فقال الشيطان لأبي هريرة: "إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) حتى تختم الآية؛ فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح"(77). وفيه إقرار النبي أنها رقية.
وثبت كذلك أن قراءةَ (المعوذات) من الرقى النافعة، وقد تقدم ذكرُ النصوص الدالة على ذلك من قول النبي وفعله، ومن فعل غيره له(78).
ثانياً: الرقية بالأدعية والأذكار:
وقد ثبت ذلك كما في أحاديث وأدعية النبي، وأمره ووصيته لأصحابه وقد تقدم ذكر طائفة لا بأس بها منها(79).

حكم رقى الجاهلية وأهل الكتاب:
ذكر الإمام ابن حجر رحمه الله أن الربيع قال: سألت الشافعي عن الرقية؟ فقال: لا بأس أن يرقى بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله. قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ قال: نعم، إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وبذكر الله..
(ثم قال الحافظ): وفي الموطّأ أن أبا بكر قال لليهودية التي كانت ترقي عائشة: "ارقيها بكتاب الله"(80).
(وقال الحافظ أيضاً): "وقال المازريّ: اختلف في استرقاء أهل الكتاب، فأجازها قومٌ، وكرهها مالك؛ لئلا يكون مما بدلوه. وأجاب من أجاز؛ بأن مثل هذا يبعد أن يقولوه(81)، وهو كالطب، سواء كان غير الحاذق لا يحسن أن يقول(82)، والحاذق يأنف أن يبدّل؛ حرصاً على استمرار وصفه بالحذق؛ لترويج صناعته. والحق أنه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال"(83).
ويقول الدكتور عليّ بن نفيع العلياني: "وفي قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "ارقيها بكتاب الله"؛ يعني: ارقيها بكتاب الله بما في التوراة. وفي هذا دلالة على أن اليهود إنما يغيرون الأحكام والعقائد، وأما الرقى؛ فإنهم لم يغيروها حفاظاً على فائدتها؛ فإنها إذا غيرت لا تنفع، هذا الذي يظهرُ، والله أعلم. وإلا؛ لو كانت "الرقية" مما دخله التحريف؛ لما أمنها أبو بكر الصديق على الرقية"(84).

(*) الأستاذ المساعد في قسم الفقه، بكلية الشريعة، جامعة الملك خالد، أبها.
(1) خطبة الحاجة للألباني ص 10، رقمه (1)، وقال: صحيح.
(2) معجم مقاييس اللغة لابن فارس 2/309، المصباح المنير للفيومي 1/278، القاموس المحيط للفيروز آبادي 1656.
(3) الكليات لأبي البقاء الكفوي 2/339.
(4) التعريفات للجرجاني 138.
(5) معجم الفقهاء لقلعجي وقنيبي ص 126.
(6) مدى مشروعية إيقاف أجهزة الإنعاش الطبي في حال الأمراض المستعصية للدكتور عبد الرحمن حسن النفيسة، ضمن رسائل ومسائل في الفقه ج8 ص 109-124.
(7) فتح الباري، ج10 ص 140.
(8) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لكل داء دواء، واستحباب التداوي، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج7 ص 385، برقم (69).
(9) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، فتح الباري ج10 ص 141، برقم (5678).
(10) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج1 ص 377.
(11) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، سنن ابن ماجه، ج2 ص 1137، برقم (3437).
(12) أخرجه أبو داود في كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة، سنن أبي داود، ج4 ص 7 برقم (3874).
(13) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، سنن ابن ماجه، ج2 ص 1137، برقم (3437)، وأخرجه الترمذي في كتاب القدر، باب ما جاء لا ترد الرقى ولا الدواء من قدر الله شيئاً، سنن الترمذي، ج4 ص 395، برقم (2148).
(14) أخرجه الإمام مالك في الموطأ، باب تعالج المريض، برقم (1712)، رواية يحيى الليثي، ص 674.
(15) أخرجه أبو داود في كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة، سنن أبي داود، ج4 ص 7، برقم (3874).
(16) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج6 ص 67.
(17) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، فتح الباري، ج10 ص 143 برقم (568).
(18) حاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار في فقه الإمام أبي حنيفة، ج5 ص 71، 228.
(19) الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني، ج2 ص 368-369.
(20) ذكره السيوطي في أوائل كتابه الطب النبوي كما قال العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس، ج2 ص 89.
(21) حاشية الجمل على شرح المنهج لزكريا الأنصاري، ج2 ص 134-135، وانظر روضة الطالبين وعمدة المفتين للإمام النووي، ج2 ص 96.
(22) المجموع شرح المهذب للإمام النووي، ج9 ص 50.
(23) إحياء علوم الدين، ج4 ص 263.
(24) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد للمرداوي، ج2 ص 463، وانظر كشاف القناع عن متن الإقناع، ج2 ص 76.
(25) مجموعة الفتاوى، ج18 ص 11-12.
(26) زاد المعاد في هدي خير العباد، ج4 ص 77.
(27) زاد المعاد في هدي خير العباد، ج4 ص 79.
(28) قرارات مجمع الفقة الإسلامي في دورة مؤتمره السابع، القرار رقم 69/5/7.
(29) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، فتح الباري، ج10 ص 189، برقم (5728).
(30) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، فتح الباري، ج10 ص 189، برقم (5729.
(31) تكملة البحر الرائق 8/237، كفاية الطالب الرباني 2/453 روضة الطالبين 3/285، مطالب أولي النهى 6/318، المحلى 7/426.
(32) رد المحتار 4/15، المجموع 9/50، مغني المحتاج 4/188، المحلى 7/426.
(33) رد المحتار 4/215، تكملة البحر الرائق 8/237، ابن رشد، المقدمات الممهدات 3/466، الكافي في فقه أهل المدينة /188، المجموع 9/50، مغني المحتاج 4/188، المغني 8/605، كشاف القناع 6/200.
(34) العيني: عمدة القاري 21/234، والحديث أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، صحيح البخاري 4/9، صحيح مسلم 11/154.
(35) العناية 1/101، 102، الشيرازي: المهذب 1/46، المحلى 1/222، عمدة القاري 3/33.
(36) الهداية والعناية 1/101، 102، رد المحتار 4/215، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 2/453، المجموع 9/50، حاشية الباجوري على ابن لاقاسم 2/302، المغني 8/596، كشاف القناع 6/189، المحلى 1/168، 7/398، عمدة القاري 2/33، 17/312.
(37) الهداية مع فتح القدير عليه 1/102 عمدة القاري.
(38) نيل الأوطار 1/149.
(39) أخرجه الشيخان في الصحيحين، صحيح البخاري 4/32، صحيح مسلم 2/234.
(40) حكى هذا الإجماع كثير من العلماء، منهم: ابن رشد الجد، وابن عبد البر، وابن قدامة، المقدمات الممهدات 3/430، ابن رشد الجد: البيان والتحصيل 18/617، مغني المحتاج 1/306، المغني 1/626.
(41) الهداية مع فتح القدير عليه 1/102.
(42) ابن القيم: زاد المعاد 3/88.
(43) أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه، وأخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه البيهقي في سننه وسكت عنه ابن بلبان: الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان 10/69، الحاكم: المستدرك 4/218، البيهقي: السنن الكبرى 5/10.
(44) السنن الكبرى 5/10، سنن أبي داود 3/335، المعجم الكبير 24/254، مجمع الزوائد 5/86، نيل الأوطار 9/93.
(45) السنن الكبرى 5/10.
(46) انظر الصحاح، للجوهري (6/2361)، والمصباح المنير، للفيومي (1/236).
(47) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (2/254).
(48) لسان العرب، لابن منظور (13/332).
(49) المصدر السابق (3/449).
(50) حاشية العدوي على شرح الرسالة (1/452).
(51) بواسطة فتح الباري، لابن حجر (10/196، شرح الحديث 5735).
(52) أخرجه مالك في موطئه، كتاب العين، باب التعوذ والرقية في المرض (2/943)، انظر: تنوير الحوالك (2/230).
(53) هو ضماد بن ثعلة الأزدي.
(54) (يرقي): من الرقية وهي العوذة التي يرقى بها من به آفة. المراد (بالريح) هنا: الجنون ومس الجن.
(55) (فهل لك؟) أي: فهل لك رغبة أن أرقيك.
(56) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب رفع الصوت في الخطبة وما يقول فيها (2/593 الحديث 46/868).
(57) أخرجه مسلم في صحيحه، (4/1727 رقم 220/64 ذ).
(58) متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الطب: باب النفث في الرقية (ح 5748)، صحيح مسلم، كتاب السلام: باب رقية المريض بالمعوذات والنفث (ح 2192). راجع في (ص 20) تعليق الإمام النووي والإمام ابن حجر – رحمهما الله – للوقوف على معنى (النفث) وفائدته.
(59) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الطب: باب ما جاء في الرقية بالمعوذتين (ح 2065) وقال: حسن غريب. والنسائي في سننه، كتاب الاستعاذة: باب الاستعاذة من عين الجان (ح 5509)، وابن ماجه في سننه، كتاب الطب: باب من استرقى من العين (ح 3511)، وصحه الألباني في صحيح السنن.
(60) متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الطب: باب دعاء العائد للمريض (ح 5675)، صحيح مسلم، كتاب السلام: باب استحباب رقية المريض (ح 2191)، شرح النووي على صحيح مسلم (14/180).
(61) أي: إبراهيم الخليل عليه السلام.
(62) صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: باب (10) (ح 3371)، وأبو داود في سننه، كتاب السنة باب في القرآن (ح 4737)، شرح السندي على سنن ابن ماجه (4/125).
(63) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام: باب الطب والمرض والرقى (ح 2185).
(64) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام: باب الطب والمرض والرقى (ح 2186)، شرح النووي على صحيح مسلم (14/170).
(65) متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الطب باب رقية العين (ح 5739)، صحيح مسلم كتاب السلام: باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة (ح 2197).
(66) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام: باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء (ح 2202)، شرح للنووي على صحيح مسلم (14/189 شرح الحديث 2202).
(67) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء: باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء (ح 2708)، شرح النووي على صحيح مسلم (17/31).
(68) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة (ح 2199)، السلسلة الصحيحة (ح472).
(69) متفق عليه.
(70) أخرجه البخاري في صحيحه (ح 3371).
(71) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/66) واللفظ له، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح (ح 5088) والترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى (ح 3399).
(72) متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب: فضل القرآن، باب فضل سورة البقرة (ح 5009)، صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة (ح 808).
(73) راجع ما تقدم ذكره في موضع مشروعية الرقية.
(74) متفق عليه.
(75) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل القرآن وسورة البقرة (ح 804). (البطلة): السحرة.
(76) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في البيت (ح 780).
(77) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلاً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكل فهو جائز (ح 2311).
(78) راجع ما تقدم من نصوص في موضوع مشروعية الرقية.
(79) راجع ما تقدم من نصوص في موضوع مشروعية الرقية.
(80) تقدم تخريج أثر أبي بكر.
(81) كذا في سائر طبعات الفتح، ولعل الصواب: (يبدلوه)، يؤكده السياق، والله أعلم.
(82) لعل هذا المقطع: (وهو كالطب... لا يحسن أن يقول)؛ فيه شيء من السقط، والله أعلم.
(83) فتح الباري، لابن حجر (10/197 شرح الحديث 5735).
(84) انظر: الرقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة، لعلي بن نفيع العلياني (ص8).