آثار الاستقامة على دين الله من امتثال الأوامر واجتناب النواهي عظيمة، فهي أكبر عنصر من عناصر ذهاب التوتر النفسي، والقلق، والخوف، وسائر أشكال العصبية، قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" (الأحقاف:13).
ولقد شهد علماء النفس، أن أكثر من يراجعهم، من المنحرفين عن طريق الله، أما المتدينون، و الملتزمون فهم نسبة قليلة لا تعد، ولو لم يوجد إلا هؤلاء لأغلقت مستشفيات الصحة النفسية.
ومنهم الدكتور أسامة هراوي، وكان مديراً لمستشفى الصحة النفسية في الطائف، مدة تزيد على عشر سنوات، فقد قال في محاضرة له: "إنني طول إقامتي مديرًا لهذا المستشفى -وكان وقتها في آخر أيام إدارته- لم يأتني رجل متدين، أو عالم في هذا المستشفى، إنما جاءني المنحرفون، من الأكابر، والأصاغر، والفقراء، وعلية القوم"، ثم علق قائلاً: "لأن العلماء والمتدينون، هم الذين يعالجون الأمراض النفسية، إذا عجزنا نحن في مستشفياتنا عن علاجها ذهبوا إلى المطاوع يقرءون عليهم؛ لأن معهم كتاب الله فيه شفاء لما في الصدور".
والاستقامة تجعل العبد راض بما قسم الله له، عالماً بأن كل ضيق يلاقيه في حياته، أو شظف في عيشه، إنما ذلك لنقص في استقامته، قال الله سبحانه وتعالى: "وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً" (الجـن:16)،وقال عز وجل: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" (الأعراف:96) وقال عز وجل: "من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"، وقال الله تعالى عن أهل الكتاب: "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ" (المائدة:66).
والمؤمن يوقن أن المصيبة خير له في الدنيا، وفي الآخرة، قال الله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" (البقرة:155-157)، والمؤمن يتمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن"، أو كما قال.
إذن الاستقامة علاج للأمراض التي نراها، ويقف الطب البشري عاجزاً عنها في كثير من الأحيان، وبالمقابل فالانحراف عن الطريق المستقيم، والبعد عن المنهج القويم، الذي رسمه الله تعالى لعباده، سبب لكثير من الأمراض النفسية، والعضوية، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما فشت الفاحشة في قوم قط حتى أعلنوا بها، إلا فشي فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا"، وما مرض الإيدز، والأمراض الخطيرة التي يسببها شرب الدخان، وغيرها من الأمراض الكثيرة، التي أغلب أسبابها المخالفات الشرعية، إلا تصديق لما ذكرنا.
فما أجدر الجميع أن يدخل عيادة الاستقامة التي لا تكلف مالا ولا تأخذ وقتاً ولا يعاني المريض فيها ألماً من نحو ما يلاقي في عيادات الطب البشري.
إنها دعوة مجانية ودعوة عامة للوقاية والعلاج.