نشر الفتوى والعناية بها
10 محرم 1428

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن على المسلم العاقل أن يسعى لتسخير ما ابتكره البشر من وسائل عصرية في خدمة الغرض الذي من أجله خلق الإنسان، وذلك خير وأجدى من لعن الفساد الناجم عن إفرازات الحياة العصرية جراء تسخير بعض المفسدين لها، وأدعى للحد من آثاره بأسلوب إيجابي بناء.

ثم إن الأمة الإسلامية أمة رسالة عالمية كما نطقت نصوص القرآن: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء:107)، "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (سـبأ:28)، وقد صح عنه أنه _صلى الله عليه وسلم_ قال –كما في البخاري: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)، وقد علم من حقائق الواقع أنه ليس ثمة رقعة أرضية تخلو من مسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهذه العالمية في طبيعة هذا الدين تقتضي أن نسلك كل سبيل مشروع إلى نشره وتعليم الناس ما يحتاجونه منه.

ولعل الفتاوى الشرعية من أنفع السبل التي يتعلم بها الناس أمور الدين، ويدعو بها الداعون إلى الشريعة، ومن أسباب ذلك ما يلي:
1- المستفتي طالب راغب، ومن كان بهذه المثابة فهو أقرب لقبول قول المسؤول، بخلاف المخاطب ابتداءً أو المأمور بفعل خير تركه، أو ترك نهي اقترفه.

2- الأصل في الفتوى أنها تمس حاجة المستفتي وما يفتقر إلى معرفته، ويحتاج إلى السؤال عنه، وليست من قبيل الترف في حق السائل.

3- تعرض الفتاوى للمسائل الواقعية التي تمس حياة الناس، وتلمس همومهم، بخلاف الكتب التي تسرد بين صفحاتها مسائل مفترضة وأحوال ممكنة من حيث التقسيم العقلي الذهني، وقد تكون ممكنة الوقوع في الخارج ولكنها لم ولن تقع إلاّ لشريحة ضيقة في دنيا الناس.

4- الفتاوى ليست مسائل علمية مجردة بل مرتبطة بواقع الحالة أو السائل، وما يكتنف المسألة من ظروف واقعية ينبغي أن يكون المفتى على علم بها، ولهذا قد يجد السائل في استفتائه ما يشق عثوره عليه بين طيات الكتب وخاصة بنفس الملابسات والظروف التي تتفق وحاله.

5- نشر الفتوى من قبيل نشر العلم الذي يستفيد منه المستفتي وتتعدى فائدته إلى السامعين أو القارئين، ولهذا كان يفرح الصحابة _رضوان الله عليهم_ بالأعراب الذين يردون المدينة فيسألون النبي _صلى الله عليه وسلم_ لاستفادتهم من العلم النبوي .

وهي قبل هذا كله وبعده توجيه رباني وأمر قرآني: "فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (النحل: من الآية43)، قال _عز وجل_: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ" (النساء: من الآية83).

هذه بعض مميزات الفتاوى وغيرها كثير، ولعل هذه الأسباب تفسر الإقبال منقطع النظير على كل باب يفتح للإفتاء، سواء كانت ذلك عن طريق فرصة أسئلة سنحت خلال درس علمي، أو خط هاتف فتح للفتوى، أو برنامج مرئي أو إذاعي يقدمها أو غيرها من وسائل الإفتاء الحديثة كالإنترنت.

وبعد فإذا أدركنا ما سبق أدركنا لماذا يجب أن يُعنى المختصون بالفتوى بشأن تحرير الفتاوى، والله أسأل أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.