الدعوة الفردية.. السهل الممتنع

تعتبر "الدعوة الفردية" أصل الدعوة إلى الله، ويكفيها شرفاً أن أول من مارسها هو سيد الدعاة إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه وضع – بها- أول لبنة لقيام الدولة الإسلامية الأولى. فقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما بدأ – الدعوة- بأبي بكر الصديق- رضي الله عنه- فكان البذرة الأولى للدعوة إلى هذا الدين الجديد – الإسلام- فراح يتحرك هنا وهناك، يبلغ دين الله ويبشر الناس به، فكان بمثابة النواة، واتسعت الدعوة شيئاً فشيئاً، فأسلم على يدي أبي بكر رجالٌ صاروا فيما بعد من المبشرين بالجنة.
وتنقسم الدعوة إلى الله- من حيث المدعو- إلى قسمين أساسيين، هما:
1- دعوة عامة (جمعية): وهي التي يمارسها الداعية مع عدد من الناس، أو جمع من المدعوين، بهدف إخبارهم أو إعلامهم بأوامر الله ونواهيه، مع حضهم وحثهم على طاعة الله بإتباع أوامره واجتناب نواهيه، وتحذيرهم من معصية الله بفعل ما نهى عنه أو ترك ما أمر به. من خلال عدة وسائل كإلقاء الخطب أو المواعظ أو الدروس العامة.
2- دعوة خاصة (فردية): وهي التي يمارسها الداعية مع شخص واحد من الناس، تربطه به إحدى الروابط التالية: القرابة، الزمالة، الصداقة، الجيرة، المهنة، بهدف تصحيح مفاهيمه، أو تقويم سلوكه، أو تقوية إيمانه بالله، من خلال تربيته وفق برنامج تربوي شامل يجمع بين الخلق الفاضل، والسلوك القويم، والفهم الصحيح الشامل للإسلام كدين ومنهج حياة.

فضل الدعوة إلى الله:
الأدلة على فضل الدعوة إلى الله، في صريح القرآن وصحيح السنة، أكثر من أن تحصى، وأذكر منها على سبيل المثال:
1- قال تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ) (آل عمران: آية 104).
2- وقال أيضاً: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (النحل: آية 125).
3- وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ) (النووي على مسلم 16 /227).
4- وروى البخاري وغيره من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) (الفتح 7/70).
4- وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره على أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) (الفتح 13/192، النووي على مسلم 12/228).

خصائص الدعوة الفردية:
1- أيسر ممارسة: لكونها لا تحتاج إلى علم غزير أو فقه كثير، كما لا تحتاج إلى خطيب مفوه، أو واعظ بارع، وإنما تحتاج إلى مسلم ملتزم بتعاليم دينه، قدوة في سلوكه، يعرف حقوقه وواجباته، يعرف ما له وما عليه، كما يمكن أن يقوم بها العامل في مصنعه، والفلاح في مزرعته، والمعلم في مدرسته، والطبيب في مشفاه و ...إلخ.
2- أسرع تأثيراً: فهي أكثر فعالية من الدعوة العامة، وآثارها تظهر على المدعو في وقت قصير، حيث يسهل ملاحظة إقلاع المدعو عن بعض العادات السيئة التي كان يفعلها قبل الدعوة، أو إقلاعه عن بعض الذنوب والمعاصي البارزة التي كان يرتكبها قبل التعرف على المدعو.
3- أدق قياساً: من الدعوة العامة، حيث يقوم الداعية بترتيب الخطوات، وتحديد الأولويات، ووضع خطة زمنية واضحة، ومن ثم فإنه يسهل قياس درجة التغيير الحادثة على المدعو، بعكس الدعوة العامة التي قد يكون القياس فيها مستحيا وأحياناً خادع!
4- أنجع حلاً: في الرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام أو أعداء الدعوة، على مسامع بعض الأفراد، مما يصعب التعرض له بالشرح والتفصيل في اللقاءات العامة أو الدروس الجمعية التي يحضرها جمع كبير من الناس من مختلفي الثقافات والميول.
5- أجدى تربية: من الدعوة العامة، حيث يركز الداعية فيها على خلق محدد، كالكذب أو الجبن، أو البخل أو...إلخ ... مما يرى أنه موجود فيمن يدعوه، في محاولة تستهدف تخليصه منه، ببيان مخالفته للشرع الحنيف، والخلق القويم، والطبع السليم، ومن خلال إخضاع المتربي لبرنامج علاجي واضح ومحدد الهدف يساعده على التخلص من هذا الخلق.
6- أقل تضييقاً: فالدعوة الفردية يمكن أن تتم في كل الظروف و الأحوال؛ في النادي، في الشارع، في الجامعة، في المدرسة، في وسائل المواصلات، في السفر، في الحضر، في الصحة، في المرض،.... كما يصعب التضييق عليها، بخلاف الدعوة العامة التي قد تتعرض للتضييق، أو المنع في بعض الأحيان.

محاذير الدعوة الفردية:
غير أن بعض الدعاة و خبراء الدعوة إلى الله، يحذرون من:
1- طول المدة: فهي تحتاج إلى وقت طويل، ومرات عديدة، ومن ثم فإن بعض الدعاة قد يصابون باليأس، والملل أو الفتور الدعوي.
2- قلة الإنتاج: فقد يمكث الداعية عاماً كاملاً يدعو شخصاً واحداً، وقد لا يفلح في النهاية في إحداث تغير ملموس في فهم وفكر المدعو.
3- انقطاع المتابعة: فعملية الدعوة الفردية تحتاج إلى متابعة مستمرة، ويقظة دائمة من جانب الداعية، فضلا عن نوع خاص من المعاملة مع المدعو الذي يكون في الغالب ذو طباع خاصة.
4- الارتباط بالأشخاص: حيث إنها تقوم أساساً على فكرة ربط المدعو بالداعية، وتمتين الصلة بينهما، وتوثيق العلاقة الإنسانية، وهو ما قد يكون مهما وضروريا أول الأمر، غير أنه على المدى البعيد قد يكون له آثار سلبية، حيث لا يرتبط المدعو بالفكرة قدر ما يرتبط بـ"شخص" الداعية، فإذا ما حدث شيء "ما" للداعية كسفر أو ابتعاد عن الدعوة أو انحراف عن المنهج فإن مصير هذا المدعو يكون معرضاً للخطر!
5- تعجل النتائج: فلا ينبغي أن تكون رغبة الداعية في الارتقاء بالمدعو إلى مرحلة متقدمة سبباً فى تعجل النتائج، وجني الثمر نيئة قبل نضجها، مما قد يسبب نوعاً من النكوص والارتداد السلوكي والأخلاقي لدى المدعو، بل يجب مراعاة أن "الزمن جزء من العلاج".
6- اختلاف الطباع: فلكل مدعو طباعه الخاصة، وأخلاقه المميزة، كما أن له أيضا عيوبه المتفردة، وخصاله السيئة، ومن ثم فإنه من الخطأ معاملة كل المدعوين بطريقة واحدة، وبأسلوب ثابت، فلكل منهم مفتاح شخصية، فإذا ما استطاع الداعية الوصول إلى هذا المفتاح استطاع الدخول على قلبه، وسهل عليه التأثير في سلوكه.
7- تأثير لا تأثر: فيجب أن يحذر الداعية من أن ينقلب عن فطرته السوية، أو أن يتأثر بالسيئ من خلق أو سلوك من يدعوه، وأن يجيد المخالطة مع التمايز، وأن يكون على وعي بأن مهمته هي التغيير لا التغير، والتأثير لا التأثر، والتثبيت لا التذبذب، فإن لاحظ من نفسه ميلاً أو انحرافاً فعليه بسرعة التوقف والعودة، وكم من داعية تشرب – شيئاً فشيئاً - من خلق من كان يدعوه، فصار إلى الطاعات أثقل، وإلى المعاصي أقرب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
8- إهمال ذوي القربى: من الأخطاء التي يقع فيها الدعاة إهمال ممارسة واجب الدعوة الفردية مع أولي القربى، ولنا في سيد الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة، فقد أمره ربه أن ينذر عشيرته الأقربين، فقال تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء: 214). وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما نزلت (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا فاطمة ابنة محمد يا صفية ابنة عبد المطلب يا بني عبد المطلب: لا أملك لكم من الله شيئاً سلوني من مالي ما شئتم) (النووي على مسلم 3/54). كما ذكر صاحب أسد الغابة أنه لما أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وأدعيهم إلى الإسلام فلما رجع إلى قومه دعا أباه إلى الإسلام فأسلم ثم دعا امرأته إلى الإسلام فأسلم.
فيجب على الداعية أن يبدأ بذوي قرابته، الأقرب فالأقرب حتى توجد له منعة ونصرة، فلا يصح أن يترك الداعية أهل بيته وأقاربه دون دعوتهم.

شروط التصدي للدعوة الفردية:
وكما أن ليس كل الأطباء مؤهلين للتصدي للعمليات الجراحية، ولا كل الجراحين مؤهلين لإجراء العمليات الجراحية الدقيقة، فكذا.. ليس كل الدعاة والعاملين في مجال الدعوة إلى الله، مؤهلين لممارسة الدعوة الفردية، ومن ثم فإن هناك عدداً من الصفات التي يجب أن يتحلى بها العاملون في مجال الدعوة الفردية، على وجه الخصوص، منها:-
1- الإخلاص والتجرد: فعلى قدر تجرد الداعية وإخلاصه لله عز وجل، يبارك الله في عمله، وفي وقته، ويجعل في كلامه الأثر، وفي وجهه القبول.
2- التقوى والاستقامة: فكلما ازداد الداعية تقوى لله ازداد هدى، قال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ) ( محمد – 17). وقال تعالى (... وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق - 4).
3- حسن الصلة بالله: فيجب على الداعية أن يكون كثير العبادة مستعيناً بالله في كل شأن من شئونه، قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر/29-30).
3- حسن السيرة والسريرة: فيجب أن يكون طيب السمعة، حسن السيرة، لا يعرف عنه سوء السلوك، أو فحش القول، أو بذاءة اللسان، فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: لم يكن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقا. (متفق عَلَيهِ).
4- التحلي بالأخلاق الفاضلة: فيجب على الداعية إلى الله أن يتحلى بجملة من الأخلاق الحميدة، فعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، .... (التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح). وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها قالت سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم. (رواه أبو داود).
5- القدوة العملية: فلا شك ان التربية بالقدوة هي أفضل طرق التربية الصحيحة، ومن ثم فيجب على الداعية ان يكون قدوة صالحة لمد يدعوه، في كل شيء، حتى في الأعمال الدنيوية، كالتفوق والاجتهاد في الدراسة، فلا يصح أن يكون الداعية فاشلاً في حياته العملية، أو راسبا في حياته العلمية، بل يجب أن يكون متفوقاً وناجحاً يشار إليه بالبنان، فذلك أقبل لدعوته.
6- الوعي وبعد النظر: فيجب على الداعية أن يكون واعياً، مدركاً لأبعاد الأمور، قارئاً جيداً للأحداث، يجيد التعامل مع المفاجآت، يرتب الأولويات، ويحسن التقدير، يعرف ما يجب وما لا يجب، فقيها بموازين الأحكام، يعرف ما يستوجب التقديم فيقدمه، وما حقه التأخير فيؤخره، يزن كلامه بميزان الإيمان.

وسائل الدعوة الفردية:
الدعوة الفردية، شأنها شأن الدعوة العامة، لها وسائلها وأدواتها اللازمة، وزمنها على سبيل المثال:-
1- التبسم: لا ينكر أهمية الابتسامة في حياة الدعاة إلا جاهل، فهي مفتاح القلوب، والعصا السحرية التي تكبت الغضب وتسري عن القلب المهموم. ورغم أنها حركة بسيطة بالشفتين إلا أنها تعني للمدعو الشيء الكثير، فهي بذرة صغيرة ترميها في نفسية المدعو، فتنمو وتكبر وتؤتي أكلها بإذن الله، ولم لا .. وخير الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم يقول:" تبسمك في وجه أخيك صدقة"، ويعرف حسن الخلق بأنه: "بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى"، ويقول أيضاً:" كل معروف صدقة، و إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ...". ويقول عنه أبو الدرداء رضي الله عنه :" ما رأيت أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث حديثا إلا تبسم".
2- السلام والمصافحة: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى اللهم عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه..."، و لهذا دلالة عظيمة، وأثر كبير في نفس المدعو، فهو دليل اهتمام ومحبة، تترجمها تلك الشحنات الكهربائية التي تنتقل عبر المصافحة فتزرع الحب في لقلوب.
3- التعارف والتعرف: وهي وسيلة عظيمة من وسائل الدعوة إلى الله، بل إنه لا يعقل أن يكون هناك دعوة ما لم يسبقها تعارف، قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا؛ إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم}(الحجرات 13). وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. (رواه مُسْلِمٌ).
4- التهنئة والتبركة: تعتبر التهنئة وسيلة مهمة من وسائل الدعوة إلى الله، والتهنئة لا تكون إلا في منسبة سعيدة، كالنجاح في الدراسة أو الزواج أو العودة من السفر او الحج، أو عند الرزق بمولود، وكذا في الأعياد والمناسبات الإسلامية، وهذه كلها مما يجب ان ينتبه له الدعاة، فهذه المناسبات فرصة لتوثيق الصلة بالمدعوين، والتعرف عليهم، مما يعتبر بداية جيدة وفرصة مناسبة لبدء مشروع الدعوة الفردية.
5- التهادي: الهدية تورث الحب، بل هي عنوان عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (تهادوا تحابوا) فيجب على الداعية ألا يبخل ببعض الهدايا الرمزية في سبيل دعوته، والهدية ليست موقوفة بمن تربطك به علاقة قديمة بل هي وسيلة دعوية لكسب فرد جديد، لأنه حتما سيسعى لرد الهدية مما يفتح بينكما طريقاً للدعوة.
6- التزاور: لا شك ان الزيارة وسيلة مهمة من وسائل الدعوة الفردية، غير أنه يجب على الداعية أن يتأدب بآداب الزيارة، فيحسن اختيار الوقت المناسب لظروف المدعو، فلا يزوره في وقت راحته، ولا في وقت عمله، كما يجب ألا يتدخل في شئونه الخاصة، وألا يمد يديه أو يتطلع بعينه إلى كل ما يخص المدعو، من أوراق أو كتب أو أشرطة، وأن يخفف مدة الزيارة، وأن يطلب من المزور ألا يتكلف في إكرامه وهكذا.
7- السؤال والاهتمام: فعلى الداعية أن يهتم بالسؤال عن المدعو، وأن يطمئن على أحواله، في العمل، وفي البيت، وأن يسأله عن ظروفه وأولاده، مع مراعاة حدود العلاقة بينهما، ومدتها، حتى لا يعتبره متطفلاً يسأل عما لا يجب.
8- المتابعة المستمرة: فالدعوة الفردية تتطلب من الداعية المتابعة المستمرة للمدعو، مخافة أن يصيبه الفتور إذا رأى إهمالاً أو عدم متابعة، وذلك لأن البيئة التي يعيشون بها لا تعينهم على الاستقامة، بل إنها تحارب كل عائد إلى ربه، كما ان قرناء السوء يبذلون جهداً كبيراً – خاصة في الفترة الأولى، ليعيدوه إلى ما كان عليه من الفساد والانحراف، ومن ثم يجب على الداعية أن يتعاهد الثمرة، بالرعاية والعناية، وأن يربطه بأصدقاء صالحين ليكونا له عونا على الخير.

وفي الختام، فإنه يجب على الداعية، وخاصة الذي يعمل في مجال الدعوة الفردية، أن يراعي عدداً من الأمور في مقدمتها: التواضع للمدعو وعدم التكبر عليه، مع مراعاة فهم الظروف العائلية والبيئية المحيطة بالمدعو، والتدرج في الدعوة وعدم الاستعجال، والبعد عن مواطن الخلاف الفقهي والفكري، مع مراعاة التعرف على ميول المدعو واهتماماته، ومراعاة الفروق الفردية بين المدعوين، والحذر من توجيه النقد المباشر، والاقتصاد في الموعظة والتقليل من الملاحظات، على أن يحتفظ لداعية لنفسه بشخصية قوية يكسوها الوقار والهيبة والاحترام.
أسأل الله العظيم أن يعلمنا ما جهلنا، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفهماً، وأن يجعلنا من عباده العاملين، وجنوده المخلصين... اللهم آمين .. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.