إيضاح وبيان في الرد على بابا الفاتيكان

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
أمام التصريحات السيئة لبابا الفاتيكان (بنديكتوس السادس) التي وصف فيها الإسلام بأنه ضد العقل، واقتباسه حواراً دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي ومثقف فارسي، والإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمام غضب المسلمين من هذه التصريحات، وماذاك إلا لأنهم يعرفون دينهم ونبيهم تمام المعرفة ولايساورهم شك في ذلك حتى لو كان التصريح من أعلى شخصية من النصارى، ولكن للرد على تصريحات البابا حتى يعلم هو وكل من جهل حقيقة هذا الدين؛ فإنني أقول له ولأولئك إن الرد على هذه التصريحات يتمثل في بيان الحقائق التالية:
أولاً: إنه لمن المؤسف حقيقة أن يصدر هذا من شخصية دينية، وخاصة أن هذا التصريح قد صدر من رأس الكنيسة الكاثوليكية بالإساءة إلى الدين الإسلامي والنبي محمد _صلى الله عليه وسلم_ بينما لم نرى أحداً من علماء المسلمين بل وحتى عامة المسلمين يسيء إلى عيسى _عليه السلام_ أو يشتمه، بل إن كل مسلم يحب عيسى عليه السلام، ويحب جميع الأنبياء عليهم السلام، وقد جاء ذلك في كتاب الله تعالى: "الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" بيان أن من صفات المسلمين أنهم يؤمنون بالله وجميع رسله ولا يفرقون بين أحد منهم فقال الله تعالى في كتابه: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ...." سورة البقرة آية285.
فالرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يؤمنون بجميع الكتب السماوية، الخالية من التحريف التي أنزلها الله تعالى على رسله، ويحبون أولئك الأنبياء، ومن كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بجميع الأنبياء. وهنا يحق للمسلمين أن يقولوا إننا نحب عيسى أكثر من النصارى، فنحن نكرم عيسى ونعتقد أنه نبي مرسل من ربه، وأن الله قد جعله معجزة فولد من غير أبٍ حتى يختبرهم، ولكنهم لم ينجحوا في الاختبار، فجعلوه إله وقالوا: إن مريم حملت به وولدته والحمل والولادة لا تكون لإله أبداً؛ إذ لا يمكن أن يولد إله قادر على التصرف ويستحق أن يقدس، ولا يمكن أن يكون مع القاذورات والنجاسات أثناء حمله وولادته. ونحن المسلمين نقول: أن الإله هو الله وحده ولا إله حق سواه وهو المستحق للعبادة وحده، قال الله تعالى في القرآن: "وما من إله إلا الله" وقال سبحانه: " قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد".
فهل نحن نحب عيسى أكثر من النصارى؟
بالتأكيد فإن الجواب: نعم.
ثانياً: وصف الإسلام بأنه ضد العقل، وهو بلا شك يدل على جهلٍ بهذا الدين، فإن أول آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كانت فيها دعوته للتعلم وكان الخطاب فيها موجه للعقل حيث، قال الله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم....." سورة العلق. فهنا قوله تعالى: "الذي خلق الإنسان من علق" ألا يدل على مخاطبة هذا العقل بأن يفكر من أين خلق الإنسان، مع أن هذه الآية نزلت في وقت لم يكن عند المسلمين (ميكروسكوبات حتى يستدلوا على كيفية خلق الجنين في الرحم) وإنما كانوا يعلمون ذلك بالتفكير فيما جاء في القران ويقولون صدق الخالق سبحانه، وقد حث القرآن في آيات كثيرة على استخدام العقل، حتى إن المنصف ليرى أن العقل موافق لهذا الدين، وما كان من خلل في التفكير فهو من البشر، وليس من الدين لقول الله تعالى في القرآن الكريم: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا". ولو رجعنا إلى القرآن الكريم وأنه حث على استخدام العقل، لوجدناه كما في قوله تعالى: "أفلا يعقلون"، "أولا يتذكرون"... ونحو ذلك من الآيات، ومن الواضح أن هذه الآيات في قوله سبحانه: (يعقلون) و (يتفكرون) أنها حث على العقل، لكن العقل الصحيح المبني على التصرفات التي يقرها العقلاء، أما أن يفعل الشخص فعلاً هو من ضرب الجنون ويقول إنه من العقل فهذا لا يقره الإسلام.
ثالثاً: اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه نشر الإسلام بالحرب، وأنه لم ينشره بالدعوة، فهذا أيضاً غير صحيح و مجانب لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ولو قرأ أحدهم ما جاء في القرآن الكريم لوجد أن الله تعالى يقول: "ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ". فالدين الإسلامي دين الرفق واللين والدعوة بالتي هي أحسن؛ لأن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم قد أرسله الله رحمة للعلمين، فقال سبحانه في القرآن الكريم: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وقد أوصانا نبينا بالرحمة فقال: (الراحمون يرحمهم الرحمن). وقال: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كل من قابله من غير المسلمين إلى الإسلام قبل أن يكون بينه وبينه حرب، وحتى قبل بدء المعركة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء رحمة، وعندما وجد في إحدى غزواته امرأة غير مسلمة مقتولة غضب، وقال: ما كان لهذه أن تقاتل، وقال: (نهيت عن قتل النساء والصبيان – أي الأطفال) بينما نرى في وقتنا الحالي أن الحروب التي يكون إحدى أطرافها من النصارى أو اليهود كثير من القتلى فيها من النساء والأطفال، وقد ذكر لنا تاريخنا الإسلامي الكثير من الأدلة على رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، حتى لو كانوا غير مسلمين، ومن ذلك قصة جاره اليهودي الذي كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يحسن إليه، وفي يوم من الأيام افتقد النبي صلى الله عليه وسلم أذى هذا اليهودي، فذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم في منزله، وعندما سأله عن كيفية معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بمرضه، أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم بذلك عندما افتقد أذاه، وذلك لأنه لم يجد الأشياء التي كان يلقيها اليهودي في طريقه فعلم أنه مريض.
رابعاً : أن الله تعالى قد تكفل بحفظ هذا الدين، وبنصرة أهله ممن أراد أن يعتدي عليهم أو يسئ إليهم بأي نوع من أنواع الإساءة، فقال سبحانه: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" وقال سبحانه: "إن الله يدافع عن الذين آمنوا"، وقال سبحانه: "إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ووعد أولياؤه المؤمنين بالتمكين في الأرض، فقال سبحانه: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" .
فالحذر الحذر من النيل من الإسلام أو نبي الإسلام، أو الإساءة للمسلمين فإن رب المسلمين يغار ويغضب، وإذا غضب سبحانه فإن أخذه أليم شديد، كما قال سبحانه في القران الكريم: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد".
وصلى الله على خير البرية وقائد الأمة المحمدية نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.