ما بقاء أمة بعد شتم نبيها؟

هزني ما جاء في جريدة "التجديد" ليوم الأربعاء الماضي، من معاودة المدعوة "حكيمة الشاوي" إلقاء ما تعتبره قصيدة وشعرا في نشاط نظمته النقابة الوطنية للسكنى والتهيئة والتعمير بمقر وزارة الإسكان، تضمن لعن وسب وشتم خير البرية صلى الله عليه وسلم، عندما قالت: "ملعون يا سيدتي من قال عنك: من ضلع أعوج خرجت"، وهذا بالمناسبة سب مباشر في شخص النبي صلى الله عليه وسلم وليس فقط استهزاء بالحديث النبوي الشريف وإن كان في حد ذاته جرم، ولكن هناك جرم أعظم من جرم. فهي تقصد بشكل صريح "من قال "وليس فقط مضمون ما قال.

ومعلوم أن كلمة "ملعون" من أقبح عبارات السب والشتم والإذاية، والكل يعلم وقعها القبيح والأليم إذا وجهت هذه الكلمة النابية لأي إنسان، فكيف إذا استهدف بها رسول الأمة وحبيبها عليه أفضل الصلاة والسلام، إذ أصل اللعن: الطرد والإبعاد. فاللعنة من العباد الطرد, ومن الله العذاب. ويقال: لعنه الله أبعده من رحمته وتوفيقه وخذله من القبول، فهل هناك مسلم في الدنيا يقبل أن يرمى باللعنة أو يشتم ويسب بها؟ وكيف يستقيم في الأذهان أن يحسب على دين من يسب ذلك الدين أو نبيه أو حتى منزله ومن أوحى به؟
والعجب العجاب أن تصل الجرأة بهذه النكرة، أن تعاود فعلتها وتكرر جرمها بعد أن سبق لها أن ألقت قبل سنوات نفس القصيدة المشؤومة على أمواج الإذاعة الوطنية، مما يعني أن ردود الفعل يومها لم تكن في المستوى المطلوب، وأن المعنية لم تلق ما يجعلها تخرس وترتدع، كما أنها لم ينفع معها ردة فعل المسلمين في الدنيا كلها عن الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن ضمنهم الشعب المغربي المسلم الذي هب بكل أطيافه لنصرة الحبيب المصطفى. الأمر الذي يعني أننا أمام طينة خاصة من الخسة واللؤم وعظيم الحقد على عقيدة ومقدسات ما يفوق المليار من البشر، والاستخفاف والسخرية بدين المغاربة الذين يتربع على عرش مملكتهم أمير المؤمنين المكلف دستوريا بحماية الملة والدين.

نقل القاضي عياض في شفائه واقعة حدثت زمن هارون الرشيد قريبة من هذه النازلة فقال: " سأل الرشيد مالكاً في رجل شتم النبي صلى الله عليه و سلم، و ذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده، فغضب مالك، وقال: يا أمير المؤمنين، ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها! من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم جلد".
ثم عقد القاضي عياض فصولا في بيان حكم من تجرأ على حضرة النبي عليه الصلاة والسلام، ومما قاله من ذلك: " اعلم ـ وفقنا الله و إياك ـ أن جميع من سب النبي صلى الله عليه و سلم، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له، أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، و العيب له، فهو ساب له، و الحكم فيه حكم الساب، يقتل كما نبينه (...) و لا نمتري فيه تصريحاً كان أو تلويحاً. و كذلك من لعنه أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام و هجر، و منكر من القول و زور، أو عيره بشيء مما جرى من البلاء و المحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة و المعهودة لديه. وهذا كله إجماع من العلماء و أئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جراً."

ثم باشر الحديث عن أدلة ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وأفعالهم وآراء السلف وعموم مذاهب المسلمين مما يطول ذكره. قال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي صلى الله عليه و سلم يقتل، و ممن قال ذلك مالك بن أنس، و الليث، و أحمد، و إسحاق، و هو مذهب الشافعي. و حكى الطبري مثله عن أبي حنيفة و أصحابه فيمن تنقصه صلى الله عليه و سلم، أو برئ منه أو كذبه. و قال سحنون من المالكية فيمن سبه: ذلك ردة كالزندقة. ثم قال: أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه و سلم المتقص له كافر.
والوعيد جار عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر. وقال ابن القاسم من فقهاء المالكية في العتبية: من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه فإنه يقتل، و حكمه عند الأمة القتل كالزنديق. قال القاضي عياض في شفائه: " وأفتى فقهاء القيروان و أصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري، وكان شاعراً متفننا في كثير من العلوم، وكان ممن يحضر مجلس القاضي أبي العباس بن طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء بالله وأنبيائه ونبينا صلى الله عليه و سلم، فأحضر له القاضي يحيى بن عمر وغيره من الفقهاء، وأمر بقتله وصلبه، فطعن بالسكين، وصلب منكسا، ثم أنزل وأحرق بالنار".
قال تعالى: "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا " و قال تعالى: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين".
قال القاضي عياض في شفائه: "وفي الحديث الصحيح: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كعب ابن الأشرف. وقال: من لكعب بن الأشرف! فإنه يؤذي الله ورسوله. ووجه إليه من قتله غيلة دون دعوة، بخلاف غيره من المشركين، وعلل قتله بأذاه له، فدل أن قتله إياه لغير الإشراك، بل للأذى.
وكذلك قتل أبا رافع، قال البراء: وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم، ويعين عليه. وكذلك أمره يوم الفتح بقتل ابن خطل وجاريتيه اللتين كانتا تغنيان بسبه صلى الله عليه و سلم".
وقال أيضا: " وإن ظهر بدليل حاله أنه لم يعتمد ذمه، ولم يقصد سبه، إما لجهالة حملته على ما قاله، أو لضجر أو سكر اضطره إليه، أو قلة مراقبة وضبط للسانه وعجرفة وتهور في كلامه، فحكم هذا الوجه حكم الوجه الأول القتل دون تلعثم، إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة، ولا بدعوى زلل اللسان، ولا بشيء مما ذكرناه، إذ كان عقله في فطرته سليماً، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ".

هذا حكم الله كما فهمه علماء الأمة إن كنا نعتز بانتسابنا للأمة، وهذا قول المالكية إن كنا نردد على مسامع الدنيا أننا على مذهب مالك، وهذا رسول الله يسب ويلعن ويشتم باسم الشعر والإبداع في بلد يقول إنه له ثوابت ومقدسات،فما بقاء الثوابت والمقدسات بعد الطعن في رسول الله.. ولعمري متى يغضب ولاة أمرنا ومتى يغضب علماؤنا ومتى تغضب مختلف هيئاتنا السياسية والقضائية والاجتماعية والثقافية والمدنية إن لم يغضبوا لحرمة رسول الله؟