أزمة لبنان بوابة التغيير في المنطقة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فمنذ أن أُمْطرت لبنان بوابل من القذائف والصواريخ اليهودية، ومنذ أن هطلت أمطار الصيف على لبنان العزيز، معلنة حرباً لا هوادة فيها، ومنعطفاً تأريخياً يلوح في الأفق ليس البعيد بل القريب، وسيناريوهات جديدة سوف تشهدها المنطقة في الأيام القليلة القادمة، خصوصاً مع التوسع اليهودي داخل الأراضي اللبنانية، والهجوم العنيف على قطاع غزة وأرض فلسطين.. أرض الكرامة..

وليست أرض الرافدين وإن شئنا نقول(بابل) ــ بالمصطلح اليهودي ــ أن أرض الرافدين ليست بمنأى عن هذه الأحداث، أن لم نقل أنها من صلبها وصميمها، وعلى هذا المشهد المريع نتلمس بعض الرؤى والآراء، حول هذه المحنة التي تمر الآن على العالم الإسلامي بشكل عام، والعرب بشكل خاص فقد بدأ القادة العرب ــ كما هي العادة ــ بأسلوب الاستجداء وذبح قرابين الولاء، والصراخ والعويل، والويل والثبور، على ما حلّ ويحلّ على أراضيهم، بعد اختلاف في السياسات، إزاء أزمة الجنديين الإسرائيليين، وآلية التعاطي معها.

ولأول مرة يصرّح العرب ــ الذين ملئوا آذاننا صراخاً عن جدوى السلام، ومبادرات الاستسلام، والتطبيع والذي لا يخفى على أحد ما تصلاه الشعوب والحكومات، من جراء هذه الخطوة المشئومة، على صُعد عديدة ــ فقرعت طبول النعي لمسيرة السلام، المطرّزة بمواقف الاستجداء والركوع المهين، لنشارك جميعاً في تشييع الجنازة المنتنة ــ أن كانت ثمة جنازة ــ! أن قراءتي الشخصية لهذه الأحداث تتضمن الآتي: أن الدولة الفارسية ليست بعيدة عن هذه الأحداث، فربما كانت هذه الأحداث، التي تحدث من الحرب الطائفية المفتعلة، والمبدوءة من الرافضة في العراق، إلى أسر الجنديين الإسرائيليين في لبنان، مروراً بعملية (الوهم المتبدد) في فلسطين، ما هي إلا رسالة مجوسية، إلى قِبَاب الحكم في الغرب؛ للضغط باتجاه الملف النووي الإيراني، مفادها أن باستطاعتنا إشعال المنطقة تحت أقدامكم، كما أنها قد تكون محاولة لاستعراض العضلات الرافضية، في وجه المد الغربي ولعل النداءات التي صدح بها الأمين العام لهيئة علماء المسلمين تجاه إيران مؤشراً مؤيداً.

قد تكون مثل هذه الأحداث والسيناريوهات، هي هي نفسها التي تتكرر على المسلمين، من افتعال أزمات حتى تغطي على مجازر وأحداث أعظم منها، والتأريخ الحديث زاخر بالعديد من الأمثلة. مما لا شك فيه أن عملية (الوعد الصادق) ــ كما يحلو لحزب الله أن يسميها ــ قد أحدثت انفراجاً طفيفاً على أرض فلسطين، وعلى الحكومة الفلسطينية المنتخبة، ولكن المرء يضع قلبه على يده، فقد يكون وراء الأكمة ما ورائها، وقد نتلمس بعضاً من مستصغر الشرر، الذي قد يبدو بين حين وآخر. أن إسرائيل بفعلتها هذه تعيدنا كثيراً إلى الوراء في منشأ التعاطي معها، وإن فعلت فليست في عقلها الطبيعي، فليست الحريات هي الحريات القديمة، وليست عقليات الشعوب العربية، لا تزال لم تتغير، ولم تعد ردود الأفعال حكراً على عالمٍ، أو مصلحٍ، أو رجل أخذ على عاتقه هم العمل؛ بل لقد أصبحت الشعوب كلها تسير في هذا المنحى، وهي قادرة على التغيير متى ما أتيحت لها الفرصة، وربما تكون فعلاً هذه هي فرصتها الحقيقية! أن اجتياح إسرائيل للبنان فيه من الخطورة على هذه الدولة المحتلة الخطر الكبير، فقد تكون لبنان بوابة التنظيمات الجهادية إلى العمق اليهودي، خصوصاً مع اختلال الأمن، واحتقان الشارع العربي، وارتفاع وتيرة العداء، ليس لكل ما هو يهودي فقط؛ بل لكل ما هو عدو للأمة. فلقد أصبحت الأمة بوعي إلى حد كبير في معرفة أعدائها صراحة.

أن هناك نقلة نوعية كبيرة في تعاطي الحركات الجهادية، والمقاومة مع العدو اليهودي، فمن أسلحة وصواريخ تحمل رؤوساً كيماوية وجرثومية، إلى صواريخ تصل إلى العمق الآمن لدولة الاحتلال، والوصول إلى السواحل البعيدة، يعد نقلة جديدة وستواصل هذه الحركات، في مزيد من الجديد على المشهد الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه. تلعب في هذه الأحداث القنوات الفضائية دوراً بارزاً ومؤثراً على صعيد المشهد العربي بأكمله فلزاماً عليها أن تكون على قدر المسئولية في التعاطي مع الأحداث بالشكل المسئول دون خوراً أو ضعف أو ركون بل بالحرفية الإعلامية التي يجب أن تكون! والسؤال المطروح: هل تقوم دولة الاحتلال اليهودي بالأمر الصحيح في التعاطي مع هذا الحدث؟ أم أنها ستستمر في هيجانها الجنوني اللامسئول؟