لا شك أن كثيراً من الناس ليسو من أهل التدقيق والبحث العلمي، بل يضيق صدرهم بعرض الخلافات والترجيح بين الآراء، ويبحثون عن الخلاصة التي تكون في جملة أو جملتين.
هكذا الناس من يوم كانوا. وارجع إلى السيرة النبوية تجد أن مراحل الصراع الأولى في العشرين عاما الأولى من بعثة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت بين عدد محدود جدا، ثم دخل عوام الناس في دين الله أفواجا بعد الفتح، وخرجوا مع أول داع للكفر في ديارهم وهم يرددون (كذّاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر). هكذا كانوا يحسبونها فلم يفقهوا ولم يتعلموا.
والناس هي الناس.
حين تتحدث إلى النصارى تجد أنهم يتكلمون عن شخص آخر غير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي نعرفه، يتكلمون عن سفاك للدماء مِزّواج للنساء.... إلخ. و (ما هكذا كان النبي)
يتكلمون عن شريعة لا تعرف إلا القتل و (الرّق)، ولا ترضى بـ (الآخر) إلا ذمياً.. إلى آخر ما يقال.
وبغض النظر عن أن في (الكتاب المقدس) بعهديه القديم والجديد، ما يستحى من ذكره في مجال النساء والقتل والتعدي على أنبياء الله بل والتعدي على ذات الله القدوس، وأن تاريخ النصارى في هتك الأعراض وسفك الدماء لا يُعرف مثله اللهم من إخوانهم اليهود بغض النظر عن هذا كله فإنني أريد أن أشير إلى شيء هو:
أن النصارى لهم مصادرهم الخاصة التي يتلقون منها في جُمْلةٍ أو جملتين. ولا يصغون إلينا إلا نادرا.
وهذا ما يحدث الآن إنهم يقرءون عن الإسلام من هذه المصادر التي ترسم لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صورة لا يرضى بها أي مسلم. ففي أحسن كلامهم يتكلمون عن شخصية مقاتلة ذات مهارة قيادية فذّة، ولكنهم يرفضون أن يقال عنه إنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
هذا ما يحدث اليوم.
ولا بد أن نكون هناك ونتكلم نحن عن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما هو أهله. ولكن كيف؟
السبل اليوم أيسر وأكثر، فهناك الفضائيات يمكننا التواجد عليها أو البث إليهم من خلالها كما يفعلون هم ويبثون كفرهم إلينا. وهناك غرف البالتوك التي لم يلتفت إليها طلبة العلم الشرعي إلى اليوم، وهناك الحديث في الملمات التي تشرئب لها الأعناق كحادث سبّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأحداث الشرق الأوسط الساخنة، فعلينا أن نحلل الحدث من وجهة نظر إسلامية ونتكلم عن أنفسنا. كيف نحن وكيف ننظر للآخر.
ولكن الفرصة تضيع بأيدي بعض رجالنا.
يضيعها من يتكلمون عن محبة (الآخر)، وهو حق لا أنازع فيه، وصورة لا بد أن تتضح لعامة الناس من النصارى وغيرهم، ولكن سياق الحديث الذي يُتَكلم فيه عن محبة الآخر هو ما أتحفظ عليه.
نحرص على مد الجسور مع الآخر وإظهار القواسم المشتركة التي يمكن التعايش من خلالها، وننادي بالتعايش، وهم عندهم مؤسسات تنصيرية ذات آلات إعلامية ونفوذ في الدوائر الرسمية وإمكانات اقتصادية ضخمة تعادل إمكانات عدد من الدول الإسلامية، هذه المؤسسات تسوق حديثنا الذي نتكلم فيه عن التعايش والاعتراف بالنصرانية بأنها دين منزل من عند الله، وغير ذلك مما يقال تسوقه لقومها على أنه اعتراف بما هم عليه، وأن الإسلام يقرهم، ولا يتنكر للنصرانية إلا حفنه من المتشددين هناك.
وزاد الطين بله حين تسربت أحاديث (محبة الآخر) المبتورة إلى أفواه بعض من المحسوبين على الصحوة الإسلامية.
وقف أحمد ديدات ـ رحمه الله رحمة واسعة وأعلى الله درجته ـ في الدنمارك هذه بعد إحدى مناظراته ـ وهي متداولة في السوق ـ يقول للمسلمين هناك حدثوهم بالإسلام دعوهم يطلعون على ما عندنا، قولوا لهم: عندنا حل لمشاكلكم كلها... قولوا لهم: لا نقر السفاح ولا زنا المحارم، ولا المثلية الجنسية، قولوا لهم: ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، قولوا لهم كتابكم محرف.... ودعوهم يقبلون أو يرفضون.
وهو والله السبيل.
إننا اليوم نحتاج إلى وضوح في الطرح مع الآخر... نكلمه عن أننا نحب له الخير، ونكره له الكفر، ونتكلم له بأنه ليس على شيء، وإن مات على كفره فهي نار تلظى.. نار لا تبقي ولا تذر. وأن الأحبار والرهبان يكذبون عليه فيما يتعلق بحق نبينا وحق ديننا الإسلام. فليس هذا الذي يقرأ عنه هو محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي نعرفه، ولا هو الإسلام الذي نقره.
وعلى أذكيائنا ومتحدثينا أن ينظروا في المآلات ويعلموا من المستفيد من كلامهم.