الاعتراف بالمقاومة ..الضرورات والصعوبات

الخطوة الحاسمة في إنهاء المعركة الدائرة في العراق وحوله،تتمثل الآن في تمكن المقاومة العراقية من نيل شرعيتها الرسمية عربيا دوليا بعد أن نالت شرعيتها الجماهيرية محليا وعربيا ودوليا في معركة تواصلت بعنف وضراوة وتحت قصف اعلامى غربي -امريكى بصفة خاصة- جرت خلاله عمليات مخططة مبرمجة لتشويه المقاومة العراقية تارة بوصمها الإرهاب وتارة بتشويه وجهتها وأهدافها وتارة باتهامها بقتل الأبرياء وتارة بوصف أبطالها بالصداميين والزرقاويين ،وفق التشويه الذي ألحقوه بصورة الرجلين الخ.

الأسباب لذلك متعددة وحيوية.فمن ناحية ،يمثل الاعتراف الرسمي بالمقاومة العراقية ممثلا للعراق ، نهاية ما سمى بالعملية السياسية في العراق والتى بذلت قوات الاحتلال جهدها طوال الوقت لتشكيل هيئاتها وتثبيتها منذ احتلال العراق وحتى الآن ،باعتبارها شكل السيطرة السياسية على العراق المحتل .الاعتراف هنا يعنى كنس الدور السياسي المشبوه لكل الذين جاءوا على ظهر الدبابة الأمريكية ولمن انضموا أليهم من بعد إذ الاعتراف يعنى أن ممثل العراق هو من قاوم الاحتلال وكل رموزه ورمزياته .ومن ناحية ثانية فان الاعتراف بالمقاومة إنما يعنى أن كل الألاعيب الإيرانية في العراق لتغيير هويته أو لتثبيت قيادة من المتعاونين معها في الحكم -في كل أجهزته الرئيسية -قد انتهت إلى الفشل ،وبحكم أن الاعتراف بالمقاومة العراقية يجعل الدور الايرانى في العراق والتفاوض الامريكى الايرانى حول العراق في مجابهة مع ممثل للعراق معترف به يرفض ما يجرى ويعتبره تدخلا في الشأن الداخلى العراقى(على خلاف مواقف من هم أمثال الحكيم الذى دعى لحوار امريكى ايرانى حول العراق ).ومن ناحية ثالثة ،فان الاعتراف بالمقاومة يعنى أن الوضع العربى بات يصب في صالح العراق العربى والاسلامى ،كما بدا يعود إلى حالته المتماسكة القديمة -التى كان عليها على الأقل وقت إعلانه رفض احتلال العراق –وفي صورة أفضل كثيرا مما هو عليه الآن إذ الاعتراف الرسمى العربى بالمقاومة يعنى رفض الاحتلال ورفض ما نتج عن الاحتلال من تغييرات وكذا يمثل اعترافا بما أنجزته المقاومة العراقية خلال مواجهتها للاحتلال واعتراف في الآن ذاته بخطأ الموقف الرسمى العربى السابق منها والانتقال إلى حالة ايجابية مع العراق بعد سنوات الارتباك والتردد وارتكاب عشرات الأخطاء في المواقف منه .ومن ناحية رابعة ،فان الاعتراف بالمقاومة العراقية على المستوى الدولى إنما يعنى أن الوضع الدولى قد ألغى اعترافه السابق بما فعلته الولايات المتحدة في العراق وبكل ما عقدته من اتفاقات مع الحكم العميل (كما يعنى انه قد استعاد رشده وبات يعود إلى حالة سياسية تقوم على الاعتراف بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال) .ومن ذلك كله يتضح مدى التغيير الذى سيحدثه الاعتراف بالمقاومة العراقية كممثل شرعى للعراق باعتباره تغييرا استراتيجيا في العراق وفي الموقف العربى وكذا تغييرا في الوضع الدولى لصالح العراق.كما هو من قبل ومن بعد يمثل اعترافا بنهاية التجربة الأمريكية في احتلال العراق إلى وضع ماساوى للقوة العسكرية الأمريكية وللسطوة الأمريكية على العالم ،كما هو يعنى توجيه ضربة قاضية للإدارة الأمريكية بقيادة الحمقى الحاليين .وهو ما يظهر بالمقابل مدى الصعوبات التى تواجهها المقاومة العراقية في محاولتها نيل الاعتراف الرسمى العربى والدولى.

السفراء العرب ومؤتمر الجامعة
لم تكن جهود الولايات المتحدة وخططها وضغوطها فور احتلالها للعراق ،لتغيير تمثيل العراق في الجامعة العربية من النظام الشرعى في العراق برئاسة صدام حسين إلى النظام العميل الذى نصبته مسالة ذات هدف واحد أو خطة في اتجاه واحد .كانت النقطة الظاهرة في الإلحاح الامريكى على الاعتراف العربى بشرعية هذا النظام العميل ناتجة عن سعى لدعم حصوله على شرعية داخلية في العراق –كجزء مكمل لما يسمى بالعملية السياسية التى استهدفت إعطاء تغييرات الاحتلال شرعية داخلية -إلا أن الضغط الامريكى من اجل الاعتراف العربى جاء أيضا بهدف إنهاء شرعية نظام حكم الرئيس العراقى صدام حسين وبشرعية إحلال نظام آخر مكانه وجعله يحظى بمكانة واعتراف عربى ،كما هى استهدفت دخول الولايات المتحدة بممثلين مباشرين في جامعة الدول العربية من خلال الحكم العميل في العراق باعتباره حكم يدين في وجوده من الأصل والأساس للقوات الأمريكية ومن ثم هو لا يمثل إلا مصالح الولايات المتحدة –وذلك استكمالا لفكرة أن أمريكا أصبحت دولة جوار عربى وفي داخل النظام العربى-كما هو استهدف أيضا تعزيز الموقف الدولى للحكم العميل في العراق باعتبار أن عدم اعتراف الدول العربية به قد يصيب بعض دول العالم بالتردد في الاعتراف به والتعامل معه .
وعلى المستوى الدولى استهدف الضغط الامريكى على دول العالم للاعتراف بالحكم العميل كممثل للعراق ،إعطاء شرعية عربية ودولية للاتفاقات التى كان مخططا عقدها مع هذا الحكم العميل على صعيد تصدير النفط العراقى -لإحكام سيطرة الشركات الأمريكية عليه -وعلى صعيد اتفاقيات بناء قواعد أمريكية دائمة في العراق .
وفي مواجهة هذه الحالة وإذ وضعت المقاومة نصب أعينها إفشال العملية السياسية التى بناها الاحتلال في داخل العراق -حتى لا يحصل على شرعية داخلية -فإنها وضعت نصب أعينها قطع الطريق على كل إقدام لاى نظام عربى على الاعتراف بالنظام العميل في العراق باعتبار أن الاعتراف العربى هو الطريق للاعتراف الداخلى وللاعتراف الدولى بهذا النظام وهو ما جرى وفق صراع وصل حد قصف سفارات الدول العربية(والإسلامية)التى أقامت علاقات ديبلوماسية كاملة مع الحكم العميل كما راح ضحيتة بعض الديبلوماسيين بين قتيل ومصاب .وقد كان ذلك خلف ما تعرضت له بعثة الجامعة العربية التى زارت العراق من عملية عسكرية تحذيرية خلال وجودها في بغداد .كما كانت تلك الرؤية هى ما دفع لمشاركة بعض المؤيدين للمقاومة في ما سمى بمؤتمر المصالحة العراقية المنعقد بالقاهرة–رغم رفضهم من الأصل الاعتراف بالحكم العميل الذى شارك في المؤتمر-باعتباره منعقدا تحت إشراف الجامعة العربية ،كما كان ذلك خلف تركيز من حضر من مؤيدى المقاومة أو المدافعين عن حقها في المقاومة ،على إنهاء فكرة تمثيل الحكم الحالى للعراق على المستوى العربى من خلال جعل المؤتمر منبرا للحديث عن المقاوم بما يكسبها شرعية عربية رسمية بسبب طبيعة الانعقاد للمؤتمر ومكان انعقاده .

الاعتراف العربى ..المنشود

المتابع لنشاط المقاومة منذ انطلاقها يلحظ أن المقاومة سعت إلى إجهاض كل محاولات إضفاء الشرعية الداخلية على التشكيل السياسى الذى أسسته قوات الاحتلال من خلال الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات وعملية التصويت على الدستور ومن خلال عدم المشاركة في ما يسمى بالعملية السياسية ،بنفس القدر الذى سعت فيه إلى إجهاض كل محاولة من الدول العربية للاعتراف به .والآن وبعد ثلاث سنوات على الاحتلال تدخل المقاومة العراقية مرحلة جديدة تستهدف نيل الاعتراف بتمثيل المقاومة للعراق.مظاهر هذا التطور الجديد متعددة منها الرسالة التى وجهها عزت إبراهيم نائب الرئيس العراقى إلى اجتماع قمة الخرطوم طالبا الاعتراف بالمقاومة كممثل شرعى ووحيد للشعب العراقى وإنهاء الاعتراف بالنظام العميل ومنها المطالبات التى أعلنت في المؤتمر الرابع لدعم الانتفاضة ،المنعقد في بيروت يوم 31 مارس الماضى بإصدار نص صريح بان المقاومة العراقية هى الممثل الشرعى والوحيد للشعب العراقى .ومنها التطورات الحادثة على صعيد انعقاد العديد من المؤتمرات السياسية لدعم المقاومة العراقية في ايطاليا وفرنسا واستراليا صدرت فيها مطالبات شعبية بالاعتراف الرسمى بالمقاومة العراقية.
وواقع الحال أن تغيير الموقف العربى الرسمى هى عملية متطاولة لا شك أنها لا يمكن أن تتنامى إلا بقدر ضعضعة قوات الاحتلال ،باعتبار أن إنجاز مهمة الاعتراف العربى لا يمكن أن تتم إلا في ضوء "تأكد" الدول العربية بان قوات الاحتلال الأمريكية في طريقها إلى الانسحاب بما يحرر هذه الدول من الضغط الامريكى على الأرض أو بما يجعل اعترافها بالمقاومة ليس موجها بالأساس ضد الولايات المتحدة ،كما هو يتطلب نموا في المطالبة الشعبية العربية للحكومات للاعتراف بالمقاومة -ذلك أن الاعتراف هو قضية شعبية وقضية رأى عام –ومن ثم هو يحتاج إلى عمل شعبى منظم وجهد على مستوى الإعلام العربى المقاوم للضغط بهذا الاتجاه ،إذ مثل هذا العمل الشعبى هو العامل الاساسى في تغيير المواقف الرسمية .كما يحتاج إنجاز هذا الاعتراف إلى جهد مخطط للمقاومة العراقية لأجل تحقيق هذا الهدف بما يتطلبه ذلك من إجراءات وتكتيكات داخل العراق ليس فقط لاستمرار هز الثقة أكثر وأكثر في جهاز الدولة العميل للاحتلال ،لكن من خلال توسيع شبكات الاتصال والإعلام السياسى بالتركيز على هذه القضية ووضعها على جدول الأعمال في كل البيانات السياسية الصادرة عن المقاومة . خاصة وان مساحة قد فتحت الآن أمام تحسن الموقف الرسمى العربى ،بسبب حالة الانهيار والتخبط التى يعانى منها الاحتلال ونتيجة للقلق العربى من التدخل الايرانى الفظ في العراق ،فتلك عوامل مساعدة ومهيئة ومحركة.

الاعتراف ..ومخاطره

خلال جهود المقاومة الفلسطينية وعبر نضالها التاريخي ،حصلت المقاومة الفلسطينية على حقها الشرعي في تمثيل الشعب الفلسطيني بطريقة لم تكن صعبة على صعيد الوضع العربى ،إلا أنها كانت قضية بالغة التعقيد على المستوى الدولى انتهت في النهاية بتقديم المنظمة تنازلات خطيرة وضارة.لقد سهل من قضية الاعتراف الرسمى العربى بمنظمة التحرير الفلسطينية -كممثل شرعى للشعب الفلسطينى -أنها نشأت في أحضان النظام الرسمى العربى بما أعطاها صفتها في مؤتمرات القمة العربية دون مشكلات ،كما سهل من حصولها على الاعتراف العربى أن الوضع العربى كان مازال يعيش في زخم "الاستقلال".وفي ذلك لم يكن معقدا في الوضع العربى بهذا الخصوص سوى الموقف الاردنى لأبعاد تاريخية تتعلق بالارتباط بين الضفة والأردن وهو ما احتاج صراع وجهد سياسى حتى تم الوصول إلى نتيجة بشأنه .
غير أن الاعتراف الدولى كان حالة معقدة وخطرة ،فرغم أن منظمة التحرير قد ساعدها في الحصول عليه ظروف الحرب الباردة –إذ حصلت على اعتراف دول الكتلة السوفيتية -فان الاعتراف الامريكى بها قد تطلب من منظمة التحرير تقديم التنازلات المعروفة وفق ما جرى في اتفاقات اوسلو وتطوراتها .
وفي ضوء تلك التجربة فان المقاومة العراقية في نيلها حق التمثيل الشرعى للعراق شعبا وأرضا وحكما إنما تواجه ثلاث مصاعب أساسية ،أولها أن الاحتلال أقام سلطة في العراق وحصل لها على بعض من الاعتراف العربى والدولى وهو ما يعنى ضرورة استمرار العمل وفق خطة تصاعدية لإفقاده كل قدرة على ادعاء تمثيل الشعب العراق ،فرغم أن المقاومة قطعت شوطا طويلا على طريق إنجاز هذا الهدف من خلال منع هذا الحكم من الحصول على شرعية التمثيل الداخلى وتقويض أجهزته ومؤسساته ،لكن المقاومة ما تزال بحاجة للانتقال من "عملية إثارة الاضطراب في هذا النظام إلى تفكيكه وإنهاء هرمية تشكيله .وثانيها أن المقاومة تنشد اعترافا بها من النظام الرسمى العربى وهو في اسوا حالات قوته أو وهو في حالة ضعف أمام عدو المقاومة بشكل خاص (أمريكا)بما يجعله يحسب لهذا الاعتراف ألف حساب وهو أمر يتطلب ضغطا شعبيا وإدارة سياسية للمعركة من قبل المقاومة لتستفيد من التناقض بين النظام الرسمى العربى وأمريكا وإيران .وثالثها أن الوضع الدولى هو في اسوا الأحوال على صعيد موقفه من كل أشكال المقاومة في العالم سواء بسبب السيطرة والسطوة الأمريكية على القرار الدولى والأمم المتحدة ،أو بسبب تدهور الموقف الاوروبى أكثر وأكثر وهو ما يتطلب تحركات سياسية دولية مترافقة بطبيعة الحال مع ضغط المقاومة على الأرض .ولعل الزيارة التى قام بها الشيخ حارث الضارى إلى موسكو هى بداية لنشاطات متعددة بهذا الاتجاه .