النقل قبل العقل
10 رجب 1426

الحمد لله الذي أنعم علينا بالعقل، وكرمنا بالإسلام، وخصنا بالقرآن، وبعث فينا خير خلقه هادياً ومبشراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.
أما بعد:

فقد مر معنا أن يوسف _عليه السلام_ جعل الصواع في رحل بنيامين، وبدا لإخوته أنه هو الذي سرقه، ثم أصر يوسف _عليه السلام_ على ألاّ يأخذ أحداً مكانه. قد يسأل سائل: كيف ساغ ليوسف _عليه السلام_ أن يأخذ أخاه مع أنه يعلم أن والده في محنة بسبب غيابه هو، فلم يزيد عليه المحن؟ والجواب أن يوسف _عليه السلام_ لم يتصرف إلا بوحي، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، وفي ذلك حكمة، و لا مجال للعقل أمام النص. إذا جاء نهر الله بطل نهر العقل مادام أمامنا وحي ونص، والله _جل وعلا_ هو الذي أذن له، فلا دخل للعقل في هذه المسائل؛ لأن العقل قاصر وفوق كل ذي علم عليم.

هل تتساوى أبصار الناس ؟ فكما أن الأبصار تختلف فالعقول تختلف. هناك من يرى أشياء على بعد كيلومترات، وهناك من يرى أبعد، مثل الزرقاء التي اشتهرت ببعد نظرها، ما معنى هذا؟ معناه أنني قد أنفي شيئاً وهو موجود، فما بالك إذا كانت المقارنة بين علم الله _عز وجل_ وعلم البشر. هل بينهما مقارنة؟ فقد تخفى علينا الحكمة، قد يكون في ظاهر الأمر إيذاء وشدة على يعقوب، لكن الله يعلم أن في ذلك حكماً ومصالح عظيمة جداً وفوق كل ذي علم عليم.

فيا أخي الكريم إياك أن تحمل عقلك أكبر مما خلق له، وهذا ما وقع فيه أصحاب المدرسة العقلية _وهم ليسوا من العقل في شيء_ أخذوا يخطئون الأحاديث الصحيحة، وينزلون الآيات في غير مواضعها. ولو أنهم أدركوا قيمة عقولهم لما فعلوا هذا، ولكن أتعلمون ما السر في ذلك؟ هو نقص في عقولهم، رغم فعلهم هذه الأفعال ليظهروا أن عقولهم كبيرة، وإلا فالعاقل هو الذي يضع الأمور في مواضعها. في عالم البشر قد يأتي بعض الناس ويقول لشخص إن والدك فعل كذا وكذا، فيقول: والدي أعلم مني وأحكم، مع أن الابن قد يكون أحكم وأعقل من أبيه، وأحياناً يقال: إن الملك أو الزعيم فعل كذا، يأتي من يقول هو أعلم منا، ربما اطلع على أمور لم نطلع عليها، فلماذا نخطِّئه، هكذا يقال. كيف إذا كان الذي أمر هو ملك الملوك، خالقنا وخالق عقولنا، كيف نأتي ونحكِّم عقولنا القاصرة في النصوص. هكذا ضل المعتزلة.

لما أمضى النبي – صلى الله عليه وسلم – العهد في صلح الحديبية، اشتد الأمر على بعض الصحابة _رضي الله عنهم_، لكن أبو بكر _رضي الله عنه_ كان يقول: هو رسول الله. يعني مادام رسول الله فالأمر وحي، ومادام وحياً فيجب أن لا نرجعه إلى عقولنا، وهذا معنى قوله _تعالى_: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ" (النساء:65). أي يحكموا شريعة الله، أمر الله ليس التحكيم في الحدود فقط ، بل في كل شيء.

نسأل الله _تعالى_ أن يأخذ بأيدينا، وألا يكلنا إلى أنفسنا وعقولنا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وصلى الله على الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.