ذكريات... ومواقف

لم يكن الأمر مصادفة، بقدر ما أنه تجاوب طبيعي بالمؤثرات المحيطة وما تحويه من حراك، كانت المؤشرات تشي وتؤكد قرب دخولي ذلك العالم الغامض والسحري، وتبعث في الذهن الخيالات اللذيذة أحياناً، والمخيفة غالباً، كنت أعلم ثقل التجربة، وألمس جدَّة التوجس، أثبّت النفس على الإقدام، لكن الجسد – ويا للجسد – ألف التراجع والتقهقر من أثر التردد والرهبة.

لم أكن وحيداً في بيئتي، ولا معزولاً في حيِّي، حتى أزعم جهلي بالمراكز الصيفية، لكن المعاينة تغني عن الخبر، ويقيني بدخول التجربة تثير التساؤلات التافهة الفجَّة، عن المسلمات الماضية الراسخة، كنت أشاكس النفس أحياناً بتساؤلات مريبة، ومبهمات مزلزلة لي فقط: لِمَ سمي المركز "مركزاً"؟، ولِمَ ربط بالإجازة وقت الراحة والأنس؟، وهل قرنه بالمعاقل التعليمية "المملة والمنفرة" سعي حثيث جاد نحو تلميع الصورة المشوهة، وعرضها لنا كظاهرة إيجابية اجتماعية جديدة؟
لم يطل الأمر كثيراً، فقد جزت الباب، ودلفت المركز.

ولي لما مضى وقفات قبل الاستطراد:
- التجارب الجديدة – وإن كانت نافعة – هي دائماً وأبداً مجال أخذ ورد، ولا يمنح النفس السكون، إلا الجزم في القرار، والاستشارة من الأخيار، أو أصحاب الخبرات الكافية، والاستخارة – ثم الاستخارة – على الدوام.

- يحمل البعد الإعلامي معاني خاصة، ومفاهيم عريضة، ينبغي تأملها وتفعيلها، وأدعوا المراكز الصيفية إلى الاهتمام بهذا الجانب، لا سيما وأنه عامل جذب مهم للأفراد، بل والمجتمع.

- المركز الصيفي: مركب تبعي، يحمل معنىً دعوياً خيراً مميزاً، وهو: مجموع الأنشطة والبرامج المتفاوتة في الجدية والطرح، يقوم عليها نخبة طيبة من الشباب غالباً، يحملون همّاً مشتركاً، ويقصدون هدفاً محدداً – على تفاوت في ذلك كله -.

أعود إلى نفسي، لأشاهدها من بُعدٍ وهي تجتاز الممر، متوجسة ذاهلة، قد طرحت اللب جانباً، والخوف رمته بعيداً، تسارق النظر خلفها، لتلمس أمناً ماضياً وتهدهد فؤادها بدعوات الصدق: لك الحمد يا الله.
باب النجاة – أو الخروج – ما زال في مرساه، رابضاً شهماً أبياً، يفتح لي ذراعيه إن رمت الهرب، ولكن... ويح نفسي!! أين تلك الشجاعة التي ادعيت وجودها في جسدي؟، وأين ذلك الإقدام الذي خِلته مُخاطاً لي فقط؟!، وأبعد من هذا أين هو السكون الذي علمت عزَّته إذ فقدته؟، أهذا هو المركز؟ أفقد مقوماتي الشخصية عند أول ولوج لي به، ما أضعف النفس حقاً.

عزائي الوحيد أني في الميدان، أخوض المعركة وحدي، وأمامي باب الإدارة، ما كان وحشاً كاسراً؛ لأني أسمع الضحكات خلفه، وما ألطف الوحش إن تبسم. طرقت الباب، وفتحته بلا إذن، إذ العقل ما كان لي، واليد تحركت بلا إرادة، والجسم خطا بلا قصد.

كنت أحسبني مثالاً للأدب، وما ضرَّني دخولي بلا تمام الإذن، يكفيني الطرق.
لا أخفيكم سراً أني وجدت وجوهاً مبتسمة لغيرها – لا لي -، وضّاءة مريحة، ارتحت لها – وإن لم أكن المقصود بها -.
لكن الصاعقة التالية قد أتتني، وأصابتني، وأذهلتني، وهَدّت كل ما تبقى من قرار نفسي لي، لكم كنت مخطئاً...
أنا المقصود بالابتسامة...
أنا المقصود بها..

ولي هنا وقفات:
- قد ينعكس المسير، ويتحقق التراجع، إن لم تحتوِ القادم إلى مركزك مذ دخوله، بادر إليه، ولا تنتظر كمال خطواته إليك.
- التذبذب النفسي – أخي المسؤول – من قِبل القادم إليك، أمر طبيعي لا يخفى، ولذا فضلاً: سكِّن نفسه وطمئنه.
- الاستقبال الحسن والمظهر اللائق، والتنظيم الرائع إن تحقق في المراكز الصيفية، فإنه يعني الكثير جداً للأب، وللابن، ثم المجتمع بكافة أطيافه واتجاهاته.
- الخلق الكريم يقلب العدو صديقاً، ويرقّي الصديق أخاً، ومرسوله الابتسامة، أخي المسؤول: فضلاً، احرص عليها.
مع دعائي الدائم لك بالتوفيق.