أخطر من العدو 2/2
8 صفر 1426

مدخل:
المنافقون!.. صنف وضيع من الناس، يتغلغلون في صفوف المؤمنين، ويتّخذون لأنفسهم أقنعةً متعددة، ويسعون إلى تفتيت الصف الإسلاميّ من الداخل، بكل ما أوتوا من مكرٍ ودهاء، أولئك العيون الضّالة، عيون الكفار والأعداء على المسلمين.. مفسدون خطِرون على الأوطان والأرواح والخطط.. هؤلاء أخطر أهل الأرض على الإسلام وأهله وجنده!.. ماذا قال الله _عز وجل_ عنهم في محكم التنـزيل؟!

"وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" (المنافقون:4)
(هُمُ الْعَدُوُّ)؛ لأنهم العدو الحقيقي الخطير، الذي ينبغي كشفه قبل تمكّنه من المسلمين وأوطانهم، فيعمل على تدميرهم وتدميرها من الداخل!

فالإيمان نعمة يهبها الله _سبحانه وتعالى_ لمن يريد من خَلْقه، ومن غير الإيمان لا معنى لهذه الحياة، ولا معنى لحياة الإنسان.. هذا الإنسان الذي إذا أشرق سنا الإيمان في قلبه، وبلغ من أغوار نفسه مداها، وتدفّق بقوّةٍ من جوانحه ووجدانه.. فإنه سيجعل منه مخلوقاً حياً يقظاً قوياً، لا تهزّه الأعاصير، ولا تخيفه قوى الدنيا كلها، وتتفجّر طاقاته المكنونة في نفسه.. فيحقق عمارة الأرض على أسسٍ أخلاقيةٍ قويمة، ويبني الحضارة الراقية التي كل شيءٍ فيها يسبّح بحمد ربه!

الإيمان نعمة من الله _عز وجل_، تَلِجُ إلى العقل، وتهزّ القلب، وتوجّه الإرادة.. فتتحرّك الجوارح للعمل بلا تردّدٍ ولا ضَعف، فينجز الإنسان المؤمن الحق، ما لا يمكن أن ينجزه أي إنسانٍ آخر لم يتمكّن الإيمان منه، وأي وهنٍ أو ضعفٍ أو تردّدٍ في إيمان المسلم، سيجعله عرضةً لمرض النفاق، فما أشقاه عندئذٍ، وما أتعسه!

مفهوم النفاق في الإسلام:
النفاق هو: التظاهر بالإسلام وإخفاء الكفر!
المنافق يُظهِر الإسلام ويُبطِن الكفر، فهو غير مؤمن، هدفه الإفساد والفتنة والإضرار بالمسلمين، وهو فاقد المروءة، خطير على المسلمين وأوطانهم، وخطره أعظم بكثيرٍ من خطر العدو المعروف الواضح، لذلك وصف الله _عز وجل_ المنافقين بأنهم هم العدوّ: "...هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ"، فالله _عز وجل_ لم يقل: هم أعوان العدو، ولا: هم من العدو، بل قال: هم العدو، فلاحظوا دقّة الوصف!.. وقد أجمل الله _عز وجل_ وصفه للمنافقين بالآية الكريمة التالية في سورة البقرة: "يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" (البقرة:9).


أهم أوصاف المنافقين وصفاتهم:
المنافقون لهم صفات كثيرة، وقد وصفهم الله _عز وجل_ في أكثر من موضعٍ من القرآن العظيم، ولن ندخل في تفصيل ذلك كثيراً، بل سنتعرّض لأهم صفات المنافقين، التي تميّزهم عن غيرهم من الناس، وسنحاول إبراز الصفات الخطيرة، التي تجعل من هذه الشريحة الخسيسة في المجتمع المسلم.. فئةً أخطر على المسلمين من العدوّ الظاهر نفسه، وذلك بالإسقاط على واقع المسلمين اليوم ومحنهم التي يمرون بها، سواء في العراق أو فلسطين أو أفغانستان.. أو أية بقعةٍ أخرى من بقاع العالَم العربيّ والإسلاميّ!

على ذلك يمكن أن نحدّد أهم صفات المنافقين بما يلي:
1- في قلوبهم مرض: فالمنافقون لا يمتلكون الشجاعة الكافية لإعلان موقفهم الحقيقيّ الذي يواجهون به أهل الإيمان.. فلا هم قادرون على إعلان الإيمان الصريح الواضح، ولا هم قادرون على إعلان إنكارهم للحق، وسبب ذلك هو المرض الذي يتمكّن من قلوبهم، فيحرفها عن طريق الإيمان:
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة:10)

2- مفسدون يزعمون الإصلاح: وهل بعد النفاق فساد وإفساد؟!.. إنهم مفسدون في الأرض، يسعون لتخريب كل بذرة خير، وكل نبتةٍ طيبة.. وبعد هذا كله، يزعمون أنهم مصلحون، يسعون إلى خير الناس، ذلك لأنّ الموازين قد اختلّت حين ابتعدت عن المقياس الربانيّ الصحيح! وهؤلاء المفسدون الذين يزعمون الإصلاح كثيرون في وقتنا الحاضر.. كثيرون.. كثيرون:
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" (البقرة:11)
لكنّ الله _عز وجل_ يفضح حقيقتهم بقولٍ قاطعٍ واضح، فهم -في حقيقة الأمر- المفسدون، الذين يحاربون الإصلاح والصلاح والمصلحين:
"أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ" (البقرة:12).

3- سفهاء زائفون: يتعالون على الناس، ويعدون الإيمان والإخلاص لله _عز وجل_، ضَربٌ من السفاهة، لكنهم أيضاً في حقيقة الأمر.. هم السفهاء المنحرفون، وهل يعلم السفيه أنه حقاً سفيه؟!
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ..."
"... أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ" (البقرة:13).

4- مخادعون متآمرون: فهم أصحاب مكرٍ سيئ، يتصفون بالخسّة واللؤم والجبن والخبث، يتلوّنون حسب الظروف، إذ تراهم أمام المؤمنين متستّرين بالإيمان، وأمام الكافرين وشياطين الإنس يخلعون ذلك الستار عن كاهلهم، فيظهرون على حقيقتهم الخسيسة.. وهم في كل ذلك إنما يرومون النيل من المؤمنين والإيقاع بهم، والتحريض عليهم، وإلحاق أقصى درجات الأذى بهم:
"وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ" (البقرة:14).

لكنّ الله _عز وجل_، يواجههم بتهديده الرهيب الذي يزلزل كيانهم، فيزيدهم عمىً وتخبّطاً، ثم يتناولهم ليحشرهم إلى مصيرهم المحتوم، بعد أن يمهلهم ولا يهملهم، ليزدادوا استهتاراً وضلالاً وشططاً وعدواناً على المؤمنين، إلى أن تحين ساعتهم، وعندئذٍ لات ساعة مندم:
"أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ" (البقرة:16).
أليسوا هم الذين ارتضوا لأنفسهم هذا المصير؟!.. ألم يكن الإيمان في متناولهم؟!.. ألم يكن الهدى طوع قلوبهم وأنفسهم؟!.. فليذوقوا إذن تبعات الظلام الذي ارتضوه لنفوسهم:
"مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ" (البقرة:17).
وليذوقوا وبال أمرهم، قلقاً واضطراباً وتيهاً وضلالاً وفزعاً وحيرة:
"أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ" (البقرة:19).
وليذوقوا وبال أمرهم كذلك، ظلاماً وظُلُماتٍ وعمىً في البصر والبصيرة:
"يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة:20).

5- غادرون لا عهد لهم: يعاهدون الله على فعل الخيرات، وعلى الالتزام بما يأمرهم به ربهم، لكنّ قلوبهم خواء، وعقولهم هراء، وشياطينهم متمكّنون من رقابهم، فما أسهل عليهم نقض عهد الله _عز وجل_:
"وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ" (التوبة:75 و76 و77).

6- يتولّون الكافرين ويتنكّرون للمؤمنين: زاعمين أنّ العزة عند الكافرين، فيسعون لها عندهم، لكنهم لن يجدوها إلا عند الله العزيز الجبّار:
"الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً" (النساء:139).

7- يتربّصون بالمؤمنين: طالبين الغنيمة إن فازوا وانتصروا، ومنقلبين عليهم مع الكافرين ضدهم إن كان الفوز من نصيب أهل الكفر:
"الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً" (النساء:141).

8- يفرحون لما يصيب المؤمنين من سوءٍ ومحنة: وكذلك يحزنون لكل خيرٍ أو فرجٍ يمكن أن يحصل لأهل الإيمان والمجاهدين في سبيل الله _عز وجل_:
"إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" (آل عمران:120).

9- مُرجِفون: فليس لهم من هَمٍ عند المحن والشدائد إلا الإرجاف، والتخويف، وتثبيط العزائم، وإرهاق الهِمَم.. إنهم السوس الذي ينخر في صفوف المؤمنين، محاولين تحقيق ما لم يستطع العدوّ تحقيقه في الأمة، فيشقّون الصفوف، ويثيرون الفتنة، ويحاولون زعزعة أي تماسكٍ للمؤمنين:
"وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً" (الأحزاب:12).

10- يتولّون يوم الزحف: فعند وقوع المحنة والبلاء، وحين تحين ساعة الاستحقاق.. تراهم أول الفارّين، وفي طليعة الخائرين الخائفين، يولّون الأدبار، ويتوارون عن ساحات النـزال الحقيقية، بكل أصنافها وأشكالها وألوانها:
"لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ" (الحشر:12).

11- يرفضون الحكم بما أنزل الله ويتحاكمون إلى الطاغوت: لأن الحكم بما أنزل الله لا يوافق أهواءهم، ولا يحقق مآربهم، ولا يستجيب لنـزواتهم.. فهم يؤمنون بما أنزل الله _عز وجل_ باللسان والمظهر فحسب، لكنهم لا ينصاعون لحكم الله، بل يصدّون عنه ويحاربونه، ويتّخذون من قوانين البشر الوضعية ديناً لهم، يأتمرون بأمرها، ويلتزمون بها؛ لأنها وحدها تتوافق مع شرورهم ومصالحهم:
"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً" (النساء:60 و61).