الطواف يوم النحر والتحلل
1 ذو الحجه 1425
مجدي الموسى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

تنتشر بين جموع الحجيج بعض الأعمال المبنية على أحكام ليس لها أصل صحيح في الشرع ، ثم يتناقلها الناس فيما بينهم، وربما يعلِّمُهَا بعضهم البعض رغم افتقارها إلى الدليل الصحيح من الكتاب أو السنة، ولا يكلِّف أحدهم نفسه سؤال أهل العلم عنها أو التأكد من مشروعيتها، وقد يترتب على فعلها مشقة وعنت، فضلاً عن خطر دخلوها في دائرة البدع، وهنا مكمن الخطر.

ومن تلك الأحكام، القول بأن من لم يدرك طواف الإفاضة يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، فإنه لا يتحلل، حتى ولو رمى جمرة العقبة وحلق وذبح إن كان متمتعاً أو قارناً؛ وذلك لأنه لم يطف طواف الإفاضة يوم النحر حتى أمسى، ومبنى هذا الحكم على حديث لا يصح سنده عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ بحال.

وهذا بحث يسير في متن وسند هذا الحديث، حتى يعرف المسلم أن هذا الحكم المستنبط من هذا الحديث غير صحيح؛ لأن الحديث الذي بني عليه هذا الحكم ضعيف لا يصح عن النبي _صلى الله عليه وسلم_، وهذا هو الحديث:

عن أم سلمة _رضي الله عنها_ قالت: "كانت ليلتي التي يصير إليّ فيها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ مساء يوم النحر، فصار إليّ، فدخل عليّ وهب ابن زمعة ودخل معه آخر من آل أبي أمية متقمصين، فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لوهب: هل أفضت؟ قال: لا والله يا رسول الله، قال: انزع عنك القميص، قال: ولم يارسول الله؟ قال: إن هذا يوم قد أرخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا – يعني من كل شيء إلا النساء – فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا بهذا البيت صرتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا حتى تطوفوا به" أخرجه أبو داود في (كتاب المناسك / باب الإفاضة في الحج، حديث رقم 1999)، وأحمد في المسند [6/295]، وابن خزيمة في صحيحه [4/312] رقم [2958]،والحاكم في المستدرك [1/665] رقم [1800]، وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي في السنن الكبرى [5/137]، والطبراني في الكبير [13/412] رقم [991].
كلهم من طرق عن ابن أبي عدي عن محمد بن إسحاق حدثنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زُمعة عن أبيه وعن أمه زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة _رضي الله عنها_... به.

وفي إسناده أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، روى عنه جماعة ولم يذكر في ترجمته جرحاً ولا تعديلاً، وأخرج له مسلم حديثاً واحداً، أما رواية جماعة عنه فلا تثبت له العدالة كما قرر ذلك أهل الحديث، وأما إخراج مسلم له في صحيحه فلا يثبت له الثقة، ولو ثبتت له الثقة بذلك السبب لقال بها الحافظ ابن حجر، فقد ترجم له في (تقريب التهذيب) بقوله: مقبول، يعني حيث يتابع وإلا فهو لين الحديث، على اصطلاح الحافظ ابن حجر، ومن تدبر وسبر كل من قال فيهم الحافظ ابن حجر" مقبول" لوجد فيهم كثيراً من المجهولين، سواءً كانت جهالة العين - وهي قليلة – أو جهالة الحال وهي كثيرة جداً، والحاصل أن أبا عبيدة بن عبد الله بن زمعة لا يعرف حاله، هذا أعدل شيء فيه، وعليه فالحديث لا يصح من هذا الوجه.

وقد أشار العلامة البيهقي إلى توهين هذا الحديث قبل إيراده له في سننه، فقال: في حديث أم سلمة حكم لا أعلم أحداً من الفقهاء يقول به، وقال الحافظ البيهقي كذلك بعد إيراد الحديث: قال أبو عبيدة وحدثتني أم قيس بنت محصن -وكانت جارة لهم- قالت: خرج من عندي عكاشة بن محصن في نفر من بني أسد.. فذكرت حديثاً بنحو حديث أم سلمة.
والحاصل أن الحديث ضعيف من هذا الوجه المتقدم عن أم سلمة وعن أم قيس بنت محصن، وآفته أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة، والله أعلم.

وله طريق أخرى أخرجه الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار [2/228] ثنا يحيى بن عثمان، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، ثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أم قيس بنت محصن مرفوعاً بنحو القصة المتقدمة في حديث أم سلمة، وهذا إسناد ضعيف، فيه علتان ظاهرتان:
الأولى: عبد الله بن لهيعة، وهو ضعيف سيئ الحفظ لا يحتج به إذا انفرد، وهذا خلاصة القول فيه.
الثانية: الانقطاع بين عروة بن الزبير وأم قيس بنت محصن، فهي _رضي الله عنها_ قديمة عهد بالإسلام ومن المهاجرات الأول ولا يثبت سماع عروة منها؛ لأن عروة ممن توفي في آخر المئة الأولى على أقوال، منها خمس وتسعين، وقول آخر تسعة وتسعين، وآخر مئة وخمس وهكذا، فالذي يظهر أنه لا يثبت له سماع منها، وكل من ترجم له لم يذكروا سماعه من أم قيس بنت محصن، وحاصل الأمر أن الحديث ضعيف من هذا الوجه كذلك، ومن تدبر في متنه والحكم الشرعي المستنبط منه لما انقضى عجبه؛ إذ كيف يختفي هذا الحكم على أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ وهم كُثُر متوافرون، بل أخذوا عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ كل صغيرة وكبيرة من الأحكام الشرعية، فإذا كان هذا الحكم معروفاً، فلِمَ لا يعرف إلا من هذا الحديث الضعيف؟! فهذا ولا شك متن منكر فضلاً عن ضعف الإسناد إليه، والله المستعان.