المجزئ من الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة
8 ذو الحجه 1430

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا البحث مشتمل على مسألتين

المسألة الأولى/المجزئ من الوقوف بعرفة
الشيخ/عبد الله الغفيلي

المسألة الثانية/ حكم المبيت بمزدلفة
الشيخ/زياد العامر

المسألة الأولى :المجزئ من الوقوف بعرفة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

هذه المسألة ذات شقين :

الشق الأول :حكم الوقوف بعرفة والدفع منها قبل الزوال

فلقد أجمع أهل العلم على أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، وأن ما بعد الزوال وقت للوقوف، و أنّ وقت الوقوف ينتهي بطلوع فجر يوم النحر، وأن من جمع في وقوفه بعرفة بين الليل والنهار من بعد الزوال فوقوفه تام ولا شيء عليه.
واختلفوا في حكم الوقوف بعرفة والدفع منها قبل الزوال ،هل يجزئ عن الوقوف بعد الزوال أم لا على قولين(1) :
القول الأول: لايجزىء؛ وهو قول جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة، وقد حكاه ابن رشد إجماعاً، حيث قال:" وأجمعوا على أن من وقف بعرفة قبل الزوال وأفاض منها قبل الزوال أنه لا يعتد بوقوفه ذلك، وأنه إن لم يرجع فيقف بعد الزوال أو يقف من ليلته تلك قبل طلوع الفجر فقد فاته الحج".
وهذا الإجماع منتقض بما سيأتي من الخلاف في ذلك.

القول الثاني: يجزىء وهو المذهب عند الحنابلة.

أدلة أصحاب القول الأول:

استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال، كما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( خذوا عني مناسككم) رواه مسلم من حديث جابر، فدل على عدم إجزاء الوقوف قبل الزوال؛ لأنه ليس وقتاً شرعياً للوقوف.
وقد أجاب الحنابلة عن دليل الجمهور بحديث عروة بن مضرس الآتي.

واستدل أصحاب القول الثاني:

بحديث عروة بن المضرس رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله إني جئت من جبل طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلاَّ وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) قال النووي: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم بأسانيد صحيحة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ووجه الشاهد: أن قوله: ( وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) دالٌّ على إجزاء الوقوف في جميع نهار عرفة ومنه الوقوف قبل الزوال، حيث حكم صلى الله عليه وسلم بتمام حجه وقضاء تفثه.
قال المجد في المنتقى بعد إيراد الحديث: وهو حجة في أنّ نهار عرفة كله وقت للوقوف اهـ.
وأجاب الجمهور بأنّ المراد بالنهار في الحديث هو ما بعد الزوال بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، حيث لم يقفوا إلا بعد الزوال.
قال الشوكاني: فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيداً لذلك المطلق ولا يخفى ما فيه.

الترجيح:

الراجح والله أعلم القول الثاني؛ وهو إجزاء الوقوف بعرفة لمن وقف بها ثم دفع منها قبل الزوال ولو لم يرجع إليها، وقد مال إليه الشوكاني ورجحه الشنقيطي؛ لظاهر حديث عروة بن المضرس المذكور، في إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم : ( أو نهاراً) وهذا يصدق على جميع أجزاء نهار عرفة، ولا يسلم جواب الجمهور عنه؛ لأن تركه صلى الله عليه وسلم الوقوف قبل الزوال لا يدل على عدم المشروعية، وإنما يدل على نفي الأفضلية؛ لدلالة حديث عروة المتقدم، ويتأكد هذا بكون عروة رضي الله عنه لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالمزدلفة، وفعله صلى الله عليه وسلم بالوقوف بعد الزوال متقدم على ذلك، فكيف يقدَّم البيان على المبيَّن مع حاجة المخاطب للبيان حالاً؟! ومعلوم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ثم إن عدم وقوفه بعرفة قبل الزوال عدم وليس فعلاً، بل الفعل هو نزوله صلى الله عليه وسلم بنمرة ، وعلى هذا فلا يقوى هذا العدم على معارضة حديث عروة ، بل غاية ما يفيد الاستحباب.
وأما استدلالهم بأن وقوف النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان بعد الزوال وقد قال: ( خذوا عني مناسككم) فيكون فعله صلى الله عليه وسلم بياناً لمجمل وهو الأمر بقوله: ( خذوا عني مناسككم) فيقتضي الوجوب، والجواب على ذلك:
أننا لا نسلم بهذا الإطلاق لهذه القاعدة في مثل هذا الموضع؛ لأن لازم هذا أن يكون الظاهر في أفعال وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج هو الوجوب إلا ما خرج بدليل، وهو قول الظاهرية ورجحه الشوكاني، أما الجمهور فإنهم وإنْ علّلوا بها في مواضع كهذا وغيره، إلا أنهم لا يلتزمون ذلك في كل مسألة، مما يدل على أن فعله صلى الله عليه وسلم دال على الاستحباب ولا شك، أما استفادة الوجوب من فعله صلى الله عليه وسلم لوقوعه بياناً للأمر المجمل، فإنما يكون افتراضه عند خُلُوِّ المسألة من قرائن تصرف عن الوجوب، أما إذا كان الفعل مقابلاً بقوله صلى الله عليه وسلم، كما هنا في حديث عروة رضي الله عنه، وهناك في تقديم الأعمال وتأخيرها في يوم النحر، فإنه ينظر في حكم الفعل عندئذ بحسب الصارف قوة وضعفاً، وقد أفادنا الصارف القولي بتفاصيله المتقدمة استحباب الوقوف بعد الزوال، وإجزاءه قبل الزوال إذا وقع بعد طلوع فجر يوم عرفة، والله أعلم.
الشق الثاني :حكم الدفع من عرفة قبل غروب الشمس
اتفق أهل العلم على أنّ الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، وأن وقت الوقوف ينتهي بطلوع فجر يوم النحر
واختلفوا في حكم الدفع قبل غروب الشمس لمن وقف بعرفة نهاراً على قولين(2):
القول الأول : يجب الوقوف بعرفة حتى غروب الشمس ؛وهذا قول الحنفية، وهو قول عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة،واستدلوا بما يأتي:

الدليل الأول :أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل واقفاً (بعرفة) حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص ثم دفع.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم" رواه مسلم من حديث جابر، فيستفاد الوجوب من فعله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه وقع بياناً لأمر مجمل، ومقتضى الأمر الوجوب عند الإطلاق،
ويناقش هذا الدليل بأن الوجوب إنما يستقيم الحكم به إذا خلا من المعارض، وأما هنا فحديث عروة بن مضرس يرد هذا الاستدلال ،وهو مارواه أهل السنن بسند صحيح عن عروة بن المضرس رضي الله عنه قال:( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله: إني جئت من جبل طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ،فهذا الحديث يصرف دلالة الفعل من الإيجاب إلى الاستحباب، لا سيما وأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً بلزوم الوقوف حتى الغروب، ولم ينه عن الإفاضة قبل غروب الشمس، مع الحاجة إلى البيان لكثرة الأمة وتفاوت أفهامهم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز،

الدليل الثاني: ما روي من طريق زمعة عن سلمة ابن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال: "كان أهل الجاهلية يقفون بعرفة حتى إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كأنها العمائم على رؤوس الرجال دفعوا..." الحديث، رواه ابن خزيمة،
ويناقش هذا الدليل بأن ابن خزيمة رواه وتبرأ من عهدة راوية حيث قال: إن أبرأهن عهدة زمعة بن صالح أهـ. وهو ضعيف كما قال ابن حجر في التقريب أهـ. وعليه فالحديث لا يصح ولا تقوى شواهده على تعضيده، ثم إنه لو صح فتكون المخالفة هنا محمولة على الاستحباب لحديث عروة، فإنه خرج مخرج العموم والإطلاق والتشريع للأمة كلها.

ووجه الدلالة منه أن الإفاضة بعد غروب الشمس مخالفة لفعل المشركين وهي واجبة للأمر بها.
وعليه، فإنه يجب على من أفاض من عرفة قبل الغروب أن يعود إليها في الليل،وإلا فعليه دم وحجه صحيح، إلا مالكاً فقال: لا حج له ،
قال ابن عبد البر: لا نعلم أحداً من العلماء قال بقول مالك، ووجه قوله ما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج، فليتحلل بعمرة وعليه الحج من قابل) أخرجه الدارقطني ،ويناقش هذا القول بأن الحديث ليس فيه نفي صحة الوقوف بعرفة في النهار لمن لم يقف في الليل، بل غاية ما فيه أن وقت الوقوف يمتد إلى آخر الليل كما أفاده حديث عروة بن مضرس المتقدم .

القول الثاني: يستحب الوقوف بعرفة حتى غروب الشمس، فإن من وقف بها نهاراً ثم دفع قبل الغروب فلا شيء عليه، وهو الأصح عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة، واختاره النووي والشنقيطي، وهو الراجح لما يلي:

أولاً: لحديث عروة بن المضرس رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله: إني جئت من جبل طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه" قال النووي: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.ا.هـ
وقال المجد في المنتقى: رواه الخمسة وصححه الترمذي، وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف .
ووجه الشاهد: أن قوله صلى الله عليه وسلم : ( وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) دال على إجزاء الوقوف لمن وقف نهاراً ثم دفع قبل الغروب، حيث حكم النبي صلى الله عليه وسلم بتمام حجه وقضاء تفثه.
وأجاب الجمهور بأن المراد بالوقوف نهاراً في الحديث، هو الوقوف حتى غروب الشمس؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، حيث لم يدفعوا إلا بعد غروب الشمس، فإن دفع قبل الغروب فحجه صحيح لحديث عروة بن مضرس المذكور، إلا أننا نوجب عليه دماً؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: "من نسى من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً".
قال النووي: رواه مالك والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً أهـ.
وأجيب: بأنه على التسليم بوجوب الدماء على من ترك نسكاً واجباً فإننا لا نسلم بكون البقاء واجباً إلى الغروب؛ ومما يدل عليه لفظ حديث عروة المتقدم، قال الشنقيطي: فقوله صلى الله عليه وسلم: ( فقد تم حجه) مرتباً له بالفاء على وقوفه بعرفة ليلاً أو نهاراً، يدل على أن الواقف نهاراً يتم حجه بذلك، والتعبير بلفظ التمام ظاهر في عدم لزوم الجبر بالدم، ولم يثبت نقل صريح في معارضة ظاهر هذا الحديث، وعدم لزوم الدم للمقتصر على النهار هو الصحيح من مذهب الشافعي؛ لدلالة هذا الحديث على ذلك كما ترى، والعلم عند الله. ا.هـ.

ثانياً: أ نه لم يثبت دليل على إيجاب الوقوف حتى غروب الشمس، وما ذكر من أدلة الجمهور فلا يسلم الاستدلال به؛ إما لعدم دلالته أو لعدم ثبوته،كما سبق في مناقشة أدلة القول الأول .
ثالثاً: أن الأصل براءة الذمة ولا ناقل لهذا الأصل فتبقى عليه.
رابعاً: إ مكان الجمع بين الأحاديث بحمل ما يظهر كونه أمراً على الاستحباب؛ لأن الأمر دال على الإيجاب والاستحباب، والامر إنما يدل على الوجوب عند الإطلاق وعدم المعارض وليس الحال كذلك هنا
خامساً: ولما في القول بالإيجاب من مشقة، لا سيما مع الزحام الشديد، وكثرة الحوادث، والمشقة تجلب التيسير، لا سيما مع كون المسألة اجتهادية وليس في النصوص ما يحتم القول بالوجوب، فتبقى على الاستحباب؛ لما فيه من إزالة للضرر ورفع للحرج، حيث يتمكن الناس بموجبه من الدفع قبل الغروب فيخف الزحام وتقل الحوادث.
فإن قيل إن هذه المشقة كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يدفع قبل الغروب مما يدل على الوجوب.
فالجواب: أن المشقة في عهده صلى الله عليه وسلم أيسر من المشقة الكائنة مع الحج في العصور المتأخرة، وذلك لكثرة الناس واستحداث المراكب وحصول الضيق والحوادث. فإن قيل إن وقوفه صلى الله عليه وسلم حتى الغروب مع المشقة دليل على الوجوب، قلنا: إن غاية ما يدل عليه تأكيد الاستحباب لا الإيجاب.
سادساً: ولأنه إذا جاز الوقوف ليلاً ولا دم عليه باتفاق العلماء فلأن يجوز الوقوف نهاراً دون الليل من باب أولى، ومن فرق بين الليل والنهار فقد فرق بين متماثلين، سوى بينهما حديث عروة المذكور آنفاً.
ولايستقيم التفريق بمخالفة المشركين في الووقف بعرفات إلى غروب الشمس لضعفه كما تقدم. هذا الله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.
-----------------------------------------------------------
المسألة الثانية
حكم المبيت بمزدلفة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فقد اختلف
أهل العلم في حكم المبيت بمزدلفة على ثلاثة أقوال

القول الأول: إنه واجب، ومن تركه فعليه دم، وهذا قول أكثر أهل العلم، وهو مذهب الشافعي وأحمد.

القول الثاني: إنه سنة من فعلها فقد أحسن، ومن لم يفعلها فلا حرج عليه، وقد قال به بعض الشافعية.

القول الثالث: إن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج فلا يصح الحج إلا به، وهو مروي عن ابن عباس وعبد الله بن الزبير، وعلقمة بن قيس، والشعبي، والحسن البصري، والنخعي، والأسود.

وهو اختيار الإمام ابن خزيمة وابن المنذر وابن جرير وابن حزم وداود الظاهري.

دليل من قال إنه واجب:

1- حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه وفيه: ( من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والدارقطني، حيث دلَّ الحديث على أن من لم يبت بمزدلفة لم يتم حجه التمام الواجب.
2- حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلمي رضي الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ( الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك) رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني.
حيث دل الحديث على أن من وقف بعرفة آخر جزء من ليلة النحر فقد أدرك الحج، وهذا يقتضي عدم ركنية المبيت بمزدلفة.
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفة الانصراف من المزدلفة بالليل، والترخيص لا يكون إلا من عزيمة وواجب، قال ابن عمر: "أرخص في أولئك – يعني الضعفة – رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه البخاري في صحيحه.

دليل من قال إنه سنة:

1- حديث الأسود أن رجلاً قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو بجمع بعد ما أفاض من عرفات فقال:" يا أمير المؤمنين قدمت الآن، فقال أما كنت وقفت بعرفات؟ قال: لا، قال: فأت عرفة وقف بها هنيهة، ثم أفضِ، فانطلق الرجل، وأصبح عمر بجمع وجعل يقول: أجاء الرجل، فلما قيل: قد جاء أفاض" رواه سعيد بن منصور وصححه ابن تيمية واحتج به أحمد.

2- حديث عروة بن مضرس المتقدم، فإنه دليل على أنه لم يبت بمزدلفة بالليل.

3- حديث عبد ا لرحمن بن يعمر الديلمي رضي الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك) رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني، فدل على أن من وقف بعرفة جزء من ليلة النحر فقد أدرك الحج، وهذا يقتضي عدم وجوب المبيت بمزدلفة.
4- إجماع العلماء على أن وقت عرفة يمتد إلى طلوع الفجر من يوم النحر، وحينئذ لم يبق وقت للمبيت بمزدلفة.

دليل من قال إنه ركن:

1- قوله تعالى: ( فَإِذَا أَفضَْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) (البقرة: من الآية198) .
2- حديث عروة بن مضرس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من شهد صلاتنا هذه وقد وقف معنا حتى ندفع، ووقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ، فمفهوم هذا الحديث أن من لم يقف بالمزدلفة حتى يدفع الإمام فلم يقضِ حجه، يؤيده رواية النسائي ( من أدرك جمعاً مع الإمام والناس حتى يفيض منها فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك مع الناس والإمام فلم يدرك) ورواية أبي يعلى ( من لم يدرك جمعاً فلا حج له) .

الإجابة على أدلة القائلين بأنه ركن:

1- إجماع العلماء أن من لم يذكر الله عند المشعر الحرام فإن حجه تام.
2- أن المراد تم حجه على أحسن وجه وأكمله، وأيضاً فإن شهود الصلاة مع الإمام ليس بشرط للتمام عند أحد من أهل العلم، وأيضاً فإن رواية النسائي أنكرها أبو جعفر العقيلي وضعفها ابن حجر، وكذا رواية أبي يعلى ضعفها ابن حجر
3- أن هذا يدل على لزوم الوقوف بمزدلفة،وهو يحصل بمجرد المرور،وليس هو في المبيت بها .

الراجح:

والحاصل أن أضعف الأقوال من قال إن المبيت ركن، وأقواها من قال إن المبيت واجب، والقول بأن المبيت سنة له حظ من النظر،وتجدر الإشارة إلى أن هذا الخلاف إنما هو في المبيت لا في الوقوف بمزدلفة ، فهو في أقل أحواله واجب والخلاف فيه ضعيف وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

_________________
(1) انظر في الخلاف في المسألة: بدائع الصنائع 2/126، وبداية المجتهد 1/348، والمجموع 8/141، والمغني 5/274، ونيل الأوطار 5/64، ومفيد الأنام لابن جاسر (310)، وأضواء البيان للشنقيطي 5/258، وغيرها.

(2) انظر في المسألة: بدائع الصنائع 2/126، والكافي لابن عبد البر (143)، والمجموع 8/123، والشرح الكبير مع الإنصاف 9/170، ونيل الأوطار 5/64، وأضواء البيان للشنقيطي 5/258، والمسائل المشكلة من مناسك الحج والعمرة للصبيحي ص20، ومجموع فتاوى وبحوث ابن منيع 3/110.

مراجع للاستزادة:
1- مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام،
للشيخ عبد الله بن جاسر (320).
2- سبل السلام للصنعاني (2/432).
3- نيل الأوطار للشوكاني (3/416).
4- حاشية ابن قاسم على الروض المربع (4/142).
5- فتح الباري لابن حجر (3/614).
6- المغني لابن قدامة (5/284).
7- المجموع للنووي (8/101).
8- حاشية ابن قاسم على الروض المربع (4/143).
9- المجموع للنووي (8/101).
10- المغني لابن قدامة (5/284).
11- نيل الأوطار للشوكاني (3/418).