جزيرة العرب بين التشريف والتكليف6-6
10 شعبان 1424

"وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون":

إن هذا القرآن شرف للعرب إذ نزل بلغتهم " قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ..." (1) "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً..." (2) "وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً..." (3)، "وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً..." (4).
وكيف لا يكون خطاب رب العالمين إلى كافة المكلفين عرباً وعجماً شرفاً للعرب، وقد جاء بلغتهم دون سواهم "وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ..." (5) قال القرطبي: "يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم، نظيره: "لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم" أي: شرفكم، فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بذلك فصاروا عيالاً عليهم؛ لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عني به من الأمر والنهي وجميع ما فيه من الأنباء فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات، ولذلك سمي عربياً"(6).
وعلى قدر التشريف يأتي التكليف، ولهذا قال بعدها: "وَسَوْفَ تُسْأَلونَ" (7)، " أي: عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له"(8) فأفهم الناس له، ينبغي "أن يكونوا أقوم الناس به، وأعلمهم بمقتضاه، وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ومن شابههم وتابعهم"(9).
فمن قام بهذا التكليف استحق الذكر والتشريف، وبالمقابل من نبذ الرسالة وضيع الأمانة عاد عليه القعود عن التكليف بالتوبيخ والتعنيف، وكان معرضاً للوعيد والتهديد، ولعل من مناسبة قول الله _عز وجل_: "وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ" بعد قوله: "لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ" (10)، الإشارة إلى أن القعود عن القيام بالذكر ظلمٌ عاقبته وخيمة قصمت مدناً وقرى وحضارات أترفت فغدا أهلها حصيداً خامدين.
فواجب على أهل الجزيرة، منبع العرب، ومشرق الإسلام، أن ينهضوا بحضارتهم، وألا يغفلوا عن تبليغ رسالات ربهم، فقد آتاهم الله ما لم يؤت أحداً من العالمين، وفضلهم على كثير من المخلوقين، "أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ" (11)، "وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ" (12)، ومن ينهض بالتكليف يناله حظه من التشريف، ولن ينسى التاريخ صلاح الدين، ومحمود بن سبكتكين.



لاهم قد أصبحت أهواؤنا شيعاً
فامنن علينا براع أنت ترضاه

راع يعيد إلى الإسلام سيرته

يرعى بنيه وعين الله ترعاه

1 الزمر: 28.
2 يوسف: 2.
3 الأحقاف: 12.
4 الرعد: 37.
5 الزخرف: 44.
6 تفسير القرطبي: (الجامع لأحكام القرآن 16/93، طبعة دار الكتاب العربي 1387هـ).
7 الزخرف: 44.
8 تفسير ابن كثير 4/130، طبعة دار الفكر 1407.
9 السابق 4/129.
10 الأنبياء: 10.
11 الأنعام: 89.
12 الأنعام: 133.