الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية (2) مشروعيةالموازنة؟

مشروعية الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية وشروطها

قبل الدخول في الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية يحسن الجواب على سؤالٍ يكثر وروده بين طلبة العلم عند ذكر الموازنات والحديث عنها ، وهو :
هل تشرع الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية ، أو بين الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية ؟ متساءلين : أليس في ذلك تنقصاً للشريعة ؟!
وهي وجهة نظر لبعض الأساتذة الكبار ممن ألفوا في الفقه السياسي ، ختمها بقول الشاعر :
ألم تر أنَّ السيف يُزري بقدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وقد علّقتُ عليها في موضعها بما أظهر لي أنَّ محلّ الخُلْف مختلف .. ذلك أنّ التعليلات التي أوردها تدور على المقارنات التي تجافي الحق والفكر ، وتتجاهل جذور الإختلاف في المنشأ والمنهج والهدف والخصائص ، وهو أمر أصّل علماء الإسلام ضرورة التنبّه إليه بوصفه أحد ضمانات العدل الشرعي عند الموازنة ، كما سيتضح إن شاء الله تعالى .

سئل سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله : " هل المقارنة بين الشريعة والقانون يعد انتقاصاً للشريعة ؟

من هنا أشير وأنبِّه إلى بعض دلائل مشروعية هذا العمل في الجواب التالي :

الموازنة بين الحق والباطل ؛ لإحقاق الحق ونشره وبيان فضله وعلُوِّه على غيره ، وكشف الباطل وبيان بطلانه وإزهاقه ، منهج قرآني ، يرِد بأساليب متنوعة من مثل قول الله تعالى : ( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .
وقوله سبحانه : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
وقوله جل وعلا : ( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) ، وقوله عز وجل : ( أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) .

وقوله : ( أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) ، وقوله تعالى : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ) ، وغيرها من الموازنات التي وردت في القرآن الكريم .
وهذا المنهج قد سلكه علماء الإسلام ودعاته ، في مؤلفاتهم ، وبحوثهم ودراساتهم ، في القديم والحديث (1) .
وقد سئل سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله : " هل المقارنة بين الشريعة والقانون يعد انتقاصاً للشريعة ؟ " .