الكفارة بثمنِ الرقبةِ عند تعذُّرِها
16 ذو القعدة 1438
د. عبد الله بن حمد السَّكاكر

المقدمة

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا شبيه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ريب فيه، وسلم تسليمًا، أما بعد:

اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، إن نوازل الفقه ومستجداته مدحضة مزلة, ومسالك الفقه كالسبل يأنس سالكها بكثرة العابرين، ويستوحش لقلتهم أن يكون على غير الجادة، وإن من نوازل العصر ومستجداته مسألةَ قُدْرَةِ المكفِّر على ثمن الرقبة وعجزه عن الحصول عليها بعدما انضمت الدول الإسلامية لبقية دول العالم في تحرير الأرقاء، ومنع الرق، وبعيدًا عن مدى مشروعية هذا القرار، وتواؤمه مع مقاصد الإسلام العظيمة في تحرير الأرقاء، وفي منع استرقاق البشر بالطرق غير الشرعية كالسرقة والخطف والقهر، فإن ارتباط كثير من الكفارات في الإسلام بعتق الرقاب جعل هذه المسألة في هذه الحال من نوازل العصر، وتتأكد النازلة في الكفارات المبنية على الترتيب ككفارة القتل والظهار والجماع في نهار رمضان، فإذا ملك من وجبت عليه الكفارة مالاً يكفي لشراء الرقبة مع تعذر وجودها فهل ينتقل إلى بدلها ويكون في حكم من لم يجد الرقبة ولا ثمنها، أم أنه في حكم الواجد لها ولا يجوز له الانتقال إلى بدلها بل يلزمه التصدق بثمنها؟

أهمية البحث:

يكتسب البحث أهميته لعدد من الأمور:

  1. ارتباطه ببعض كبائر الذنوب حين يسعى المؤمن للفكاك من تبعاتها، والتخلص من شؤمها.
  2. ما يترتب عليه من نفع متعد للفقراء أو قاصر على المكفر.
  3. كما أن لهذه المسألة أهمية كبيرة من جهة أن عتق الرقبة أو التصدق بثمنها لواجده أهون عند كثير من الناس من البدل وهو صيام شهرين متتابعين، وقد يكون في بحث هذه المسألة مخرج تتحقق به جميع مقاصد الشارع الحكيم.

مشكلة البحث:

تتركز مشكلة البحث -بعد إلغاء الرق في أنحاء العالم- فيمن وجب عليه عتق رقبة وكان واجدًا لثمن الرقبة عاجزًا عن الحصول على الرقبة، فهل يُعدَّ قادرًا ويتصدق بثمنها على المساكين أو يُعْتَبر عاجزًا وينتقل للبدل؟

الدراسات السابقة:

لم أعثر على دراسات فقهية خاصة في المسألة، وقصارى ما وجدته:

  1. إشارة يسيرة إليها في كتاب التشريع الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي للشيخ عبدالقادر عودة رحمه الله، وقد اختار قيام ثمن الرقبة مقامها عند تعذرها ويتصدق به على المساكين.
  2. ومثلها في الشرح الممتع على زاد المستقنع لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله على اختلاف بينهما في الاختيار، فقد اختار اعتبار من قدر على الثمن دون الرقبة عاجزا وينتقل إلى البدل.
  3. كما عثرت على فتوى فيها مدعمة بالحجج لفضيلة الدكتور على محيي الدين القره داغي حفظه الله منشورة على موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت، وقد اختار قيام ثمن الرقبة مقامها عند تعذرها ويتصدق به على المساكين، وقدر قيمتها بنصف عشر دية المسلم الذكر، ومن الريالات السعودية والقطرية بعشرة آلاف ريال.
  4. وعثرت على إشارة لها في رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بعنوان (أحكام الكفارات) للباحث رجاء المطرفي على ملف pdf منشور على الشبكة العنكبوتية, وقد اختار اعتبار من قدر على الثمن دون الرقبة عاجزًا وينتقل إلى البدل.

على أن كل هذه الدراسات هي أقرب ما تكون إلى الفتاوى منها إلى الدراسات، ولم يُذكر في واحدة منها خلاف أو موازنة أو استدلال، وإنما يَذكرُ كلُ واحد من هؤلاء رأيه معضودا بدليل أو تعليل مختصر، عدا الدكتور القره داغي فإنه أفاض في أدلة فتواه ولكن دون بحث المسألة بحثًا مقارنًا.

خطة البحث:

يشتمل البحث على مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة:

المقدمة وفيها:

أهمية البحث، ومشكلته، والدراسات السابقة، وخطة البحث.

التمهيد وفيه:

نبذة موجزة عن إلغاء الرق, وتحرير الأرقاء.

المبحث الأول: في الواجب على من وجد ثمن الرقبة ولم يجد الرقبة في الكفارات.

المبحث الثاني: في تقدير ثمن الرقبة.

الخاتمة وتتضمن:

أهم النتائج، والمصادر والمراجع، والفهارس.

 

التمهيد

في نبذة موجزة عن إلغاء الرق, وتحرير الأرقاء

كان الرق موجودًا قبل الإسلام، كما تدل لذلك نصوص الكتاب والسنة:

فمن القرآن قول الله سبحانه وتعالى في قصة يوسف عليه السلام: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)﴾ [يوسف: 73 - 76].

قال ابن جرير رحمه الله عند هذه الآيات: وقوله: (كذلك كدنا ليوسف)، يقول: هكذا صنعنا ليوسف، (2) حتى يخلص أخاه لأبيه وأمه من إخوته لأبيه، بإقرارٍ منهم أن له أن يأخذه منهم ويحتبسه في يديه، ويحول بينه وبينهم. وذلك أنهم قالوا، إذ قيل لهم: (ما جزاؤه إن كنتم كاذبين): جزاءُ من سرق الصُّواع أن من وجد ذلك في رحله فهو مستَرَقٌّ به، وذلك كان حكمهم في دينهم. فكاد الله ليوسف كما وصف لنا حتى أخذ أخاه منهم، فصار عنده بحكمهم وصُنْعِ الله له(1).

وقال ابن عطية رحمه الله عند هذه الآيات: هذا من الكيد الذي يسره الله ليوسف عليه السلام، وذلك أنه كان في دين يعقوب أن يُستعبد السارق(2).

ومن السنة ما روى البخاري في صحيحه عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا المَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا، وَلاَ مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ، أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ»، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا»، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئُ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ»(3).

والمقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: «ممن كان قبلكم» اليهود والنصارى لما روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ»(4).

ولما جاء الله بالإسلام نظم الرق، فقصر مصادره ووسع مخارجه، فأما مصادر الرق فقد قصرها الإسلام على المصادر المشروعة روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ»(5).

أما مخارج الرق فقد وسعها الإسلام، فقد رغب في إعتاق الرقيق ابتداء وعد ذلك من أفضل القربات، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما واللفظ لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً، أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ»(6).

بل جاء الإسلام بالسراية وهي: أن من أعتق نصيبه من عبد مشترك بينه وبين آخر وكان المعتِق غنيًّا فإن العبد يعتق كله ويدفع المعتِق لشريكه حصته من ثمن العبد لما في الصحيحين واللفظ لمسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ، قُوِّمَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، لَا وَكْسَ، وَلَا شَطَطَ، ثُمَّ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا»(7).

كما جعل الإسلام عتق الرقاب إحدى الخصال في أكثر الكفارات، إما على الترتيب أو التخيير، كما في كفارات القتل، والجماع في نهار رمضان، والظهار، واليمين، ومن مسالك تخليص الأرقاء من رقهم التي جاء بها الإسلام المكاتبة ببيع العبد لنفسه، ومساعدته على ثمنه، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: 33], ومن ذلك استيلاد السيد أمته، فإنها متى ولدت من سيدها فقد أصبحت أم ولد ولم تعد أمة، ومن ذلك يعلم أن التوسع في استرقاق البشر ليس من مقاصد الشريعة الإسلامية، بل لو قيل إن تضييق مسالك الرق من مقاصد الشريعة الإسلامية لكان ذلك معضودًا بنصوص كثيرة من الوحيين مضى شيء منها آنفًا.

ومع ذلك فقد استمر وجود الرق بل ازداد بعد اكتشاف العالم الجديد حيث عمدت الدول الغربية إلى استرقاق آلاف البشر من سواحل أفريقيا الغربية بطريق غير مشروعة كالسرقة والقهر ثم أرسلتهم إلى مستعمراتها في أمريكا الشمالية والجنوبية للقيام بالأعمال الشاقة، وأرسل بعضهم إلى الدول الأوروبية نفسها لنفس الغرض(8).

ولكن العالم بعد ذلك بدأ رحلة إلغاء الرق وتحرير الأرقاء، ففي عام 1761م: البرتغال تمنع العبودية، وفي عام 1776م: تحذوا أسكوتلندا حذوها، وفي عام 1789م: الثورة الفرنسية قررت إلغاء الرق، لكن البلاد الأوربية والأمريكية ظلت تمارسه إلى نهاية القرن التاسع عشر.

وفي عام 1792م الدنمارك أقدمت على تحريم العبودية وتحرير العبيد، وفي عام 1807م الكونغرس الأمريكي يقر قانون حظر استيراد العبيد إلى أي ميناء أو مكان في الولايات المتحدة، وفي عام 1807م أجاز البرلمان الإنكليزي قانون إلغاء تجارة الرقيق، وفي عام 1827 زاد البرلمان في صرامة القانون، واعتبر تجارة الرقيق نوعاً من القرصنة وجعل عقوبتها الإعدام.

وفي عام 1814م في مؤتمر فينا عقدت الدول الأوربية معاهدة منع تجارة العبيد، وفي عام 1831م في مؤتمر لندن المنعقد في 20 أيلول اتفقت الدول الأوربية المشاركة فيه على اعتبار تجارة الرقيق من أعمال القرصنة البحرية.

وفي عام 1833م منعت بريطانيا الرق في جميع مستعمراتها، وفي عام 1834م ألغت إنكلترا الرق بقانون برلماني، وعُدّ جريمة يعاقب عليها بالموت.

وفي عام 1848 ألغت فرنسا الرق بشكل نهائي، وجعلت يوم 10 مايو يوم محاربة الرق، وفي عام 1848 عقدت بريطانيا معاهدة ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية لكبح تجارة الرقيق، وفي عام 1860م هولندا والدنمارك تحرمان الرق، وفي عام 1865م نص الدستور الأمريكي علي إلغاء العبودية.

وفي الأعوام من 1813 - 1888م حرمت جميع دول أمريكا اللاتينية الرق، ففي عام 1813 حرمته الأرجنتين وآخرها منعًا له البرازيل عام 1888.

وفي عام 1877م أبرمت معاهدة بين مصر وإنجلترا تقضي بإلغاء الاسترقاق والنخاسة في جميع أنحاء مصر، ومن جملته إقليم السودان.

وفي عام 1906م عقدت عصبة الأمم مؤتمر العبودية الدولي، حيث قرر منع تجارة العبيد وإلغاء العبودية بكافة أشكالها، وفي عام 1910م الصين تحرم العبودية، وفي عام 1924م حرّم الإنجليز تجارة الرقيق في السودان عندما كانوا يحتلونه.

وفي عام 1927م تم التوقيع علي معاهدة جنيف لمكافحة تجارة الرقيق، وفي عام 1927م تمت معاهدة جدة التي أبرمت بين الحكومة البريطانية والملك عبد العزيز رحمه الله لمنع تجارة الرق في الجزيرة العربية لكنها لم تدخل حيز التنفيذ، وفي عام 1936م صدر مرسوم منع استيراد العبيد إلى الجزيرة العربية.

وفي 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948م صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقد نصت المادة الرابعة منه على أنه (لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما)(9).

وفي 8 جمادى الأخرة 1382هـ / 7 نوفمبر 1962 أصدرت المملكة العربية السعودية قرارا بإلغاء الرق فيها.

وفي عهد الملك فيصل بن عبد العزيز (1964 - 1975م) تم سن قوانين لتفعيل قرار إلغاء الرق في المملكة، وفي عام 1969م كانت معظم الدول الإسلامية قد ألغت الرق، وفي عام 1970م تم إلغاء الرق بشكل رسمي في اليمن وعُمان، وفي عام 1981م كانت جمهورية موريتانيا الإسلامية آخر دولة تسن قانوناً لإلغاء ممارسة الرق(10).

واليوم لا يوجد أي رق نظامي، وما يوجد منه -إن وجد- فهو خارج نطاق القوانين الدولية والمحلية، وعليه فهو في حكم المعدوم.

 

المبحث الأول

الواجب على من وجد ثمن الرقبة ولم يجد الرقبة في الكفارات

اختلف أهل العلم فيمن وجب عليه تحرير رقبة في الكفارات فوجد ثمن الرقبة ولم يجد الرقبة -بعد تحرير الأرقاء ومنع الرق في سائر دول العالم- هل يُعدُّ في حكم الواجد للرقبة ويتصدق بثمنها على المساكين، أو يعد غير واجد للرقبة وينتقل إلى بدلها من الصيام ؟ على قولين:

الأقوال:

القول الأول: أن من وجد ثمن الرقبة ولم يجد رقبة يشتريها لا يعد واجدًا للرقبة، وينتقل إلى البدل، قال بهذا القول الحنابلة(11)، وأما بقية كتب المذاهب الأخرى التي أُلفت قبل تحرير الأرقاء ومنع الرق في سائر دول العالم فلم أعثر فيما اطلعت عليه منها على شيء يمكن أن أفهم منه رأيهم في هذه المسألة عدا كلمة يوردها الحنفية في كتبهم «أن القدرة على ثمن الرقبة كالقدرة على عينها في المنع من التكفير بالصوم»(12)، وقريبًا منها ما في المنهاج للشافعية «ومن ملك عبدًا أو ثمنه فاضلاً عن كفاية نفسه وعياله نفقة وكسوة وسكنى وأثاثا لابد منه، لزمه العتق)(13)، وهما كلمتان يمكن أن يفرح بهما الباحث لولا أنهما قيلتا في زمن كانت القدرة فيه على ثمن الرقبة في معنى القدرة على الرقبة لعموم وجود الرقاب في أسواق الرقيق في طول البلاد وعرضها، كما قال بهذا القول من المعاصرين الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله(14)، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله(15)، والشيخ محمد العثيمين رحمه الله(16), والشيخ صالح الفوزان حفظه الله(17)، واختاره صاحب «أحكام الكفارات»(18)، وهذا القول هو الذي يفتي به عامة طلاب العلم المعاصرين(19).

القول الثاني: أن من وجد ثمن الرقبة يُعد في معنى من وجد الرقبة، فإن وجد رقبة تُباع اشتراها وأعتقها، وإن لم يجد رقبة تباع تصدق بثمن الرقبة ولم ينتقل إلى ما بعدها من خصال الكفارة المبنية على الترتيب، قال بهذا القول من المعاصرين الشيخ عبدالقادر عودة رحمه الله(20)، والأستاذ الدكتور علي محيى الدين القره داغي في فتوى له منشورة على موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت(21).

الأدلة:

أدلة القول الأول:

  1. قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 92]، وقوله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المجادلة: 3 -4]، والشاهد من الآيتين قوله سبحانه وتعالى فيهما: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾، ومن وجد ثمن الرقبة ولم يجد رقبة تباع يصدق عليه أنه لم يجد الرقبة(22).

المناقشة:

يمكن مناقشة الاستدلال بهاتين الآيتين بأن ظاهر هاتين الآيتين غير مقصود بدليل أن من يقول بأن من وجد قيمة الرقبة ولم يجد رقبة تُباع فإنه ينتقل إلى الصيام لا يقول بذلك فيمن ليس في ملكه رقبة إذا وجد ثمن الرقبة ووجد رقبة تُباع، مع أن ظاهر الآيتين أنه ليس واجدًا للرقبة، وإذا لم يكن الظاهر مقصودًا بحرفيته فيكون محلاً للاجتهاد، ويمكننا أن نلتمس مقصود الشارع من الإعتاق ونسعى إلى تحقيقه قبل أن نقول بالانتقال إلى البدل.

  1. قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن جامع في نهار رمضان: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين» الحديث(23), فالجواب معاد في السؤال وقوله: لا. تقديره: لا أجد رقبة. وهذا يصدق على من وجد ثمن الرقبة، لكنه لم يجد رقبة يشتريها(24(.

المناقشة:

وكما يصدق على من وجد ثمن الرقبة ولم يجد رقبة تُباع فإنه يصدق أيضًا على من ملك ثمن الرقبة ووجد رقبة تُباع ولكنه لا يجد رقبة في ملكه, والذين لا يعتبرون الأول واجدًا يعتبرون الثاني واجدًا فيعتبرون ظاهر الحديث في الأول دون الثاني, وإذا كان الحديثان صريحين فيمن وجد رقبة في ملكه، وظاهرين فيمن وجد ثمنها ووجدها تباع فإنهما ليسا صريحين ولا ظاهرين فيمن وجد ثمن الرقبة ولم يجدها، فهو مما للاجتهاد فيه مجال.

  1. القياس على مالَوْ وَجَدَ ثَمَنَ الْمَاءِ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيهِ(25)، فكما أنه ينتقل هنا للبدل وهو التيمم فإنه ينتقل هناك للبدل وهو الصيام.

المناقشة:

يمكن مناقشة هذا الاستدلال بوجود الفرق، فإن ثمن الماء لا يقوم مقام الماء في التطهير بخلاف ثمن الرقبة، فإن التصدق به على المساكين في معنى العتق كما سيرد في أدلة أصحاب القول الثاني.

أدلة القول الثاني:

  1. إن الناظر في خصال الكفارة المبنية على الترتيب ككفارة القتل والظهار والوطء في نهار رمضان يلحظ أن الترتيب روعي فيه قُدرة مرتكب الذنب، وأنه لا يمكن تطهيره بفعل خصلة هو قادر على ما فوقها، وهذه الخصال رُتبت من قبل الشارع لاعتبارات يلحظها الفقيه؛ فأولى هذه الخصال: عتق الرقبة، وقد قدم لاشتماله على معنيين:

أحدهما: تأديب النفس وتطهيرها بإيلامها بالخروج عن شيء من شهواتها الكبرى وهي حب المال، فتحرير الرقبة بذل لقدر كبير من المال النفيس الذي جبلت النفوس على حبه ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر: 20]، والشح به ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء: 100].

والآخر: ما في عتق الرقبة من النفع المتعدي، حيث إن العتيق ينتفع بهذه الكفارة مع ما يحصل للمكفر من الطهارة من الذنب والتخلص من شؤمه.

الخصلة الثانية: الصيام، والصيام يشترك مع الإعتاق في أنه تأديبٌ للنفس وتطهيرٌ لها بإيلامها بترك شيء من شهواتها الكبرى وهي شهوة الطعام والشراب والجماع مدة طويلة، لكن هذه الخصلة من الكفارة نفعُها قاصر على المكفِّر لا تتعداه لغيره، فهي ليست مرادة للشارع أولا ولذا أخّرها، وهذا من تفضيل المتعدي على القاصر، ولا يمكن التسوية بين ما فرّق الله سبحانه وتعالى.

الخصلة الثالثة: إطعام ستين مسكينًا، وهذه الخصلة تشترك مع الخصلة الأولى في المعاني المقصودة منها إلا أنها تختلف عنها في سهولتها، إذ إن إطعام ستين مسكينًا يقل كثيرًا عن الإعتاق والصيام كما لا يخفى، وهذا التخفيف من رحمة الله سبحانه وتعالى، فمن قُدِر عليه رزقُه أعفي من الأولى، فإن ضعف عن الصيام أعفي من الأولى والثانية، ولعل الستين مسكينًا بالنسبة له في معنى الإعتاق أو الصيام لقلة ذات يده وضعفه عن الصيام، كما أن الفقيه يلاحظ أن النفع المتعدي في الكفارة شمل الرقيق والمساكين، وإذا كانت النعمة على عبد واحد بالعتقِ عظيمةً فإن إطعام عددٍ من المساكين يمكن أن يعدِل ذلك، وقد جعل الله سبحانه وتعالى إطعام المساكين في معنى إعتاق الرقاب كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: 12 - 16].

وقد أيدت اللجنة الدائمة للفتوى في المملكة العربية السعودية في فتواها رقم (669) سماحةَ مفتي عام المملكة السابق الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في فتواه الصادرة برقم 889 / 1 وتاريخ 5 / 4 / 1389 هـ بشأن من أوصى بعتق رقبةٍ مِن تركته كل سنة ما يصنع وكيله بعد إلغاء الرق وإعتاق كافة الأرقاء؟

وهذا نص الفتوى: المتعين عليكم تنفيذ كل ما أوصى به جدكم من ريع الملك المذكور وما دام تعذر عليكم مشترى عبيد في الوقت الحاضر، ولستم بأمل تُحصِّلون عبيدًا تباع، فالذي نراه: أنه عند تعذر مشترى العبيد يصار إلى ما في معناه مما ذكره العلماء رحمهم الله تعالى من أوجه البر والإحسان، والله تعالى إذا علم من العبد صدق النية والعزم على فعل ما تعين عليه وعجز عنه؛ أثابه الله على نيته، وأعاضه عما معه بأشياء هيأها له، وقد قال تعالى في محكم كتابه: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾، فقرن الله تعالى إطعام اليتيم القريب، والمسكين المعدم بفك الرقبة، مما يدل على أهمية هذا وعظم ثوابه، وفي معنى هذا جملة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وعليه أنتم تجمعون قيمة العبد ثم تتصدقون بها على أفقر من تجدون من قرابة الموصي، وإن كان فيهم أيتام ومدينون فهم أولى، ولا يحل أن يحابى بها أحد من غير المستحقين.ا.هـ(26).

والفقهاء يعاملون شرط الواقف بما يعاملون به نص الشارع قال ابن عابدين رحمه الله: قولهم «شرط الواقف كنص الشارع» أي في المفهوم والدلالة، ووجوب العمل به(27).

وقال الدكتور وهبة الزحيلي: «اتفق الفقهاء على هذه العبارة وهي أن «شرط الواقف كنص الشارع»(28), وعليه فيمكن أن يستأنس بتفسير سماحة المفتي العام السابق لشرط الواقف على أنه يصلح تأويلاً لنص الشارع في عتق الرقاب إذا وجد ثمنها وتعذر وجودها.

فإذا كان إطعام المساكين في معنى عتق الرقبة، وكان مقترف ما يوجب الكفارة قادرًا على ثمن الرقبة فإن القول بأنه يتصدق بثمن الرقبة على المساكين أقرب إلى مقصود الشارع -والله أعلم- من نقله إلى خصلة نفعها قاصر عليه وهي الصيام، خاصة أن كثيرًا ممن اقترفوا ما يوجب الكفارة يشق عليهم الصيام كثيرًا فيتركونه مطلقًا، أو يتساهلون في الانتقال إلى بدله وهو إطعام ستين مسكينًا كما في الظهار والجماع في نهار رمضان، وفي القتل على أحد القولين، ومن غير المعقول شرعًا وعقلاً أن يُكفِّرَ من يستطيع ثمن الرقبة بإطعام ستين مسكينًا.

  1. أن ثمن الرقبة يقوم مقام الرقبة عند عدمها لاتفاق الفقهاء على أن دية الجنين عبد أو أمة أو عُشْرُ ديةِ أُمِّهِ، أي: خمس من الإبل(29).

المناقشة:

يمكن مناقشة هذا الاستدلال بأن هذا القول يتضمن أمرين:

أحدهما: إقامة ثمن الرقبة مقام الرقبة.

والثاني: تغيير مصرف هذه الخصلة من العبد المعتق إلى المساكين.

وهذا الدليل إنما يدل على القضية الأولى دون الثانية، والفقهاء أقاموا الإبل مقام الرقبة لكن مصرفها ثابت وهم ورثة الجنين.

الجواب:

سبق في الدليل الأول بيان أن المساكين في معنى الرقاب.

  1. أن ثمن الرقبة يقوم مقامها قياسًا على دفع القيمة في الصدقات والكفارات، وهو مذهب طائفة من أهل العلم(30).

المناقشة:

يمكن مناقشة هذا الاستدلال بأنه غير ملزم لمن لا يرى جواز دفع القيمة في الصدقات والكفارات.

  1. أن ثمن الرقبة يقوم مقامها قياسًا على جواز إخراج زكاة الفطر من قوت الناس ولو لم يكن منصوصًا كالرز(31).
  2. أن ثمن الرقبة يقوم مقامها قياسًا على إخراج الغنم أو النقود بدل نقص السن في زكاة الإبل، ففي صحيح البخاري أن أنسًا رضي الله عنه حدث أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: «من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما...» الحديث(32).
  3. أن ثمن الرقبة يقوم مقامها بدليل إقامة الصحابة رضوان الله عليهم نصف صاع من الحنطة مقام صاع من التمر أو الشعير؛ لما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر -أو قال: رمضان- على الذكر، والأنثى، والحر، والمملوك صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير» فعدل الناس به نصف صاع من بر(33).
  4. أن الثمن يقوم مقام الرقبة إذا لم توجد مطلقًا، كما يقوم مقامها إذا لم توجد في ملك المكفر.
  5. أن جميع النصوص الشرعية التي ذكرت انتقال الشخص الذي وجب عليه تحرير رقبة في الكفارات إلى الصيام قيدت هذا الانتقال بعدم استطاعته المالية، ففي كفارة القتل الخطأ يقول تعالى بعد ذكر الحكم الأصلي وهو تحرير رقبة: ﴿وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 92]، وفي كفارة الأيمان يقول تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 89]، وفي كفارة الظهار يقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المجادلة: 3-4]، وكذلك الحديث الصحيح في كفارة مَنْ واقع زوجته في نهار رمضان فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» الحديث(34)، وبناءً على هذه النصوص الواضحات فإن الانتقال إلى قيمة الرقبة وهي محددة بالإجماع بخمسة جمال أولى وأوضح وأقوى من الانتقال إلى الصيام؛ لأنه انتقال إلى البدل المباشر(35).

المناقشة:

يمكن مناقشة هذا الاستدلال بأن الوجود الذي رُتب الانتقال إلى البدل على عدمه هو وجود الرقبة لا ثمنها، فإنه قال كما في الحديث: «هل تجد رقبة؟» ولم يقل ثمنها.

الجواب:

ويمكن الجواب بأن الثمن يقوم مقام الرقبة إذا لم توجد مطلقًا، كما يقوم مقامها إذا لم توجد في ملك المكفِّر ووجدت خارجه.

الترجيح:

من خلال استعراض أدلة القولين وما ورد عليها من مناقشات وأجوبة، وبالنظر إلى مقصود الشارع الحكيم في الكفارات من تطهيرٍ لمرتكب الذنب، وردعٍ له ولغيره عن الوقوع في الذنب، ونفعٍ متعدٍ لغير المكفِّر كالعبد والمساكين فإن للقول الثاني من الوجاهة والقرب من مقاصد الشرع ما يجعله محل اعتبار، ويزيد من اعتبارها ما في فتوى سماحة مفتي عام المملكة السابق رحمه الله من فهم عميق، واستدلال لطيف، والله سبحانه المرجو أن يلهمنا الصواب، ويعذرنا عن الخطأ والزلل، ولا يحرمنا أجر الاجتهاد وبذل الوسع، والحمد لله رب العالمين.

 

المبحث الثاني

تقدير ثمن الرقبة

اختلف القائلون بأن من وجد ثمن الرقبة ولم يجد الرقبة يتصدق بثمنها على المساكين ولا يجزؤه أن ينتقل إلى الصيام في تقدير ثمن الرقبة على قولين:

القول الأول:

ذهب الشيخ عبدالقادر عودة رحمه الله إلى أنه يرجع في تقدير ثمن الرقبة إلى ولي الأمر، قال رحمه الله: وتقدير قيمة الرقبة يترك لأولياء الأمور(36)، ولم يعلل رحمه الله لهذا القول، علمًا أن الرقاب لو كانت موجودة لكان بينها من التفاوت ما يحتاج معه لتقدير يرجع الناس إليه، وما ذكره رحمه الله فيه نظر، فإن الحاكم لو كان الرق موجودًا لأمكنه أن ينتدب من أهل النظر من يقدر قيمة الرقبة أما وإن الرق قد ألغي ولم يعد له وجود نظامي فإن التقدير يحتاج إلى اجتهاد فقهي، وهو ما سيجعل هذا القول يؤول إلى الدور، فالفقهاء يحيلونه إلى ولاة الأمر، وولاة الأمر يحيلونه إلى الفقهاء.

القول الثاني:

وذهب الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي إلى أن قيمة الرقبة تعدل نصف عُشر الدية الكاملة، قال حفظه الله: واتفقوا أيضاً على أن البديل عن الغرّة في حالة فقدانها حِسًّا: بأن لم توجد فعلاً -كما في زمننا-، أو شرعًا: بأن وجدت بأكثر من ثمن مثلها فحينئذ يجب بدلها، وهي عُشر دية الأم، أو نصف عشر الدية الكاملة، وهي خمس [من] الإبل، أو خمسون دينارًا من الذهب، أي: مثقالاً وهو يعادل 215 غرام ونصف غرام من الذهب، أو ستمائة درهم من الفضة، أي: 1785 غراماً من الفضة.

وقد رأى جمع من الفقهاء من السلف الصالح على أن الأصل المعتمد هو التقدير بالجمل، وبالتالي فإن قيمة خمسة جمال متوسطة اليوم في حدود عشرة آلاف ريال قطري أو سعودي، وهي قيمة نصف عشر الدية الكاملة في عصرنا الحاضر، ومن هنا فالحل هنا محل اتفاق، وهو دفع خمسة من الابل، ولا مانع شرعًا عند الكثيرين من دفع قيمتها وهي عشرة آلاف ريال قطري، أي: 2740 دولارًا، وهذا أصل قوي صالح للقياس عليه(37).

دليل هذا القول:

استدل القره داغي على هذا القول بإجماع الفقهاء على تقدير الغرة الواجبة دية للجنين بعُشر دية أُمِّهِ أو بنصف عشر دية الرجل الحر المسلم(38)، قال الماوردي رحمه الله: قال الشافعي رضي الله عنه: «وَقِيمَتُهَا إِذَا كَانَ الْجَنِينُ حُرًّا مُسْلِمًا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ مُسْلِمٍ».

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ إِطْلاقَ الْغِرَّةِ لَا يَنْفِي عَنْهَا جَهَالَةَ الأَوْصَافِ فَاحْتِيجَ إِلَى تَقْدِيرِهَا بِمَا يَنْفِي الْجَهَالَةَ عَنْهَا لِتَسَاوِي جَمِيعِ الدِّيَاتِ فِي الصِّفَةِ فَعَدَلَ إِلَى وصفها بِالْقِيمَةِ؛ لأَنَّهَا أَنْفَى لِلْجَهَالَةِ، فَقُوِّمَتْ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ، أَوْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ أو خمسين دينار مَعَ وَصْفِهَا بِمَا قَدَّمْنَا مِنَ السِّنِّ وَالسَّلامَةِ مِنَ الْعُيُوبِ فَلا يُقْبَلُ مِنْهُ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إِلا بِهَذِهِ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لأَمْرَيْنِ: أَثَرٍ، وَمَعْنًى.

فَأَمَّا الأَثَرُ فَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدَّرُوهَا بِهَذَا الْقَدْرِ الَّذِي لَمْ يُخَالَفُوا فِيهِ فَكَانَ إِجْمَاعًا.

وَأَمَّا الْمَعْنَى: فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْجَنِينُ عَلَى أَقَلِّ أَحْوَالِ الإِنْسَانِ اعْتُبِرَ فِيهِ أَقَلُّ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ مِنَ الدِّيَاتِ وَهُوَ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ، وَدِيَةُ السِّنِّ الْمُقَدَّرَةُ بِخَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ هِيَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ النَّفْسِ فَجَعَلَ أَقَلَّ الدِّيَاتِ قَدْرًا حَدًّا لأَقَلِّ النُّفُوسِ حَالاً(39).

وقال ابن المنذر: «وقيمة الغرة التي يجب قبولها نصف عشر دية الرجل، وهذا قول: مالك، والشافعي، والكوفي، ومن تبعهم»(40).

وقال ابن قدامة رحمه الله: «الغرة قيمتها نصف عشر الدية، وهي خمس من الإبل. روي ذلك عن عمر، وزيد، -رضي الله عنهما-، وبه قال النخعي، والشعبي، وربيعة، وقتادة، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، ولأن ذلك أقل ما قدره الشرع في الجنايات، وهو أرش الموضحة ودية السن، فرددناه إليه»(41).

وفي «الشرح الكبير» للدردير المالكي: «(وَفِي) إلْقَاءِ (الْجَنِينِ، وَإِنْ عَلَقَةً) بِضَرْبٍ، أَوْ تَخْوِيفٍ، أَوْ شَمِّ رِيحٍ (عُشْرُ) وَاجِبِ (أُمِّهِ)»(42).

المناقشة:

مع موافقة الدكتور القره داغي في تقدير الرقبة بخمس من الإبل، وهو ما يمثل عشر دية المرأة المسلمة ونصف عشر دية المسلم الذكر إلا أن بعض ما ذكره من تقديرات في فتواه محل نظر ومناقشة، ومن ذلك:

  1. تقديره قيمة الرقبة بخمسين دينارًا من الذهب أو ستمائة درهم من الفضة. فإن هذا مبني على القول بأن الذهب والفضة من أصول الديات، والراجح في نظري أن الإبل هي الأصل في الديات، وغيرها مقدر بها.
  2. تقديره قيمة خمس من الإبل بعشرة آلاف ريال سعودي، وهذا محل نظر أيضًا، فإن آخر تقدير لدية الخطأ في المملكة العربية السعودية هو ما صدر به تعميم المجلس الأعلى للقضاء في المملكة العربية السعودية برقم 192/ت في 9 / 10 / 1432هـ أن دية الخطأ 300,000 ثلاثمائة ألف ريال(43)، وعليه فإن نصف عشر دية الخطأ في المملكة العربية السعودية هو 15,000 عشرة آلاف ريال.

الترجيح:

إنه وبالنظر لقولي الشيخين عبد القادر عودة رحمه الله والدكتور علي القره داغي حفظه الله، وبالنظر إلى تقدير أهل العلم لقيمة الغرة الواجبة ديةً للجنين؛ فإن الراجح أن قيمة الرقبة الواجبة في الكفارات هي خمس من الإبل أو قيمتها، ويُرجع في تقدير قيمتها في كل بلد إلى تقدير ولاة أمرها لدية النفس من النقود، فقيمة الرقبة هي نصف عشر الدية في كل بلد بحسب تقدير ولاة أمره للدية، وفي البلاد غير الإسلامية التي لا تعتمد دية النفس التي قدرها الشارع يُرجع في ذلك لأقرب البلاد الإسلامية إليها قياسًا على أوقات الصلوات والإمساك والإفطار في البلاد التي تختفي فيها العلامات الشرعية، والله أعلم.

الخاتمة

وفي ختام هذا البحث أخلص إلى النتائج التالية:

  1. الرق كان موجودًا قبل الإسلام.
  2. الإسلام لم يمنع الرق، وإنما منع مَصادِره المحرمة، كالسرقة والخطف والقهر.
  3. الإسلام توسع في وسائل العتق، سواء كان ذلك إحسانًا، أو على سبيل التكفير عن الذنوب التي جاءت الشريعة بمشروعية التكفير عنها، أو بالمكاتبة، أو باستيلاد السيد أمته.
  4. منعت الأمم المتحدة وجميع أعضائها الرق والاسترقاق منعًا باتًا، وما يوجد منه اليوم -إن وجد- فهو خارج نطاق القوانين الدولية والمحلية، وعليه فإن الرق في حكم المعدوم.
  5. أهل العلم المعاصرون مختلفون فيمن وجب عليه تحرير رقبة فوجد ثمنها ولم يجد الرقبة؛ هل يُعدُّ في حكم الواجد للرقبة أو لا؟
  6. الراجح -عندي- أن من وجب عليه تحرير رقبة، فوجد ثمنها ولم يجد الرقبة يُعدُّ في حكم الواجد للرقبة، ويتصدق بثمنها على المساكين.
  7. الرقبة تقدر بخمس من الإبل، ومن النقود بنصف عُشْر دية الخطأ، بحسب تقدير ولي الأمر لدية الخطأ في البلد الإسلامي، وفي البلاد غير الإسلامية يعتبر بأقرب البلاد الإسلامية لها.
  8. دية الخطأ في المملكة العربية السعودية بحسب آخر تقدير لمجلس القضاء الأعلى (300,000) ريال، وعليه فإن قيمة الرقبة تساوي (15,000) ريال سعودي.

وأوصي بما يلي:

  1. أن يعيد طلاب العلم الذين يستقبلون أسئلة الناس النظر في هذه المسألة وفق أدلة كل قول من الأقوال، فإن لهذه المسألة علاقة مهمة بالفقراء باعتبارهم المصرف البديل عند من يقول بالقيمة، كما أن لها علاقة قوية ومهمة بمن وجبت عليه الكفارة باعتبار الصيام الذي هو بدل عن العتق فيه مشقة عظيمة، وكثير ممن تجب عليهم الكفارة ينتقلون لبدله وهو الإطعام بعلة العجز وعدم القدرة.
  2. كما أوصي بدراسة مسألة التكفير بالعتق بعد إلغاء الرق ومنعه عالميًا، باعتبار أن هذا الرق الباقي خارج نطاق القوانين، كما أن فتاوى التكفير بإعتاق هؤلاء الأرقاء سبب للاستمرار بإمساكهم، كما أنه سبب للتحايل بدعاوى وجود الرق الكاذبة لسلب أموال المكفرين بالعتق.

--------------------

(1) «تفسير الطبري»، جامع البيان، ت شاكر (16/ 187).

(2) «تفسير ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» (3/ 263).

(3) «صحيح البخاري» (3/ 91). ، ك الإجارة، باب من استأجر أجيرًا فترك الأجير أجره، فعمل فيه المستأجر فزاد، أو من عمل في مال غيره، فاستفضل (2272).

(4) ««صحيح البخاري»» (4/ 169)، ك أحاديث الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3456).

(5) «صحيح البخاري» (3/ 83)، ك البيوع باب إثم من باع حرًّا (2227).

(6) «صحيح البخاري» (8/ 146)، (6715)، ك كفارات الأيمان باب قول الله تعالى: ﴿أو تحرير رقبة﴾، وأي الرقاب أزكى، و«صحيح مسلم» (2/ 1147)، ك العتق، باب فضل العتق ( 1509).

(7) «صحيح البخاري» (3/ 144)، ك العتق، باب إذا أعتق عبدًا بين اثنين، أو أمة بين الشركاء (2521)، «صحيح مسلم» (3/ 1287)، ك الأيمان، باب من أعتق شركًا له في عبد (1287)، والوكس النقص والشطط الزيادة.

(8) انظر الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%A8%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9

(9)  http://www.un.org/ar/documents/udhr/#atop

(10)  http://iraq56.blogspot.com/2013/06/blog-post_8756.html

(11) «شرح الزركشي على مختصر الخرقي» (5/ 494)، «المبدع في شرح المقنع» (7/ 29)، و«كشاف القناع عن متن الإقناع» (5/ 383).

(12) «المبسوط» للسرخسي (1/ 115)، «العناية شرح الهداية» (1/142), «البحر الرائق شرح كنز الدقائق» (1/171).

(13) «المنهاج مع شرحه مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج» (5/ 46-47).

(14) «تفسير المنار» (5/ 274).

(15) «أضواء البيان» (6/220) عند تفسيره لآية الظهار.

(16) «الشرح الممتع على زاد المستقنع» (13/ 255).

(17) «المنتقى من فتاوى الفوزان» (74/1).

(18) «أحكام الكفارات» رجاء المطرفي رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامي ملف pdf على الشبكة العنكبوتية صفحة (222).

(19) انظر مثلاً: الشيخ د. خالد المصلح على هذا الرابط:

https://www.youtube.com/watch?v=yejsSQcyO1E،

ومعالي الشيخ د. سعد الشثري على هذا الرابط:

https://www.youtube.com/watch?v=23E4etPxU9M،

والشيخ محمد حسان على هذا الرابط:

https://www.youtube.com/watch?v=9KY8Xh8Ukvg&x-yt-ts=1422327029&x-yt-cl=8...،

والشيخ مصطفى العدوي على هذا الرابط:

https://www.youtube.com/watch?v=FmNRadRo81E،

(20) «التشريع الجنائي الإسلامي مقارنًا بالقانون الوضعي» (2/172- 174).

(21) بهذا الرابط:

http://www.qaradaghi.com/Portal/index.php?option=com_content&view=articl...

(22) «أضواء البيان» (6/220» عند تفسيره لآية الظهار، «الشرح الممتع» (13/255).

(23) «صحيح البخاري» كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان، ولم يكن له شيء، فتصدق عليه فليكفر (3/32) (1936).

(24) «أحكام الكفارات» رجاء المطرفي رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامي ملف pdf على الشبكة العنكبوتية صفحة (222).

(25) «المغني» لابن قدامة (8/ 26).

(26) «فتاوى اللجنة الدائمة» (16/415).

(27) «الدر المختار وحاشية ابن عابدين» «رد المحتار» (4/ 366).

(28) «الفقه الإسلامي وأدلته» للزحيلي (10/ 7627).

(29) «التشريع الجنائي» لعبدالقادر عودة (2/ 174)، فتوى للأستاذ الدكتور على محيي الدين القره داغي على موقعه على شبكة الإنترنت:

http://www.qaradaghi.com/Portal/index.php?option=com_content&view=articl...،

وقد نقل إجماع الفقهاء على ذلك الماوردي كما في «الحاوي الكبير» (12/393- 394).

(30) المرجع السابق.

(31) انظر: الفتوى رقم (18393).، من فتاوى اللجنة الدائمة للفتوى بالمملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله (8/266).

(32) «صحيح البخاري»، كتاب بدء الوحي، باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده (2/145) (1453)، والجذعة ما تم لها ثلاث سنين، والحقة ما تم لها أربع.

(33) «صحيح البخاري» واللفظ له، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك (2/ 131) (1511)، «صحيح مسلم»، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (2/677) (984). وانظر في هذا الاستدلال فتوى الشيخ القره داغي السابقة.

(34) «صحيح البخاري»، كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان، ولم يكن له شيء، فتصدق عليه فليكفر (3/32)، (1936).

(35) فتوى الأستاذ الدكتور على محيي الدين القره داغي على موقعه على شبكة الإنترنت:

http://www.qaradaghi.com/Portal/index.php?option=com_content&view=articl...

(36) «التشريع الجنائي الإسلامي مقارنًا بالقانون الوضعي» (2/ 174).

(37) فتوى الأستاذ الدكتور على محيي الدين القره داغي بنصها على موقعه على شبكة الإنترنت:

http://www.qaradaghi.com/Portal/index.php?option=com_content&view=articl....

(38) المرجع السابق.

(39) «الحاوي الكبير» (12/393- 394).

(40) «الإقناع» لابن المنذر (1/ 368).

(41) «المغني» لابن قدامة (8/ 408).

(42) «الشرح الكبير» للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (4/ 268).

(43) انظر نص التعميم على الموقع الرسمي للمجلس الأعلى للقضاء بالمملكة العربية السعودية على هذا الرباط:

http://www.scj.gov.sa/index.cfm?do=cms.conArticle&contentid=1092&categor...