يحرمُ على النساء زيارة القبور، للعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زَوَّاراتِ القبور"(1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لَعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمُتَّخذين عليها المساجد والسُّرُج"(2).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (أحاديث التحريم صريحة في معناها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ النساءَ على الزيارة، واللعنُ على الفعل من أدلِّ الدلائل على تحريمه، ولا سيما وقد قَرَنه في اللعن بالمُتخذين عليها المساجد والسُّرُج، وهذا غير منسوخ، بل لَعَنَ صلى الله عليه وسلم في مرض موته مَن فعله كما تقدَّم... بل كان في أول الإسلام قد نهى صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور صيانةً لجانب التوحيد، وقطعاً للتعلُّق بالأموات، وسدّاً لذريعة الشرك التي أصلُها من عبادة القبور، كما قال ابن عباس، فلما تمكّن التوحيد من قلوبهم، واضمحلّ الشرك، واستقر الدين، أذن صلى الله عليه وسلم في زيارةٍ يحصل بها مزيد الإيمان، وتذكير ما خُلق العبد له من دار البقاء، فأذن حينئذ فيها، فكان نهيه عنها للمصلحة، وإذنه فيها للمصلحة. وأما النساء: فإن هذه المصلحة وإن كانت مطلوبة منهن، لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص والعام من فتنة الأحياء، وإيذاء الأموات، والفساد الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بمنعهن منها أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل يسيرة، تحصل لهن بالزيارة، والشريعة مبناها على تحريم الفعل إذا كانت مفسدته أرجحُ من مصلحته، ورُجحان هذه المفسدة لا خفاء به، فمنعهن من الزيارة من محاسن الشرع)(3).
وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء: (أما بالنسبة للنساء فزيارة القبور منهن عموماً، ومنها قبر النبي صلى الله عليه وسلم منهي عنها، وليست من السنة. بل لا يجوز لهن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ولا سائر القبور؛ لما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج"، ولما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زوَّارات القبور" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها" فخطابٌ للرجال فقط، وإذنٌ لهم في زيارتها لا يدخل فيه النساء، لتخصيص ذلك بأحاديث لعن زائرات القبور، التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم)(4).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: (كانت الزيارة أولاً منهياً عنها للجميع، ثم رخَّص فيها للجميع، ثم خُصَّت النساء بالمنع، فعلى هذا يكون تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها آداب الزيارة كان ذلك في وقت شرعية الزيارة للجميع)(5).
مرور المرأة بالقبور بدون قصد الزيارة:
(المرأة لا يُشرع لها زيارةٌ لا الزيارة الشرعية(6)، ولا غيرها(7).
اللهم إلا إذا اجتازت بقبرٍ بطريقها فسلَّمت عليه وَدَعَت له فهذا حسن)(8).
(وسُئل الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله: إذا كان طريق على حدّ المقبرة هل يُكره للنساء المرور معه؟
فأجاب: إذا كان للناس طريق على حد المقبرة ومرَّت معه امرأة وسلَّمت فلا بأس، لأنها لا تُسمَّى زائرة)(9).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: (سلامُ المرأة على قبرٍ اجتازت به في طريقها إلى مقصودها فلا بأس به، ففي الاختيارات ما نصُّه: "إذا اجتازت المرأة بقبر بطريقها فسلّمت عليه ودَعَت له فهذا حسن" ا.هـ وعلى هذا حمل الإمام ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود ما رواه الترمذي في سننه عن عبد الله بن أبي مليكة قال: "توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشي قال: فحُمل إلى مكة فدُفن، فلما قدمت عائشة أتت قبر عبد الرحمن بن أبي بكر فقالت:
وكُنّا كَنَدْمانَيْ جَذيمةَ حِقْبَةً *** من الدَّهْر حتى قيل لَن يَتَصدَّعا
فلما تفرَّقْنا كأنِّي ومالكاً *** لطُول اجتماعٍ لَم نَبتْ لَيْلَةً معاً
ثم قالت: والله لو حضرتك ما دُفنت إلا حيث متَّ، ولو شهدتك ما زرتك". قال ابن القيم بعدما قرّت أن هذه الرواية هي المحفوظة قال: "وعائشة إنما قدمت مكة للحج فمرَّت على قبر أخيها في طريقها فوقفت عليه، وهذا لا بأس به، وإنما الكلام في قصدهن الخروج" قال: "ولو قُدِّر أنها عدلت إليه وقصدت زيارته فهي قد قالت: لو شهدتك لما زرتك، وهذا يدل على أن من المستقر المعلوم عندها أن النساء لا يُشرع لهنّ زيارة القبور". ثم تكلّم ابن القيم على رواية البيهقي من طريق يزيد بن زريع عن بسطام بن مسلم عن أبي التياح أن أثر عائشة المذكور بلفظ: "أيا أمَّ المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن. فقلتُ لها: أليس قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور. قالت: نعم، ثم أمرَ بزيارتها".
قال ابن القيم في هذه الرواية: هي رواية بسطام بن مسلم، ولو صحَّ فهي تأوَّلت ما تأوَّل غيرها من دخول النساء، والحجة في قول المعصوم لا في تأويل الراوي وتأويله إنما يكون مقبولاً حيث لا يُعارضه ما هو أقوى منه وهذا قد عارضه أحاديث المنع" ا.هـ.
هذا موقفنا من زيارة النساء للقبور، والخلاصة: أنه لا يجوز للنساء قصد القبور للزيارة بحال، ولا يدخلن في عموم الإذن، بل الإذن خاصٌّ بالرجال لما تقدّم، والله أعلم)(10).
وقال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله: (إذا مَرَّت بالمقبرة بدون قصد الزيارة فلا حرج عليها أن تقف وأن تُسلّم على أهل المقبرة بما علّمه النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته، فيُفرَّق بالنسبة للنساء بين مَن خَرَجَت من بيتها لقصد الزيارة، ومَن مرَّت بالمقبرة بدون قصد فَوَقَفت وسلَّمت. فالأُولى التي خَرَجَت من بيتها للزيارة قد فَعَلَت مُحرَّماً وعرَّضت نفسها للعنة الله عز وجل. وأما الثانية فلا حَرَجَ عليها)(11).
_______________________________
(1) أخرجه الترمذي وحسَّنه 2/533 ح1077 (باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء).
(2) أخرجه أحمد 3/471 ح2030، والترمذي وحسَّنه 1/378-379 ح320 (باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجداً).
(3) تهذيب السنن 3/1551-1553.
(4) فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 9/102-103 فتوى رقم 1981 من المجموعة الأولى, برئاسة الإمام ابن باز رحمه الله.
(5) مجموع فتاويه 13/331.
(6) (التي تُقصد للتعبُّد) أفاده شيخنا الإمام عبد الرحمن البراك حفظه الله.
(7) قال شيخنا الإمام عبد الرحمن البراك حفظه الله: (ولا لغير ذلك فلا تُباح؛ لأنه ذُكر في الزيارة الجواز والاستحباب، ولم يقل أحد بالوجوب).
(8) الاختيارات الفقهية لابن تيمية ص139-140، ويُنظر: نيل المآرب 1/234.
(9) الدرر السنية 5/162.
(10) مجموع فتاويه 3/197-198 رقم 948.
(11) مجموع فتاويه 2/245-246 رقم 308.