ضمان الديون بأموال الزكاة.. دراسة فقهية
3 جمادى الأول 1438
د. صالح بن محمد الفوزان

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...

فإن من غايات الزكاة وحِكَمها العظيمة تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة للشرائح منخفضة الملاءة المالية، بحيث تكون هذه الشرائح منتجة لا مستهلكة عبر تحفيزها على العمل والإنتاج، وهذا يتطلب التمويل الكافي لهذه الفئات لبدء النشاط الاستثماري.

 

ومن الحلول المطروحة لذلك تمكين المستحقين ومَن في حكمهم من الحصول على التمويل الاستثماري من المؤسسات المالية، بحيث تضمنهم مؤسسة الزكاة أمام الجهات المانحة لتموّلهم بضمان المؤسسة الزكوية بما لديها من زكوات، وهذا ما أناقشه في هذا البحث انطلاقاً من أحكام كل من الزكاة والضمان في الفقه الإسلامي.

 

وتكمن أهمية هذا الموضوع في الدور التنموي لتمويل الشرائح الضعيفة مادياً مع حمايتها من المطالبة القضائية وما يترتب عليها في حال عجزها عن أداء ما وجب عليها من التزامات مالية وذلك بضمان هذا التمويل من قبل مؤسسة الزكاة.

 

وقد جاء هذا البحث في مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث وخاتمة كما يأتي:

التمهيد: الزكاة وضمان الديون.
المبحث الأول: المؤيدات الفقهية لضمان الديون بأموال الزكاة.
المبحث الثاني: الموانع الشرعية لضمان الديون بأموال الزكاة.
المبحث الثالث: الترجيح.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات.
وختاماً أسأل الله تعالى التوفيق والإخلاص في القول والعمل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

*******

 

التمهيد: الزكاة وضمان الديون.

أولاً: تعريف الديون:

الدُّيون في اللغة جمع دَيْن، ويُطلق على كل شيء غير حاضر أو ما له أجل، كما يُطلق على المعاملة فيُقال: دَايَنْتُ فلاناً: إذا عاملتُه دَيْناً، ودِنْتُ الرجلَ أي أقْرَضْتُه فهو مَدِيْن ومَدْيون، وقيل: دِنْتُه أقرضتُه، وأَدَنْتُه استقرضته منه، وادَّانَ: اشترى بالدَّيْن أو باع بالدَّيْن، ورجل مِدْيان: يُقرِض ويستقرض كثيراً(1).

 

أما الفقهاء فقد تفاوتوا في تعريف الدَّين، وإن كان الحنفية أكثر إيراداً لتعريفه، فعرفوه بأنه: "وصف شرعي في الذمة يظهر أثره في المطالبة"(2)، وهذا التعريف يشمل جميع أنواع الديون، فيما نقل ابن نجيم تعريفه بأنه: "مال حكمي يحدث في الذمة ببيع أو استهلاك أو غيرهما"(3)، وهذا التعريف يشمل كل الديون المالية التي تثبت في الذمة بصرف النظر عن أسباب ثبوتها، ويُلاحظ من هذا التعريف أن الدين مال حكمي، أي أن له حكم المال، وليس مالاً حقيقياً؛ إذ هو عبارة عن وصف شاغل للذمة ولا يتصور قبضه حقيقةً، ولكن نظراً لصيرورته مالاً في المآل – أي عند الاستيفاء – سمي مالاً مجازاً(4).

 

ولعل من أهم عناصر الدَّيْن أنه في الذمة (نسيئة)؛ ولذا فقد قال القرطبي: "وحقيقة الدَّين عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً والآخر في الذمة نسيئة"(5).

 

وعرف أكثر الفقهاء الدَّيْن بأنه: "ما يثبت في الذمة من مال بسبب يقتضي ثبوته"(6)، فيدخل فيه كل الديون المالية، سواء منها ما ثبت في نظير عين مالية، أو ما ثبت في نظير منفعة، أو ما ثبت حقاً لله تعالى من غير مقابل كالزكاة، وتخرج عنه سائر الديون غير المالية من صلاة فائتة وإحضار خصم إلى مجلس الحكم ونحو ذلك(7).

 

وكما تقدم فإن للدَّيْن أسباباً كثيرةً إلا أن الأقرب لموضوع البحث ما ثبت في الذمة بسبب عقد مالي كثمن المبيع وبدل القرض والأجرة ونحوها.

 

ثانياً: تعريف الضمان وأركانه:

الضَّمَان في اللغة: الكفالة والالتزام، يُقال: ضَمِنْتُ المالَ ضَمَاناً فأنا ضامِن وضَمِينٌ: كَفَلتُ به والْتَزَمتُه، كما يأتي بمعنى الغرامة، يُقال: ضَمَّنْتُه المالَ تَضْميناً: ألزمته به وغرّمته، وضَمّنْتُ الشيءَ كذا: جعلتُه محتوياً عليه(8).

 

أما في الاصطلاح الفقهي للضمان معانٍ متعددة، وعليه فإن تعريفه يتفاوت بتفاوت المعنى المراد، فعرفه بعضهم بأنه: "التزام بتعويض مالي عن ضرر للغير"(9)، والتعريف عام يشمل الضمان العقدي كالتزام المال، والالتزام بغير العقد كغرامة المتلفات والغصوب وما يجب بإلزام الشارع كالديات والكفارات.

 

إلا أن المراد في البحث المعنى الخاص المرتبط بالضمان المالي، وقد عرفه الفقهاء بأنه: "ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق"(10)، علماً بأن بعض الفقهاء (كالحنفية) يسميه الكفالة، وأكثرهم يطلق عليه الضمان ويطلق الكفالة على التزام إحضار البدن.

 

وللضمان بهذا المعنى الخاص أركان: الضامن، والمضمون عنه (المدين)، والمضمون له (الدائن)، والمضمن به وهو الدَّيْن، والصيغة.

 

فأما الضامن فيُشترط فيه التكليف والرشد والاختيار والحرية وألا يتعلق بماله حق للغير، وأما المضمون عنه والمضمون له فالأصح عدم اشتراط شيء فيهما، إذ يصح الضمان ولو بغير رضاهما أو علمهما، وأما الدَّيْن المضمون به فيُشترط فيه أن يكون لازماً أو آيلاً للزوم(11).

 

والضمان أحد وسائل توثيق الديون، فالديون توثَّق بالكتابة والشهادة والرهن والضمان، وكما تقدم فإن المراد في البحث ضمان الديون الناشئة عن عقود مالية كالبيع والإجارة والقرض والسَّلَم ونحوها.

 

ولضمان الديون صلة وثيقة بالقضاء؛ ذلك أن المدين إذا تخلف عن السداد فإنه الغريم (الدائن) قد يُضطر إلى الرفع به إلى القضاء لاسترداد حقه خاصة إذا كان المدين من ذوي الملاءة المالية المنخفضة، وهم الشريحة التي تستهدفها مؤسسة الزكاة بضمان ديونهم وحمايتهم من آثار المطالبة القضائية.

 

ثالثاً: تعريف الزكاة ومقاصدها:

للزكاة في اللغة معانٍ عدّة، فتُطلق على النماء والزيادة، ومنه قولهم: زَكَا الزرعُ إذا نما وزاد، كما تُطلق على الطهارة والتطهير، ومنه قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] أي طهّرها من الأدناس، كما تطلق على المدح، ومنه قوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم:32] أي لا تمدحوها، وتُطلق على الصلاح وزيادة الخير، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور:21] أي: ما صلُح، كما تُطلق على الحلال الطيب، ومنه قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف:19]، أي: حلالاً طيباً(12).

 

ومما تقدم تتضح علاقة المعنى اللغوي بالمعنى الشرعي للزكاة، فهي سبب لزيادة المال ونمائه بالخلف في الدنيا والثواب في الآخرة، كما أن فيها تطهيراً للمال وللمزكّي من الذنوب والبخل، وبها تحصل البركة ويُمدح فاعلها ويُثنى عليه بالجميل، وفيها علامة على صلاح دافعها وزيادة خيره(13).

 

أما الفقهاء فإن منهم من يُطلق الزكاة على نفس فعل الإيتاء، وهذا يتضح من وصف الزكاة بالوجوب، إذ الوجوب من صفات الأفعال لا الأعيان، ولأن موضوع الفقه فعل المكلف وهو الإيتاء، ومنهم من يطلقها على المال المؤدَّى انطلاقاً من قوله تعالى: {وَآَتُوا الزَّكَاةَ}، والإيتاء إنما يصح في العين (المال)(14)، وذهب بعض المحققين إلى أنها حقيقة في الإيتاء مجاز في المال المخرَج(15).

 

فعرفها بعض الحنفية بأنها: "تمليك جزء مال عينه الشارع من مسلم فقير غير هاشمي ولا مولاه مع قطع المنفعة عن المملّك من كل وجه لله تعالى"(16).

 

ومن تعريفاتها عند المالكية: "إخراج جزء من المال شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصاباً"(17).

 

كما عرفها بعض الشافعية بأنها: "اسم صريح لأخذ شيء مخصوص من مال مخصوص على أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة"(18).

 

بينما عرفها الحجاوي الحنبلي في الإقناع بأنها: "حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص"(19).
وانطلاقاً من أركان التعريف ثلاثة: النصاب، والمال (الوعاء) الزكوي، والمصرف (المستحقين)، يمكن تعريف الزكاة بأنها: "إخراج نصيب مقدر شرعاً في مال مخصوص لطائفة مخصوصة".

 

وقد شُرِعت الزكاة لحِكَم عظيمة ومقاصد شريفة منها ما يتعلق بالمزكي نفسه وعلاقته بربه، ومنها ما يتعلق بالمستحقين، ومنها ما يتعلق بالمجتمع، ومنها ما يتعلق بالمال المُزكّى(20)، وفيما يلي بيان ذلك بإيجاز:

أ – ما يتعلق بالمزكي:

فالزكاة شُرعت تطهيراً له وتنقية من الشح والبخل وتحريراً من عبودية المال واختباراً له بإنفاق المال المحبوب، وفيها طاعة لله وتعبد له، وشكر له على نعمة المال، وتدريب للمزكي على الإنفاق في سبيل الله في جميع المجالات الواجبة والمندوبة، وترغيب له في فضيلة الإحسان وما يترتب عليه من الثواب والمضاعفة والخلف من الله تعالى.

 

ومما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً"(21).

 

ب – ما يتعلق بالمستحقين:

شُرعت الزكاة مواساةً لهم وسداً لحاجتهم وتأميناً لمستلزماتهم المادية والاجتماعية كالأكل والشرب والسكن والعلاج والزواج وغيرها.

 

ج – ما يتعلق بالمجتمع:

فالزكاة تؤدي وظائف مهمة على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ففيها تجسيد للتضامن الاجتماعي وإعادة توزيع الدخل وتقليل التفاوت الاقتصادي بين الأفراد وتنشيط الحركة الاقتصادية والقضاء على بعض الآفات الاجتماعية كالبطالة والتسول، والإسهام في نشر الدين وإعلاء كلمة الله تعالى.

 

د – ما يتعلق بالمال:

ففي الزكاة تطهير للمال وجلب للبركات وحماية له من الآفات وزيادة معنوية بالبركة وحسية بتنمية المال واستثماره لئلا يتآكل بمضي الأعوام.

 

ولذا فقد جاء في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما نَقَصَت صَدَقةٌ مِن مالٍ"(22).

 

رابعاً: أطراف ضمان الديون بأموال الزكاة:

انطلاقاً مما تقدم فإن الأطراف التي يمكن أن تشترك في ضمان الديون بأموال الزكاة ثلاثة: الضامن، والمضمون عنه، والمضمون له، وفيما يلي إشارة إلى هذه الأطراف.

1 – الضامن:

والضامن هو من له علاقة بمال الزكاة، وهو إما أن يكون المزكي أو مؤسسة الزكاة، ولا يتصور أن يكون المزكي هو الضامن؛ لأن الضمان يستلزم تأخير الزكاة أو قدر منها لتغطية الدين المضمون، ومجرد شغل ذمة المستحق بالدين لا يعني أنه صار غارماً، فليس من مصارف الزكاة.
وأما مؤسسة الزكاة فإنها يمكن أن تضمن ديون المستحق من أموال الزكاة التي تتجمع لديها، وهذا محل البحث كما سيأتي.

 

2 – المضمون عنه:

والمضمون عنه (المدين) إما أن يكون مستحقاً للزكاة بحيث يكون من الفقراء والمساكين أو من في حكمهم ممن لا يجدون كامل كفايتهم، ويحتاجون للتمويل للعمل والإنتاج، كما أن المضمون عنه قد يكون من غير أهل الزكاة من ذوي الملاءة المالية المنخفضة.

 

3 – المضمون له:

المضمون له (الدائن) قد يكون شخصاً حقيقياً وقد يكون اعتبارياً كالمؤسسات المالية والجهات المانحة للتمويل، والغالب أن مثل هذه الجهات تضع شروطاً ومعايير ائتمانية لمن يمكن تمويلهم، ووجود غطاء لضمان التمويلات من الشروط التي قد تضعها مؤسسات التمويل خاصة إذا لم يتمكن المتمول من توثيق دينه بشيء آخر كرهن أو تحويل مرتب بشكل دوري (شهري) ونحو ذلك.

 

وقد طُرحت فكرة ضمان أموال الزكاة لتمويل الشرائح الضعيفة مادياً كي تتمكن من المتاجرة والاستثمار الذي يسهم في التنمية الاقتصادية، وبهذا الضمان الذي تقدمه مؤسسة الزكاة تكون هذه الشرائح مرشّحة لتمويلها من قبل المؤسسة المالية، وفي حال إخفاق المتموّل في سداد ما عليه فإن مؤسسة الزكاة تدفع للمؤسسة المالية من مال الزكاة مقدار الدين المستحق على هذا المتمول، ثم تعود مؤسسة الزكاة على هذا المتمول المضمون عنه لتسترجع ما دفعته بأقساط مناسبة لملاءته المالية، ولا يخفى أن المراد التمويل عن طريق المؤسسات المالية الإسلامية التي تراعي الأحكام الشرعية في التمويل المصرفي، ويمكن أن يتناول جهات التمويل الأخرى.

 

ورغم أن هذه الفكرة لم تحظ بالبحث والمناقشة (في حدود اطلاعي)، إلا أنني سأفترض اتجاهين في هذه المسألة وأوجه كل اتجاه بما يتفق وأحكام الزكاة، حيث أعرض فيه لرأي الموافقين والمخالفين ثم أرجّح ما ظهر لي، وذلك من خلال المباحث التالية.

 

المبحث الأول: المؤيدات الفقهية لضمان الديون بأموال الزكاة:

يرى البعض أنه يجوز أن تكون أموال الزكاة ضماناً للعاجزين عن السداد للمؤسسات المالية، على أن تعود مؤسسة الزكاة لهم لاسترجاع ما تم دفعه بأقساط مناسبة.

 

مؤيدات هذا الاتجاه:

1 – أن الزكاة لها وظيفة اقتصادية وهدف تكافلي اجتماعي، وهذا من أعظم مقاصد هذه الفريضة، كما أن المعنى اللغوي للزكاة يدور حول النماء والتنمية، وهذا يتحقق من خلال ضمان الشرائح الضعيفة لتمكينهم من الاستثمار وتنمية أموالهم والإسهام في التنمية الاقتصادية للمجتمع، وهكذا فوضع الزكاة ضماناً للمستحقين يحقق معنى الزكاة ومقاصدها الشرعية.

 

ويمكن أن يُجاب بأن إخراج الزكاة يجب أن يحقق مقاصدها الشرعية في ضوء أحكامها، فالزكاة عبادة لها أحكام وشروط ومصارف خاصة، ولا يجوز مخالفة هذه الأحكام والمصارف بحجة تحقيق التنمية الاقتصادية، وضمان الزكاة لتمويل هذه الشرائح قد يترتب عليه حبس لبعض أموال الزكاة وتأخير لصرفها دون حاجة معتبرة، وصرف لها في غير مصارفها المحددة شرعاً عند عجز المتمول؛ إذ إن المستحق لا ينتفع بالتمويل كما ينتفع بمال الزكاة المباشر أو المُستثمَر، وقد يعجز عن السداد فيكبده ذلك التزامات جديدة ويزيد من فقره وعوزه.

 

2 – القياس على جواز استثمار أموال الزكاة لصالح المستحقين(23)، وضمان الزكاة لاستثمار الشرائح الضعيفة يمكِّنهم من الاستثمار وتنمية أموالهم، فأموال الزكاة كما يجوز أن تُستثمر يجوز أن تكون ضماناً يساعد على الاستثمار خاصة من قبل الفقراء ونحوهم ممن لا يتمكّنون من أخذ التمويل إلا بضمانات لا تتوفر فيهم.

 

ويمكن أن يجاب بأن هناك فرقاً ظاهراً بين استثمار أموال الزكاة لصالح المستحقين وجعلها ضماناً لصالح المؤسسات المالية، فالاستثمار يهدف لتنمية أموال الزكاة لتحقق مصالح أعظم للمستحق، أما جعل الزكاة ضماناً للتمويل فإن مصلحة المؤسسات المالية فيه أظهر من مصلحة المستحقين، خاصة أن المتمولين الفقراء قد لا ينتفعون بهذا التمويل لقلته، ويعجزون غالباً عن سداده، فمصلحتهم في هذا الإجراء أقل من مصلحتهم في الاستثمار المباشر للزكاة.

 

3 – قياس ضمان الزكاة للتمويل المدفوع للفقراء على مصرف الغارمين، فكما أن الغارم إذا كان مديناً بسبب تجارة فإنه يجوز إعطاؤه من الزكاة لسداد دينه إذا عجز عن الوفاء به(24)، فكذلك يجوز أن تكون الزكاة ضماناً لما يأخذه من تمويل للمتاجرة والاستثمار بحيث يتم السداد من الزكاة إذا عجز المتمول عن السداد.

 

ويمكن أن يجاب بأن هناك فرقاً بين دفع الزكاة في الغارمين وحبسها كضمان للتمويل من وجوه:

أ – أن الغارم بسبب التجارة تُدفع الزكاة له لسداد دينه الذي تحمله، ولا تُحبس أموال الزكاة قبل ذلك توقعاً لخسارته، أما في هذه الفكرة فإن بعض أموال الزكاة قد لا تُصرف للمستحقين، بل تُحبس ضماناً للتمويل، وقد تبقى محبوسة عدة سنوات، ولا تُدفع للمموِّل إلا إذا عجز المتمول عن السداد.

 

ب – أنه لا يُرجع على الغارم بقدر ما صُرف له من الزكاة، أما في هذه الفكرة فإن مؤسسة الزكاة تعود على المتمول الذي قد يكون مستحقاً للزكاة بقدر ما تم دفعه لجهة التمويل.

 

ج – أن الفقهاء اشترطوا شروطاً في دين الغارم ليستحق الزكاة، ومنها أن يكون مديناً فعلاً، وأن يكون دينه حالاً لا مؤجلاً(25)، وفي حبس الزكاة ضماناً للتمويل صَرْفٌ (حبسٌ) لها في مقابل دين لم يستحق أصلاً، أو لم يحل بعد.

 

4 – أن الفقهاء نصوا على أن من صور الغارم الذي يأخذ من الزكاة مَن ضَمِنَ عن غيره ديناً وكان الضامن والمدين معسرَين، وهو مذهب الشافعية والحنابلة(26)، وإذا جاز أن تُدفع الزكاة للضامن الغارم جاز أن تكون الزكاة نفسها ضماناً للمستحق بحيث يتمكن بسببها من أخذ مال من جهة التمويل.

 

ويمكن أن يُجاب بأن بعض الفقهاء كالمالكية اشترطوا أن يكون الغارم مديناً فعلاً بحيث يُحبس في الدين، فلا تُعطى الزكاة للضامن إلا إذا أدى عن المدين وصار غارماً(27)، وعليه كان يجب أن تُصرف الزكاة لمن عجز عن السداد للمؤسسات المالية؛ لأنه صار غارماً حينئذٍ، لا أن تكون ضماناً يُدفع لجهة التمويل، ثم إن الغارم الضامن لا يُرجع عليه بما دُفِع إليه من الزكاة، وهنا ترجع مؤسسة الزكاة عليه بما دفعته للدائن.

 

5 – أن مؤسسة الزكاة عندما تدفع الزكاة للمؤسسة المالية الممولة عند عجز المتمول عن السداد فإنها ترجع بها على المضمون عنه ولا تضيع الزكاة أو تُصرف دون مقابل، بل تُدفع ثم تُستعاد، فكأنها أقرضت الزكاة قرضاً حسناً، وإقراض مال الزكاة أجازه بعض المعاصرين للمصلحة قياساً على دفع الزكاة للغارم(28)، ومتاجرة المحتاجين واستثمارهم مصلحة تجيز إقراض الزكاة كما في هذه الصورة.

 

ومما يدل على أن دفع الضمان للمضمون له ثم الرجوع على المضمون عنه يشبه القرض أن عامة الفقهاء منعوا أخذ الأجر على الضمان(29)، بل حُكِي إجماعاً(30)، وعللوا ذلك بأن الضامن إذا أدى للمضمون له كان كالمقرض للمضمون عنه فإذا أخذ أجراً على ذلك، ثم رجع عليه بما أداه أصبح قرضاً جر نفعاً.

 

وقد صرح بعض الفقهاء بأن الضمان عند الرجوع على المضمون عنه يُعد قرضاً، ومن ذلك قول الرافعي: "واعلم أن القول بكون الضمان تبرعاً إنما يظهر حيث لا يثبت الرجوع، فأما حيث ثبت فهو إقراض لا محض تبرع"(31)، وقال السرخسي: "الكفالة بمنزلة الإقراض؛ فإنه تبرع في الالتزام، وإن كان عند الأداء يرجع"(32).

 

ويمكن أن يُجاب بما يأتي:

أ – لا يُسلم أن دفع الزكاة للمموّل ثم استرجاعها من المتمول يُعد قرضاً، فصورته مباينة تماماً لصورة القرض؛ إذ عرف الفقهاء القرض بأنه: "دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله"(33)، كما عرفوه بأنه: "تمليك الشيء على أن يرد بدله"(34)، فالمدفوع له هو من يرد البدل، وهنا يُدفع للمؤسسة المالية، ثم يُرجع على المتمول بما تم دفعه.

 

ب – على فرض كونه قرضاً فإنه لا يُسلَّم قياس إقراض الزكاة على دفعها للغارم؛ إذ إن بينهما فروقاً متعددة؛ ولذا فإنه لم يُنقل عن المتقدمين جواز إقراض الزكاة مع توفر دواعيه، كما أن طائفة من المعاصرين صرحوا بعدم جوازه(35)، ومن الفروق بينهما:
- أن المقترض للزكاة يرد بدلها، والغارم يأخذ الزكاة، ولا يرد بدلها لأنه من مصارفها.
- أن المحتاج للاقتراض ليس مديناً، أما الغارم فهو مدين فعلاً، وحاجته أشد من حاجة من يرغب في الاقتراض.
- أن إعطاء الغارم يؤدي إلى إبراء ذمته، أما إقراض الزكاة فيؤدي إلى شغل ذمة المقترض.

 

ج – أن المصلحة التي من أجلها تُقرض أموال الزكاة يجب أن تكون راجعة للمستحقين لا لغيرهم، وكذلك في الضمان بأموال الزكاة.

 

د – أن القرض مضمون الرد، فقد يكون فيه مصلحة بضمان أموال الزكاة عند الخوف من عدم حفظها؛ ولذا جاز إيداع مال الزكاة في الحسابات الجارية في المصارف لحفظها مع أن هذا الإيداع المصرفي يُعد قرضاً، أما استرداد ما صُرف في ضمان التمويل فليس مضموناً، فمؤسسة الزكاة قد لا تتمكن من استيفاء المبلغ المدفوع لعجز المتمول المضمون عنه.

 

6 – أن حبس بعض أموال الزكاة لتكون ضماناً لتمويل المحتاجين يُعد من قبيل وقف الزكاة لصرفها على المستحقين، ويؤيد هذا أن الوقف فيه معنى الحبس، حيث عرف أكثر الفقهاء الوقف بأنه حبس للمال على جهة خيرية، وهذا جائز قياساً على وقف الزكاة من خلال استثمارها في مشاريع ربحية تدر ريعاً على المستحقين.

 

ويمكن أن يُجاب بما يأتي:

أ – لا يُسلم جواز صرف الزكاة في تمويل الأوقاف؛ لأن الزكاة لها مصارفها المحددة شرعاً، والأوقاف ليست منها، خاصة أن الوقف يقتضي حبس المال، والأصل في الزكاة المبادرة بصرفها للمستحقين.

 

ب – عرَّف الفقهاء الوقف بتعريفات عدة، ومنها:" حَبْس العين على ملك الواقف والتصدُّق بالمنفعة"(36)، ومنها: "حبس مالٍ يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود"(37)، ومنها: "تَحْبيس الأصل وتَسْبيل المنفعة"(38).

 

وهذه التعريفات تدل على أن أصل الوقف يبقى على الدوام، ولا يُباع إلا إذا تعطلت منافعه، وإنما يُنتفع بمنفعته من ريع أو ثمر ونحو ذلك، وأما في حال ضمان الزكاة لتمويل المحتاجين فإن مال الزكاة نفسه يُصرف للجهة الممولة في حال عجز المتمولين عن السداد، وهذا ليس من شأن الوقف.

 

ج – لا يُسلّم أن استثمار أموال الزكاة في مشاريع تجارية هو وقف لها، إذ إن من صور الاستثمار: أن يكون قصير الأجل إلى حين صرف الزكاة على المستحقين، وحتى في حالة الاستثمار طويل الأجل للزكاة فإن من أهم الضوابط المبادرة إلى تسبيل الأصول المستثمرة لتلبية الحاجات الطارئة للمستحقين، وهذا يخالف حكم الوقف في بقاء أصله على الدوام.

 

7 – أن ضمان تمويل الشرائح الضعيفة بأموال الزكاة ليس صرفاً لها في غير مصارفها؛ لأنها لم تُصرف بعد، وإنما جُعِلت ضماناً لتشجيع المؤسسات المالية على تمويل هذه الشرائح لحفزها على التنمية والاستثمار، فإذا عجز المتمولون عن السداد فإن الزكاة تُصرف حينئذٍ لإبراء ذمتهم باعتبارهم غارمين، وهذا من مصارف الزكاة.

 

8 – أن رجوع مؤسسة الزكاة على المتمول العاجز عن السداد هو مقتضى عقد الضمان، إذ يجوز للضامن أن يرجع على المدين المضمون عنه إذا نوى الرجوع أو أذن له المدين بالضمان والأداء(39)، وفي ضمان تمويل الشرائح الضعيفة يتم ترتيب هذا التمويل باتفاق مع المضمون عنه (المتمول) وبإذنه لمؤسسة الزكاة أن تضمنه وتؤدي عنه في حال عجزه.

 

ويمكن أن يُجاب بما يأتي:

أ – أن عقد الضمان ينافي مقاصد الزكاة كما سيأتي.
ب – أن رجوع مؤسسة الزكاة على المضمون عنه يؤدي إلى ترتيب تكاليف وأعباء إضافية على المؤسسة للمتابعة والتحصيل، فضلاً عن احتمال عجزه عن السداد لمؤسسة الزكاة كما عجز عن الدفع للمؤسسة المالية الممولة.

 

9 – أن رجوع مؤسسة الزكاة على المتمول العاجز عن السداد لن يؤدي إلى افتقاره وغرمه، إذ يمكن للمؤسسة أن تصرف له من الزكاة لأنه غارم، وقد نص الفقهاء على جواز أن يدفع الدائن الزكاة إلى غريمه (المدين)، وللمدين بعد ذلك أن يؤدي الدين إلى من دفع الزكاة بشرط ألا يقصد المزكي الدائن الاحتيال لاستيفاء دينه واسترجاعه عن طريق الزكاة وألا يشرط عليه رد الزكاة لوفاء دينه(40).

 

وقد نص الإمام أحمد على جواز ذلك، حيث سئل عمن دفع زكاته إلى مدينِه فردها إليه قضاءً لدَيْنه، له أخذه؟ قال: نعم، وفي موضع آخر: إذا كان بحيلة فلا يعجبني، وفي موضع قال: إذا أراد بهذا إحياء ماله فلا يجوز(41).

 

قال الموفق ابن قدامة: "فحصل من كلامه أن دفع الزكاة إلى الغريم جائز سواء دفعها ابتداء أو استوفى حقه ثم دفع ما استوفاه إليه، إلا أنه متى قصد بالدفع إحياء ماله أو استيفاء دينه لم يجز؛ لأن الزكاة لحق الله تعالى فلا يجوز صرفها إلى نفعه"(42).

 

وبناءً على ما تقدم فإن مؤسسة الزكاة عندما تؤدي عن المتمول فإنها تقرضه، فيكون غارماً مديناً لها، وإذا كان مستحقاً للزكاة لتوفر شروط الغارم فيه فإن المؤسسة لها أن تدفع له الزكاة لغرمه دون قصد استرجاع الدين الذي عليه، ثم يقوم بسداد ما عليه من دين لمؤسسة الزكاة، أو يسدد ما عليه، ثم تقوم المؤسسة بإعطائه من الزكاة لأنه صار غارماً.

 

ويمكن أن يُجاب بما يأتي:

أ – أن هذه الإجراءات فيها إضافة أعباء وتكاليف للإقراض والاستيفاء وصرف الزكاة، وكان يمكن ابتداءً مواساة المستحق من الزكاة، وتجنب هذا العناء.

 

ب – لا يسلم بعدم وجود قصد استرجاع المال عندما تصرف المؤسسة الزكاة للغارم المدين لها، حيث يؤدي ذلك إلى حرص منسوبي المؤسسة على صرف الزكاة للمدين لضمان استيفاء الدين.
ولذا فقد عد ابن القيم دفع الزكاة لغريمه المفلس ثم مطالبته بوفاء الدين حيلة لحسبان الدَّين من الزكاة، وهي مما أبطله الشارع(43).

 

10 – أن ولي الأمر ومن ينوب عنه من الجهات والمؤسسات المخولة بقبض الزكاة وتفريقها لها من النظر والتصرف في أموال الزكاة بحسب المصلحة ما ليس لغيرها، فإذا رأت هذه الجهات مصلحة في وضع بعض هذه الأموال ضماناً يشجع على تمويل المحتاجين وذوي الدخل المحدود واستثمارهم كان ذلك جائزاً.

 

وقد ذكر الفقهاء عند حديثهم عن مصارف الزكاة ما يدل على أخذ اجتهاد الإمام ونظره بالاعتبار، ومن ذلك قول الإمام مالك: "الأمر عندنا في قَسْم الصدقات أن ذلك لا يكون إلا على وجه الاجتهاد من الوالي، فأي الأصناف كانت فيه الحاجة والعدد أُوْثِر ذلك الصنف بقدر ما يرى الوالي"(44).

 

ويقول الحافظ ابن حجر (ت 852هـ): "للإمام أن يخص بمنفعة مال الزكاة دون الرقبة صنفاً دون صنف بحسب الاحتياج"(45).

 

ويمكن أن يُجاب بأن القائمين على أموال الزكاة يجب أن يراعوا مصلحة المستحقين لها ممن سمى الله في مصارفها، وأما جعلها ضماناً لتمويل شرائح قد لا تكون مستحقة للزكاة، فهذا تصرف في الأموال بما لا يتفق ومصلحة المستحقين، بل يحقق مصلحة الجهات المانحة كالمؤسسات المالية التي تدير السيولة عبر التمويل مع ضمان السداد عن طريق أموال الزكاة.

 

المبحث الثاني: الموانع الشرعية لضمان الديون بأموال الزكاة:

هناك من يرى أنه لا يجوز أن تكون الزكاة ضماناً لما يأخذه المحتاج من أموال للمتاجرة بها بحيث تُدفع للمموِّل عند عجز المحتاج ثم تُستعاد منه بأقساط مؤجلة.

 

ومما يؤيد هذا الاتجاه:
1 – أن المتمول الذي يُراد ضمانه إما أن يكون من مستحقي الزكاة أو لا يكون كذلك:

أ – فإن كان من المستحقين فإن ذلك لا يجوز في حقه لما يأتي:
- أن الأصل إعطاؤه من أموال الزكاة مباشرةً، ويمكنه استثمار جزء منها من خلال عدة صور(46)، وهذا أولى من شغل ذمته بديون قد يعجز عن الوفاء بها، وإذا كان يمكنه أن يرد مقدار ما أخذه يمكن ذلك من خلال أقساط مناسبه تُدفع لمؤسسة الزكاة بدلاً من دفعها للمؤسسة المالية، وهذا أفضل من التمويل عبر هذه المؤسسات ثم استعادة التمويل من خلال الأقساط، إذ ظاهر ذلك أن المراد نفع المؤسسات المالية في توظيف سيولتها في تمويل هذه الشرائح مع انتفاعها من الزكاة بضمان هذا التمويل.

 

- إذا عجز المستحق عن الوفاء ثم قامت مؤسسة الزكاة بدفع الضمان للممول فليس لها أن ترجع عليه؛ لأنه حينئذٍ غارم، وهو مستحق للزكاة لغرمه، فكيف يُرجع عليه بهاء، والغالب أنه إذا عجز عن الأداء للمؤسسة المالية، فإنه سيعجز عن الأداء لمؤسسة الزكاة، بل قد يُعجِز نفسه ويماطل لعلمه بأنه مستحق للزكاة إذا كان غارماً.

 

ب – إن كان المتمول من غير المستحقين للزكاة، فإنه لا يجوز دفع الزكاة ضماناً عنه؛ لأن مصارف الزكاة جاءت معينة محدودة لا يجوز تجاوزها لمجرد التشجيع على الاستثمار، والمستحقون أولى بمال الزكاة.

 

وقد نص بعض الفقهاء على عدم إعطاء الزكاة لمن يستدين اعتماداً على سداد دينه من مال الزكاة وهو غير مستحق في الأصل، فقال القرافي في دفع الزكاة للغارم: "وأما إن كان يتدين أموال الناس ليكون غارماً فلا؛ لأن الدفع يديمه على عادته الردية"(47).

 

وقد جاء في توصيات الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة: "لا ينبغي لمن يجد دخلاً يكفيه أن يستدين لإنشاء مصنع أو مزرعة أو مسكن اعتماداً منه على السداد من مال الزكاة، فمال الزكاة يُعطى لسد حاجة الفقراء، أو إيجاد دخل لهم يسد حاجتهم، ولا يُعطى لمن لديه ما يكفيه ليزداد ثراء"(48).

 

2 – أن حقيقة عقد الضمان تنافي حقيقة الزكاة ومقاصدها التشريعية، فالضمان عقد توثيق، وفي حال عدم سداد المضمون عنه فإن الضامن يؤدي عنه فيتحول بذلك إلى قرض، بل عبر عنه بعض الفقهاء بأنه يصبح عقد معاوضة عند الرجوع على المضمون عنه، ومن ذلك قول السرخسي: "الكفالة في الابتداء تبرع، ولكن في الانتهاء معاوضة"(49)، أما الزكاة فإنها مواساة للمحتاجين، بحيث تُدفع لهم لحاجتهم دون مقابل أو نية رجوع عليهم، وليس فيها معنى التوثيق ولا المعاوضة.

وعليه فإن استخدام أموال الزكاة في الضمان فيه منافاة لمقاصدها الشرعية ومجافاة لحقيقتها وأهدافها الاقتصادية والاجتماعية.

 

3 – أن من شروط الضامن أن يكون أهلاً للتبرع، وذلك بأن يصح تبرعه بما تحت يده من مال؛ لأن الضمان التزام بالمال، ولذا لا يصح من المجنون والصبي والعبد بغير إذن سيده والمحجور عليه لسفهه(50)، ولذا فقد قال النووي في بيان عدم جواز ضمان السفيه ولو بإذن الولي قياساً على البيع: "فإن البيع إنما صح على وجه؛ لأنه (الولي) لا يأذن إلا فيما فيه ربح أو مصلحة؛ والضمان غرر كله بلا مصلحة"(51).

 

ومؤسسة الزكاة لا تملك الزكاة، ولا يصح أن تتبرع بها على وجه الضمان خاصة أنه قد لا يمكن الرجوع بها على المتمول المضمون عنه لعجزه عن السداد، كما أن شرط التمليك في الزكاة يقتضي أن تقوم المؤسسة بتمليكها للمستحقين لا حبسها للضمان.

 

ويمكن أن يُجاب بما يأتي:

أ – أن مؤسسة الزكاة تُعد وكيلة عن المستحقين؛ ولذا فإن تصرفها فيما يُدفع لها من زكاة وفق المصلحة يُعد جائزاً باعتبار الدفع لها دفعاً للمستحق، فهي وكيلة عن المستحقين خاصة إذا كانت تعمل وفق تخويل رسمي أو تضع ملفات خاصة لكل مستحق بحيث يُعد ذلك وكالة مباشرة لهذه المؤسسة الزكوية في قبض أموال الزكاة والتصرف فيها حسب المصلحة.
وهي بهذا بمثابة الساعي (العامل على الزكاة) الذي نص الفقهاء على أن الدفع له أو للإمام إخراج مجزئ للزكاة، بل إنه الساعي يمكن أن يأخذ الزكاة ولو مع غيبة صاحبه وتجزئ نية الساعي عن المزكّي(52).

 

ب – الأصل أن مؤسسة الزكاة تجري دراسة للمرشحين للتمويل ومدى قدرتهم على الوفاء لجهة التمويل، وإذا لم يتمكنوا من الوفاء فإن مؤسسة الزكاة ترجع عليهم بما دفعته بأقساط ميسرة تراعي حالهم، فلا تضيع الأموال، ولا يكون إنفاذ الضمان تبرعاً بأموال الزكاة.

 

ج – بالنسبة للتمليك في الزكاة لا يُسلَّم اشتراطه، حيث أجاز الفقهاء صرف الزكاة على وجه لا تمليك فيه كما في صرفها للدائن من أجل المدين الغارم وصرفها في شراء العبيد وعتقهم، ولو فُرِض اشتراط التمليك، فهو حاصل بتسليم الزكاة لمؤسسة الزكاة التي سبق أنها تُعد وكيلة عن المستحقين.

 

4 – أن مؤسسة الزكاة ستُضطر إلى حبس بعض أموال الزكاة من أجل الضمان تحسباً لتعثر المتمولين في السداد للمؤسسات المالية، فيؤدي ذلك إلى تعطيل صرف الزكاة في مصارفها المنصوص عليها.

 

ويمكن أن يُجاب بأنه لا يسلّم أن الضمان سيعطّل صرف الزكاة في مصارفها؛ ذلك أن الضمان يتعلق بذمة الضامن لا بماله؛ ولذا أجاز الفقهاء أن يكون المفلس المحجور عليه ضامناً، ويُتبع به بعد ذلك الحجر عنه، والحجر عليه في ماله لا في ذمته(53)، وعليه فإن مؤسسة الزكاة تضمن تمويل هذه الشرائح دون تعطيل للزكاة اعتماداً على التدفق النقدي للزكاة أثناء الحول.

 

وعلى الرغم من ذلك فإن المؤسسات المالية المموِّلة تطلب الحد الأدنى من الملاءة المالية لمؤسسة الزكاة، وهذا يختلف باختلاف إيرادات المؤسسة وعلاقتها بالدولة، فقد يكتفي المصرف (جهة التمويل) باتفاقية ضمان في حال كانت مؤسسة الزكاة مدعومة من الدولة، وقد يطلب المصرف حبس بعض الأصول كالأسهم أو العقارات أو النقود ليطمئن إلى حفظ حقه عند تعثر المتمولين في السداد، وهذا يعني أن بعض أموال الزكاة قد يُحبس (يُجنب) من أجل الضمان عند عدم وجود موارد أخرى.

 

5 – أن الغالب أن المتمولين الذين لا تقبلهم المؤسسات المالية يعجزون عن السداد، وهذا يعني دفع مال الزكاة (الضمان) للممول بنسبة كبيرة، وإذا رجعت مؤسسة الزكاة إلى المتمولين فإنهم قد يعجزون عن دفع الزكاة ولو بأقساط ميسرة، فيؤدي ذلك إلى ضياع أموال الزكاة وإهدارها في سداد هذه الديون الاستثمارية، أي أن هذه الفكرة تؤول إلى نقل المخاطر الائتمانية من المؤسسة المالية إلى مؤسسة الزكاة خاصة في حال عدم تمكن المتمول من السداد.

 

ويؤيد ذلك إشارة بعض الفقهاء إلى عدم توظيف مال اليتيم والسفيه ونحوهما في الضمان (الكفالة) لما فيها من احتمال خسارة المال بالأداء للمضمون عنه دون إمكانية استعادته من المضمون عنه، وتقدم قول النووي: "والضمان غرر كله بلا مصلحة"(54)، ومنه قول السرخسي: "والكفالة مع جوازها وحصول التوثق بها فالامتناع من مباشرتها أقرب إلى الاحتياط على ما قيل إنه مكتوب في التوراة: الزعامة (الكفالة) أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها غرامة"(55).

 

6 – أن مؤسسة الزكاة قد تعود على المتمول الفقير بما صرفته للمؤسسة المالية لعجزه عن السداد، وهذا سيزيد من حاجته وفقره ويصبح غارماً أيضاً، وقد يكون المتموِّل مكتفياً غير مستحق للزكاة قبل هذا التمويل، ولما أخذه وعجز عن سداده أصبح مديناً لمؤسسة الزكاة، فصار غارماً، علماً بأن عجز هذه الفئات عن السداد متوقع بنسبة كبيرة؛ لعدم وجود دخل ثابت مما جعلها غير جديرة ائتمانياً لدى المؤسسات المالية.

 

وهذا يعني أن هذه الفكرة من شأنها أن تزيد من حاجة المستحقين وفقرهم، بل قد تزيد من عدد المستحقين للزكاة بسبب غرم هذا التمويل، وهذا يستدعي علاج هذه الحاجة من أموال الزكاة، وبدلاً من الصرف المباشر للفقير أو تمكينه من استثمار أموال الزكاة أسهمت هذه الفكرة في زيادة الإجراءات الإدارية والتكاليف المتوقعة للضمان وتحصيل الديون من المتمولين، وهكذا أسهمت هذه الفكرة في زيادة الفقر لا علاجه، فضلاً عن تحميل مؤسسة الزكاة أعباء وتكاليف إضافية.

 

7 – أن المؤسسة المالية المموِّلة تراعي تحقيق أرباح من هذا التمويل بحيث تكون مناسبة لإدارة سيولتها، والمتمول المحتاج سيسدد لهذه المؤسسات أصل المديونية بالإضافة إلى الأرباح التي تزيد بزيادة مدة السداد، وعليه فإن مؤسسة الزكاة عندما تضمن هذا التمويل فهذا يعني أنها ستسدد المديونية مع الأرباح في حال عجز المتمول، إذ لن ترضى جهة التمويل بمجرد سداد أصل الدين، وعليه فالمؤسسة المالية انتفعت بهذا الضمان في زيادة العوائد، بينما غرمت مؤسسة الزكاة أكثر من مبلغ التمويل، وكان يمكنها تمويل المستحقين مباشرة دون خسارة الأرباح الزائدة.

 

8 – أن ضمان تمويل الشرائح الضعيفة بأموال الزكاة من شأنه أن يغلق باب القرض الحسن الذي يمكن أن يقدمه المحسنون والجهات المانحة الأخرى لهذه الشرائح، كما أنه يكرس ثقافة التمول عبر المؤسسات المالية من خلال عقود ومنتجات لا يخلو كثير منها من شبهة الصورية والتحايل!!!

 

9 – أن ضمان ديون المؤسسات المالية بأموال الزكاة قد يؤول إلى تسليط هذه المؤسسات على الزكاة بشكل غير مباشر، حيث تتحكم في مقدار ما يُصرف للمستحقين من أموال الزكاة وما يجب أن يُجنّب كضمان لمدينيها في حال عدم وجود موارد أخرى، وهذا يؤدي إلى تضاعف سلطة هذه المؤسسات على المجتمع وأفراده، إذ لم تكتف بسلطتها على ذوي الملاءة الجيدة من خلال الديوان التي تكبّلهم لسنوات طويلة وبعوائد عالية، بل أضافت إلى ذلك انتفاعها بأموال الزكاة لضمان تمويل هذه الشرائح.

 

المبحث الثالث: الترجيح:

من خلال ما تقدم يظهر لي رجحان الاتجاه الثاني، وهو أنه لا يجوز أن تكون أموال الزكاة ضماناً لديون المؤسسات المالية على المحتاجين لما تقدم في مؤيدات هذا الاتجاه ومناقشة مؤيدات الاتجاه الأول، وقد تبين أن ذلك لا يجوز سواءً أكان المتمول من مستحقي الزكاة أم كان من غيرهم، وسواءً أتعثّر المتمول في السداد للجهة الممولة أم لم يتعثر، خاصة أن التعثر أمر احتمالي لا يتأكد انتفاؤه وعدم الحاجة للضمان إلا بانتهاء المتمول من سداد جميع الأقساط، فلا يمكن أن يُقال إنه يجوز جعل الزكاة ضماناً إذا لم يحصل تعثّر!!!

 

ولعل مما يؤيد ذلك أن الأطراف المشتركة في هذا التمويل ثلاثة، وفيما يلي أوضِّح مكاسب وخسائر كل طرف من هذا التمويل:

أولاً: مؤسسة الزكاة:

المكاسب:
تأمين المال الذي سيُصرف لتمويل المستحقين لحفزهم على العمل والإنتاج، حيث يتم تأمينه من خلال المؤسسة المالية بدلاً من استنزاف ميزانية مؤسسة الزكاة.

 

الخسائر:
1 – جعل الزكاة ضماناً لهذا التمويل، وهذا قد يترتب عليه حبس بعض أموال الزكاة، فيؤثر على ميزانية المؤسسة.
2 – السداد للمؤسسة المالية في حالة عجز المضمون عنه، وهذا قد يكون مفاجئاً فيخل ذلك ببرنامج صرف الزكاة، كما أن السداد سيكون لأصل مبلغ التمويل وأرباحه.
3 – إضافة مشتركين جدد من المستحقين للمواساة بالزكاة بسبب غرمهم وزيادة فقرهم عند مطالبتهم بسداد هذا التمويل.
4 – أعباء وتكاليف إضافية للضمان والسداد وتحصيل الديون ومواساة المستحقين الجدد.

 

ثانياً: المؤسسة المالية المموِّلة:

المكاسب:
1 – إدارة السيولة في مجالات مربحة، إذ تحصل المؤسسة المالية على أصل المديونية وأرباحها.
2 – ضمان هذا التمويل من خلال مؤسسة الزكاة.
3 – سهولة التحصيل من مؤسسة الزكاة مقارنة بالتحصيل من ذوي الملاءة المنخفضة دون ضمان، حيث تقل أعباء وتكاليف هذا التحصيل.

 

الخسائر:
احتمال عجز مؤسسة الزكاة عن أداء الضمان بسبب قلة مواردها، وهذا ما قد يحمل المؤسسة المالية على اشتراط تجنيب بعض أموال الزكاة لضمان الديون المتعثرة.

 

ثالثاً: المتمولون من ذوي الملاءة المالية المنخفضة:

المكاسب:
1 – الحصول على تمويل يستخدمونه في العمل والإنتاج والاستثمار.
2 – الاطمئنان في حال التعثر؛ لأن مؤسسة الزكاة تضمن هذا التمويل، وهذا قد يؤدي إلى تساهل هؤلاء المتمولين في السداد اعتماداً على هذا الضمان.
3 – إمكانية مساعدة مؤسسة الزكاة لهم عند تعثرهم؛ لأنهم أصبحوا غارمين، فصاروا من أهل الزكاة.

 

الخسائر:
1 – احتمال تعثر مشاريعهم الاستثمارية، فيخسرون ما قدموه من جهد ومال.
2 – مطالبتهم بالدين الذي تم سداده عن طريق مؤسسة الزكاة، فيصبحون غارمين، وقد يصبحون فقراء أيضاً.

 

ومن خلال هذا التحليل يتبين أن المؤسسات المالية هي المستفيد الأكبر من هذا التمويل، في مقابل خسارة مؤسسة الزكاة والمتمولين وما يضيفه هذا التمويل من أعباء وتكاليف، مما يؤكد أنه لا مصلحة فيه للمستحقين والقائمين على الزكاة؛ لذا فالأرجح عدم جوازه.

 

غير أن ذلك لا يعني إغلاق الباب في وجه استثمار ذوي الملاءة الضعيفة خاصة من مستحقي الزكاة وضمان تمويلهم، إذ يمكن تحقيق ذلك من خلال عدة مصادر تنتمي إلى القطاعات الثلاثة (الحكومي – الخاص – الأهلي)، ومن ذلك:

1 – استثمار أموال الزكاة عبر عدة صيغ يحصل من خلالها التمليك الفردي أو الجماعي، أو مشاركة مؤسسة الزكاة للمستحق.
2 – استخدام صدقة التطوع من الأفراد والمؤسسات والجمعيات الخيرية لتكون ضماناً، إذ إن أحكام الصدقة أيسر وأكثر مرونة من أحكام الزكاة.
3 – تفعيل الأوقاف لتسهم من خلال عوائدها في الدور التنموي للفقراء وذوي الملاءة المالية المنخفضة.
4 – توثيق الديون التي يتحملها الراغب في الاستثمار من ذوي الملاءة المنخفضة عن طريق رهن ما لديه من أجهزة وآلات وأصول استثمارية بحيث تكون مرهونة بالدَّيْن الذي عليه لجهة التمويل دون مساس بأموال الزكاة لضمان هذه الديون.
5 – تفعيل الضرائب والرسوم الحكومية والصناديق المتخصصة في التنمية لدعم تمويل وضمان استثمارات هذه الشريحة.
6 – أن تسهم المؤسسات المالية ورجال الأعمال من خلال المسؤولية الاجتماعية في دعم هذه الشرائح عبر قروض حسنة أو تمويل منخفض العائد والقبول بالمخاطرة النسبية.

 

ويمكن أن تسهم هذه المصادر المختلفة أو بعضها في تكوين صندوق يمول هذه الشريحة المستهدفة أو يقدم ضمانات للجهات المموِّلة لتسهيل حصولهم على الأموال اللازمة للعمل والإنتاج والتنمية، وهو ما يحقق المقاصد الشرعية للزكاة.

 

الخاتمة:

بعد استعراض ما تقدم من مسائل وأحكام يمكن إجمال النتائج والتوصيات كما يأتي:

النتائج:

1-    الدَّيْن: ما يثبت في الذمة من مال بسبب يقتضي ثبوته.
2-    المراد بالدَّيْن في البحث: ما ثبت في الذمة بسبب عقد مالي كثمن المبيع وبدل القرض والأجرة ونحوها.
3-    للضمان عند الفقهاء معانٍ متعددة واستعمالات كثيرة إلا أن المراد في البحث ضمان الديون الناشئة عن عقود مالية كالبيع والإجارة والقرض والسَّلَم ونحوها، ويُعرَّف بأنه: "ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق".
4-    التعريف المختار للزكاة: "إخراج نصيب مقدر شرعاً في مال مخصوص لطائفة مخصوصة"، وقد شُرِعت الزكاة لحكم عظيمة ومقاصد شريفة منها ما يتعلق بالمزكي نفسه وعلاقته بربه، ومنها ما يتعلق بالمستحقين، ومنها ما يتعلق بالمجتمع، ومنها ما يتعلق بالمال المُزكّى.
5-    مشكلة البحث تكمن في دراسة الحكم الشرعي لقيام مؤسسة الزكاة بضمان ديون المتمولين من المؤسسات المالية من ذوي الملاءة المالية المنخفضة بحيث تقوم مؤسسة الزكاة بدفع مقدار الدَّيْن للمؤسسة المالية من مال الزكاة في حال تعثّر المتمول في السداد ثم تعود على هذا المتمول المضمون عنه لتسترجع ما دفعته بأقساط مناسبة لملاءته المالية.
6-    من مؤيدات جواز ضمان الديون بأموال الزكاة: تحقيق الهدف التنموي للزكاة، وقياساً على جواز استثمارها لصالح المستحقين، وقياساً على صرفها للغارمين، وتشبيهاً للضمان بوقف أموال الزكاة.
7-    من موانع ضمان الديون بأموال الزكاة: عدم تحقق فائدة في ضمان المستحقين للزكاة وعدم جواز ضمان غير المستحقين، وللمنافاة بين حقيقة عقد الضمان وحقيقة الزكاة ومقاصدها، ولما يترتب عليه ذلك من حبس لبعض الزكاة واحتمال ضياعها وزيادة الأعباء على مؤسسة الزكاة وزيادة حالات الفقر.
8-    ترجّح عدم جواز ضمان الديون بأموال الزكاة لأن المؤسسات المالية المموّلة هي المستفيد الأكبر من هذه الفكرة عبر توظيف السيولة في التمويل الربحي مع ضمان المديونية في مقابل تكاليف وأعباء إضافية على مؤسسة الزكاة والمستحقين.
9-    هناك عدة بدائل لأموال الزكاة لإنشاء صناديق تمويل وضمان المستحقين بحيث تسهم فيها الصدقات التطوعية والأوقاف ومؤسسات القطاعين العام والخاص.

 

التوصيات:

1-    التأكيد على مراعاة الجانب التعبدي في الزكاة باعتبارها شعيرة لها أحكامها وشروطها، ولا يجوز تجاهل هذه الأحكام واعتبار الزكاة مجرد أداة اقتصادية تعالج أوضاعاً طارئة هنا أو هناك.
2-    العمل على توفير مصادر بديلة للزكاة لتقوم بتمويل المشاريع الاستثمارية للمستحقين أو ضمانها، وذلك كالضرائب والرسوم والصناديق والمؤسسات الحكومية المتخصصة فضلاً عن مؤسسات الأوقاف وصدقات التطوع.
3-    حث القطاع الخاص ممثلاً بالمؤسسات المالية ورجال الأعمال كي يقوموا بواجبهم تجاه الشرائح الضعيفة كجزء من مسؤوليتهم الاجتماعية وعدم التعويل على أموال الزكاة وحدها لتقوم بالدور التنموي لقلة هذه الأموال وتزايد الحاجات الملحة للمستحقين.
4-    لفت أنظار الباحثين إلى أهمية دراسة توظيف الزكاة في الضمان والتأمين والرهن ونحو ذلك من عقود وأشكال التوثيق، ودعوة المجامع الفقهية والهيئات العلمية إلى دراسة هذه النوازل وإصدار الأحكام والفتاوى بشأنها.

 

_______________________________________

(1)    لسان العرب (دين): 13/167، والقاموس المحيط (الدين): ص1546.
(2)    العناية على الهداية: 6/346، وتبيين الحقائق: 4/171.
(3)    الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص354، وانظر: بدائع الصنائع: 2/10، وفتح القدير لابن الهمام: 5/430.
(4)    انظر: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد لنزيه حماد: ص111.
(5)    تفسير القرطبي: 3/377، وانظر: الربا والمعاملات المصرفية لعمر المترك: ص287.
(6)    انظر: منح الجليل: 5/43، ونهاية المحتاج: 3/131، وكشاف القناع: 4/404.
(7)    انظر: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد لنزيه حماد: ص112.
(8)    لسان العرب (ضمن): 13/257، والقاموس المحيط (ضمن): ص1564.
(9)    المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا: 2/1035.
(10)    المغني: 7/71.
(11)    انظر تفصيل أركان عقد الضمان وشروطه في: تبيين الحقائق: 4/145، والبحر الرائق: 6/221، والذخيرة: 9/201، ومواهب الجليل: 5/96، والحاوي الكبير: 6/433، وروضة الطالبين: 4/240، والمبدع: 4/248، وكشاف القناع: 3/362، والموسوعة الفقهية الكويتية: 34/290.
(12)    انظر: لسان العرب (زكا): 14/358، والقاموس المحيط (زكا): ص1667، وتاج العروس (زكو): 38/220.
(13)    انظر: المبسوط للسرخسي: 2/149، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير: 2/307، ولسان العرب (زكا): 14/358، والإنصاف للمرداوي (مع المقنع والشرح الكبير): 6/291، وحاشية ابن عابدين: 2/256.
(14)    العناية شرح الهداية للبابرتي: 2/153، والبحر الرائق لابن نجيم: 2/216، وحاشية ابن عابدين: 2/256.
(15)    البحر الرائق لابن نجيم: 2/216، وحاشية ابن عابدين: 2/256، بينما ذهب بعض أهل اللغة إلى أنها من الألفاظ المشتركة بين المعنيين. انظر: الفائق في غريب الحديث للزمخشري: 2/119، والنهاية في غريب الحديث: 2/307، ولسان العرب (زكا): 14/358.
(16)    الدر المختار للحصكفي (مع حاشية ابن عابدين): 2/256، وملتقى الأبحر (مع مجمع الأنهر): 1/284.
(17)    شرح حدود ابن عرفة للرصاع: 1/140، ومواهب الجليل للحطاب: 3/207.
(18)    الحاوي الكبير: 3/71، ونحوه تعريف النووي في المجموع: 5/325.
(19)    الإقناع (مع كشاف القناع): 2/166، وهذا هو التعريف المشهور عند الحنابلة. انظر: المبدع لابن مفلح: 2/290، وشرح منتهى الإرادات: 3/363، ومطالب أولي النهى: 2/4.
(20)    بدائع الصنائع: 2/2، والموافقات للشاطبي: 3/121. وانظر تفصيل الحديث عن مقاصد الزكاة وحكم مشروعيتها في: أسرار الزكاة للغزالي: ص63، ومصارف الزكاة وتمليكها للعاني: ص70.
(21)    أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} رقم (1442): ص233، ومسلم في صحيحه: كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك: رقم (1010): ص408 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(22)    أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة والأدب: باب استحباب العفو والتواضع: رقم (2588): ص1131 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(23)    انظر تفصيل حكم استثمار أموال الزكاة لصالح المستحقين في كتاب: "استثمار أموال الزكاة" لصالح الفوزان.
(24)    حيث اشترط الفقهاء في الغارم لمصلحة نفسه أن يكون قد غَرِم في سبب مباح، وهذا يشمل الغرم من أجل التجارة والاستثمار. انظر: الكافي لابن عبدالبر: ص114، والذخيرة: 3/147، وروضة الطالبين: 2/217، والمغني: 9/323، وكشاف القناع: 2/282.
(25)    الكافي لابن عبدالبر: ص114، والذخيرة: 3/147، والمجموع: 6/208، وروضة الطالبين: 2/218، ومغني المحتاج: 3/110، والإنصاف: 7/245.
(26)    المجموع: 6/222، وروضة الطالبين: 3/318، ومغني المحتاج: 3/111، والإنصاف: 7/245، وكشاف القناع: 2/282.
(27)    الذخيرة: 3/148، ومواهب الجليل: 2/251، وحاشية الدسوقي: 1/496.
(28)    اختاره د. يوسف القرضاوي كما في فقه الزكاة: 2/634، ونقله عن غيره كأبي زهرة وعبد الوهاب خلاف وعبد الرحمن حسن، واختاره د. عبدالحميد البعلي (الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة: ص291) و د. محمد الزحيلي و د. عبدالستار أبو غدة (الندوة الخامسة: ص191، 243).
(29)    المبسوط: 20/32، وفتح القدير: 7/181، ومواهب الجليل: 5/113، وشرح الخرشي: 5/30، والأم: 3/230، وروضة الطالبين: 3/495، والشرح الكبير لابن قدامة: 12/353، وكشاف القناع: 3/319.
(30)    الإشراف على مذاهب أهل العلم: 1/120، والبيان والتحصيل: 7/227، ومواهب الجليل: 5/113.
(31)    فتح العزيز: 10/360.
(32)    المبسوط: 30/148.
(33)    كشاف القناع: 3/312.
(34)    مغني المحتاج: 2/117.
(35)    ممن صرح بعدم جوازه: الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق و د. أحمد بن حميد و د. رفيق المصري. انظر: بحوث وفتاوى إسلامية للشيخ جاد الحق: ص365، والندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة: ص196.
(36)    البحر الرائق: 5/202.
(37)    مغني المحتاج: 2/376.
(38)    المقنع (مع الإنصاف والشرح الكبير): 16/361، ومعنى (تحبيس الأصل): إمساك الذات عن أسباب التملّكات مع قطع ملكه فيها، ومعنى (تسبيل المنفعة): إطلاق فوائد العين الموقوفة من غلة وثمرة وغيرها للجهة المعنية. كشاف القناع: 4/241.
(39)    بدائع الصنائع: 6/13، وشرح الخرشي: 6/31، ومغنى المحتاج: 2/209، وكشاف القناع: 3/371.
(40)    المبسوط: 3/14، وتبيين الحقائق: 1/258، والمجموع: 6/199، وروضة الطالبين: 2/220، والمغني: 4/106، والفروع: 2/469، والإنصاف: 7/281.
(41)    المغني: 4/106.
(42)    المصدر السابق: 4/106.
(43)    إعلام الموقعين لابن القيم: 5/270.
(44)    الموطأ: 1/268.
(45)    فتح الباري: 3/366.
(46)    انظر هذه الصور بالتفصيل في كتاب: "استثمار أموال الزكاة" للدكتور صالح الفوزان: ص162.
(47)    الذخيرة: 3/148، وانظر: التاج والإكليل: 2/351، ومنح الجليل: 2/90، وحاشية الدسوقي: 1/497.
(48)    توصيات الندوة في آخر الأبحاث: ص505، وبحث د. عمر الأشقر في ذات الندوة: ص224.
(49)    المبسوط: 30/148، وانظر: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد لنزيه حماد: ص289.
(50)    البحر الرائق: 6/224، وشرح الخرشي: 6/22، ومغني المحتاج: 2/198، وأسنى المطالب: 2/236، وكشاف القناع: 3/362، والإنصاف" 13/15.
(51)    روضة الطالبين: 4/242.
(52)    بدائع الصنائع: 2/37، والبحر الرائق: 2/248، والكافي لابن عبدالبر: ص99، والتاج والإكليل: 2/359، وروضة الطالبين: 2/238، وأسنى المطالب: 1/405، والفروع: 2/420، وكشاف القناع: 2/259.
(53)    أسنى المطالب: 2/236، وكشاف القناع: 3/366، والإنصاف: 13/13.
(54)    روضة الطالبين: 4/242.
(55)    المبسوط: 19/161، 30/148.