التضخم النقدي في بلوغ النصاب
8 ذو القعدة 1437
د. عبدالله بن منصور الغفيلي

التضخم النقدي في بلوغ النصاب

وفيه فرعان:

الفرع الأول: المـراد بالتضخم النقدي:

التضخُّم مصدر للفعل تضخَّم من الضخامة، وأصله الثلاثي ضخم، دال على العِظم في الشيء، فالضخم العظيم من كل شيء، أو العظيم الجرم(1).

 

ولم أقف على تعريف للتضخم النقدي في كتب الفقهاء؛ لجدَّة المصطلح وحداثة استعماله(2).

 

أما علماء الاقتصاد فقد عرفوه بعدَّة تعريفات، منها:

1-    ارتفاع مطرد في المستوى العام للأسعار(3)، وهذا التعريف هو الأكثر شيوعاً، وفيه تقييد لمعنى التضخم بالارتفاع المستمر في الأسعار، أما الطارئ فلا يعد تضخماً.

 

2-    حركة صعودية للأسعار، تتصف بالاستمرار الذاتي تنتج عن فائض الطلب الزائد عن قدرة العرض(4).

 

ويزيد هذا التعريف عن سابقة ببيان سبب التَّضخُّم، وهو زيادة الطلب على العرض، مِمَّا يؤدِّي لارتفاع الأسعار وحدوث التَّضَخُّم.

 

الفرع الثاني: أثر التضخم النقدي في بلوغ النصاب: 

لا أثر للتضخم النقدي في المقدرات بالنص الشرعي من الأموال الزكوية، كالنقدين وسائمة الأنعام والحبوب والثمار، فمتى بلغ المال الزكوي النصاب المحدد وجبت الزكاة فيه على كل حال، ولو كانت قيمته باهظة، كما هو الحال عند التضخم النقدي.

 

وأمَّا الأوراق الــنقدية، فإنه لما كان المقصود منها ماليتها، أي قيمتها التبادلية لا أعيانها، فإن المعتبر في نصابها هو القيمة، وإنما يعرف ذلك بتقويمها بالنقدين، وليس للتضخم النقدي أثر على نصابهما كما تقدم، وإنما يؤثر على نصاب الأوراق النقدية من جهة انخفاض قيمتها التبادلية وقوتها الشرائية عند التضخم النقدي، فيرتفع مقدار نصابها؛ لتغير قيمة النصاب الذي تعتبر به وهو نصاب الذهب والفضة، فيصبح نصاب الأوراق النقدية الذي أوجبنا الزكاة عند بلوغه قبل التضخم ممالا تجب الزكاة فيه؛ لانخفاض قيمة الأوراق النقدية بسبب التضخم، ومثال ذلك: لو أن شخصاً يملك (800) ريال، وقيمة أدنى نصابي الذهب والفضة هو (500) ريال، فيكون قد وجبت عليه الزكاة، فإذا طرأ تضخم نقدي وانخفضت به قيمة النقود التبادلية وقوتها الشرائية؛ فصارت أدنى قيمة نصابي الذهب والفضة (1000) ريال،،لا لارتفاع قيمة أدنى النقدين-وهي الفضة غالبا-وإنما لانخفاض قيمة النقود الورقية، فلا تجب الزكاة على من ملك (800)ريال؛ لعدم بلوغه النصاب، مع كونها قد وجبت عليه قبل التضخم(5).

 

وبه يتبين أن التضخم النقدي قد يؤدي إلى عدم وجوب الزكاة، فيما إذا كان التضخم سبباً في نقصان النقد عن أقل النصاب(6).

 

_________________________

(1) القاموس المحيط مادة (الضخم) ص 1460.
(2) ينظر: التضخم النقدي في الفقه الإسلامي ص 73.
(3) ينظر معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص 286 تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي لنزيه حماد، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 3ج ص 1678، التضخم والكساد في ميزان الفقه الإسلامي للدكتور علي السالوس ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد9، ج2، ص411، وكساد النقود الورقية وانقطاعها وغلاؤها ورخصها وأثـر ذلك في تعيين الحقوق والالتزام للدكتور محمد القري بن عيد، المجلة عدد 9 ج 2، ص 69، وكساد النقود وانقطاعها بين الفقه والنظام لمنذر قحف، المجلة، عدد 9، ج2، ص727، والأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي قيمتها وأحكامها لأحمد حسن ص 324، ويراد بالمستوى العام للأسعار: متوسط أسعار السلع والخدمات، وانظر معجم المصطلحات المحاسبية والمالية ص (64).
(4) نـظرية التضخم ص 19، والتضخم المـالي للدكتور عناية ص 25، التضخم النقدي في الفقه الإسلامي ص 76، وتختلف الحركة الصعودية للأسعار من تضخم لآخر حيث ينقسم ثلاثة أقسام:
1. التضخم الزاحف: وهو ارتفاع متواصل للمستوى العام للأسعار بمعدلات محدودة، وهو أقل أنواع التضخم خطراً، ولا تتجاوز نسبة التضخم السنوية 5 %.
2. التضخم السريع: وهو ارتفاع مستمر ومتضاعف في المستوى العام للأسعار في مدى قصيرة، وهو يشكل خطراً اقتصادياً وقد تتجاوز نسبة ارتفاع الأسعار 10 % سنوياً.
3. التضخم الجامح: ويسمى بالمفرط، وهو ارتفاع سريع حاد في المستوى العام للأسعار، وهو أشد أنواع التضخم النقدي خطورة؛ حيث تزيد نسبة ارتفاع الأسعار عن 50 % شهرياً، وقد تصل لـ 100 % أو تزيد، انظر التضخم المالي ص 56، والتضخم النقدي في الفقه الإسلامي ص 82.
(5) انظر: أثر التضخم الاقتصادي على الزكاة، لقاسم الحموي، في مجلة أبحاث اليرموك، مجلد (11) عدد (3) ص 147، والتضخم النقدي في الفقه الإسلامي لخالد المصلح ص 142.
(6) سيأتي مزيد إيضاح لنصاب الورق النقدي في المبحث الثالث من الفصل الثاني من هذا البحث.