إشكالان يكتنفان قراءة بعضنا للقرآن!
10 رمضان 1437
إبراهيم الأزرق

الحمد لله وبعد فإن قراءة القرآن في رمضان من أفضل النوافل، ومن المشروع قراءته في المساجد، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن"؛ يعني المساجد.

 

ومن المظاهر الطيبة ما نراه من إقبال كثير من المصلين على قراءة القرآن في رمضان، ويعكر على رونق الحشود الناشرة للمصحاف بعد العصر في المساجد أمران ينبغي التنبيه عليهما:

 

الأول: جعل بعضهم القراءة إمراراً ذهنياً بصرياً بغير تحريك لسان، وتلك قراءة قلبية -بهذا القيد- لا يترتب عليها فضل القراءة المطلقة، التي يكتب لصاحبها بكل حرف أجره، وإن كانت القراءة القلبية لا تخلو من أجر تَذَكُّرٍ واعتبار ومراجعة ونحو ذلك، ولهذا نُقل الإجماع على جوازها لنحو الجنب، والمقصود أنها قراءة مقيدة ليست لها أحكام القراءة المطلقة.

 

قال ابن رشد: "قراءة الرجل في نفسه ولم يحرك بها لسانه ليست بقراءة..؛ لأن القراءة إنما هي النطق باللسان، وعليها تقع المجازاة، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: (لها ما كسب وعليها ما اكتسب)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تجاوز الله لأمتي عما حدثت به أنفسها، مما لم ينطق به لسان، أو تعمل به يد)، فكما لا يؤاخذ الإنسان بما حدثت به نفسه من الشر ولا يضره، فكذلك لا يجازى على ما حدث به نفسه من القراءة أو الخير المجازاة التي يجازى بها على تحريك اللسان بالقراءة وفعل الخير.

 

وأجاز للذي يصلي من الليل أن يرفع صوته بالقراءة وإن كان في ذلك إظهار لعمله لما في ذلك من العون له على الصلاة والنشاط عليها، ... واستحب ذلك له في طوافه.." اهـ باختصار يسير، وقد تقدم تنبيه على أنه قد يكتب له أجر على ما قام في قلبه من عمل إثر إمرار البصر على الآيات.

 

الثاني: وهو أشد من الأول رفع بعضهم الصوت بحيث يؤذي مَن بجواره مِن مصل أو تال، أما رفعه بحيث لا يؤذي فيسمع من شاء إلقاء السمع أو يسمع نفسه لينشط فحسن، وهو خير من إسراره، لمطلق الأحاديث والأخبار في تزيين الصوت بالقرآن والأَذَن لقارئه، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما سمع قارئ يقرأ في المسجد رحمه الله قد أذكرني آية كذا، وهو أيضاً أكمل في تحقيق الحرف الذي ترتب على قراءته الحسنة، وأوقع أثراً على القلب، قال النووي: "وفي إثبات الجهر أحاديث كثيرة، وأما الآثارعن الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم، فأكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، وهذا كله فيمن لا يخاف رياء ولا إعجابا، ولا نحوهما من القبائح، ولا يؤذي جماعة بلَبس ِ صلاتهم وتخليطها عليهم".

 

وأما النهي عن جهر بعض القارئين على بعض فمحله رفع الصوت بحيث يشوش على من بجواره، ولا سيما إن كان في صلاة، فإن هذه يجب فيها من الخشوع ما لا يجب في غيرها.

 

وعلى هذا ينبغي أن يحمل كلام الفقهاء في النهي عن رفع الصوت بالقراءة، لا على تفضيل الإسرار مطلقاً، وفرق بين القراءة بصوت، والقراءة برفع الصوت، والقراءة بغير صوت، والقراءة القلبية فهذه أربع مراتب خيرهن الأولى.

 

فلا تُفَرِّط -أخا الإسلام- بجعل قراءتك قلبية إمراراً للبصر على الكلمات، ولا تُفْرِط برفع صوتك حتى تؤذي! والقصد أن تقرأ فتُسْمِع نفسك دون أن تؤذي من بالمسجد، والله أعلم.