التبرع للمسجد من مال الكافر والمال الحرام
30 ذو القعدة 1436
د. نايف بن جمعان الجريدان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يسأل كثير من الأئمة والقائمين على المساجد عن أحكام التبرعات التي تأتيهم من طرق مختلفة، هل يجوز صرفها على المساجد أم لا؟
والمتتبع لهذه الطرق يجد أنها لا تخلو من ثلاث جهات:
الأولى: أن يكون التبرع من مسلم ، ماله حلال، لا شبهة فيه، فهذا لا إشكال في حله وجوازه.
الثانية: أن يكون التبرع من مسلم، ماله كله حرام، أو بعضه حرام، اختلط به الحلال بالحرام.
فهذا أيضا لا بأس في قبول تبرعه، والحساب عليه عن ماله هذا من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ فإذا كان من حرام أو مختلطاً بالحرام وأنفقه في وجوه الطاعة فهو محاسب معاقب على الحرام ومثاب على الصدقة، وقد صح عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - وعدد من كبار التابيعن جواز الأكل ممن مطعمه حرام، فقد سئل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن رجل يدعو جيرانه إلى طعامه وهو يأكل الربا علانية ولا يتحرج من مال خبيث يأخذه؟ فقال للسائل: أجيبوه فإنما المهنأ لكم والوزر عليه.
الثالثة: أن يكون المتبرع كافرا، وهذا أيضا يقبل منه تبرعه، فالمتبرع إن كان كافراً يجوز للمسلم قبول تبرع الكافر ولا أجر له على تبرعه، فقد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدايا التي تهدى إليه من الكفار كما هو ثابت في الصحيحين وقد بوب البخاري في صحيحه (باب قبول الهدية من المشركين) وساق فيه أحاديث ثم إن قبولها من الكافر من حسن الخلق والمعاملة بالبر والإحسان الذي دلت عليه الآية: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8] ، فالآية وإن كانت في إحسان المسلمين إلى الكفار نصاً فإنها دالة على قبول المسلم لتبرع الكافر. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين. [ينظر: مسائل فقهية مالية معاصرة، الفنيسان، ص 26-27].