الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد.
فمما تَبَيَّنَ بالتَّأمُّلِ في كتاب الله مع تنبيْهِ شيخ الإسلام ابن تيمية - أنَّ الله تعالى يذكُرُ نفسَهُ تارةً بصيغَةِ الإفراد، وتارةً بصيغة الجَمْع، مُظْهرًا أو مُضْمَرًا؛ كقوله تعالى: (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)، وقوله: (أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ)، فـ (نحن) ضمير، و(الخالقون) اسم ظاهر. لكنَّهُ لا يجوزُ أنْ يُدعَى سبحانه إلا بصيغة الإفرادِ في الجملة، لا بالاسم المفرد على طريقة الصوفية ؛ وذلك لتحقيقِ التوحيد مِنَ العبد، {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]، {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47]، وكلُّ ما ورد مِنَ الأدعية عن الأنبياء وغيرِهِم في القرآن وغيرِهِ، فهُوَ وارِدٌ على هذا.
ومما يُؤَكِدُ ذلك ويناسِبُهُ: أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ لا يَذْكُرُ نفسَهُ بصِيَغ الجمْعِ إلا في الأُمُورِ الكونية؛ كخَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ، وخلْقِ الإنسان، ومَا يفعَلُهُ سبحانه بالعباد مِنَ النِّعَمِ والعُقُوبات، كقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)، وقوله: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى).
أمَّا مَا يَذْكُرُهُ سبحانه مِنْ حقِّه على عباده أمْرًا أو خبرًا فلا يَذكر نفسَهُ إلا بصيغة الإفراد، كقوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40] {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56]، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14].
والله أعلم.
أملاه عبد الرحمن بن ناصر البراك.