بماذا يكون الاعتبار في السبق؟
3 ذو القعدة 1436
د.عبدالله آل سيف

إذا أقيم سباق بين الخيول أو بين الإبل ونحوها فكيف يعرف السابق بينها، هل المعتبر الأقدام، أو الرأس، أو الكتف؟ محل خلاف بين العلماء.

اختيار ابن تيمية:
اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن المعتبر الأقدام، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [1].

تحرير المسألة:
أ- الاعتبار في بداية السباق بالأقدام بلا إشكال.
ب- ومحل الخلاف في نهاية السباق.

القول الأول: أن السبق بالكتف في الإبل، وبالرأس في الخيل من متماثل العنق ومختلفه.

وهذا مشهور مذهب الحنفية [2]، والشافعية [3]، والحنابلة [4].

واحتجوا بأن في الإبل ما يرفع رأسه، وفيها ما يمد عنقه، فربما سبق لمد عنقه، لا لسبقه، فلذلك اعتبر الكتف فيها، وإنما اعتبر الرأس في الخيل ونحوه، لأنه محل النظر، وهو أهم الأعضاء، والناس إنما ينظرون في السباق إليه [5].
وناقشه ابن القيم:
بأنه لم يحفظ في اعتبار ذلك حديث ولا أثر [6].

القول الثاني: أن الاعتبار بالكتف في الجميع.

وهذا قول عند الحنابلة، اختاره المجـد ابن تيمية [7]، وظاهر قـول الشافعي [8]، ولم أجد لهذا القول حجة أو دليلاً يعتمدون عليه.
القول الثالث: أن الاعتبار بالأذنين.
وهذا قول الثوري [9]، ومذهب المالكية [10]، وقول عند الشافعية [11].

واحتجوا بما ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: إذا خرج أحد الفرسين على صاحبه بطرف أذنيه، أو أذن، أو عذار، فاجعلا السبقة له " أخرجه الدارقطني والبيهقي [12].

ونوقش:
أ‌- بأن البيهقي ضعفه.
ب- أن في سنده رجلاً ضعيفاً جداً، كما يوجد فيه علة انقطاع [13].

القول الرابع: أن المعتبر الصدر.

وهذا قول ثانٍ عند المالكية [14].

ولم أجد لهم دليلاً.

القول الخامس: أن المعتبر الرأس والعنق جميعاً، فبأيها حصل التقدم أولاً فقد سبق.

وهذا قول ثانٍ عند الشافعية [15].

ولعل حجتهم أنهما هما مقدم الدابة، فبأي جزء منها حصل التقدم فيصدق عليه أنه سبق.
ونوقش:
أن القدم قد تسبقهما فلم لا تعتبر.

القول السادس: أن المعتبر عرف الناس.

وهذا قول عند الشافعية [16].

ولعل حجتهم: أن هذا يختلف باختلاف البلدان والأعراف، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
ونوقش:
أن المسألة مفترضة فيما لا عرف فيه.

القول السابع: أن المعتبر ما شرطاه؛ لأن الوفاء بالشرط واجب.

وهذا قول عند الشافعية [17].

وناقشه النووي: بأنه خارج عن محل النزاع، ومحل البحث فيما لا شرط فيه.

القول الثامن: أن المعتبر الأقدام.

وهذا قول ثانٍ عند الحنفية [18]، والشافعية [19]، والحنابلة [20]، اختاره ابن تيمية وابن القيم [21].
واحتجوا:
1- القياس على اعتبار الأقدام في بداية السباق [22].
2- القياس على مسابقة بني آدم، حيث يعتبر فيها الأقدام.
3- أن اسم السبق لا يعقل إلا بالأقدام، فاعتبر به.
4- أن العادة قد جرت باعتباره.
5- أن السبق إنما يحصل على القدم، وهي محل الجري، وهي أبعد أعضاء الجسم امتداداً في الجري فاعتبر بها.

قال ابن القيم: وإنما جريها وعملها على أقدامها، فكيف يحكم لمن سبقت يداها وتقدمت بالتأخر إذا تقدمت عليها كتف الأخرى، أو رأسها، وهل هذا إلا جعل المسبوق سابقاً، والسابق مسبوقاً، ومن المعلوم أن أحد الفرسين أو البعيرين إذا تقدم قدمه على الآخر كان سابقاً له بنفس آلة السباق، فلا مدخل في ذلك لرأس ولا كتف ا.هـ. [23].
الترجيح:
والراجح - والله أعلم - هو القول الثامن:
1- لقوة أدلته وظهورها.
2- ضعف أدلة المخالفين ومناقشتها.
3- موافقته لقاعدة العرف والعادة، حيث جرى العرف بذلك كما قال ابن القيم، والله أعلم.

________________________________________
[1] انظر: الفروسية: (5-6،101، 426)، ولم أجد نسبته لابن تيمية إلا عند ابن القيم في الفروسية.
[2] انظر: حاشية ابن عابدين: (6/ 427).
[3] انظر: روضة الطالبين: (10/ 359)، أسنى المطالب: (4/ 231)، شرح البهجة: (5/ 181)، حاشية قليوبي: (4/ 267-268)، تحفة المحتاج: (9/ 403)، نهاية المحتاج: (8/ 168)، حاشية الجمل: (5/ 283)، تحفة الحبيب: (4/ 253)، التجريد لنفع العبيد: (4/ 313).
[4] انظر: المغني: (13/ 414)، الفروع: (4/ 467)، الإنصاف: (6/ 96)، كشاف القناع: (4/ 53)، شرح المنتهى: (2/ 387)، مطالب أولي النهى: (3/ 711)، الفروسية: (426).
[5] انظر: المغني: (13/ 415)، عقد السباق: (210).
[6] انظر: الفروسية: (426).
[7] انظر: المحرر: (1/ 359).
[8] انظر: الأم: (4/ 230)، ولعله يريد سباق الآدميين، والكلام عموماً محتمل للأمرين.
[9] انظر: المغني: (13/ 415)، الموسوعة الفقهية: (24/ 131).
[10] انظر: مواهب الجليل: (3/ 392)، حاشية الخرشي: (3/ 155)، منح الجليل: (3/ 238).
[11] انظر: روضة الطالبين: (10/ 359).
[12] سنن الدارقطني: (4/ 305، 306، 307)، كتاب السبق بين الخيل، سنن البيهقي: (10/ 22)، كتاب السبق والرمي، باب لاجلب وجنب في الرهان.
[13] انظر: التعليق المغني: (4/ 305).
[14] انظر: مواهب الجليل: (3/ 392)، حاشية الخرشي: (3/ 155)، منح الجليل: (3/ 238).
[15] انظر: روضة الطالبين: (10/ 359).
[16] انظر: روضة الطالبين: (10/ 359).
[17] انظر: روضة الطالبين: (10/ 359).
[18] انظر: حاشية ابن عابدين: (6/ 427).
[19] انظر: تحفة المحتاج: (9/ 403).
[20] انظر: الفروع: (4/ 467)، الفروسية: (426)، الإنصاف: (6/ 96).
[21] انظر: الفروسية: (426).
[22] انظر: المصدر السابق.
[23] انظر: الفروسية: (426-427).