الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فنقصد بالملكية: العلاقة الشرعية بين الإنسان والمال التي تجعله مختصا فيه اختصاصا يمنع غيره عنه، بحيث يمكنه التصرف فيه عند تحقق أهليته للتصرف بكل الطرق السائغة له شرعا وفي الحدود التي بينها الشرع(1).
وقد أقر الإسلام بالملكية الفردية بل وجعلها أساسا لبناء الاقتصاد الإسلامي، وشرع من التشريعات ما يكفل حمايتها فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ }(2)، والخطاب في هذه الآية يتضمن جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، فيدخل في هذا: القمار، والخداع، والغصوب، وجحد الحقوق، ومالا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه؛ كمهر البغي، وحلوان الكاهن، وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك(3).
ونلحظ كذلك أن القرآن الكريم وردت فيه آيات كثيرة تركز على حماية أموال صنف ضعيف من الناس، وهم اليتامى والنساء، قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}(4)، وفي حماية أموال النساء قال سبحانه: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}(5).
ومن التشريعات التي جاء بها الإسلام للحفاظ على الملكية الفردية تشريع الحدود، ومن ذلك حد السرقة؛ بل إن الشريعة الإسلامية اعتبرت الملكية الخاصة استخلافا إلهيا، ومنحة ربانية، وشددت في اتباع طرق التملك المشروعة والبعد عن طرق التملك الغير مشروعة.
فإننا نجد في هذا الصدد إباحة الإسلام التملك بإحراز المباحات غير المملوكة لأحد؛ كإحياء الموات وإحراز الكنوز والمعادن، والاصطياد والاحتطاب، وأباح التملك بالتراضي، إما بعوض: كالبيع والإجارة والمشاركة وغير ذلك، أو بغير عوض: كالهبة والوصية والصدقة. كما أباح التملك بالميراث، وهو ما يحصل بغير اختيار من الوارث. وحرم الإسلام كل ملكية جاءت بطريق غير مشروع: كالسرقة، والغصب، والاحتكار، والغش، وغير ذلك.
كذلك فإن الإسلام شدد في المنع من استخدام الملكية في الإفساد في الأرض، والإضرار بالناس، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}(6).
وقال سبحانه: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(7).
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان، ولا دابة، ولا شيء إلا كانت له صدقة"(8).
والإسلام أقرَّ الملكية العامة في الأشياء التي يحتاج إليها جميع الناس، كالماء والكلأ، والنار، فقال صلى الله عليه وسلم: "المسلمون شركاء في ثلاثة: الكلأ والماء والنار"(9).
وخصصت هذه الأشياء الثلاثة لأنها كانت من ضروريات الحياة الاجتماعية في البيئة العربية في عهد النبوة، والضروريات في حياة الجماعة تختلف باختلاف البيئات والعصور، فيمكن إلحاق غيرها بها من باب القياس، فقد أدخل الفقهاء في الملكية الجماعية المعادن الموجودة في باطن الأرض، ومنعوا من امتلاكها لآحاد الناس؛ كما هو المشهور عند المالكية، كما يدخل في ذلك ممتلكات الأوقاف الخيرية الزراعية والعقارية، والمساجد، والمدارس، والمستشفيات وغيرها(10).
والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
---------------
(1) ينظر الفقه الإسلامي، لمحمد مدكور، ص179.
(2) الآية رقم 29، من سورة النساء.
(3) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، 2/238.
(4) الآية رقم 152، من سورة الأنعام. والآية رقم 34 من سورة الإسراء أيضا بنفس اللفظ.
(5) الآية رقم 40، من سورة النساء.
(6) الآية رقم (36) من سورة الأنفال.
(7) الآية رقم (215)، من سورة البقرة.
(8) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب المساقاة، باب فضل الغرس، والزرع، حديث رقم 3973.
(9) أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب البيوع، باب منع الماء، رقم (3477). وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 234، رقم 966.
(10) ينظر: المدخل إلى فقه المعاملات المالية، أ.د. محمد عثمان شبير، ص (189-196) بتصرف.