تكرار عقد النكاح
20 ربيع الأول 1435
د. نايف بن جمعان الجريدان

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبنيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه المسألة ليست افتراضية ولا هي من نسج الخيال، بل أوردتها بهذا العنوان للتدليل على أن لدينا موروث فقهي لا يقارن بغيره من الثقافات المختلفة . نعم فهي مسألة تطرق إليها الفقهاء في كتبهم بألفاظ مختلفة، وصورتها: أنه إذا كان للمرأة وليان، وتقدم لخطبتها ذا الخلق والدين، فأذنت هذه المرأة لكل منهما أن يزوجها من يرضاه، ومن يختاره لها، فاختار كل منهما رجل، وقام كل منهما بالعقد له، فحينئذ كان عقد النكاح مرتين، فعلى أي المرتين نجري النكاح؟ وأي الوليين يكون نكاحه صحيح، وأي الرجلين تكون هذه المرأة زوجة له؟. ولحل هذا الإشكال نقول: اختلف الفقهاء رحمهم الله في مثل صورة هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
وهو قول جمهور العلماء، أنه ينظر إن عرف من عقد له على المرأة أولا فهي له، وهو الأحق بها، سواء دخل بها الثاني، أو لم يدخل(1).
واستدل الجمهور على قولهم هذا بأنه مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولأن الزوج الثاني تزوج امرأة قد أصبحت في عصمة رجل آخر، فكان زواجه بها باطلا، كما لو علم أن لها زوجا(2).
القول الثاني:
وذهب الإمام مالك وعطاء رحمهما الله إلى القول بأنه إن عرف الزوج الأول ولم يدخل بها الثاني، فهي للأول، وإن دخل بها الثاني فهي له(3).
قالوا: وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه(4).
الراجح في هذه المسألة:
هو قول الجمهور؛ لأن نكاح الثاني على المرأة قد صادف امرأة قد أصبحت متزوجة، فعقده عليها باطل، كما لو علم أنها متزوجة، ودخوله بها لا يغير حقيقة الأمر، كما لو دخل بها وهو يعلم أنه عقد عليها غيره قبله. ويجاب على ما استدل به أصحاب القول الثاني بأن عمر رضي الله عنه قد خالفه علي، ولا يقدم قول صحابي على آخر دون دليل، فسقط الاستدلال به حينئذ(5).
أما بالنسبة للمهر، فيقال: أنه يجب على الثاني بدخوله عليها؛ لاستمتاعه بها في قول الإمام الشافعي وأحمد، وجماعة من السلف منهم قتادة وابن المنذر.
وهنا مسألة متفرعة من هذه المسألة:
إن جهل من عقد له على المرأة أولاً، فما حكم النكاح حينئذ؟
ونجد للعلماء فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أن النكاح باطل، وبه قال الإمام أبو حنيفة ، والشافعي، وحجتهم أن وقوع العقدين معا لا يمكن تصحيحهما؛ ولأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر، فتعينت جهة البطلان فيهما(6).
القول الثاني:
أن الحاكم يفسخ نكاحهما جميعا، ثم تتزوج المرأة من شاءت منهما أو من غيرهما. وهذا قول الإمامين مالك وأحمد رحمهما الله. واحتجوا بأنه قد تعذر إمضاء العقد الصحيح منهما للجهالة بالأول منهما، وليس لكونه باطلا في حد ذاته، فوجب إزالة الضرر بالفسخ والتفريق من قبل الحاكم؛ لأن رفع الضرر موكول له(7).
والحاصل من هذين القولين: إبطال هذا النكاح، واختيار المرأة في التزويج بأي منهما أو من غيرهما، غير أن لكل من القولين وجهة نظر في إبطاله(8).
القول الثالث:
أن المرأة تخير بينهما ، فأيهما اختارت فهو زوجها. وروي هذا القول عن عدد من السلف الصالح منهم شريح، وحماد بن أبي سليمان، وعمر بن عبد العزيز(9)، ولم يذكر لهم أدلة على قولهم.

------------
(1) المبسوط 4/226، المغني 6/510.
(2) مصنف عبد الرزاق 6/231.
(3) المدونة 3/168.
(4) المرجع السابق.
(5) المغني 6/510.
(6) المغني 6/510، الإشراف لابن المنذر 4/42.
(7) المدنونة 3/168، المغني 6/511.
(8) ينظر: مجلة البحوث الفقهية ، العدد 57، 1420هـ، ص 210.
(9) الإشراف لابن المنذر 4/42.