عدالة الشهود عند الفقهاء 2/2
المبحث الثاني
التعريف بالعدالة
المطلب الأول : تعريف العدالة لغةً واصطلاحاً:
العدالة لغة:
جاء في معجم مقاييس اللغة: «العين والدال واللام أصلان صحيحان لكنهما متقابلان كالمتضادين: أحدهما يدل علىٰ استواء، والآخر يدل علىٰ اعوجاج. فالأول: العَدْل من الناس: المرضي المستوي الطريقة، يقال: هذا عدلٌ، وهما عَدْلٌ»([1]).
وفي المصباح: «العدلُ: القصدُ في الأمورِ، وهو خلاف الجور، يقال: عدل في أمره عدلاً من باب ضرب...، وعدَّلْتُ الشاهِدَ: نسبْتُهُ إلىٰ العدالة ووصفتُهُ بها. وعدل – هو بالضم – عدالة وعدولة فهو عدل: أي مرضِيّ يقنع به»([2]).
وفي اللسان: «والعَدْلُ مِنْ النَّاسِ: المَرْضِيُّ قولُه وحُكْمُه. ورَجُلٌ عَدْلٌ وعادِلٌ: جائِزُ الشهادَةِ، ورَجُلٌ عَدْلٌ: رِضاً ومَقْنَعٌ في الشهادة... والعَدالة والعُدولة والمَعْدِلةُ والمَعْدَلةُ، كلُّه: العَدْلُ، وتعديلُ الشُهُودِ: أنْ تقولَ إِنَّهم عُدُولٌ. وعَدَّلَ الحُكْمَ: أقامَهُ. وعَدَّلَ الرجلَ: زَكَّاه. والعَدْلُ الذي لم تَظْهَرْ منه رِيبةٌ»([3]). وقال بعضُ العلماءِ: والعدالةُ صفةٌ توجب مراعاتها الاحتراز عما يُخلُّ بالمروءة([4]).
العدالة في الاصطلاح:
تعددت ألفاظ الفقهاء في تعريف العدالة والعدل وكلها يراد بها معنىٰ واحد وهو أن يكون صاحبها مرضي القول والعمل. وذلك لاستقامته في دينه ومروءته([5]).
وفيما يلي نعرض لأقوال الفقهاء في تعريف العدالة:
فقد وردت لها عدة تعريفات عند الحنفية منها ما جاء في البدائع: «العدل: من لم يطعن عليه في بطن ولا فرج»([6]).
وقيل: من لم يعرف عليه جريمة في دينه فهو عدل([7]).
وقال بعضهم: من غلبت حسناته سيئاته فهو عدل([8]).
وقال غيرهم: من اجتنب الكبائر وأدىٰ الفرائض وغلبت حسناته سيئاته فهو عدل([9]).
إلا أن صاحب التبيين ذكر أن أحسن ما قيل في العدالة ما نُقل عن أبي يوسف([10]) رحمه الله: أن العدل في الشهادة: أن يكون مجتنباً عن الكبائر، ولا يكون مصراً علىٰ الصغائر، ويكون صلاحه أكثر من فساده، وصوابه أكثر من خطئه([11]).
أما المالكية فقد قال بعضهم في تعريف العدل والعدالة: صِفةُ مَظِنَّةُ تمنع مَوْصوفها البدعة وما يشينه عُرفاً ومعصية غير قليل الصغائر([12]).
وقيل: أن يكون الرجل مرضياً مأموناً معتدل الأحوال معروفاً بالطهارة، والنزاهة عن الدنايا، ويتوقىٰ مخالطة من لا خير فيه مع التحري في المعاملة([13]).
وقال بعضهم العدل: الحر المسلم العاقل البالغ بلا فسق وحجر وبدعة وإن تأول البدعة لم يباشر كبيرة أو كثير كذب أو صغيرة خسة وسفاهة ولعب نرد ذو مروءة بترك غير لائق([14]).
وقيل العدالة: المحافظة الدينية علىٰ اجتناب الكذب والكبائر وتوقي الصغائر، وأداء الأمانة، وحسن المعاملة، ليس معها بدعة أو أكثرها([15]).
وقريباً من هذا من قال: هي المحافظة علىٰ اجتناب الكبائر، وتوقي الصغائر، وحسن المعاملة، والتحرز في المخالطة ولا يعذر بجهل ولا تأويل([16]).
أما الشافعية فقد قالوا إن العدالة: هي اجتناب الكبائر كلها واجتناب الإصرار علىٰ الصغائر([17])، فلا يكون العدل عدلاً إلا بتوافر هذين الشرطين حتىٰ يكون مرضي الدين والمروءة لاعتداله([18]).
وقال الحنابلة العدالة: اجتناب الريبة وانتفاء التهمة وفعل ما يستحب وترك ما يكره. وقيل العدل: من لم تظهر منه ريبة([19]).
وقيل: العدالة: هي استواء أحوال الإنسان في دينه واعتدال أقواله وأفعاله.
وفسروا اعتدال أحوال الدين بصلاح دينه بأداء الفرائض، واجتناب المحارم وهو أن لا يرتكب كبيرة ولا يدمن علىٰ صغيرة، ويستعمل المروءة([20]).
التعريف المختار للعدالة:
المتأمل لأقوال الفقهاء في تعريف العدالة في المذاهب الأربعة يجد أنهم يجعلون العدالة بمعنىٰ الرضا عن الشخص، فحقيقة الشاهد العدل هو المرضي عنه ديانة ومروءة، وهذا المعنىٰ دل عليه القرآن الكريم، وفي ذلك يقول تعالىٰ: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) [البقرة: 282]. وقد ذكر العلماء أن المراد منها: المرضي دينه وصلاحه([21])، والرضىٰ إنما يكون للعدل، لذلك اختص الله العدل بالشهادة فقال عز من قائل: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق: 2].
فالنفس الإنسانية لا ترضىٰ ولا تقبل إلا قول من حقق الرضىٰ عند الله أولاً، ثم حققه عند الخلق.
والرضىٰ عند الله يتمثل باجتناب المرء الكبائر كلها، وتوقي الصغائر علىٰ قدر الاستطاعة، وعدم الإصرار عليها حال وقوعها؛ لأن الإقلاع عن جميع الصغائر مما لا يقوىٰ عليه بشر إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما يبلّغون عن ربهم، وفي الحديث: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لهُمْ»([22]). فالإلمام بمعصية من الصغائر مما جُبلت عليه النفوس، وفي اشتراط توقي جميع الصغائر للحكم علىٰ عدالة الشاهد سد لباب الشهادة، وباب الشهادة مفتوح إحياء لحقوق الناس([23]).
أما الرضىٰ عند المخلوقين – ونقصد بهم الذين يعتد برأيهم – فهو ما عُبر عنه بلفظ المروءة والتي يُرجع فيها إلىٰ العرف السوي، وهي تختلف بحسب الأزمان والأعراف، وحرصاً منا علىٰ تفصيل القول في هذه المسالة التي هي أساس البحث فسنسعىٰ من خلال ما سبق أن نخرج بتعريف للعدل والعدالة يجمع ما تفرق في كلام الفقهاء.
فنقول إن العدالة هي: هيئَةٌ راسِخَةٌ تَدْعُو صَاحِبْهَا الاستِقَامة علىٰ الدِّيْن، باجتِنَابِ الكبِائِرِ، وَتَرْكِ الإِصْرَارِ عَلَىٰ الصغَائِرِ، واستعمال المروءة بفعل ما يُجَمِّلَهُ، وتَرْكِ مَا يُشِيْنَهُ عُرْفاً وَعَادةً.
فقولنا هيئة راسخة([24]): تدل علىٰ أن المرء لا يسمىٰ عدلاً إلا إذا عُرف بالعدالة من خلال استمراره على هيئتها، وذلك من خلال الاستقامة على الدين بفعل الأوامر، واجتناب النواهي واستعمال المروءة حتى ترسخ في الأذهان حاله.
تدعو صاحبها الاستقامة علىٰ الدين: والاستقامة على الدين تتمثل في فعل المأمورات من الفرائض والواجبات كالصلاة والصيام والزكاة ... وغيرها، وترك المنهيات، والتي هي بالنسبة للمسلم على نوعين: كبائر، وصغائر([25]).
ونظراً لأن الكبائر والصغائر تختلف من حيث إثمها وما يترتب عليها في الحكم على عدالة الشخص أو عدم عدالته، فقد أعدنا تأكيدها في التعريف بقولنا باجتناب الكبائر كلها، وعدم الإصرار على الصغائر.
وفيما يلي سنعرض لتعريف الكبائر والصغائر والمروءة كلاً على حدة ونتبين تأثيرها على العدالة.
أولاً: تعريف الكبيرة:
الكبيرة في اللغة: مأخوذة من الكبير يقال كبَرُ بالضم يَكْبُرُ أي عَظُمَ، فهو كبيرة، والكِبَرُ نقيض الصِّغَرِ، واستكبر الشيء: رآه كبيراً وعَظُمَ عنده، والكبائر واحدتها كبيرة وهي الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعاً، العظيم أمرها كالقتل والزنا والفرار من الزحف([26]).
أما في اصطلاح الفقهاء فقد ورد لها عدة تعريفات، فقيل في تعريفها: ما فيه حد في كتاب الله عز وجل([27]).
وقيل: ما يوجب الحد([28]). وقيل: كل ما جاء مقروناً بوعيد شديد بنص كتاب أو سنة([29]). وقيل: الكبيرة: كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب([30]). وهذا قريب مما قبله، إلا أن الأول أجمل ذلك بلفظ الوعيد، والثاني فصَّل أنواع الوعيد.
وقيل: الكبيرة هي كل ما أوعد الله عليه بنار في الآخرة، أو أوجب فيه حداً في الدنيا([31]). وقريب منه من عرَّف الكبيرة: بأنها كل ما وجبت فيه الحدود، أو توجه إليه الوعيد([32]).
ومنهم من عرَّف الكبيرة بقدر قبحها وشناعتها، فقال: الكبيرة ما كان شنيعاً بين المسلمين، وفيه هتك حرمة الله تعالىٰ والدين([33]).
وقيل: الكبيرة ما عظمت مفسدتها([34]).
وقيل: الكبيرة كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة([35]).
وقيل: الكبيرة كل فعل نصَّ الكتابُ علىٰ تحريمه، أو وجب في جنسه حدٌ من قتلٍ أو غيره، وترك فريضة تجب علىٰ الفور، والكذب في الشهادة والرواية واليمين([36]).
وقيل: الكبيرة كل ذنب عظّم الشرع التوعُّد عليه بالعقاب وشدده أو عظم ضرره في الوجود([37]).
والمتأمل لهذه التعريفات للكبيرة يجد أن في بعضها قصوراً، فمن قال إن الكبيرة هي كل ما ورد فيه حد في كتاب الله، فإنه يؤخذ عليه أكل الربا، وعقوق الوالدين، والتولي يوم الزحف، والظلم، فإنها من الكبائر التي نصَّ عليها الشارع، ومع ذلك ليس فيها حد في كتاب الله أو سنة رسوله صلىٰ الله عليه وسلم([38]).
وأما مَنْ قال إن الكبيرة هي كل ما كان شنيعاً بين المسلمين فإنه لم يضبط لنا الكبيرة بضابط واضح، وترك الأمر إلىٰ نظر المسلمين، وهو نظر قد يختلف من زمن لآخر بسبب رقة الديانة وقلة الأمانة في بعض الأعصار والأمصار([39]).
وأما من قال إن الكبيرة هي كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين فهو ضابط يدخل الصغائر في جملة الكبائر، ذلك أن المصر علىٰ الصغائر غير مكترث بالدين، وغير مبال بالحلال والحرام، ولهذا رد الفقهاء شهادته، وإدخال صغائر الذنوب في حد كبائرها يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلىٰ الله عليه وسلم الذي نصَّ علىٰ انقسام الذنوب في نفسها إلىٰ كبائر وصغائر – كما أشرنا إلىٰ ذلك سابقاً –.
ولذلك فأولىٰ ما يقال في تعريف الكبائر: إنَّها كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ بِلَعْنَةٍ أَوْ غَضَبٍ أو نَارٍ، أَوْ حُبُوطِ عَمَلٍ، أو وَجَبَ فِيْهِ حَدٌّ في الدُّنْيَا، أَوْ عَظُمَ ضَرَرُهُ وَمَفْسَدَتُهُ عَلَىٰ الْمُسْلِمِينَ([40]).
ثانياً: الصغائر:
الصغائر في اللغة مأخوذة من الصِّغَرُ: ضد الكبر، والصِّغَر والصّغارةُ خلاف العظيم، وقيل الصِّغَر في الجِرْم والصغار في القَدْر([41]). وقيل: جمع صغيرة على صغائر وكبيرة على كبائر([42]).
وهي عند الفقهاء ما عدا ما اعتبرناه كبيرة([43])، وعلىٰ هذا فقد عرَّفها بعضُ العلماءِ بأنها: ما لا حدَّ فيه أو ما لا يوجب الحد([44]). وقيل: ما قلَّت مفسدتُها([45])، وقيل: ما قلَّ فيها الإثمُ([46]).
ولقد ذكر العزُّ بن عبدالسلام([47]) ضابطاً للتفريق بين الصغائر والكبائر يمكن الاعتماد عليه؛ لأن الذنوب والمعاصي غير متناهية، وقد تستحدث كثير من الآثام والمعاصي ويجاهر بها في زمن دون آخر، ويتفنن إبليس وأعوانه من شياطين الجن والإنس في استحداث معاصي لم تُعرف، وهذا من كيد الشيطان، ولذا فإن الضابط الذي وضعه العز بن عبدالسلام في هذا الباب من أفضل ما يعوَّلُ عليه للتفريق بين الصغيرة والكبيرة، حيث قال: «إذا أردتَ معرفة الفرق بين الصغائر والكبائر فاعرض مفسدة الذنب علىٰ مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنىٰ مفاسد الكبائر وأربت عليها فهي من الكبائر»([48]) اهـ.
ويلاحظ أن الفقهاء يشترطون في العدل أن يكون تاركاً للكبائر بالكلية، غير مُصِرٍّ علىٰ الصغائر، وإن لم يشترطوا السلامةَ منها تماماً([49]).
ذلك أنهم يعتبرون الإصرار علىٰ الصغائر يصيرها من الكبائر، وقبل تفصيل هذه المسألة نرغب في توضيح ضابط الإصرار علىٰ الصغائر الذي يقدح في عدالة المسلم.
فنقول إن الفقهاء قالوا: إن صغار الذنوب إن أصرَّ عليها صاحبُها واعتادها وتكررت منه الصغيرة تكراراً يُشْعِرُ بقلة مبالاتِه بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك رُدت شهادته، وكذلك إذا اجتمعت صغائر مختلفة الأنواع بحيث يشعر مجموعها بما يشعر أصغر الكبائر([50]).
فمن حصل منه أحد هذين الأمرين في تعاطيه للصغائر يعتبر في نظر جمهور الفقهاء متعاطياً للكبائر، ولعل دليل العلماء علىٰ ذلك قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ لَهَا مِنْ الله عَزَّ وَجَلَّ طَالِبًا»([51]).
وَأَثَرُ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ: «إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَىٰ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ»([52]).
كما استدل بعضُهم بحديثٍ نسبوه إلىٰ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَاْ صَغِيرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ»([53]).
فهذه الأحاديث والآثار تدل علىٰ أنَّ الإصرارَ علىٰ الصغيرة إصرارٌ يُشعر بأن مرتكبَها متهاونٌ في دينه، أو كثرة ارتكابها، وإن كانت من أنواع مختلفة تجعلها في عداد كبائر الذنوب، وهذا رأي أكثر الفقهاء. وورد عن بعض الشافعية والحنابلة رأي آخر في المسألة، حيث يرىٰ أصحاب القول الثاني أن الإصرارَ علىٰ الصغيرة لا يصيرها كبيرة، ذلك أن المسلم لو أصرَّ علىٰ الكبائر لا يصير بالمواظبة عليها كافراً([54])، فكذلك الإصرار علىٰ الصغائر لا يصير المواظب عليها مرتكباً لكبائر الذنوب، وإن كان متعاطياً للمحرم، لكنه مُحَرَّمٌ لا يصل إلىٰ حد الكبيرة.
قلت: وهذا الذي أراه راجحاً؛ ذلك أن الإصرار علىٰ الصغيرة لا يخرجها عن كونها من صغائر الذنوب، أو وصفها بذلك، وإن كان مرتكبُها علىٰ خطر عظيم، لأن تهاونه بالصغائر قد يصل به إلىٰ حد ارتكاب الكبائر([55])؛ لأن ذلك من خطوات الشيطان الذي يغريه بالصغائر حتىٰ يألفها ويعتادها ثم يغريه بما هو أكبر وأعظم، يقول تعالىٰ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور: 21]. ثم إن الصغائر إذا اجتمعت عليه قد تهلكه إذا أُخذ بها صاحبُها؛ لأنها دليل تهاونه بشرع الله. وقولنا إن إصرار المرء على الصغائر لا يجعلها في عداد الكبائر لا يعني قبول شهادة المصر عليها، فإن المصر علىٰ الصغائر مردود الشهادة وإن قلنا أنه لم يتعاط الكبائر؛ لأن أمر الشهادة أمر عظيم، وباب خطير، ولما كانت الشهادة قائمةً في أصلها علىٰ الشاهد، الذي قد يقتطع حق المشهود عليه لصالح المشهود له، ويُلزم القاضي بشهادته فلا يملك ردها إن توافرت فيها جميع الشروط الأخرىٰ، لذا وجب الاحتياط في حال الشاهد، فقد تضيع الحقوق والأموال، وتهدر الأنفس والدماء، فإن كان التحفظ والترفع عن الدنايا في حق الناس وأعرافهم مطلوباً في الشاهد وهو ما عبَّر عنه الفقهاء بالمروءة مع أنه لا يصل إلىٰ حد الحرام، فمن باب أولىٰ أن يكون الشاهد متحفظاً فيما بينه وبين ربه بتوقي الصغائر قدر استطاعته، وذلك بعدم الإصرار عليها، ولا يعني ذلك عدم الإلمام بشيء منها؛ لأن ذلك مما لا تقوىٰ عليه النفوس البشرية التي فطرها الله علىٰ الضعف والجهل والتقصير والخطأ والزلل، وإنما العبرة في ذلك بالغالب، فإن كان غالب حال المرء توقي الصغائر علَّقنا الحكم عليه، وأجزنا شهادته، وإن كان غالب حاله الوقوع في الصغائر رددنا شهادته، يقول تعالىٰ: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) [المؤمنون: 103]([56]).
فإلمام العبد بشيء من الصغائر واقع منه لا محالة، ويصدّق ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا»([57]).
ثالثاً: المروءة:
اشترط الفقهاء في العدل الذي تقبل شهادته أن يكون متعاطياً أسباب المروءة([58]). والمروءة في اللغة: كمال الرَّجُوليَّة. مَرُؤَ الرجلُ يَمْرُؤُ مُرُوءَةً، فهو مَريٌّ، علىٰ فعيل، وَتَمرَّأ، علىٰ تَفَعَّل: صار ذا مُروءَة. والمُرُوءة: الإنسانية. وقيل: المُرُوءةُ: العفة والحرفة. وقيل: أن لا يفعل في السر أمراً وهو يستحي أن يفعله جهراً([59]).
أما في اصطلاح الفقهاء: فهي لا تبعد عن مدلولها اللغوي، فقيل: هي المحافظة علىٰ فعل ما تركه من باب ما يوجب الذم عرفاً([60]).
وقيل: المروءة: التخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه، وعدم التهمة([61]).
وقيل: أن لا يرتكب ما لا يليق بأمثاله من المباحات بحيث يسخر به ويضحك منه([62]).
وقيل: أن يصون نفسه عن الأدناس، ولا يشينها عند الناس([63]).
وقيل: فعل ما يجمله ويزينه، وترك ما يدنسهُ ويشينه([64]).
والعلة في اشتراط المروءة؛ لأن حفظها من دواعي الحياء، وإن كان لا يفسق المرء بتركها، ولكنها تدل علىٰ فضيلة صاحبها وصيانته لنفسه والتحفظ في حقها، فإن تركها دل ذلك علىٰ عدم مبالاة الإنسان بما يصنع وما يسقط منزلته بين الناس، فلا يؤمن منه أن يجترئ علىٰ الكذب في الشهادة؛ لأن حياءه قل، ومن قل حياؤه لم يبال بما يصنع([65])، وفي الحديث: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لم تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ»([66]). فمن أهمل المروءة دل ذلك منه علىٰ إهماله دينه وقلة مراعاة ما يلزمه من حق الله وسبقت الظنة إليه وقدح ذلك في عدالته، والفقهاء يشترطون في الشاهد انتفاء التهمة في الجملة، وقليل المروءة متهم فردت شهادته وإن لم يصل أمره إلىٰ القول بفسقه([67]).
ذلك أن العدالة في الشهادة للفضيلة المختصة بها، وهي تالية لفضيلة النبوة، قال تعالىٰ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) [النساء:41]. وقال: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة، 143]. وقال: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)) [المعارج، 33 - 35]. وما كان بهذه المنزلة من الفضيلة امتنع أن يكون مسترسلاً في البذلة. فإن أقدم علىٰ البذلة وعدل عن صيانة نفسه وحفظها فمن باب أولىٰ أن يقل تحفظه في حق غيره([68]).
وقد ضرب الفقهاء أمثلة علىٰ أفعال تدل علىٰ أن متعاطيها تاركاً للمروءة وإن لم يكن فعله حراماً في ذاته؛ كمن يبول على الطريق – دون أن تنكشف عورته – أو يأكل علىٰ الطريق بمرأىٰ من الناس ومن يمد رجليه عندهم، أو يكشف رأسه في موضع لا عادة فيه مما يجتنبه أهل المروءات، أو يمشي حافياً في بلد يستقبح فيه مشي مثله حافيا، والبخيل، وسيء الخلق، والمستهزئ، والرقاص، والمشعبذ، ومن يمد رجليه بوجود الناس، أو يكشف من بدنه ماجرت العادة بتغطيته، وكذا لا تقبل شهادة من يحكي المضحكات، أو يأكل بالسوق- ويغتفر اليسير كاللقمة والتفاحة- ولا لمغن، وطفيلي، ومتزي بزي يسخر منه، وأشباه ذلك مما يأنف منه أهل المروءات. ([69])
ويلاحظ أن هناك فارقاً بين ترك الكبائر وعدم الإصرار علىٰ الصغائر، وبين المروءة والتي تؤثر في العدالة من حيث الثبات والتغير، فالكبائر والصغائر ثابتة لأن الشارع دل عليها فلا تختلف باختلاف الأزمان والأعراف، بينما المروءة تختلف بحسب اختلاف الأزمان والبلدان والأعراف، فما يعد خارماً للمروءة في زمن من الأزمان قد لا يعد كذلك في أزمان أخرىٰ، فلابد أن ينظر في أمر المروءة إلىٰ أعراف الناس وعاداتهم، لذلك جاء في مغني المحتاج عند حديثه عن المروءة قوله: «والمروءة تخلق المرء بخُلق أمثاله من أبناء عصره ممن يراعي مناهج الشرع وآدابه في زمانه ومكانه؛ لأن الأمور العرفية قلما تنضبط؛ بل تختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والبلدان، وهذا بخلاف العدالة فإنها لا تختلف باختلاف الأشخاص، فإن الفسق يستوي فيه الشريف والوضيع، بخلاف المروءة فإنها تختلف»([70]) اهـ.
المطلب الثاني: الحكمة من اشتراط العدالة، وأدلة اعتبارها:
من خلال المطلب السابق تبين لنا معنىٰ العدالة، وما ينبغي أن يكون عليه من حُكم له بهذه الصفة، والعدالة أجمع الفقهاء علىٰ اشتراطها في الشاهد الذي يُقضي بشهادته في الحكم([71])؛ ذلك أن الشهادة ذات خطر كبير وأثر عظيم، إذ بها تحفظ الأموال وتصان الحقوق وتعصم الدماء، وقد أدرك العلماء أهمية الشهادة كوسيلة تفرق بين الحق والباطل وتوصل الحقوق إلىٰ أهلها، فبها ينتصف المظلوم من الظالم، لذلك فقد أقاموها علىٰ أساس راسخ من العدالة المحققة في الشاهد، وذلك من أجل الحفاظ علىٰ الدماء والحقوق.
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة النبوية علىٰ اشتراط العدالة في الشهود في غير ما موضع، ولعلنا أشرنا إلىٰ كثير منها في ثنايا حديثنا عن معنىٰ العدالة ولا مانع من تذكير القارئ بشيء من هذه الأدلة، والتي منها قوله سبحانه وتعالىٰ: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق، 2]، وقوله تعالىٰ: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) [البقرة، 272]. والرضا متوجه إلىٰ العدل المرضي ديانة وخلقاً([72]).
ولأن الحاكم يحكم بقول الشاهد وينفذه في حق الغير، فوجب أن يغلب علىٰ ظنه صدق الشاهد، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال العدالة([73]).
وقال بعض العلماء في تفسير قوله تعالىٰ: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) ، «هذا تقييد من الله سبحانه علىٰ الاسترسال علىٰ كل شاهد، وقصر الشهادة علىٰ المرضي خاصة؛ لأنها ولاية عظيمة؛ إذ هي تنفيذ قول الغَيْر علىٰ الغير؛ فمن حكمه أن يكون له شمائل ينفرد بها، وفضائل يتحلىٰ بها حتى يكون له مزيّة علىٰ غيره توجِبُ له تلك المزية رتبة الاختصاص بقبول قوله علىٰ غيره، ويقضي له بحسن الظن، ويحكم بشِغل ذمة المطلوب بالحق بشهادته عليه، ويغلب قول الطالب علىٰ قوله بتصديقه له في دعواه([74]).
المطلب الثالث: هل يتعين تقصي العدالة في الشهود:
ذكرنا في تعريف العدالة أنها هيئة راسخة تدعو صاحبها الاستقامة علىٰ الدين باجتناب الكبائر وترك الإصرار علىٰ الصغائر، واستعمال المروءة بفعل ما يجمله، وترك ما يشينه عرفاً وعادةً.
وهذا يعني أن العدل من ترسخت في الأذهان عدالته، وهذا أمر لا يعرف إلا باستمرار العدل علىٰ هذه الهيئة فليست هي هيئة عابرة وإنما هي هيئة راسخة تُعرف عن طريق المقربين للعدل المصاحبين له، الناظرين لحاله([75])، فلو أن مسلماً جاء إلىٰ القاضي ليشهد في قضية ما، وكان فيما يظهر للقاضي أنه عدل، فهل يكتفىٰ بهذا الظاهر منه للحكم بعدالته، وبالتالي قبول شهادته، أم أن القاضي يتعين عليه تقصي العدالة في شخص الشاهد بالسؤال، أو الاستفاضة أو الشهرة.
اختلف الفقهاء في هذه المسألة علىٰ قولين: الأول: ويقضي بأن للقاضي الاقتصار على ظاهر العدالة، ولا يتعين عليه التقصي عنها إلا في الحدود والقصاص. وكذا فيما لو طعن الخصم في الشاهد، وبهذا قال الإمام أبو حنيفة ([76])، وهو رواية عن أحمد في كل مسلم لم تظهر منه ريبة([77]).
القول الثاني: وهو للصاحبين من الحنفية؛ وعليه الفتوىٰ([78])، والمالكية([79])، والشافعية([80])، والحنابلة في ظاهر المذهب([81])، ويقضي بأنه يتعين علىٰ القاضي أن يسأل عن الشهود في جميع الحقوق.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بقبول النبي صلىٰ الله عليه وسلم شهادة الأعرابي في رؤية الهلال([82]).
كما استدلوا بما كتبه عمر إلىٰ أبي موسىٰ: المسلمون عدول بعضهم علىٰ بعض إلا مجرباً عليه شهادة زور أو مجلوداً في حد، أو ظنيناً في ولاء، أو قرابة([83]).
ولأن العدالة هي الأصل؛ لأنه ولد غير فاسق، والفسق([84]) أمر طارئ مظنون فلا يجوز ترك الأصل بالظنِّ([85]). ولأن العدالة أمر خفي سببها الخوف من الله تعالىٰ، ودليل ذلك الإسلام، فإذا وجد فليكتف به ما لم يقم دليل علىٰ خلافه([86]). ولا يلزم من الاكتفاء بظاهر العدالة في الأموال الاكتفاء بها في الحدود والقصاص؛ لأنه كما أن الأصل في الشاهد العدالة كذلك الأصل في المشهود عليه العدالة، والشاهد وصفه بالزنا والقتل فتقابل الأصلان فرجحنا بالعدالة الباطنة؛ ولأن الحدود مبناها علىٰ الإسقاط فيسأل عنهم احتياطاً للدرء([87]).
أما الجمهور فقد عللوا تعين السؤال عن الشهود وعدم الاكتفاء بظاهر العدالة، أن الحاكم يجب أن يحتاط في حكمه صيانة له عن النقض وذلك بسؤال السر والعلانية([88]). كما أن الأموال حق كما أن الحدود حق، فلا يكتفىٰ في الشهادة عليها بظاهر العدالة كالحدود([89]).
الخاتمة
الحمد لله الذي وفقني وأعانني علىٰ إتمام هذا البحث، والذي أرجو من الله تعالىٰ أن أكون قد وفقت من خلاله في عرض موضوع عدالة الشهود عند الفقهاء وما يعتبر لها بشكل كافٍ ووافٍ. ولقد توصلت من خلال هذا البحث إلىٰ نتائج من أهمها:
* أن الشهادة من أقوىٰ الطرق للفصل والحكم بين الناس وإثبات الحقوق، وإعطاء كل ذي حق حقه، فبها تصان الدماء والأموال عن التجاحد والانتهاك.
* أن عظم خطر الشهادة يجعلنا نحتاط غاية الاحتياط فيمن يؤديها وهو الشاهد. كيف لا، وهي ملزمة للقاضي بأن يحكم بمقتضاها.
* أن الاحتياط في حال الشاهد من أبرز صوره شرط العدالة، والذي يُعد اعتباره في الشاهد من أقوىٰ الأسباب لتحقيق العدل بين الناس، فشرط العدالة في الشاهد ليس من باب التعسف، وإنما من باب حفظ الحقوق فلا يقتطع من حق الإنسان إلا بخبر يقين، وشهادة عدل؛ ذلك لأن الأصل أن لا يقبل إقرار الإنسان علىٰ غيره إلا أننا تركنا هذا الأصل للحاجة الداعية إلىٰ ذلك، فلا أقل من أن يكون من خالفنا الأصل لأجله عدل قائم بحق الله تعالىٰ وحق خلقه.
* أن الفقهاء عندما تحدثوا عن صفة العدل، ومن ينطبق عليه وصف العدالة نظروا لحالين فيه: حاله مع ربه، فمن حقق الأدب مع ربه باستقامته علىٰ الدين بأداء الفرائض واجتناب المحرمات، وترك الكبائر بالكلية لعظم جرمها، ولم يصر علىٰ الصغائر فقد حقق الوصف الأول من أوصاف العدل.
أما الحال الثاني فهو التزام الأدب مع الخلق وذلك بتعاطي أسباب المروءة وهذا الوصف- أعني الأدب مع الناس- وإن لم يكن من حيث الأهمية بقدر الأدب مع الله، إلا أنه لابد من تحققه في الشاهد حتىٰ تطمئن النفوس لقبول خبره وشهادته، ولا يتجرأ من حُكم عليه بمثل هذه البينة المزكاة من تسفيه حكم القاضي أو الادعاء بوقوع الظلم عليه؛ لأن العدل المرضي لن يجرؤ أن يشارك في ظلم أخيه المسلم؛ لأن دينه ومروءته في الغالب تمنعانه من ذلك.
* أن مبنى العدالة على جانبين: الأول اجتناب المعاصي بترك الكبائر كلها، وعدم الإصرار على الصغائر وإن ألم بشيء منها، وهذا الجانب ثابت لايتغير؛ لأنه مما دلت عليه نصوص الشريعة أو أشارت إليه ضمنا، بخلاف المروءة والتي يتغير ما يعتبر لها بحسب الأعراف والأزمان والأماكن، فما يعد خارما للمروءة في زمن من الأزمان قد لايعد كذلك في أزمان آخرى؛ لأن الأمور التي تعتبر للمروءة قلما تنضبط؛ لأن مبناها على العرف.
* أن شرط العدالة من الأهمية في الشهادة بحيث أنه لا يجوز الاقتصار على ظاهرها، وإنما ينبغي على القاضي التقصي عنها وبذل الجهد للتأكد منها على أرجح أقوال أهل العلم.
هذا مجمل ما توصلت إليه من خلال هذا البحث والذي أسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت في عرضه، فما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله بريئان منهما، والله تعالى أعلم.
--------------------------------------------------
([1]) ابن فارس، ص745.
([2]) الفيومي، ص150.
([3]) ابن منظور، ج11، ص430. وينظر: الجوهري، الصحاح، ج5، ص1760.
([4]) الفيومي، المصباح المنير، ص151.
([5]) ينظر: جنيد أشرف إقبال أحمد، العدالة والضبط وأثرهما في قبول الأحاديث أو ردها، ط1، 1427هـ/2006م، مكتبة الرشد: الرياض، ص34.
([6]) الكاساني، البدائع، ج6، ص268, داماد أفندي، بدر المتقىٰ، «المطبوع بحاشية مجمع الأنهر»، ج2، ص188.
([7]) الكاساني، البدائع، ج6، ص268.
([8]) المرجع السابق، الحصكفي، مجمع الأنهر، ج2، ص188. علي حيدر، درر الحكام شرح مجلة الأحكام، تعريب فهمي الحسيني، دار الكتب العلمية: بيروت، مادة (1705)، ص359. القدوري، الهداية، «المطبوع مع العناية»، ج8، ص186، وأضاف: ويجتنب الكبائر.
([9]) الكاساني، البدائع، ج6، ص268.
([10]) يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد، من أكابر أصحاب أبي حنيفة، ولد عام ثلاثة عشر ومائة. قال عنه أبو حنيفة: «إنه أعلم أصحابي » ولي القضاء، ولقب بقاضي القضاة. وكان يقال له قاضي قضاة الدنيا. من أشهر كتبه: الخراج والآثار، وآداب القاضي. توفي سنة ثنتين وثمانين ومائة، عن سبع وستين سنة. أبو الفداء إسماعيل ابن كثير الدمشقي، البداية والنهاية، تحقيق: أحمد بن ملحم وآخرون، ط1، 1405هـ/1985م، دار الكتب العلمية: بيروت، ج10، ص186. الزركلي، الأعلام، ج8، ص193.
([11]) الزيلعي، ج4، ص225، وقد علّق الشلبي في حاشيته علىٰ هذا التعريف، فقال: «وفيه قصور حيث لم يتعرض لأمر المروءة بل اقتصر علىٰ ما يتعلق بأمر المعاصي، والمروي عن أبي يوسف هو قوله: أن لا يأتي كبيرة ولا يصر علىٰ صغيرة، ويكون ستره أكثر من هتكه، وصوابه أكثر من خطئه، ومروءته ظاهرة ويستعمل الصدق ويجتنب الكذب ديانة ومروءة». حاشية شلبي علىٰ تبيين الحقائق، ج4، ص225.
([12]) الرصاع، شرح حدود ابن عرفة، ج2، ص588، الحطاب، مواهب الجليل، ج6، ص151. المواق، التاج والإكليل، «مطبوع بهامش مواهب الجليل»، ج6، ص152.
([13]) نقله ابن عبدالبر عن بعض المالكية، الكافي، ص461.
([14]) الدردير، الشرح الكبير، ج4، ص166، 167.
([15]) الحطاب، مواهب الجليل، ج6، ص151.
([16]) ابن سلمون الكناني، العقد المنظم للحكام، ج2، ص210.
([17]) الغزالي، الوجيز، ج2، ص248. عبدالله بن إبراهيم الشهير بالشرقاوي، حاشية علىٰ تحفة الطلاب، دار الفكر، ج2، ص505. الشربيني، مغني المحتاج، ح4، ص427.
([18]) الماوردي، الحاوي، ج17، ص149.
([19]) المرداوي، الإنصاف، ج12، ص43 – 44. ابن مفلح، المبدع، ج8، ص304، 305. البهوتي، شرح منتهىٰ الإرادات، ج3، ص589.
([20]) المراجع السابقة.
([21]) ينظر: جنيد، إقبال، العدالة والضبط، ص32.
([22]) مسلم، صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار والتوبة، رقم الحديث 6965، ص1191.
([23]) ينظر: العيني، البناية، ج8، ص187.
([24]) وهذه اللفظة ذكرها ابن رشد حيث قال: والعدالة: هيئة راسخة في النفس تحث علىٰ ملازمة التقوىٰ باجتناب الكبائر وتوقي الصغائر والتحاشي عن الرذائل المباحة. وهو تعريف قريب مما اخترناه. وينظر: ابن فرحون، تبصرة الحكام، ج1، ص173.
قلت: ومما ينبغي الإشارة إليه أنه لا يعني ترك الكبائر عدم الوقوع فيها بالكلية، وإنما وإن وقع فيها فإنه يتوب منها توبة نصوحاً؛ لأن التوبة تجبّ ما قبلها، فإن التوبة تجبّ الكفر الذي هو أعظم العصيان وأكبر الكبائر فما بالك بما هو دونه من الذنوب وإن عُد من الكبائر، ولكن ينبغي حتىٰ نحكم بتوبته أن يظهر ذلك عليه وتترسخ في الأذهان توبته حتىٰ يكون مرضياً.
([25]) اختلف العلماء في تقسيم الذنوب إلىٰ صغائر وكبائر، فذهب جماهير السلف إلىٰ أن من الذنوب كبائر ومنها صغائر، وشذت طائفة منهم الأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني، فقال: ليس في الذنوب صغير بل كل ما نهىٰ الله عنه كبيرة، ونُقل ذلك عن ابن عباس. واحتج أصحاب هذا القول بأن كل مخالفة لله فهي بالنسبة إلىٰ جلال الله كبيرة، وأن إطلاق لفظ الصغائر علىٰ بعض الذنوب إنما يراد بها أنها صغيرة بالإضافة إلىٰ ما هو أكبر منها، كما يقال القُبلة المحرمة صغيرة بإضافتها إلىٰ الزنا وكلها كبائر.
والصحيح هو ما ذهب إليه الجماهير من أن من الذنوب ما هو كبيرة، ومنها ما هو صغيرة وذلك مما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلىٰ الله عليه وسلم في مواضع متعددة، فمن كتاب الله قوله تعالىٰ: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم: 32]. وقوله تعالىٰ: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورىٰ: 37]. وقوله: ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) [النساء: 31]. وقوله عز من قائل: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) [الكهف: 49]. وقوله: (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر: 53].
كما دلت السنة على ذلك ومن ذلك: الحديث الذي رواه مسلم في كتاب: الطهارة، باب: الصلوات الخمس والجمعة إلىٰ الجمعة ورمضان إلىٰ رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، ص117، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصَّلَواتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَىٰ الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ»، وفي رواية أخرىٰ: «وَرَمَضَانُ إِلَىٰ رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»، رقم الحديثين 550، 552. فتقسيم الذنوب إلىٰ صغائر وكبائر مما تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة، وأقوال علماء الأمة من السلف والخلف، حتىٰ قال الإمام أبو حامد الغزالي: إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه، وقد فُهِمَا من مدارك الشرع. وهذا الذي قاله أبو حامد قد قاله غيره بمعناه، ولا شك أن المخالفة قبيحة جداً بالنسبة إلىٰ جلال الله تعالىٰ، ولكن بعضها أعظم من بعض، ذلك أن منها ما تكفره الصلوات الخمس أو صوم رمضان أو الحج أو العمرة أو الوضوء أو صوم يوم عرفة، أو صوم يوم عاشوراء، أو فعل الحسنة، أو غير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة، ومنها ما لا يكفره ذلك كما ثبت في الصحيح: « مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ»، فسمَّىٰ الشرع ما تكفره الصلوات ونحوها صغائر، وما لا تكفره كبائر، وهذا لا يخرجها من كونها قبيحة بالنسبة إلىٰ جلال الله تعالىٰ، ولكنها صغيرة بالنسبة إلىٰ ما فوقها؛ لكونها أقل قبحاً، ولكونها متيسرة التكفير. وأما ما نُقِلَ عن حَبْرِ الأمةِ وترجمانِ القرآنِ والسنَّة عبدالله بن عبَّاس رضي الله تعالىٰ عنهما فقد استنكره القرطبي وقال: ما أظنه يصح؛ لأنه مخالفٌ لظاهر القرآن في الفرق بين الصغائر والكبائر، ثم سرد الآيات التي تدل علىٰ ذلك، حيث إن الآيات جعلت في المنهيات صغائر وكبائر، وفرقت بينهما في الحكم؛ إذ جعلت تكفير السيئات مشروطة باجتناب الكبائر، واستثنت اللمم من الكبائر والفواحش، فكيف يخفىٰ ذلك علىٰ حبر القرآن؟! ويؤيد ما قاله القرطبي ما فسَّر به ابن عباس اللمم، فقد ورد عنه في تفسير اللمم: الذنب بين الحدين، وهو ما لم يأتِ عليه حد في الدنيا، ولا تُوعِّد عليه بعذاب في الآخرة تكفره الصلوات الخمس. وعلىٰ هذا فالأولىٰ أن يُحمل كلام ابن عباس أن كل ما نهى الله عنه كبير، علىٰ أن ما نهىٰ الله عنه نهياً خاصاً بحيث يكون مقترناً بوعيد، والله أعلم. وينظر: النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، ج2، ص84، 85. أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية، مجموع الفتاوىٰ، 1412هـ/1991م، دار عالم الكتب: الرياض، ج11، ص650-655. أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1405هـ/1985م، دار إحياء التراث العربي: بيروت، ج5، ص158-161، ج17، ص108. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج13، ص275. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 1411هـ/1991م، دار الفكر: بيروت، ج12، ص15. النووي، روضة الطالبين، ج8، ص199. جنيد أحمد، العدالة والضبط، ص50-54.
([26]) ينظر: ابن منظور، لسان العرب، ج5، ص126، 129.
([27]) الكاساني، البدائع، ج6، ص268. العيني، البناية، ج8، ص177. كمال الدين محمد بن عبدالواحد، المعروف بابن الهمام الحنفي، فتح القدير، «مطبوع مع العناية»، ج7، ص412. القرافي، الفروق، ج2، ص66.
([28]) الكاساني، البدائع، ج6، ص268. النووي، روضة الطالبين، ج8، ص199. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج3، ص480.
([29]) ينظر: الكاساني، البدائع، ج6، ص268. وقد اقتصر علىٰ لفظ: كل ما جاء مقروناً بوعيد، دون ذكر الباقي. النووي، روضة الطالبين، ج8، ص199. القرافي، الفروق، ج4، ص66. ابن حجر، فتح الباري، ج12، ص16.
([30]) ابن تيمية، مجموع الفتاوىٰ، ج11، ص650. النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، ج2، ص85. ابن حجر، فتح الباري، ج12، ص16. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج5، ص159.
([31]) النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، ج2، ص85. ابن حجر، فتح الباري، ج12، ص16. ابن الهمام، فتح القدير، ج7، ص412. ابن مفلح، المبدع، ج8، ص307. المرداوي، الإنصاف، ج12، ص46.
([32]) الماوردي، الحاوي، ج17، ص149. وينظر: حاشية الشرقاوي، ج2، ص505.
([33]) داماد أفندي، مجمع الأنهر، ج2، ص201. وقريباً من هذا ما ذكره النووي فقال: «الكبيرة كل ذنب كبر وعظم عظماً يصح معه أن يطلق عليه اسم الكبيرة ووصف بكونه عظيماً علىٰ الإطلاق». صحيح مسلم بشرح النووي، ج2، ص85.
([34]) الماوردي، الحاوي، ج17، ص149.
([35]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج3، ص480. ابن حجر، فتح الباري، ج12، ص16.
([36]) النووي، روضة الطالبين، ج8، ص200. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج3، ص480.
([37]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج5، ص160، 161.
([38]) الكاساني، البدائع، ج6، ص268.
([39]) وليس أدل علىٰ هذا من قول أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ: «إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَىٰ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ». البخاري، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب: ما يتقىٰ من محقرات الذنوب، رقم الحديث 6492، ص1125.
قلت: ولقد قال أنس رضي الله عنه هذا في زمان التابعين الذي شهد له النبي صلىٰ الله عليه وسلم أنه من خير القرون بعد قرن الصحابة، فكيف بأزماننا التي عمَّت فيها الفتن وكثرت الشهوات، وصار لأهل الباطل صولتهم وجولتهم، والله المستعان.
([40]) ذكرت هذا الضابط الأخير، وهو: ما عظم ضرره ومفسدته علىٰ المسلمين، وقد أشارت إليه بعض التعريفات التي سقتُها؛ لما ابتليت به الأمة في الأزمان المتأخرة من إقدام بعض المسلمين – وللأسف الشديد – من الإفساد المتعمد لأديان الناس، وذلك عن طريق إثارة الشبهات والشهوات، من خلال استخدام التقنيات الحديثة للوصول إلىٰ أكبر شريحة من المسلمين لإغوائهم وإضلالهم، وهذا لا شك أنه من أعظم الكبائر وأشنعها؛ لأن ضرره يتعدى الإنسان إلىٰ غيره بل قد يشمل أجيالاً كاملة من المسلمين، والله المستعان.
([41]) ابن منظور، لسان العرب، ج4، ص458، مادة «صغر».
([42]) الفيومي، المصباح المنير، ص130.
([43]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج5، ص161.
([44]) ينظر: الكاساني، البدائع، ج6، ص268. وقد اعترض علىٰ هذه التعريفات حيث قال: «وهذا ليس بسديد، فإن شرب الخمر وأكل الربا كبيرتان ولا حد فيهما في كتاب الله تعالىٰ، وكذا عقوق الوالدين والفرار يوم الزحف، ونحوها» بتصرف يسير.
([45]) القرافي، الفروق، ج4، ص66.
([46]) الماوردي، الحاوي، ج17، ص149.
([47]) العز بن عبدالسلام، عبدالعزيز بن عبدالسلام بن أبي القاسم بن الحسن، سلطان العلماء، ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة، تفقه علىٰ ابن عساكر، وبرع في مذهب الشافعية حتىٰ قيل: إنه بلغ رتبة الاجتهاد، تولىٰ قضاء مصر، ثم عزل نفسه، توفي بمصر سنة ستين وستمائة. أبو بكر أحمد بن محمد بن قاضي شهبة، طبقات الشافعية، ط1، 1407هـ/ 1987م، عالم الكتب، بيروت، ج2، ص109.
([48]) أبو محمد عز الدين عبدالعزيز بن عبدالسلام السلمي، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، دار المعرفة، بيروت، ج1، ص19. وقد قال العلماء رحمهم الله: ولا انحصار للكبائر في عدد مذكور، وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سُئِلَ عن الكبائر أسبع هي؟ فقال: هي إلىٰ سبعين، ويروىٰ إلىٰ سبعمائة أقرب. النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، ج2، ص84. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج5، ص159، 160.
([49]) واستثنىٰ المالكية صغائر الخسة كتطفيف حبة أو سرقة نحو لقمة لدلالة ذلك علىٰ دناءة الهمة وقلة المروءة. ينظر: الدردير، الشرح الكبير، ج4، ص166.
([50]) الكاساني، البدائع، ج6، ص270. الهروي، فتح باب العناية، ج3، ص137. الحطَّاب، مواهب الجليل، ج6، ص151. ابن حسين المكي، تهذيب الفروق، «مطبوع بهامش الفروق»، ج1، ص136. العز بن عبدالسلام، قواعد الأحكام، ج1، ص22، 23. الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص427، 428. النووي، روضة الطالبين، ج8، ص203. المرداوي، الإنصاف، ج12، ص45، 46. محمد بن مفلح، الفروع، ط4، 1405هـ/1985م، عالم الكتب: بيروت، ج6، ص562.
([51]) وفي رواية: «محقرات الأعمال». والحديث رواه أحمد في المسند عن عائشة رضي الله عنها. ينظر: أحمد عبدالرحمن البنا، الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، دار إحياء التراث الإسلامي: بيروت، ج19، ص253، باب الترهيب من احتقار الذنوب الصغيرة. ابن ماجه، سنن ابن ماجه، ج2، ص1417، كتاب: الزهد، باب: ذكر الذنوب، رقم الحديث 4243. وذكر أن إسناده صحيح ورجاله ثقات، نقلاً عن الزوائد. كما صححه الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ط4، 1405هـ/1985م، المكتب الإسلامي: بيروت، دمشق، ج2، ص26، 27، رقم الحديث 513.
([52]) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقىٰ من محقرات الذنوب، رقم الحديث 6492، ص1125. وقد ذكر ابن حجر رواية أخرىٰ نصَّ فيها أنس علىٰ الكبائر، حيث قال: ووقع للإسماعيلي من طريق إبراهيم بن الحجاج عن مهدي: «كنا نعدها ونحن مع رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم من الكبائر»، فتح الباري، ج13، ص128.
([53]) ذكره الكاساني في البدائع، ج6، ص270. ابن مفلح، الفروع، ج6، ص562. وهذا الحديث عزاه غير واحد إلىٰ ابن عباس مرفوعاً، وكذا إلىٰ أنس بن مالك مرفوعاً، وكذا إلىٰ أم المؤمنين عائشة مرفوعاً، بأسانيد لا تخلو من ضعيف أو مجهول أو كذاب أو متروك. وقد ذكر ابن رجب أنه مروي عن ابن عباس، وروي مرفوعاً من وجوه ضعيفة. وذكر الذهبي في الميزان أنه منكر. شمس الدين الذهبي، ميزان الاعتدال في معرفة الرجال، تحقيق: علي ابن محمد البجاوي، دار المعرفة: بيروت، ج4، ص537. كما ذكر الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة أنه موضوع، محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة وأثرها السيئ في الأمة، ط1، مكتبة المعارف، رقم الحديث 5551، وذكر في موضع آخر أنه منكر رقم الحديث 4810. وينظر: أبو الفرج شهاب الدين، الشهير بابن رجب، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وإبراهيم باجس، ط1، 1411هـ/1991م، مؤسسة الرسالة: بيروت، ج1، ص449، ج1، ص449. والصحيح أنه من كلام ابن عباس. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، شعب الإيمان، تحقيق: محمد السعيد زغلول، ط1، 1990م، دار الكتب العلمية: بيروت، ج5، ص456، رقم الحديث 7268، فصل في محقرات الذنوب. وينظر: جنيد إقبال، العدالة والضبط، ص55.
وأما اللفظ الذي يدل علىٰ بعض ما يؤيد هذا الأثر من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، فالحديث الذي رواه أبو بكر الصديق قال: قال رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم: «مَا أَصَرَّ مَنْ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً». الترمذي، الجامع الصحيح، كتاب الدعوات، باب أحاديث شتىٰ، ص811، رقم الحديث 3559. وقال: هذا حديث غريب إنما نعرفه من حديث أبي نصيرة وليس إسناده بالقوي. أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، دار الحديث: القاهرة، كتاب الصلاة، باب الاستغفار، ج2، ص85، 86، رقم الحديث 1514. إلا أن ابن مفلح حسَّن إسناده. ابن مفلح، محمد بن مفلح المقدسي، الآداب الشرعية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وعمر القيام، ط2، 1417هـ/1996م، مؤسسة الرسالة: بيروت، ج1، ص118.
([54]) ينظر: الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص428. ابن مفلح، المبدع، ج8، ص306. المرداوي، الإنصاف، ج12، ص46، 47.
([55]) وهذا مصداق لقوله عليه الصلاة والسلام: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّىٰ حَمَلُوا – أي جَمَعُوا – ما أَنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُمْ، وإنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَىٰ يَأْخُذْ بها صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ» صحيح. ينظر: الألباني، صحيح الترغيب والترهيب، ط1، 1421هـ/2000م، مكتبة المعارف: الرياض، كتاب: الحدود وغيرها، باب: الترهيب من ارتكاب الصغائر، ج2، ص644، رقم الحديث 2471.
([56]) ينظر: الشيرازي، المهذب، ج3، ص438.
([57]) الترمذي، الجامع الصحيح، ج9، ص122، أبواب تفسير القرآن، سورة النجم، رقم الحديث 3502. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق.
وقال عنه الألباني في صحيح الترمذي: صحيح، رقم الحديث 3284. الألباني، صحيح سنن الترمذي، ط1، 1408هـ، مكتب التربية العربي لدول الخليج.
وقد ذكر المباركفوري في شرحه للترمذي معنىٰ: «لا ألمَّا»: يعني أي عبد لم يلم بمعصية، يقال لمَّ، أي نزل وألمّ، إذا فعل اللمم، والبيت لأمية بن الصلت أنشده النبي صلىٰ الله عليه وسلم، ويعني أن من شأنك غفران كثير من ذنوب عظام، وأما الجرائم الصغيرة فلا تنسب إليك؛ لأن أحداً لا يخلو عنها، وأنها مكفرة باجتناب الكبائر، واختلفت أقوال أهل العلم في تفسير اللمم، فالجمهور علىٰ أنه صغائر الذنوب. محمد عبدالرحمن المباركفوري، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ط1، 1410هـ/1990م، دار الكتب العلمية: بيروت، ج9، ص122.
([58]) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج4، ص223. ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج7، ص414. القاضي عبدالوهاب، المعونة، ج3، ص1528. الحطاب، مواهب الجليل، ج6، ص152. النووي، روضة الطالبين، ج8، ص207-209. الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص431. شرف الدين موسىٰ بن أحمد الحجاوي، زاد المستقنع في اختصار المقنع، «المطبوع مع السلسبيل»، ط4، مكتبة جدة، ج3، ص1025. ابن قدامة، المقنع، «المطبوع مع المبدع»، ج8، ص309.
([59]) ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص154، 155، مادة «مرأ». وينظر: الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبدالقاهر، مختار الصحاح، دار الكتاب العربي، بيروت، ص620.
([60]) الحطاب، مواهب الجليل، ج6، ص152. الرصاع، شرح حدود ابن عرفة، ج2، ص591، 592.
([61]) الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص431. الأنصاري، تحفة الطلاب، ج2، ص505.
([62]) الغزالي، الوجيز، ج2، ص248.
([63]) الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص431.
([64]) ابن مفلح، المبدع، ج8، ص309. المرداوي، الإنصاف، ج12، ص51.
([65]) ينظر: الماوردي، الحاوي، ج17، ص152. المطيعي، التكملة الثانية للمجموع، دار الفكر، ج20، ص227.
([66]) البخاري، صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: ...، ص587، رقم الحديث 3483، 3484 بلفظ فاصنع ما شئت.
([67]) وفي الحديث: «لا تجوز شهادة ذي الظنة». أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، السنن الكبرىٰ، ط1، 1416هـ/1996م، دار الفكر: بيروت، كتاب الشهادات، جماع أبواب من تجوز شهادته ومن لا تجوز، ج15، ص275، رقم الحديث21458. وحسنه الألباني في الإرواء، ج8، ص290، 291، وفي الحديث الذي رواه البيهقي في السنن: «أنه لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين» والظنة: التهمة. وقد ذكر ابن العربي أن هذه الأحاديث رويت من أسانيد كثيرة شهرتها أغنت عن إسنادها.محمد بن عبدالله بن العربي، عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي، تحقيق: صدقي جميل العطار، 1415هـ، دار الفكر: بيروت، ج5، ص137.
وقال ابن حجر عن الحديث الأول أنه مرسل، والثاني موقوف على عمر. وينظر: البيهقي، السنن الكبرىٰ، ج15، ص275، كتاب الشهادات، باب جماع أبواب من تجوز شهادته، رقم الحديث21459. ابن حجر، تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبيرة، دار المعرفة: بيروت، ج4، ص203، 204، رقم الحديث 2128، وفاقد المروءة متهم مظنون فيه بسبب تركه للمروءة.
([68]) ينظر: الماوردي، الحاوي، ج17، ص152.
([69]) وينظر: إبراهيم بن سالم بن ضويان، منار السبيل في شرح الدليل, ط2، 1405/1985، دار المعارف: الرياض، ج2، ص433،434.
([70]) الشربيني، ج4، ص431.
([71]) ابن المنذر، الإجماع، ص87.
([72]) ينظر: الماوردي، الحاوي، ج17، ص148.
([73]) الموصللي، الاختيار، ج2، ص416.
قلت: ومن تمام عدل الله وكمال قدرته يوم يحكم بين الخلائق أن ينطق جوارح الإنسان لتشهد عليه، ذلك أن العبد يجادله ويقول: إني لا أجيز شاهداً عليَّ إلا شاهداً مني، ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ الله فَضَحِكَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ قَالَ: قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَىٰ، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَىٰ نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَىٰ فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ ثُمَّ يُخَلَّىٰ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، قَالَ: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ». كتاب الزهد، ص1286، 1287، رقم الحديث 7439، والله سبحانه وتعالىٰ خير الشاهدين وكفىٰ به شهيداً، إلا أنه ينطق جوارح الإنسان حتىٰ لا يبقىٰ عذر لأحد، وفي الدنيا يستحيل علىٰ البشر أن ينطقوا الجوارح لتشهد علىٰ صاحبها أوله، فأقيم العدل المرضي مقام ذلك، والله أعلم.
([74]) ابن العربي، أحكام القرآن، ج1، ص301.
([75]) كان القضاة يطلبون من الشاهد أن يحضر من يزكيه وهو ما عُرف باسم التزكية العلنية، والمقصود بها التحقق من أمانة الشاهد وصدقه، وبناء علىٰ هذه التزكية يقبل القاضي الشاهد أو يرفضه، ولم يقتصر القضاة علىٰ هذه التزكية العلنية فلجأوا أيضاً إلىٰ ما عرف باسم التزكية السرية، وكان شريح أول من أدخل نظام التزكية السرية، ثم تطور الأمر في التحقق من صدق الشهود، فقام بعض القضاة بتعيين ما عرف باسم «صاحب مسائل»، وكان القائم بهذه الوظيفة يتولىٰ التحري بالسؤال عن الشهود، وهو ما عرف باسم التعديل ... ثم حرص بعض القضاة في أن يحيطوا أنفسهم بالشهود العدول، فاستحدثوا وظيفة «الشهود المعدلين»، أو «العدول»، وكانت من مهام القائم بهذه الوظيفة القيام عن إذن القاضي بالشهادة بين الناس فيما لهم وعليهم، تحملاً عند الإشهاد، وأداء عند التنازع، وكتباً في السجلات تحفظ به حقوق الناس وأملاكهم وديونهم وسائر معاملاتهم، فكان أول من طبق نظام تعيين الشهود العدول في مصر هو القاضي مفضل بن فضالة سنة 174هـ. وبالطبع فإن تعيين الشهود العدول لا يحرم أصحاب المصالح من استدعاء أشخاص آخرين للشهادة. ينظر: محمد محمد أمين، الشاهد العدل في القضاء الإسلامي، «بحث منشور في مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي»، ص42 وما بعدها.
([76]) الموصللي، المختار، ج2، ص417. القدوري، الكتاب، «المطبوع مع اللباب»، ج4، ص57.
([77]) وفي هذه الرواية لم يفرق الإمام أحمد بين الحدود والأموال. ابن مفلح، المبدع، ج8، ص200. المرداوي، الإنصاف، ج11، ص281، 282.
([78]) الموصللي، الاختيار، ج2، ص417. المرغيناني، الهداية، «المطبوع مع البناية»، ج8، ص138، 139.
([79]) ابن عبدالبر، الكافي، ص466. ابن العربي، أحكام القرآن، ج1، ص302.
([80]) الماوردي، الحاوي، ج17، ص156. الشيرازي، المهذب، ج3، ص386، 387.
([81]) ابن مفلح، المبدع، ج8، ص199، 200. ابن قدامة، المغني، ج11، ص417، 418.
([82]) ونص الحديث عَنْ ابْنِ عبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيُّ إِلَىٰ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلالَ، فَقَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله؟ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول الله؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلال أَذِّن فِي النَّاسِ أَنْ ْيَصُومُوا غَدًا». الترمذي، الجامع الصحيح، ص176، رقم الحديث 691. النسائي، أحمد بن شعيب، سنن النسائي الصغرىٰ، ط1، 1420هـ/1999م، دار السلام: الرياض، ص297، رقم الحديث 2114، 2115.
([83]) أبو محمد علي بن أحمد بن حزم، المحلىٰ، 1408هـ/1988م، دار الكتب العلمية: بيروت، ج8، ص473. وقد ذكر الزيلعي في نصب الراية أن فيه راوياً ضعيفاً. جمال الدين عبدالله الزيلعي، نصب الراية لأحاديث الهداية، دار الحديث: القاهرة، ج4، ص82. أما الألباني فقد ذكر في الإرواء أن لفظة: «المسلمون عدول بعضهم علىٰ بعض» صحيحة. ج8، ص258، 2634.
([84]) الفسق: الخروج عن الطاعة، تقول العرب: فسقت الرُّطبة عن قِشرها: إذا خرجت. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ص836، مادة (فسق). وفي اصطلاح الفقهاء: كل مسخوط الدين والطريقة لخروجه عن الاعتدال. الماوردي، الحاوي، ج17، ص149. وقيل: الفسق يتحقق بارتكاب كبيرة أو إصرار علىٰ صغيرة، ولم تغلب طاعاته علىٰ معاصيه. الشربيني، مغني المحتاج، ج3، ص155. وعلىٰ هذا فإن الفسق نقيض العدالة والفسق وعدم العدالة، بمعنىٰ واحد، فالفاسق هو غير العدل، والعدل هو غير الفاسق. ولكن ليس كل غير عدل فاسقاً، لأن تارك المروءة غير عدل، ولا يوصف بالفسق. والفسق علىٰ نوعين: من جهة الأفعال، وهذا لا خلاف في رد شهادته، وفسق من جهة الاعتقاد ونعني به شهادة أهل الأهواء، وهذا وقع الخلاف فيه إن كان هواه لا يكفره، فإن كانت البدعة مكفرة فلا تقبل شهادته؛ لأنها شهادة كافر علىٰ مسلم، وهي غير مقبولة. وإن كان هواه لا يكفره فمذهب الحنفية والشافعية قبول شهادته بشرط أن يكون عدلاً، وأن لا يكون صاحب عصبية، أو صاحب الدعوة إلىٰ هواه، أو كان فيه مجانة. وذهب المالكية والحنابلة إلىٰ رد شهادته مطلقاً. ينظر: الكاساني، البدائع، ج6، ص269. العيني، البناية علىٰ الهداية، ج8، ص180. الزيلعي، تبيين الحقائق، ج4، ص223. الشافعي، الأم، ج2، ص2565، 2566. النووي، روضة الطالبين، ج8، ص215. الماوردي، الحاوي، ج17، ص168، 169. الخرشي، الخرشي علىٰ مختصر خليل، ج7، ص176. الدسوقي، حاشية الدسوقي علىٰ الشرح الكبير، ج4، ص165. ابن قدامة، المغني، ج12، ص31. ابن مفلح، المبدع، ج8، ص307، 308. البهوتي، شرح منتهىٰ الإرادات، ج3، ص590.
([85]) الموصللي، الاختيار، ج2، ص417.
([86]) ابن مفلح، المبدع، ج8، ص200.
([87]) الموصللي، الاختيار، ج2، ص417.
([88]) المرجع السابق.
([89]) ابن العربي، أحكام القرآن، ج1، ص302.
وقد ذكر فقهاء الحنفية أن الفتوىٰ علىٰ قول الصاحبين – أبي يوسف ومحمد – ولذلك قال أبو بكر الرازي: «لا خلاف بينهم في الحقيقة، فإن أبا حنيفة أفتىٰ في زمان كانت العدالة فيه ظاهرة، والنبي عليه الصلاة والسلام عدّل أهله، وقال: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ». واكتفىٰ بتعديل النبي صلىٰ الله عليه وسلم، وفي زمانهما فشا الكذب فاحتاجا إلىٰ السؤال ولو كانا في زمانه ما سألا، ولو كان في زمنهما لسأل، فلهذا قلنا الفتوىٰ علىٰ قولهما» اهـ. ينظر: الموصللي، الاختيار، ج2، ص417، 418. العيني، البناية، ج8، ص639. فالخلاف بين الإمام أبي حنيفة وصاحبيه خلاف عصر وزمان لا حجة وبرهان. أما الحديث الذي أورده الرازي فأصله في الصحيحين. ينظر: البخاري، صحيح البخاري، ص429، 612، رقم الحديث 1116، 2652، 3651، 6429، في كتب متفرقة. مسلم، صحيح مسلم، ص1110، رقم الحديث 6469.