هل أخطأ الإسلاميون في مصر؟
27 شعبان 1434
د. عدنان أمامة

 من ساعة انقضاض العسكر في مصر ومن خلفعم قوى الكفر على الرئيس المنتخب محمد مرسي وعزله عن سدة الحكم، ونحن نقرأ عشرات التعليقات التي تشرق وتغرب، وأكثرها انفعالي وغير منضبط بضوابط الشرعية، وبعضها أخذ يوزع تهم الضلال والانحراف على الإخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم، ولا يخفي بعضها الشماتة من تجاربهم، ويقترح اقتراحات أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، ليس أقلها الدعوة إلى إعلان الجهاد والنفير العام، وكأن إعلان الجهاد -دون تحقق الشروط، ولا مراعاة الضوابط، ولا النظر للمآلات والنتائج -فشة خلق- يلجأ إليه كل من يسخط أمرا من الأمور، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تخبط واضطراب، وضياع للبوصلة، التي تحدد للمسلم الوجهة الصحيحة خاصة في زمن الفتن والاستضعاف، وحتى لا نبقى في دائرة التلاوم والتجريح لبعضنا البعض.

 

أقول: إن السياسة التي حكمت وتحكم الاسلاميين في تعاطيهم مع الأوضاع التي تعصف في بلدانهم قائمة على السعي إلى تحقيق المصلحة للمسلمين وتكميلها ودرء المفسدة عنهم وتقليلها، وهذا مقصد الشريعة باتفاق كلمة العلماء، وعند تزاحم المصالح يعملون على جلب المصلحة العليا ولو فاتت المصلحة الدنيا، وعند تزاحم المفاسد يسعون لدرء المفسدة الكبرى ولو عن طريق ارتكاب المفسدة الصغرى، ففعل الحرام -والحالة هذه- ليس حراما لأنه يدفع ما هو أشد حرمة منه، فإذا أردنا أن نخطئهم فلنحاكمهم إلى هذه القاعدة، وليس إلى نتائج هي من أقدار الله المغيبة عنهم، ولا دخل لهم فيها، ولا يحاسبون عليها.

 

وعند التأمل لا نرى من الإسلاميين إلا اجتهادا مشكورا ومأجورا، فهم لم يقبلوا بالديموقراطية كفلسفة وعقيدة قائمة على الإشراك بالله في الحكم، بل أعلنوا كفرهم بها، وتبرؤهم منها، إنما استخدموها كآلية لتقليل الشر والفساد عن المسلمين، ولما لم يكن بمقدورهم إقامة حكم اسلامي وإعلان حاكمية الشريعة، وهيأ الله لهم الثورات العربية التي انطلقت دون تخطيط من أحد استفادوا منها للتخلص من الطغيان والطواغيت، وتوصيل الأصلح إلى سدة الرئاسة، وأصلحوا في الدستور بقدر ما أمكنهم، وسخروا ما أتيح لهم من طاقات لنصرة الدين وأهله بحسب القدرة والإمكان، وعليه: فغدر أهل الكفر وأعداء الدين بهم لا يدل أبداً على فساد طريقتهم، وبطلان سياستهم، لأنها منطلقة من القواعد الشرعية المتقدمة، وإلا أمكننا الاستدلال على فساد الجهاد لأنه لم يحقق لنا دولة في الجزائر ولا في العراق ولا في أفغانستان ولا في الشيشان ولا في سوريا حتى الآن.

 

فكما أن هذا الاستنتاج خاطئ فكذلك استنتاج خطأ تجارب الإسلاميين بسبب الانقلابات التي يوقعها أعداؤهم بهم خطأ أيضا. ويبقى الصواب أن المسلم مطالب أن يتقي الله ما استطاع، وأن يبذل جهده في تحقيق مصلحة الاسلام والمسلمين، ودرء المفسدة عنهم ووسائل ذلك تتبدل بتبدل الواقع والظرف والبلد الذي يعيش فيه المسلمون.