الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فبالنسبة للوالد إذا كان كافراً لايجوز الصلاة عليه ولا الاستغفار له بعد موته.
أما دفنه وتكفينه، فيجوز تولي أمر دفنه، واتباع جنازته، بشرط أن يكون أمامها وليس خلفها.
وقال جمهور العلماء: يجوز تغسيله وتكفينه أيضاً، وهو قول الحنفية، ورواية عن أحمد، وقول الشافعي والطبري، خلافاً لمالك والمشهور عن أحمد، ولعل الصواب هو الجواز، وهو الذي يدل عليه النص وفتوى بعض الصحابة.
فأما النص: فقد أخرج الشافعي والطيالسي وأحمد وأبو داود والنسائي وابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار والبيهقي، من حديث أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال: لما مات أبو طالب أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت إن عمك الشيخ الضال قد مات فقال انطلق فواره ولا تحدثن حدثا حتى تأتيني فانطلقت فواريته فأمرني فاغتسلت فدعا لي(1).
والحديث جوده ابن الملقن والرافعي وحسنه الضياء وصححه الألباني واستنكر ابن حجر على البيهقي تضعيفه، وورد في بعض ألفاظه عند البيهقي بسند فيه نظر: " اذهب فاغسله وكفنه وجننه"، وفي لفظ للبيهقي : قال علي: "ما أنا بمواريه، قال :«فمن يواريه؟ انطلق فواره، ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني».
وقد اتفق عامة العلماء على أنه إن لم يوجد من يواريه فإن المسلمين يوارونه، ويختص الوالد والقريب بمزيد خصوصية، لأن القاعدة الشرعية أن الصلة لاتنقطع بالإسلام، وقد أخرج الطبراني بسند صحيح أن أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت علي أمي وهي راغبة مشركة فقلت: يارسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة مشركة أفأصلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: صليها(2).
ولأن نجاسته معنوية وليست حسية، وأخرج البيهقي وابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى بن عباس فقال إن أبي مات نصرانيا، فقال: اغسله وكفنه وحنطه ثم ادفنه، ثم قال: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى) الآية.
يعني لاتصل عليه ولاتستغفر له، وقد بوب له البيهقي: باب المسلم يغسل ذا قرابته من المشركين ويتبع جنازته ويدفنه ولا يصلي عليه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال: ماتت أم الحارث بن أبي ربيعة وهي نصرانية فشهدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم(3).
وأخرج أيضاً عن أبي وائل قال: ماتت أمي وهي نصرانية فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال: اركب دابة وسر أمامها(4).
وأخرج عن عطاء بن السائب قال: ماتت أم رجل من ثقيف وهي نصرانية، فسأل ابن مغفل، فقال: إني أحب أن أحضرها ولا أتبعها، قال: اركب دابة وسر أمامها علوة، فإنك إذا سرت أمامها فلست معها(5).
وأخرج أيضاً عن عبد الله بن شريك، قال: سمعت ابن عمر سئل عن الرجل المسلم يتبع أمه النصرانية تموت، قال يتبعها ويمشي أمامها(6).
وبوب لها ابن أبي شيبة : في المسلم يغسل المشرك يغتسل أم لا ؟.
قال ابن حجر: تنبيه ليس في شيء من طرق هذا الحديث التصريح بأنه غسله إلا أن يؤخذ ذلك من قوله فأمرني فاغتسلت، فإن الاغتسال شرع من غسل الميت ولم يشرع من دفنه، ولم يستدل به البيهقي وغيره إلا على الاغتسال من غسل الميت، وقد وقع عند أبي يعلى من وجه آخر في آخره: وكان علي إذا غسل ميتا اغتسل(7).
وقال الطبري(8): " وإذ كان ذلك سنته في مشركي أهل الحرب ، فالمشركون من أهل العهد والذمة إذا مات منهم ميت بحيث لا أحد من أوليائه وأهل ملته بحضرته يلي أمره ، وحضره أهل الإسلام ، أحق وأولى بأن تكون السنة فيهم سنته صلى الله عليه وسلم في مشركي بدر في أن يواروا جيفته ويدفنوه ولا يتركوه مطروحا بالعراء من الأرض ، وبذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا في عمه أبي طالب إذ مات .... عن عبد الرحمن بن أبي عمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مقتولة فقال: « من قتل هذه ؟ » فقال رجل: أنا، أردفتها خلفي فأرادت أن تقتلني فقتلتها، فأمر صلى الله عليه وسلم بدفنها"(9).
وقال أيضاً فيما نقله عنه العيني في عمدة القاري: يجوز أن يقوم على قبر والده الكافر لإصلاحه ودفنه قال وبذلك صح الخبر، وعمل به أهل العلم، وقال ابن حبيب: لا بأس أن يحضره ويلي أمر تكفينه فإذا كفن دفنه.
وقال العيني: قال صاحب ( الهداية ): وإن مات الكافر وله ابن مسلم يغسله ويكفنه ويدفنه بذلك أمر علي رضي الله تعالى عنه في حق أبيه أبي طالب... وقال صاحب ( الهداية ): لكن يغسل غسل الثوب النجس ويلف في خرقة من غير مراعاة سنة التكفين من اعتبار عدد ومن غير حنوط "(10).
هذا في الوالد والقريب، أما غيرهما فلا يجوز إلا إن لم يوجد من يواريه فيواريه، وهذا إذا لم يكن هناك من أقربائه الكفار من يتولى أمره، فإن كان ثمة أحد منهم فالأولى أن يخلي المسلم بينهم وبينه يصنعون به ما يصنعون بموتاهم، والله أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين(*).
---------
(1) أبو داود (3214)، البيهقي (6458).
(2) رقم (3012).
(3) رقم (11844).
(4) أي: ابن أبي شيبة في مصنفه (11842).
(5) رقم (11845).
(6) رقم (11846).
(7) انظر تلخيص الحبير (2/114).
(8) في تهذيب الآثار(2 / 238)
(9) ابن حبان (4791).
(10) عمدة القاري (8/55).
(*) أصله جواب لسؤال ورد على الموقع بنص: ما حكم الإنسان الذي أسلم ووالده كافر مشرك يعبد الأصنام حتى مات مشركاً ، وهل يجوز لابنه المسلم أن يشترك في غسله ودفنه ؟ وإذا اشترك في غسله ودفنه وعادات الكفار وما حكمه في الإسلام ؟ وماذا يعمل ابن المسلم بعد هذه الأعمال ؟.