المعادلة النسائية دراسة + عمل = ضمان للمستقبل
29 محرم 1433
خالد بن صالح الغيص

     تنتشر في هذه الأيام بين بعض النساء -  وحتى بعض الرجال  خصوصاً الآباء منهم  -  المقولة المشهورة والتي يصح لي أن أطلق عليها مصطلح  " المعادلة النسائية " وهي : أنه  حتى تضمن المرأة مستقبلها فعليها أن تجتهد في الدراسة حتى تحصل على الشهادة الجامعية أو مايعدلها ومن ثَم تدخل وتشارك في سوق العمل خارج البيت . وهذه المقولة  - أو المعادلة النسائية -   في ظاهرها  أنها  لا شيء فيها وأنها كغيرها من كلام الناس المباح ، ولكن عند التأمل والتفحص نجد أنها تنم عن معان باطلة وتصادم حقائق شرعية ثابتة من كلام الله تعالى وكلام رسوله    ولها كذلك آثار سيئة  .

 

      فهي تصادم حقيقة  : أن الأرزاق بيد الله  كما قال تعالى : قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)  آل عمران ، وقال أيضا : أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) الزمر ، وقال كذلك :  أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) الزخرف ، وقال جل وعلا : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) الأنعام  ، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة في كتاب الله ، فليس كل من سلك سبيلا  للرزق حصل عليه وإلا لما كان هناك فقير ولا مسكين ، فلو أن  كل من أراد أن يكون غنياً وبذل  السبب الموصل الى ذلك حصل له مراده  لأصبح كل الناس أغنياء  كما قيل في المثل : " لو أن كل من جاء ونجر ...  ماظل في الوادي شجر "  وقيل أيضاً : " لوجريت جري الوحوش ... غير رزقك ما تحوش  " ، وكذلك ظن بعض النساء :  أنه بدراستها وعملها خارج بيتها يضمن لها مستقبلها ، فهذا الظن ليس بالضرورة  يكون صحيحاً ،   فالله تعالى وان كان قد شرع لعباده السعي في طلب الرزق كما قال عز وجل : هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك ، إلا أنه أمرنا أن نتوكل عليه ونتعلق به لا أن نتعلق بالسبب ، ثم أمرنا أن نعتقد أن قسمة الأرزاق  بيده وحده  لا بيد  غيره كما بينت الآيات السالفة ، وأمرنا كذلك أن نجمل في الطلب  وأن لا نأت بالوسائل والأسباب غير المشروعة  فعن جابر بن عبدالله أن رسول الله   قال : ( لا تستبطئوا الرزق فإنه لن يموت العبد حتى يبلغه آخر رزق هو له فأجملوا في الطلب : أخذ الحلال وترك الحرام ) رواه ابن حبان وصححه الالباني ، قال في المرقاة  :  قال الطيبي رحمه الله  قوله  فأجملوا أي اكتسبوا المال بوجه جميل وهو أن لا تطلبه إلا بالوجه الشرعي .اهـ ، فالمرأة المسلمة مأمورة في شرع الله وحكمه بالقرار في البيت كما قال تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ (33) الأحزاب ، وقد أراد الله منها أن تكون في كنف وكفالة ورعاية الرجل سواء كان أباً أو زوجاً أو غيرهما كما قال تعالى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ (34) النساء ،  فلا تأنف المرأة المسلمة من ذلك فهذا حكم الله  ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في اللقاء المفتوح : الزوج بالنسبة للزوجة سيد ، كما قال الله تعالى : ( وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) [يوسف:25] والزوجة بالنسبة للزوج أسيرة ، لقول النبي   : (اتقوا الله في النساء ، فإنهن عوان عندكم ) والعواني جمع عان والعاني هو الأسير، إذاً فالزوج سيد ، والزوج أيضاً راع على أهله ، نصبه النبي    ولم ينصبه أحد من الناس ، قال النبي   : (الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته) 17/9 ،  فخروج المرأة المسلمة للعمل خارج بيتها يخالف ذلك كله فعليها أن تتقي الله وأن تسأل الله من فضله ( وان كان هناك استثناء وشروط لعمل المرأة خارج بيتها -  كما ذكر العلماء -  لكن هذا الاستثناء لا يكون هو الأصل ويقدر بقدره ) .

 

       وأيضاً هذه المعادلة النسائية في شقها الآخر وهو :  " ضمان المستقبل "   ففيه ما يعجب منه المسلم  :  فسبحان الله  كيف تمر هذه الكلمة الشنيعة على المرأة المسلمة وعلى غيرها  هذا المرور من غير نكير ، فكيف يصح لمسلمة أو مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقولها ، فعلم الغيب من علم الله تعالى الذي لا يعلمه  إلا  هو وضمان المستقبل بيده وحده لا بيد غيره ،  يقول تعالى : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) لقمان ، وقال أيضاً :  قُلْ لا  أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا  ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) الأعراف ، وقال جل وعلا : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)  ، وللأسف هذه الحقائق الإيمانية البدهية المعلومة من الدين بالضرورة أصبحنا نحتاج الى تبيانها في هذا الزمان  !!  إنها المادية والغفلة عن الآخرة والدين  ، لقد كانت هذه الحقائق في السابق معلومة لدى كبار السن والعجائز  بالفطرة وأضحينا نحتاج الى تبيانها في زمن العلم  والذّرة وثورة الاتصالات !!  ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فمن الذي يؤكد  للمرأة أنها اذا  حصلت على الشهادة الجامعية أوالعمل الوظيفي أنها تضمن مستقبلها وتنال ما تريده وتعيش سعيدة ، فكم  امرأة شقيت بشهادتها الجامعية وأصبحت وبالاً عليها ، وكم امرأة خربت وهدمت بيتها بسبب انشغالها بعملها خارج البيت عن زوجها وأبنائها ، وكم  امرأة أصابها العناء بسبب خروجها من بيتها الى سوق العمل ، فهذه الإحصائيات والدراسات في العالم الغربي والشرقي تثبت ذلك  ولكن للأسف الأعلام المضلل لا يسلط الضوء عليها  ، فبعد أن فاتها قطار العمر تود  لو أنها استقبلت من أمرها ما استدبرت حتى تصحح مسارها  !!  ولكن هيهات  ، لقد رأيت بعيني  في قناة الجزيرة  مظاهرة احتجاجية لأكثر من سبعة آلاف طبيب وطبيبة في احدى الدول العربية  يحتجّون على البطالة وعدم وجود وظيفة ، إنها الأرزاق التي يصّرفها الله كيف يشاء ، يرزق من يشاء بشهادة جامعية أوبغيرها كما رزق العصفور الصغير بجانب النسر الكبير ، فهذه أمهاتنا وجداتنا غدين ملكات في بيوتهن يأمرن وينهين ويطيعها ويطلب رضاها أكبر رجل في بيتها - وقد يكون في الخارج وزيراً أوغيره -  وما نالت ذلك بشهادة جامعية ولا عمل خارج بيتها وإنما نالته -  بعد قدر الله لها – بطاعتها لربها بلزوم بيتها والقرار فيه وبصبرها على زوجها وعلى تربية أبنائها ومافاتها من الدنيا  إلا مالم يكتبه الله لها .

 

  فهل فكر أحدنا بهذا السؤال :  هل اختار لنفسه أنه يولد هنا أو هناك ؟! هل اختار لنفسه أنه يولد في بلد الخير والسعة أم يولد في بلد الفقر والمجاعات ؟!! لا والله  ،،،   إنها إرادة  الله وقضاؤه وقدره ، اذن فليحمد الله من أنعم الله عليه بالخير الكثير وليشكره عليه ، وليصبر وليحتسب من ضُيق عليه في رزقه ، ولنسلك السبيل المشروع في طلب الرزق الذي يرضى الله به علينا  من غير افراط ولا تفريط  ، والسبب المشروع للمرأة المسلمة في طلب الرزق هو أن تكون في كفالة الرجل ورعايته  وسيأتيها ماقدر لها  ولابدّ  ، وأي شك في ذلك فمن ضعف الإيمان  .

 

       وهذه المفاهيم التغريبية التي يُراد للمرأة المسلمة أن تتبناها  نراها تروج خصوصاً في دول الخليج العربي التي تعيش فيها غالبية النساء في عيش رغيد ولا تحتاج فيها المرأة للعمل خارج البيت –  في الغالب -   إلا  لتحصيل الكماليات وللخروج من سلطة الرجل وهذا خلاف ما يريده الله تعالى للمرأة المسلمة كما أسلفت  ، فلا تطلب المرأة المسلمة الشقاء لنفسها ولغيرها ببطرها لنعمة الله التي أنعم بها عليها ، فقد ضرب الله لنا مثلاً في  مملكة سبأ حيث جعل الله بينها وبين القرى التي بارك الله فيها قرى ظاهرة ، كما قال تعالى : وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) سبأ ، فطلبوا العناء والشقاء وسئموا نعمة الراحة فعاقبهم الله على بطر النعمة ، وكما قصّ الله تعالى علينا من قول بني اسرائيل حين سئموا وملوا المنّ والسلوى وطلبوا الأدنى فأعطاهم مايريدون عقوبة لهم لا مكرمة كما قال تعالى : وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) البقرة ، وما ضرب الله تعالى هذه الأمثلة في القرآن  إلا  لنعتبر ونتعظ  فلا تخدعنا هذه المعادلة النكراء ، فليس عندنا عهد من الله ألا يصيبنا ما أصابهم  كما قال تعالى : لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (123) النساء .

 

 وأنصح  بقراءة مقالاتي التالية في الشبكة العنكبوتية وهي تخدم نفس الموضوع :
مقال " لا تطلب المراة المسلمة الشقاء لنفسها "  ، ومقال" مشكلة البطالة ونظرة في كتاب الله "  ،  ومقال " نموذج دجاج مكينة في تربية الأبناء ".
والله تعالى أعلى وأعلم ،  وأستغفر الله وأتوب إليه

 

[email protected]