ليدبروا آياته (3) - الحلقة الحادية عشرة
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ..
أحبتي ..
من هذه الدروس العجيبة التي بدأناها بالأمس في قصة أصحاب الكهف، من أعظم هذه الدروس هو التفاؤل، التفاؤل؟ نعم، كيف؟
اسمعوا لقوله تعالى: {فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيء لكم من أمره مرفقاً}، أين التفاؤل؟
الغار –أيها الإخوة- في الصحراء، في الجبال، موحش، هؤلاء الفتية ما قالوا لأصحابهم، فأووا إلى الكهف ولنتحمل شظف العيش، والبعد عن الأهل، وسواد الليل، والغار، فلنتحمل، {فأووا إلى الكهف، ينشر لكم ربكم من رحمته}، ياسلام، هذا التفاؤل، وهذا اليقين، {ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً} سبحان الله! وهذا ما تحقق!
في ظل الظروف التي تعيشها الأمة الآن والضغوط، أين المتفائلون؟ أبشروا -والله-، أحبتي، الأحداث التي وقعت في ما يسمى بـ (الثورات) مؤلمة، مات فيها أناس، ولا يزال، قتل المئات، بل الآلاف، من هؤلاء الظالمين من رؤسائهم، رؤساء يقتلون شعوبهم أيها الإخوة، وكما قال هؤلاء الفتية {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم} أي: ملكهم في ذلك الزمان، أي سيرجمون هؤلاء الفتية لالتزامهم بأمر الله، أو يعيدوهم لدينهم.
هنا يحدث، رؤساء دول! هل أحد يصدق أن رئيس دولة يقتل شعبه؟ هل هذا رئيس دولة؟ -سبحان الله-! ما الذي يحدث؟
تبدأ النفوس بالقنوط، تبدأ عندها شيء من الوحشة، نقول لا، لا تيأسوا، هؤلاء الفتية يعلموننا التفاؤل، يقولون: أووا إلى الكهف {ينشر لكم ربكم من رحمته}، فهذه الثورات، أنا واثق أن نهاياتها عظيمة جداً، بل إنني متفائل فضل الله، أن نهاية ما حدث –ولست من المتعجلين- {فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} متفائل أن نهايتها، فتح بيت المقدس، على يقين وثقة بوعد ربي، وقد ثبت الأحاديث الصحيحة.
العجيب أن أحد اليهود أدرى ما يحدث في النهايات من بعض المسلمين، لما بدأت هذه الثورات يقول: بدأت المعركة الفاصلة، وعند اليهود المعركة الفاصلة، هي اللتحام مع المسلمين.
هم عندهم في نصوص التوراة، والإنجيل، أن المعركة الفاصلة إذا بدأت سينتصر المؤمنون، ونحن نقول ذلك، لكن هم يتصورون أنهم هم المؤمنون، لا، هم الكافرون، هم الظالمون، هم الباغون.
المؤمنون، هم الذين على المنهج الحق، هم أتباع عيسى على الحق، {وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة}، الذين اتبعوا عيسى ليسوا النصارى بانحرافهم وتحريفهم، وليسوا اليهود هم أتباع موسى عليه السلام «نحن أحق بموسى منهم» يقول النبي صلى الله عليه وسلم.
المؤمنون، المسلمون، هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، هم أتباع موسى وعيسى، والأنبياء، عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، إذاً هم المنتصرون.
إذاً هؤلاء الفتية يعلموننا التفاؤل في ظل هذه الأوضاع الحرجة، فهم مع شدة الوضع والضغط من قومهم، والإرهاب والقتل، عندهم نفوس متفائلة {فأووا إلى الكهف} ينشر .. ينشر، العبارة ما أملك -غيرها- لأوضح لكم، هذا الغار الموحش، يصبح في خير عظيم جدا .. من الخير، من رحمة الله.
{ويهيء لكم من أمركم مرفقاً} نقول، نعم، أووا –أيها الإخوة- إلى الإيمان، أووا إلى النجاة كما في هذه السورة، ستجدون الرحمة {طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} هذه حقائق.
فإذاً لا مجال لليأس، لا مجال للقنوط، لا مجال للتشاؤم، لا مجال للاستعجال، {قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.
ألحظ هزيمة في النفوس، ألحظ ضعفاً في بعض النفوس، والمهزوم الذي هزمته نفسه، قبل أن يهزمه عدوه، فلنتفاءل بوعد الله.
لما قيل لشيخ الإسلام ابن تيمية، نخشى أن ينتصر علينا التتار، ماذا فعل؟ أقسم بالله سبعين يميناً ! أنهم لن ينتصروا، قالوا له: قل إن شاء الله؟ قال: إن شاء الله، تحقيقاً، لا تعليقاً، الله أكبر .. وفعلا لم ينتصر التتار، بل انتصر أهل الشام –بل انتصر الإسلام-
قد يقول قائل: ألم ينتصر التتار في أماكن كما في بغداد وغيرها؟ أقول نعم، لأن الناس تخلوا عن دين الله، لأن النفوس كانت مهزومة.
تصوروا أيها الإخوة، نقرأ في التاريخ عجباً، يؤتى بالمؤمن بالمسلم في بغداد ويأتي به التتري، ويضعه في الأرض ويذهب ليأتي بالسكين من أجل أن يذبحه فلا يتحرك المسلم من الهزيمة النفسية، {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب}، ولذلك انهزم المسلمون.
أما إذا كانت النفوس منتصرة كهؤلاء الفتية، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، {نصرت بالرعب مسيرة شهر}، كما انتصر الإمام أحمد في الفتنة العظيمة، بالقول بخلق القرآن، وقال لا يمكن أن تنهزم القلوب ما دامت الله جل وعلا، بهذا فعلاً نتفاءل، بهذا أيها الأخوة نقدم للأمة أجيالاً متفائلة، صافية، خالصة، بهذا يتحقق النصر.
ولذلك قوم موسى، لما قالوا له {اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون} مع أنهم مسلمون مؤمنون، وصفهم الله بالفسق، حكم الله عليهم أربعين سنة، يتيهون في الأرض، لماذا؟ أربعين سنة (يذهب) هذا الجيل المهزوم، جيل الهزيمة، لا يصلح هؤلاء لفتح بيت المقدس، فنشأ جيل خلال أربعين سنة، مات من مات، وبقي الذين قالوا هذه الكلمة كبار في السنة، إن كان بقي منهم أحد، ونشأ جيل جديد من الشباب، تربوا على يد موسى وهارون عليهما السلام، ثم يوشع بن نون، هم الذين فتح الله بهم بيت المقدس، لم يتعلقوا بالدنيا، حتى أن يوشع بن نون، كما في الحديث الصحيح، يقول لهم: «لا يتبعني أحد عقد على زوجة ولم يدخل بها، أو بنى بيتاً ولم يرفع سقفه، أو عنده غنم ينتظر ولادتها»، لا، يتبعني هذا، لأن قلبه معلق بالدنيا، والجيل الذي قالوا: {اذهب أنت وربك فقاتلا} انتهوا، حسياً أو معنوياً، ثم ذهب، فلما بدأ يقاتل، العمالقة على حدود بيت المقدس، نسأل الله أن يقر أعيننا بفتح بيت المقدٍس، كادت الشمس أن تغيب فقال لها ياشمس، -يخاطب الشمس يوشع بن نون- أنتِ مأمورة، وأنا مأمور، قفي حتى أفتح بيت المقدس! فأمر الله الشمس فتوقفت عن المغيب آية كونية عجيبة، ومعجزة لهذا النبي، حتى انتصر على هؤلاء ودخل بيت المقدس، {وإذا دخلتموه فإنكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}، نخن نحتاج إلى القلوب المؤمنة القوية، الصادقة، مهما كانت الأوضاع حولها سيئة، فكيف والأوضاع طيبة والحمدلله.
نحن نرى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، في مشارق الأرض ومغاربها، تحرق المصاحف، وهذا يدمي القلب في بعض البلاد فيكثر الداخلون في الإسلام، يسب النبي –بأبي وأمي- صلى الله عليه وسلم في الدنمارك وغيرها، فيزداد الداخلون في الإسلام {يريدون ليطفوا نور الله فأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون} {يريدون أن يطفوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}، بهذه العقلية بهذا الإيمان بهذا الثبات تنتصر الأمة.
أما الأجيال التي مسختها الهزيمة، لا تصلح، ولذلك ذكر بعض العلماء أن أصحاب التيه بسبب استعباد فرعون لهم، ليسوا أهلاً للنصر، استمرؤوا الهزيمة والاستعباد فنشأت أجيال جديدة نصرها الله.
كذلك من يوجد من بني قومنا من استمرأوا العبودية في ظل عدد من الرؤساء الظالمين ودول الكفر، حتى من بعض المحسوبين على العلم، يبررون الولاء، أو يضعفون مفاهيم الولاء والبراء، يدعون إلى مسائل كثيرة جداً بالتعانق مع أعداء الله، باسم الحوار، باسم غيره.
هي هزيمة نفسية، لا بد من الوضوح، لا بد من الاعتزاز بهذا الدين، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين كما تقرره آيات كثيرة، وبهذا يتحقق النصر.
إذا صدقنا مع الله، وأخذنا بأسباب النصر، وابتعدنا عن الهزيمة النفسية، وتفاءلنا بوعد الله، الحق {فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}.
انتصار مذهل في التاريخ، والانتصار قادم، فهل يكون لنا حظ، أن نساهم في هذا النصر؟ فلنوقن بوعد الله جل وعلا، ولنأخذ بالأسباب، ولا نكون: {يسألون عن أنباءكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلاً}، نأخذ بالأسباب الشرعية، وبهذا سنوفق بإذن الله، وستنتصر الأمة.
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المجاهدين في سبيله، الذين يرفعون هذه الأمة وعزتها، ويخلصونها من هذا البلاء الذي ران عليها عشرات السنين، وألحوا على الله في هذا الشهر الكريم عند فطركم وفي صلاتكم وعند سحوركم، في الأوقات والأزمان والأحوال الفاضلة، لعل الله أن يرفع البلاء عنّا.
نواصل مع هذه الدروس، غداً بإذن الله أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.