ليدبروا آياته (3) - الحلقة الخامسة
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..
آخر مقدمة في سورة الكهف، حيث -بإذن الله- نبدأ بالحلقة التي بعدها في الدخول مباشرة مع تفاصيل هذه السورة متدبرين، كما قلنا إن هذه السورة هي كهف، وهي عاصمة من الفتن، فقد جاءت تركز على أصلين رئيسيين (أو رئيسين) عجيبين تصحيح العقيدة في مسائل عدة وتصحيح الفكر والنظر، وتقويم اعوجاج في حياة البشر، وأمور قد تعارفوا عليها كيف؟
عندما ننظر إلى تركيزها على جانب العقيدة، نجدها تبدأ بقوله تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يعجل له عوجاً، قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه} نريد الطريق الصحيح؟ نريد السلامة في هذه الحياة؟ هو في هذا القرآن {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} فهو منزل من علو، {ولم يجعل له عوجاً} كل ما فيه محكم، هذه مسألة عظيمة جداً في باب العقيدة، تبينها هذه السورة في ظل واقعٍ تعيشه الأمة اليوم من المشككين والمتبعين للشهوات، والذين يحاولون أن يخرموا المسلمات فتأتي سورة الكهف تصحح أصول العقيدة في مسائل عدة، في الولاء والبراء.
وهي أيضاً تصحح في باب الفكر والنظر وفي أيضاً تبيّن الميزان الشرعي الذي هو ميزان القيم.
كيف ميزان القيم؟
دعونا نقف لحظة مع هذا الأمر، ميزان القيم تختل بين مجتمع وآخر، الخطورة عندما تختل موازين القيم في الأمة المسلمة، كيف؟ الميزان الحقيقي في الإسلام، هو الأخلاق والعقيدة، «إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» -أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- موازين القيم اختلت عند كثير من الناس، كيف؟ أصبحت موازين القيم الجاه! موازين القيم المادة!
إذا جاء إنسان خيّر، طيّب، فاضل، صالح، دنياه قليلة، لا يزوج! ما عنده شيء، يأتي إنسان عنده منصب أو جاه أو هو ابن العائلة الفلانية، له وظيفة، يزوّج ولو كان دينه ضعيف!
هذه الموازين عندما تختل، يحدث فساد عريض في الأمة، تأتي سورة الكهف مع غيرها من السور، وتصحح وتبيّن وتعدّل هذا الخلل، وتبين أن الدنيا ليست هي المقياس الصحيح {المال والبنون، زينة الحياة الدنيا} زينة، كما أن المرأة قد تضع زينة على وجهها ساعات وتزول، وتظهر الحقيقة، بل أحياناً في أثناء الفرح يحدث عارض، فيزول المصطنع وتظهر الحقيقة.
كذلك عندما تكون القيم ليست صحيحة تظهر حوادث وأحوال، وتظهر هذا الجانب، مثلاًَ –ما دمنا أخذنا هذا المثل في الزواج- إنسان يزوج إنساناً آخر لماله، لمنصبه لجاهه، لكنه ضعيف الدين، عندما تبدأ المشكلات بين الزوجين تظهر الحقيقة، فقد يظلمها، يبخسها حقها، لا يتقي الله فيها، يجبرها على المحرّم، قد يطردها من البيت.
ولكن عندما يكون الميزان كما تعرضه هذه السورة هو ميزان القيم هو ميزان العقيدة ميزان الإيمان، وتصحح هذا الحانب فإنه لن يظلمها بإذن الله، سيعدل معها.
حتى نجد في اللذين يعددون في زواجهم فرق بين من كان ميزان القيم عنده هو الإيمان والتقوى والورع تجد عدله بين زوجاته، ومن كانت موازين القيم كما هي في بعض المجتمعات موازين مادية أو جاه أو منصب، انظروا إلى المظالم التي تقع في حقوق الزوجات، مظالم نخشى أن تقع علينا العقوبة بسببها.
من ميازين القيم، ميزان عظيم جداً، {هنالك الولاية لله الحق} شاع في زمننا حتى في بعض بلاد المسلمين، أن ميزان القيم هو الولاء للغرب أو الشرق، فركنوا إلى أمريكا وإلى الشيوعية وقت الشيوعية، إلى بريطانيا إلى فرنسا، العالم ما يسمى بالكبرى وليس بكبرى في الحقيقة تقاسمت العالم كأنها تتقاسم وجبة طعام، تداعت علينا كتداعي الأكلة على قصعتها، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فهب زعماء العالم ما يسمى بالعالم الثالث، أو النامي، يركنون إلى أعداء الله جل وعلا، والله –جل وعلا- يقول: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}.
لما جاءت الشدائد ما الذي حدث؟
لأن الميزان كان مختلاً، باعوهم بأبخس الأثمان، وأقرب مثال على واقعنا، الثورات التي قامت في بلاد المسلمين قبل شهور، انظروا كانوا يوالون الغرب أو الشرق، تخلوا عنهم، كما يتخلى الشيطان على أوليائه يوم القيامة، {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي، إني كفرت}، خلاص يعلن الكفر، {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي}.
أمريكا تخلت عن حلفائها! نعم أمريكا تخلت عن حلفائها، وستتخلى عن غيرهم، {واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون، لا يستطيعون نصرهم، وهم لهم جندٌ محضرون} عجيبة هذه الآية في سورة ياسين!
أي أن مشركي قريش اتخذوا الأصنام حتى تنصرهم الأصنام، فجلسوا جنوداً لها، من أجل أن تنصرهم! أيهم نصر الآخر؟ الحقيقة أن مشركي قريش هم الذين نصروا الأصنام! عندما يأتي أحدٌ يريد أن يتعدى على الأصنام هم الذين يحمونها!!
كما قال الله –جل وعلا- {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله، فيسبوا الله عدواً بغير علم}، عندما يسب المسلم الصنم، (آلهة قريش) يسبون الله –جل وعلا- إذا من الذي يحمي الأصنام؟ هم {واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون، لا يستطيعون نصرهم، وهم لهم جند محضرون} عجيب!
نفس الشيء، نفس الواقع، اتخذوا أمريكا من أجل أن تحميهم أمريكا، فتخلت عنهم {هنالك الولاية لله الحق} هكذا تقرر هذه السورة، الولاية الحقيقة لله -جل وعلا- ولأولياء الله {وإن جندنا لهم الغالبون} {لهم المنصورون} -تخلت عنهم باعتهم- لأن ميزان القيم لديهم كان خاطئاً كانوا يتصورون أن عزتهم وقوتهم في اللجوء إلى الغرب أو الشرق، عند الشدائد تخلوا عنهم! كما سيتخلى الشيطان عن أوليائه وأصحابه ويتبرأ منهم، بل قد تبرأ في بدر من أوليائه {إني أرى ما لا ترون} هرب في يوم بدر! كما هربت أمريكا في هذه الأزمات وهذا طبيعي جداً لأن أصل ميزان القيم كان مختلاً.
ميزان القيم إذاً نجده، النظر إلى الضعفاء والمساكين فيأتي كفار قريش ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم نريد أن نسمع منك، لكن لا تجلس مع الفقراء المساكين! صهيب، بلال، عمار، غيرهم من فقراء الصحابة رضوان الله عليهم الذين هم أرفع مكانة عند الله، فهمّ النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعله يجلس مع هؤلاء وهؤلاء فينزل قوله تعالى في سورة الأنعام: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} (ولا تطرد) سماه طرداً، ثم بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس معهم، فإذا جلس معهم يقوم النبي صلى الله عليه وسلم، فينزل في سورة الكهف {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا}، كفار قريش هؤلاء.
السورة مليئة بتصحيح القيم، قيم كانت من موروثات الجاهلية فجاءت سورة الكهف تصحح هذه القيم، تبين القيم الحقيقية، الميزان الحقيقي، قيمة العلم، البعض الآن ينظر إلى العلم والعلماء نظرة مع كل أسف، فيأتي القرآن يصحح هذا المعنى كما بين الله لموسى عليه السلام عندما ذهب إلى الخضر.
إذاً أيها الإخوة، هذه السورة سورة عظيمة، سنجد فيها كيف نصحح القيم، فعلينا أن نعرض قيمنا الموجودة الآن في مجتمعنا، هل هي تتوافق مع القيم الحقيقية التي تقررها سورة الكهف؟ أو لا؟ أو هي من آثار قيم الشرق والغرب والجاهلية وغيرها، فلنعدّلها ولنتق الله –جل وعلا-
نسأل الله أن ينفعنا بهذه السورة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولا تنسوا أنفسكم وإخوانكم من الدعاء عند فطركم وعند سحوركم وفي صلواتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..