القول بالموجَب (3)
3 ربيع الثاني 1432
د. عبد الرحمن بن محمد القرني


المطلب الثاني

أقسام القول بالموجب الوارد على الاستدلال بالقياس، وطرق الجواب عنها:
اختلفت طرائق الأصوليين في تقسيم القول بالموجب الوارد على الاستدلال بالقياس، وحاصل هذا الاختلاف أربع طرق، وإليك بيانها.

الطريقة الأولى:
وعليها مشى أبو الوفاء ابن عقيل([1]) وأبو الخطاب الكَلْوَذاني([2]) وموفق الدين ابن قدامة([3]) وسيف الدين الآمدي([4]) وصفي الدين الهندي([5]).
حيث قسموا القول بالموجب إلى قسمين:
الأول: أن يكون وارداً على دليلٍ نصبه المستدل لإثبات مذهبه.
الثاني: أن يكون وارداً على دليلٍ نصبه المستدل لإبطال مذهب خصمه.

*   ووجه القسمة: «أن الحكم المرتَّب على دليل المستدل إما أن يكون إبطالَ مَدْرَك الخصم، أو إثبات مذهبه هو.
فإن كان الأول فالقول بالموجب يكون من المعترض دفعاً عن مأخذه لئلا يفسد، وإن كان الثاني كان القول بالموجب من المعترض إبطالاً لمذهب المستدل.
وذلك لأن المستدل والمعترض كالمتحاربين كلُّ واحد منهما يقصد الدفع عن نفسه وتعطيل صاحبه» اهـ([6]).

ثم القسم الأول يتنوع إلى نوعين:
النوع الأول: ما وضع للوجوب([7]).
وضابطه: أن يكون مطلوب المستدل إثبات الحكم على جهة العموم([8]).
وهو ضربان:
الضرب الأول: النفي.
مثاله: أن يقول الحنبلي مثلاً في إزالة النجاسة بالخل الطاهر: الخلُّ مائع لا يرفع الحدث، فلا يزيل النجس قياساً على الدُّهْن.
فيقول الحنفي: أقول بموجبه أن الخل لا يزيل نجاسة المائع النجس.
فلا يصح القول بالموجب هنا؛ لأن التعليل عامّ يقتضي نفي تطهير الخل للنجاسة بكل حال، جامدةً كانت أو مائعة([9]).

الضرب الثاني: الإثبات.
مثاله: أن يقول المالكي مثلاً في الصلاة على السفينة: القيام فرضٌ يلزم المصلي في غير السفينة، فيلزمه في السفينة قياساً على سائر الفروض.
فيقول الحنفي: أنا قائل بموجبه، وعندي أنه يلزمه القيام إذا كانت السفينة واقفة.
فلا يصح القول بالموجب هنا أيضاً؛ لأن التعليل عامّ يقتضي لزوم القيام في الصلاة على السفينة سائرةً كانت أو واقفة([10]).

*  فأنتَ ترى امتناع ورود القول بالموجب في هذا النوع بقسميه، أعني التعليل الموضوع للوجوب.
وقد صرح بذلك ابن رشيق المصري([11]) حيث قال: «القول بالموجب وهو لا يَرِدُ على التعليل للثبوت؛ لأنه يلزم منه انقطاع السائل، وإنما يَرِد على التعليل للجواز في بعض الصور»اهـ([12]).

أقول: وهذا ينزع إلى ما أسلفناه في شروط القول بالموجب في الشرط الرابع منها.

النوع الثاني: ما وضع للجواز([13]).
وضابطه: أن يكون مطلوب المستدل إثبات الحكم على جهة الخصوص([14]).

وهو ضربان:
الضرب الأول: النفي.
مثاله: أن يقول الشافعي مثلاً في أن القهقهة في الصلاة لا تنقض الوضوء: القهقهة غير ناقضة للوضوء خارج الصلاة، فجاز أن تكون غير ناقضة في الصلاة قياساً على سائر الأفعال كالأكل والكلام.
فيقول الحنفي: أقول بموجب قياسك، وعندي أن القهقهة لا تنقض الوضوء في صلاة الجنازة([15]).

الضرب الثاني: الإثبات.
مثاله: أن يقول الحنفي في أن الخيل تجب فيه الزكاة: الخيل حيوانٌ تجوز المسابقة عليه، فجاز أن يتعلق به وجوب الزكاة قياساً على الإبل.
فيقول الحنبلي مثلاً: أقول بموجب قياسك أنه تجب في الخيل زكاة التجارة، والنزاع إنما هو في زكاة العين، ومقتضى دليلك إنما هو وجوب أصل الزكاة([16]).

*  وأمَّا القسم الثاني فيتنوع إلى نوعين أيضاً:
النوع الأول: أن يكون مطلوب المستدل إبطال حكم الخصم([17]).
مثاله: أن يقول الشافعي مثلاً في القتل بالمثقَّل: التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص، قياساً على التفاوت في المتوسَّل إليه.
فيقول الحنفي: أنا قائل بموجب قياسك أن التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص، لكن القصاص يمتنع بشيء آخر نحو وجود مانع آخر أو فقدان شرط أو عدم المقتضي، وما ذكرتَه في دليلك لا يفيد شيئاً من ذلك([18]).

النوع الثاني: أن يكون مطلوب المستدل إبطال علة الخصم([19]).
مثاله: أن يقول الحنبلي مثلاً في أن الإجارة لا تنفسخ بالموت: إن الموت معنى يزيل التكليف، فلا يُبطل الإجارة قياساً على الجنون.
فيقول الحنفي: أقول بموجب دليلك أن الإجارة لا تبطل بالموت، وإنما هي تبطل عند الموت بزوال الملك؛ ولهذا عندي لو باع العين المستأجرة ورضي المستأجر بطلت الإجارة([20]).

*  وورود القول بالموجب على هذا النوع أكثر منه في النوع الأول؛ لأن خفاء العِلَل والمدارك أغلب من خفاء الأحكام؛ لكثرة المدارك والأسباب المقتضية للأحكام وتشعبها وعدم الوقوف على ما هو معتمد الخصم منها، بخلاف الأحكام فإنه قَلَّما يتفق الذهول عنها([21]).

طرق الجواب([22]):
وطريق المستدل للجواب عن قول خصمه بالموجب في القسمين ما يلي:

أولاً: أن يبيِّن أن الذي التزم فيه المعترض القول بموجبه هو محل النزاع أو من جملة صور النزاع، إما بالنقل الصريح عن كتاب معتبر، أو عن إمام متفق على علمه وعدالته([23]).
ثانياً: أن يبين أن النزاع إنما هو فيما أقام له الدليل، إما بإقرار سابق من المعترض أو اعتراف منه بعد البيان له، أو يقول مثلاً: (إنما فرضنا الكلام في نقض الوضوء بالقهقهة في صلاة الفريضة لا صلاة الجنازة) فيكون المستدل قد أفتى بما وقع مدلولاً لدليله، وفرض المعترض الكلام معه فيه، وطالبه بالدليل عليه، فإذا قال بالموجب بعد ذلك كان مسلِّماً لما وقع النزاع فيه([24]).
ثالثاً: أن يبيِّن شهرة الخلاف في لقب المسألة، بأن يقول: (الخلاف فيما فرضنا فيه الكلام مشتهر بين أهل العرف؛ حيث جرتْ عادتهم المناظرة في هذه الصورة)، وحينئذ فلا يسمع من المعترض العدول عنه؛ لأنه إنكار لما اعترف به؛ فإن شهرة ذلك دليل إقراره بأن الخلاف واقع فيه؛ ولأنه أيضاً نوع مراوغة ومغالطة ودعوى جهلٍ بالمشهورات، فهو كمَنْ نشأ في بلاد الإسلام وشرب الخمر وزنى مدعياً الجهل بتحريم ذلك([25]).
رابعاً: أن يبيّن أن في قول المعترض بالموجب تغيير للكلام عن ظاهره، ورجوع عما سأل عنه، بأن يقول مثلاً: معنى قولي إن الزكاة تتعلق بالخيل هو التعلق بعينها، فقولك بأن موجب الدليل الذي سَلَّمتَ به هو زكاة قيمتها في التجارة تغيير لكلامي عن ظاهره فلا يُسْمَع، لاسيما وقد عَرَّفتُ (الزكاة) بأل العهدية، فيرجع إلى الزكاة المعهودة([26]).
وهذا قريب مما سبق من الجواب بشهرة المراد من محل النزاع([27]).
خامساً: أن يبيِّن أن عموم مأخذه أو ظهوره يمنع من بقاء الخلاف بعد القول بموجبه، وشرط القول بالموجب استبقاء الخلاف.
فيقول مثلاً في مسألة السفينة: ما ذكرتُه من التعليل عامّ يقتضي فَرْضية القيام في السفينة الواقفة والسائرة، فلو قلتَ بموجبه لزمك التسليم بمحل الخلاف([28]).
سادساً: أن يفسِّر له الدليل واقتضاءه لحكم المسألة، فقد يكون المعترض غير معاند ولا مراوغ، بل يكون جاهلاً بدلالة الدليل.
وتفسيره بأن يقول: أنت سألتني عن كذا وطالبتني بالدلالة عليه، وقد دللتُ عليه بما ذكرتُه، وهو دالٌّ على حكم ما سألتَ عنه لأجل كذا وكذا، فقد طَبَّقْتُ الحكم عليه، فلا يَرِدُ القول بالموجب على دليلي لأنه رجوعٌ بعد التسليم([29]).
ومن ذلك أن يفسر المستدل كلمة موهمة في دليله بنى عليها المعترض القول بالموجب ظانَّاً بقاء النزاع بعد التسليم بها.
مثاله: أن يقول الحنفي في إزالة النجاسة بالخل: إن الخل مائعٌ طاهر مزيل لعين النجاسة وأثرها، فتجوز إزالة النجاسة به قياساً على الماء.
فيقول الشافعي مثلاً: أقول بموجبه فإنه يجوز ذلك عندي ولا حرج عليه فيه.
غير أن الكلام فيما وراء الإزالة وهو حصول الطهارة أو عدم حصولها، فجوابه بأن يفسّر له (الجواز) بالاعتداد به وترتّبِ الحكم عليه([30]).
سابعاً: أن يبيّن لزوم حكم محل النزاع لوجود مقتضيه مما ذكره في الدليل إن أمكنه بيانه.
مثل أن يقول في مسألة القتل بالمثقَّل: يلزم من كون التفاوت في الآلة لا يمنع القصاص وجود مقتضي القصاص، إما بناءً على أن وجود المانع وعدمه قيام المقتضي؛ إذْ لا يكون الوصف مانعاً بالفعل إلا لمعارضة المقتضي، وذلك يستدعي وجوده؛ ولذلك لما كان الحكم يدور مع مقتضيه وجوداً وعدماً لم يصح عرفاً الاهتمام بسلب المانع إلا عند قيام المقتضي، وإلا فالاهتمام بسلب المقتضي أولى.
أو أن يقول المستدل للمعترض: إذا سلَّمتَ أن تفاوت الآلة لا يمنع القصاص، فالقتل المزهق هو المقتضي، وهو موجود في مسألتنا([31]).
ومن هذا القبيل أن يبيِّن للمعترض أن ما ذكره وإن لم يكن محل الخلاف، لكن يلزم منه الحكم في محل الخلاف.
مثاله: أن يقول الشافعي مثلاً في المسلم الذي قتل ذمياً: لا يجوز قتل المسلم بالذمي كما لا يجوز قطعه بسرقة ماله، بجامع أن كلاً حدّ شرعي.
فيقول الحنفي: أنا أقول بموجبه، فإنه عندي غير جائز بل هو واجب.
فجوابه أن يقول: يلزم من عدم الجواز عدم الوجوب قطعاً؛ لأن المراد من عدم الجواز الحرمة والمنع من الفعل لا نفي خصوص الإباحة، ويلزم من ذلك انتفاء الوجوب؛ إذْ يستحيل لزوم التبعة بفعل الواجب([32]).
ثامناً: أن يبيِّن أن اعتراضه ليس قولاً بالموجب، بأن يقول: (ما ذكرتَه إنما يكون قولاً بالموجب أَنْ لو كان موجَب دليلي حاصلاً فيه بتمامه، لكنه غير حاصل فيه لأنه فَقَدَ المعنى الفلاني وهو مدلول الدليل) أو نحو ذلك مما يقتضي كونه ليس قولاً بموجب العلة([33]).
مثاله: أن يقول الشافعي مستدلاً على جواز القصاص في الطرف قبل اندمال الجرح: القصاص فيما دون النفس أحد نوعي القصاص، فجاز أن يثبت معجَّلاً قياساً على القصاص في النفس.
فيقول الحنفي مثلاً: أنا أقول بموجبه؛ فإن عندي يجوز أن يثبت معجلاً، وهو ما إذا قطع يداً لرجُل، فجاء رجلٌ آخر في الحال فقتله عقيب القطع، فههنا يثبت القصاص في الطرف معجلاً.
فجوابه أن يقول الشافعي: هذا ليس قولاً بموجب العلة؛ لأنَّ هناك يثبت القصاص مؤجلاً ثم يعجّل بعد ذلك بالقتل، وتعليلي يقتضي أن يثبت ذلك في الابتداء معجلاً، وأنت لا تقول به، فلم يصح لك القول بالموجب([34]).
تاسعاً: أن يجعل دليله دالاً على الأمرين، بأن يقول: أنا أجمع بين المعنيين، المعنى الذي ذكرتُه في دليلي، والمعنى الذي قلتَ بموجبه، فلا يكون قولك بالموجب قدحاً في دليلي.

وهذا جواب صحيح بشرطين:
أحدهما: أن لا يكون بين المعنيين تضادٌّ؛ حتى يمكن للمستدل التزامهما.
ثانيهما: أن يصح أن يُراد بذلك اللفظِ المعنيان، إما في اللغة أو في عرف الشرع، وكذا يشترط في العلة أن تصلح لاقتضاء الحُكمين([35]).
مثاله: ما سبق من مسألة نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة حيث يقول الشافعي مثلاً: القهقهة لا تنقض الوضوء خارج الصلاة، فلا تنقضه في الصلاة قياساً على الأكل.
فيقول الحنفي: أنا قائل بموجبه، وعندي أن القهقهة لا تنقض الوضوء في صلاة الجنازة.
فيجيب الشافعي: أنا أجمع بين الأمرين، فلا تنقض القهقهة الوضوء في صلاةِ الفريضة وصلاةِ الجنازة قياساً على الأكل.

الطريقة الثانية:
وعليها مشى أبو إسحاق الشيرازي([36]) وأبو حامد الغزالي([37]) وفخر الدين الرازي في (الكاشف) ([38]).
حيث قسموا القول بالموجب إلى قسمين:
الأول: أن يكون منصوباً لإبطال علة الخصم.
الثاني: أن يكون منصوباً لإبطال الحكم عند الخصم.

*     ثم القسم الثاني يتنوع نوعين:
أحدهما: ما ينصب للوجوب.
ثانيهما: ما ينصب للجواز.

*   و الحق أن هذه الطريقة راجعة إلى الطريقة الأولى، وهذا ظاهر بأدنى تأمُّل؛ ولذا تشابهت الأمثلة عند الفريقين، وتوافقت طرق الجواب عنها.
وإنما الاختلاف في أن الطريقة الأولى أشمل من جهة التقسيم وتفريع الأنواع، والمذكور هنا بعضها، وهذا غير مستغرب فإن الرازي في (المحصول) قسَّم القول بالموجب إلى قسمين: أحدهما وقوعه في جانب النفي، والآخر وقوعه في الإثبات([39])، وهذا هو بعض الطريقة الأولى كما رأيتَ.
كما أن أبا الوليد الباجي اكتفى في تقسيمه بأنْ جعله قسمين: أحدهما ما وضع للوجوب، والآخر ما وضع للجواز([40]).

*  هذا وقد اقتصر نجم الدين الطوفي في (عَلَم الجذل) على ذكر هاتين الطريقتين، ولم يذكر الطريقة الثالثة الآتية إن شاء الله تعالى.
حيث قال الطوفي بعد أن عَرَّف القول بالموجب: «ثم لتقسيمه طريقان مذكورتان في الكتب:
إحداهما: أن الحكم الذي يذكره المستدل إما أن يكون مذهب إمامه، أو إبطال مَدْرَك الخصم ...
الطريق الثانية: أن التعليل إما أن يتعرض لعلة الخصم، أو لحكم المسألة» اهـ([41]).

الطريقـة الثالثة:
وعليها مشى ابن الحاجب([42]) وشمس الدين([43]) بن مفلح([44]) وتاج الدين السبكي([45]) وسعد الدين التفتازاني([46]) وكمال الدين بن الهُمَام([47]) وعلاء الدين المرداوي([48]) ومحب الله بن عبدالشكور([49]).

حيث قسموا القول بالموجب إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يستنتج المستدل من الدليل ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملازمه.
مثاله: أن يقول الحنبلي مثلاً في القتل بالمثقَّل: قتل بما يقتل غالباً، فلا ينافي وجوب القصاص قياساً على الإحراق.
فيقول الحنفي: أنا أقول بموجب دليلك، وعدم المنافاة ليس محل النزاع – وهو وجوب القصاص – ولا يستلزمه([50]).

الثاني: أن يستنتج المستدل من الدليل إبطال أمرٍ يتوهم أنه مأخذ الخصم.
مثاله: أن يقول المالكي مثلاً في القتل بالمثقَّل: التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص قياساً على المتوسَّل إليه([51]).
فيقول الحنفي: أقول بموجبه أن التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص، لكن الحكم لا يثبت إلا بانتفاء الموانع ووجود الشرائط ووجود المقتضي، وغاية ما ذكرتَه عدم مانعٍ خاص، فلا يلزم منه انتفاء جميع الموانع ولا وجود جميع الشرائط ولا وجود المقتضي، فلا يلزم ثبوت الحكم، فيبقى النزاع قائماً.

*   وأكثر القول بالموجب من هذا القسم لكثرة المآخذ وكثرة الغلط فيها لخفائها، بخلاف الحكم فيقل الذهول عنه([52]).

الثالث: أن يسكت المستدل عن مقدمة صغرى غير مشهورة([53])، فَيَرِدُ القول بالموجب من أجل حذفها.
مثاله: أن يقول الشافعي مثلاً في وجوب النية للوضوء: كل ما ثبت أنه قُرْبة اشترط فيه النية، قياساً على الصلاة.
ويسكت عن المقدمة الصغرى وهي: (الوضوء ثبت أنه قربة).
فيقول الحنفي: أنا قائلٌ بموجبه أن كل قربة يشترط لها النية، ولا يلزم من هذا اشتراط النية للوضوء.
ولو ذكر المستدلُّ الصغرى لم يَرِدْ إلا المنع؛ حيث يقول الحنفي: لا أسلِّم أن الوضوء قربة([54]).

*   والذي يظهر أن معظم ما في هذه الطريقة راجع إلى الطريقتين السابقتين، أمَّا القسم الأول فراجع إلى إبطال الحكم فإنه هو محل النزاع، وأما الثاني فراجع إلى إبطال علة الخصم التي هي مأخذه، وأمَّا القسم الثالث فلا يُعْرف أحدٌ سبق ابن الحاجب إليه، فهو أول مَنْ أتى به، ثم تابعه عليه مَنْ سبق ذكرهم.
وقد نَبَّه على هذا قطب الدين الشيرازي([55]) في (شرحه على مختصر ابن الحاجب) حيث قال: (قال الآمدي: «وهو منحصرٌ في قسمين»([56]) والمصنف زاد عليه القسم الثالث، وما عثرتُ عليه في شيء من الكتب المصنفة في هذا الفن مما وقعتْ إليَّ) اهـ([57]).

*   وقد نظر بعضهم في هذا القسم، حتى قال ابن عبدالشكور: «أقول: ههنا نظر، وهو أن القول بالموجب فرع الموجَبية، والكبرى وحدها ليست بدليلٍ، ولا موجَب لها حتى يُسَلَّم» اهـ([58]).
أقول: فلعله لأجل هذا اقتصر أبو محمد ابن الجوزي على القسمين الأولين، وصَفَحَ عن ذكر الثالث([59]).

طرق الجواب:
*   أمَّا القسم الأول فجوابه ببيان أن الناتج هو محل النزاع أو ملزومه، كما لو قال المالكي مثلاً: لا يجوز قتل المسلم بالذمي لعدم المكافأة بينهما، قياساً على قتله الحربيّ.
فيقول الحنفي: أنا قائل بموجبه، وعندي لا يجوز لكنه يجب قتله به؛ فإن قولك (لا يجوز) نفيٌ للإباحة، ونفي الإباحة ليس نفياً للوجوب ولا يستلزمه.
فيقول المستدل: أنا أعني بقولي (لا يجوز) الحرمة، وثبوت التحريم مستلزم لنفي الوجوب؛ لاستحالة الجمع بين الوجوب والحرمة.

*   وجواب القسم الثاني بأن يبيِّن المستدل أنَّ ما ذكره هو المأخذ لاشتهاره، أو بالنقل عن أئمة مذهب خصمه.

*   وجواب القسم الثالث ببيان أن حذف إحدى المقدمتين سائغٌ عند العلم بالمحذوف([60])، وهذا المحذوف مرادٌ عندي، والدليل هو مجموع ذلك لا المذكور وَحْده([61]).
قال تاج الدين السبكي: «وكتب الفقه مشحونة بذلك، بل لا ترى قياساً مصرحاً فيه بالمقدمتين والأصلِ إلا على النُّدْرة، وما ذلك من الفقهاء – الذين هم أساطين([62]) الأقيسة – إلا اختصاراً وتركاً لما هو مشهور أو معلوم، بحيث يصير ذكره تطويلاً وتضييعاً للزمان بلا فائدة» اهـ([63]).

*   وقد يجاب عن الأقسام الثلاثة بقرينةٍ أو عَهْدٍ أو نحو ذلك([64]).

الطريقة الرابعة:
وعليها مشى أبو العباس الزليطني([65]) المعروف بـ (حلولو) ([66])، وعبدالله بن إبراهيم الشنقيطي([67]) صاحب (مراقي السعود) ([68])، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي([69]).
حيث قسم حلولو ومتابعوه القولَ بالموجب إلى أربعة أقسام، فذكروا الثلاثة التي أشار إليها صاحب المتن – أعني التاج السبكي في جمع الجوامع – وزادوا رابعاً، وهو أن يَرِدَ القول بالموجب لشمول لفظ المستدل وعمومه لصورةٍ متفق عليها، فيحمله المعترض على تلك الصورة ويستبقي النزاع فيما عداها.
مثاله: أن يقول الحنفي في زكاة الخيل: الخيل حيوانٌ يُسَابَق عليه، فتجب فيه الزكاة قياساً على الإبل.
فيقول المالكي مثلاً: أقول بموجبه إذا كانت الخيل للتجارة.
وهو أضعف الأقسام؛ لأن حاصله مناقشة في اللفظ، فيندفع بمجرد العناية، أي بقول المستدل: عَنيتُ به زكاة رقابها([70]).

*   وهذا الرابع قد سبق بمثاله في الطريقة الأولى.

تنبيهات:

وهذه تنبيهات مهمة تتعلق بهذا المبحث:
الأول: ذكر قطب الدين الشيرازي أن بعض الأصوليين بالغَ فَقَطَعَ المستدل حتى بعد جوابه عن القول بالموجب([71]).
قلت: لم يسمِّ أحداً منهم، وقد عرفتُ منهم واحداً وهو أبو الخير التبريزي([72]) في كتابه (تنقيح المحصول)؛ فإنه قال: «لكنه إذا ورد كان انقطاعاً، ولا ينفعه بيان لزوم المتنازع فيه من تسليم ما رتَّبه؛ فإنَّ مؤاخذة الحَيْد لا تندفع به، ويلتزم به عدم ذكر تمام الدليل في مقام مطالبته به؛ ليبيَّن أنَّ ما ذكره أولاً إحدى مقدمتي دليل الحكم المطلوب، بل ينبغي أن يفسر كلامه بما يتضمن دعوى محل النزاع، فيقول: أعني به أن الزكاة لا تمتنع عند ركوب الدّيْن، والقصاص لا يمتنع عند كون القتل بالمثقَّل، وبالزكاة المذكورة بالألف واللام ذلك المعهود» اهـ.
هكذا نقله عنه القرافي وسكت عنه([73])، وعندي أنَّ تعليله عليلٌ في الشِّقّين.

أما الشِّق الأول فلأنه لا يتأتى في معظم أقسام القول بالموجب، فلا يصح تعميم المسألة، وإنما يصح في قسم واحد وهو سكوت المستدل عن مقدمة دليله الصغرى، حيث يتبين بالقول بالموجب أنه لم يَسْتوفِ الدليل وإنما اقتصر على بعض أجزائه.

وأما الشِّق الثاني فلأنه لا يتأتى مع شهرة المسألة بين النُّظَّار أو وجود قرينة لفظية أو عهدية، أو وقوع الدليل بعد سؤال السائل المعترض، ومجرد العناية من المستدل بعد ورود القول بالموجب ليس مسوِّغاً لعدم قبول جوابه حين لم يذكر تفسير دليله أولاً؛ فإنَّ احتمالَ الغفلة أو الوثوق بفهم الخصم واردٌ.

الثاني: ظهر مما سبق من أقسام القول بالموجب الوارد على الاستدلال بالنص أو بالقياس أن هذا القادح قد يورده المعترض ابتداءً أو بعد تأويلٍ ما.
وهذا الذي نستنبطه مما سبق في أقسامه وأمثلته قد صَرَّح به شهاب الدين القرافي حيث قال: «المنقول تارةً يقول بموجبه بعد تأويلٍ يعضده بدليلٍ، وتارةً ابتداءً.
وكذلك العلة، تارة يقول بموجبها بعد بيان تحقيقه، وتارة ابتداءً» اهـ([74]).

الثالث: قد يقول قائلٌ: ما غرض المستـدل – فيـما سبـق في بعض أقسام القول بالموجب – حين يعدل في دليله عن لفظ الثبوت أو الوجوب أو اللزوم إلى لفظ (الجواز)؟
وقد أجاب إمام الحرمين الجويني عن ذلك بقوله: «بلفظ (الجواز) يَفِرُّ عن النقض فيقع في محنة القول بموجب العلة، وذلك النزاع أبلغ في الإفساد من النقض؛ لأنه يحتاج إلى أسئلة أخرى في موضع، والنقض يمكن دفعه بتفسيرٍ أو زيادة في نفس ما ابتدأ به دلالةً وعلةً»اهـ([75]).

*    وهذا الغرض بعينه وُجِد في عدول المعترض عن إبطال الحكم عند خصمه إلى إبطال مأخذه.
حيث قال البَرُّوي: «وأكثر ما يوقع الناس في هذه الورطة احترازهم عن النقوض؛ فإنه لو قال: (ثبوت حق القصاص يقتضي جواز الاستيفاء وقد تحقَّق بعد الالتجاء)([76]) انتقض عليه بالحامل([77])، فيحترز عن النقض بالتعرض للمأخذ، فيتهدف لسهمٍ أَوْحَى([78]) نفاذاً منه وهو القول بالموجَب، وهو كمَنْ فَرَّ من أدنى مطرٍ فوقف تحت ميزاب» اهـ([79]).

المبحــــث الرابــع:
تطبيقات أصولية وفقهية على القول بالموجَب

وفيه مطلبان:
المطلب الأول
تطبيقات أصولية على قادح القول بالموجب.
كما أن الأصوليين بحثوا القول بالموجب بحثاً نظرياً تأصيلياً؛ فإنهم بحثوه بحثاً تطبيقياً في عين مصنفاتهم الأصولية، حيث استعملوه قادحاً في دليل الخصم المطلوب به إثبات مسألة في أصول الفقه، وقد اخترتُ ثلاثة نماذج تطبيقية من هذه المسائل.

المسألة الأولى: حجية القياس:
استدل نفاة حجية القياس بقول الله تعالى: (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ([80]) وقوله سبحانه: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ([81])، والحكم بالقياس قولٌ بما لم يُعْلَم([82]).
وقد أجاب الآمدي عن هذا الاستدلال بقوله: «أنَّا نقول بموجَب الآيتين؛ وذلك لأنَّا إذا حكمنا بمقتضى القياس عند ظنِّنا به فحكمنا به يكون معلوم الوجوب لنا بالإجماع لا أنه غير معلوم» اهـ([83]).

* وفي المسألة نفسها استدل نفاة القياس بقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) ([84]) قالوا: والحكم بالقياس هو حكم بغير ما أنزل الله تعالى([85]).
وأجاب الآمدي بقوله: «وأما قوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) فنحن نقول بموجبه؛ فإنَّ مَنْ حكم بما هو مستنبط من المُنْزَل فقد حكم بالمُنْزَلِ» اهـ([86]).
يعني: والقياس مستنبطٌ من المُنْزَل.

*  وفي المسألة نفسها استدل نفاة القياس أيضاً بقول الله تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) ([87]) وقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ([88]) وهذا يدل على أن الأحكام الشرعية كلها مبيَّنة في الكتاب، وليس فيها ما يحتاج فيه إلى القياس([89]).
وقد أجاب أبو إسحاق الشيرازي حيث قال: «إنَّا نقول بموجب الآية، وأنه أَكْمَلَ الدينَ ولم يُفَرِّط في الكتاب من شيء، ولكن القياس دلَّ عليه الكتاب وأكمل به الدين، كما أنَّ ما بُيِّن بالأخبار والإجماع مما دلَّ عليه الكتاب وأكمل به الدين» اهـ([90]).

المسألة الثانية: حجية قول الشيخين:
استدل المثبتون حجية قول الصحابيين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقْتَدُوا باللذَيْنِ من بعدي أبي بكرٍ وعمر»([91]) فلو لم يكن قولهما حجة ما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الاقتداءَ بهما([92]).
وقد أجاب أبو حامد الغزالي عن هذا الاستدلال بجوابين فقال في الثاني منهما: «ثم نقول بموجبه، فيجب الاقتداء بهما في تجويزهما لغيرهما مخالفتهما بموجب الاجتهاد» اهـ([93]).
وبمثله أجاب فخر الدين الرازي حيث قال: «إنَّا نقول بموجبه، فيجوز الاقتداء بهما في تجويزهما لغيرهما مخالفتهما بموجب الاجتهاد» اهـ([94]).

المسألة الثالثة: نقل الخبر بالمعنى:
احتج مَنْ منع رواية الحديث بالمعنى بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللهُ امرءاً سمع مقالتي فوعاها وأدَّاها كما سمعها»([95]) فدل على وجوب تبليغه كما سمعه بلفظه ومعناه([96]).
وقد أجاب الآمدي عن هذا بقوله: «والجواب عن النص من وجهين:
الأول: القول بموجبه؛ وذلك لأنَّ مَنْ نقل معنى اللفظ من غير زيادة ولا نقصان يصح أن يقال: أدَّى ما سمع كما سمع» اهـ([97]).

المطلب الثاني
تطبيقات فقهية على قادح القول بالموجَب

مع أنه قد سبق في ثنايا البحث النظري أمثلة فقهية على سؤال القول بالموجب منقولة من الكتب الأصولية، غير أني رأيت أن أزيد في هذا المطلب نماذج أخرى تطبيقية جميعها من المدونات الفقهية مقتصراً على ثلاثة لكل مذهب، أولها في قولٍ بالموجب واردٍ على الاستدلال بالكتاب، وثانيها على الاستدلال بالسُّنَّة، وثالثها على القياس، فانتظم هذا المطلب ثنتي عشرة مسألة، ولله الحمد والمنة، وإليك هذه المسائل مرتبة على المذاهب([98]).

أولاً: المذهب الحنفي:
المسألة الأولى: لفظ (السَّراح) و(الفراق) من كنايات الطلاق:
يستدل الشافعية مثلاً على أنَّ قولَ الرجل لامرأته: «سَرَّحْتُكِ» أو «فارقتُكِ» لفظٌ صريح يقع به الطلاق بقول الله تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) ([99]) والتسريح هو التطليق، وقوله سبحانه: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ([100]) والمفارقة هي التطليق([101]).
وقد أجاب علاء الدين الكاساني([102]) بقوله: «ولا حجة في الآيتين؛ لأنَّا نقول بموجبهما أن (السراح) و(الفراق) طلاقٌ، لكنْ بطريق الكناية لا صريحاً» اهـ([103]).

المسألة الثانية: وجوب الأضحية:
يستدل المالكية مثلاً على أن الأضحية سنة فحسب بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثٌ كُتِبَتْ عليَّ ولم تُكْتَبْ عليكم: الوترُ والضُّحى والأضحيةُ»([104]) أو كما ورد([105]).
وقد أجاب الكاساني بقوله: «وأما الحديث فنقول بموجَبه أن الأضحية ليست بمكتوبة علينا، ولكنها واجبة وفرقٌ ما بين الواجب والفرض كفرق ما بين السماء والأرض»اهـ([106]).
وقال سِبْط ابن الجوزي([107]): «ولو صحَّ قلنا بموجبه؛ فإن الأضحية لم تُكْتَب علينا وإنما هي واجبة، وبين المكتوب والواجب من الفَرقِ كما بين القَدَم والفَرْقِ»([108]) اهـ([109]).

المسألة الثالثة: إذا وَجَدَ ماءً لا يكفيه للوضوء تيمم ولا يستعمله:
يستدل الحنابلة مثلاً على أن واجد الماء الذي لا يكفيه للوضوء يجب عليه أن يستعمل الماء ثم يتيمم بقياسٍ قالوا في تقريره: إن تعذُّر غسل بعض الأعضاء لا يكون سبباً في سقوط فرض ما يقدر عل غسله منها، قياساً على مَنْ جُرِحتْ بعض أعضائه([110]).
وللحنفية والمالكية أن يجيبوا بالقول بالموجب، وكذلك فعل أبو الحسين القُدُوري الحنفي([111]) حيث قال: «قلنا: نقول بموجبه؛ لأن السقوط عندنا ليس ما ذكروه، وإنما هو الجمع بين البدل والمبدل»([112]) اهـ وعبارة ابن القصَّار المالكي([113]): « ... وإنما كلامنا في أن لا يجتمع الغسل والتيمم في حال واحدة» اهـ([114]).

* واسْتُدِل للحنابلة والشافعية بقياس آخر، تقريره: أن كل جملة جاز أن ينوب التيمم عن جميعها جاز أن ينوب عن بعضها، قياساً على البدن في الجنابة([115]).
وأجاب القدوري بقوله: «نقول بموجبه فيمن قُطِعَ بعض أعضائه» اهـ([116]).

ثانياً: المذهب المالكي:
المسألة الأولى: العبد يَمْلِك بالتمليك :
يستدل الحنفية مثلاً على أن العبد إذا مَلَّكَه سيِّده مالاً لا يملكه بقول الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) ([117]) حيث أخبر سبحانه أن العبد لا يقدر على شيء، فلو كان يملك بالتمليك لكانت له قدرة([118]).
وقد أجاب شهاب الدين القرافي المالكي عن الاستدلال بالآية حيث قال: «والجواب عن الأول: القول بالموجب؛ لأنَّ (عبداً) ليس صيغة عموم، فيقتضي أن عبداً من العبيد ليس له ملك، ونحن نقول به» اهـ([119]).

*  واسْتُدِل لهم أيضاً بقوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ) الآية([120]) حيث نفى المساواة بيننا وبين عبيدنا، ونحن نملك فدل أنهم لا يملكون([121]).
وقد أجاب القرافي أيضاً فقال: «و[الجواب] عن الثاني: القول بالموجب؛ فإنَّ الله تعالى نفى المساواة وهو صحيح؛ فإنَّ ملك العبد لا يساوي ملك الحر» اهـ([122]).

المسألة الثانية: لا يتعيَّن التراب في التيمم:
يستدل الحنابلة مثلاً على تعيُّن التراب في التيمم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «جُعِلتْ لنا الأرضُ مسجداً وترابُها طهوراً»([123]) حيث نَصَّ على التراب([124]).
وقد أجاب أبو الحسن ابن القصَّار بقوله: «أما قولكم إن النبي صلى الله عليه وسلم نَصَّ على التراب؛ فإننا نقول بموجبه، ويجوز التيمم على التراب» اهـ([125]) أي: ونزاعنا إنما هو في الإجزاء بغيره.

*   واسْتُدل لهم أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «الترابُ طهورُ المسلمِ وإن لم يجد الماءَ عشرَ حِجَجٍ»([126]) أو كما ورد([127]).
وقد أجاب ابن القصار أيضاً عن هذا الاستدلال بقوله: «إننا نقول بموجب الخبر، فيجوز التيمم بالتراب» اهـ([128]) أي: هذا هو مدلول الحديث، والكلام في حصول الإجزاء بغير التراب.
وبمثله أجاب الحنفية أيضاً، حيث قال أبو الحسين القدوري: «والجواب: أن هذا يدل على وقوع التطهير بالتراب وكذلك نقول، فأما أنه لا يقع بغيره فيقف على دلالة» اهـ([129]).

المسألة الثالثة: عدم صحة الإقرار للوارث عند الموت إنْ وُجِدتْ تهمة:
يستدل الشافعية على صحة إقرار المريض مرض الموت لبعض ورثته مطلقاً – أي: وإنْ وُجِدتْ تهمةٌ([130]) – بقياسٍ قالوا في تقريره: إنه صح إقراره لغير الوارث، فيصح إقراره للوارث قياساً على الصحيح([131]).
وقد أجاب شهاب الدين القرافي بقوله: «نقول بموجبه حيث لا تهمة كما في حدّ القذف» اهـ([132]).

ثالثاً: المذهب الشافعي:
المسألة الأولى: يجوز لمَنْ وجبت  عليه الزكاة تفريقها بنفسه:
يستدل المالكية مثلاً على أنه ليس لرب الأموال الظاهرة تفريق زكاته بنفسه يستدل بقول الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) ([133]) وإذا كان الأخذ إلى الإمام فأدَّاها المالك لم يُجْزِ لأن حق الإمام في الأخذ قائمٌ، فلابدّ إذاً من إعطائها للساعي([134]).
وقد أجاب أبو المظفر السمعاني عن هذا الاستدلال بقوله: «الجواب: أما الآية فليس فيها أكثر من جواز أخذ النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة، ولا كلام فيه وإنما الكلام في أنه هل يجوز لمن عليه أن يؤديها بنفسه أَوْ لا؟ وليس في الآية تعرضٌ لهذا» اهـ([135]).

*    وبمثله أجاب الحنابلة أيضاً([136]).

المسألة الثانية : تحريم بيع الرُّطَب بالتَّمْر:

يستدل الحنفية على إباحة بيع الرطب بالتمر إذا تساويا كيلاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التَّمْرُ بالتمرِ مِثْلاً بمثلٍ»([137]) والرطب تمرٌ؛ لأنَّ (التمر) اسمٌ للثمرة الخارجة من النخل من أول بروزها على صورتها إلى فَنَائها([138]).
وقد أجاب أبو المظفر السمعاني بقوله: «الجواب: أما التعلق بالخبر فنحن نقول به؛ لأنه واردٌ بإثبات الحظر إلا عند المماثلة كيلاً ونحن نقول به، وليس في الخبر تعرضٌ لزمان المماثلة»اهـ([139]).

المسألة الثالثة: الترجيعُ([140]) في الأذان سنةٌ:
يستدل الحنفية مثلاً على عدم مشروعية الترجيع في الأذان بقياسٍ تقريره: أن كلمة الإخلاص إذا تعقبت التكبير وجب أن تكون على الشطر من عدد ذلك التكبير، قياساً على آخر الأذان فإنه يكبِّر فيه مرتين ويقول: (لا إله إلا الله) واحدة([141]).
فقاسوا ابتداء الأذان على انتهائه.
وقد أجاب القاضي الماوردي بقوله: «وأما قياسهم بأن كلمة الإخلاص إذا تعقبت كلمة التكبير كانت على الشطر من عدده، فنحن نقول بموجبه؛ لأن الشهادتين على الشطر من عدد التكبيرِ، والترجيعُ إنما هو بعد الانتقال من نوعٍ إلى نوع» اهـ([142]).

رابعاً: المذهب الحنبلي:
المسألة الأولى: الشهيد يُصَلَّى عليه:
يستدل المالكية مثلاً على أن شهيد المعركة لا يصلَّى عليه بقول الله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ([143]) والحيُّ لا يصلَّى عليه([144]).
وقد أجاب الحنابلة([145]) عن هذا الاستدلال، حيث قال أبو الخطاب الكَلْوَذاني: «قلنا: تلك الحياة حياة الدار الآخرة، وكلامنا في حكم يتعلق بالموت عن حياة الدنيا» اهـ([146]) فقد سَلَّمَ مدلول الآية ومنع دلالتها على محل النزاع، وهو عين القول بالموجب.

المسألة الثانية: إذا ترك ما ابتاعه في المكيال ودفعه لغيره ليفرغه لنفسه صَحَّ القبض:
صورة المسألة: أن يكتال زيدٌ لنفسه من عمرو، ثم يدفعه إلى خالد عمَّا له عليه وهو لا يزال في المكيال، فهل يصح قبض خالد؟
فيستدل الشافعية مثلاً على أنه لا يكون قبضاً صحيحاً بحديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بيعِ الطعام حتى يجريَ فيه الصاعانِ»([147]) وهذا يقتضي كيلاً بعد كيلٍ([148]).
وقد أجاب ابن قدامة عن هذا الاستدلال حيث قال: «هذا يمكن القول بموجبه، وقبضُ المشتري له في المكيال جَرْيٌ لصاعيه فيه» اهـ([149]).

المسألة الثالثة: رؤية الماء في الصلاة تبطل التيمم:
يستدل الشافعية مثلاً على أن المتيمم إذا رأى الماء في أثناء الصلاة أتمها صحيحة فلا يبطل تيممه ولا صلاته يستدلون بقياسٍ، تقريره: أن التيمم بدلٌ عن مُبْدَلٍ يتوصل به إلى مقصود معتدٍّ به، فظهور الأصل لا يبطل صحة ما ثبت صحته قياساً على ما لو حكم الحاكم بشهود الفرع ثم ظهر شهودُ الأصل([150])، فإنه لا يبطل حكمه([151]).
وقد قال أبو الخطاب الحنبلي في الجواب عن هذا القياس: «قلنا: نقول به وأنَّ رؤية الماء لا تبطل ما ثبت صحته، وإنما تمنع فعل ما يستقبل من الصلاة، لكن الصلاة الواحدة يقف صحة ما مضى منها على صحة ما بقي، وفسادُ ما بقي يَسْري إليه» اهـ([152]).

الخــاتمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه .. وبعد:
فبعد أن نجز هذا البحث في القول بالموجب عند الأصوليين يمكن تلخيص أهم ما جاء فيه فيما يلي:
أولاً: إن القول بالموجب في اصطلاح الأصوليين هو: تسليم مقتضى دليل المستدل مع بقاء النزاع.
ثانياً: إن قدحه في الاستدلال بالدليل الشرعي صحيحٌ معتبر إذا توفرت شروطه، هذا وقد اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على اعتباره.
ثالثاً: إن كونه حجة معتبرةً لردّ الاستدلال بالدليل لم يمنع أن يكون له أجوبة تعترض طريقه، فهو كالأدلة المعتبرة، ألا ترى أنه يحتج بها ويعترض على الاستدلال بها !!
رابعاً: إنه قادح في الاستدلال بالنصوص الشرعية، ولا اختصاص له بالقياس.
خامساً: إن الأصوليين متفقون على قدحه في الاستدلال بالقياس، فأما كونه قادحاً في علة القياس فخلافٌ مشهورٌ.
سادساً: إن القول بالموجب لم يكن مصطلحاً أصولياً فقهياً فحسب، بل بحثه غيرهم كالبيانيين والنحاة وغيرهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعـين.

______________________
([1])   انظر كتابيه (الواضح) 2/266 و(الجدل) ص444.
([2])   (التمهيد في أصول الفقه) 4/186.
([3])   (روضة الناظر) 3/954.
([4])   (الإحكام في أصول الأحكام) 4/111.
([5])   انظر كتابيه (نهاية الوصول) 8/3459 و(الفائق) 4/249 على اختلاف بين هؤلاء الأئمة في ذكر بعض تفريعات الأقسام.
([6])   (شرح مختصر الروضة) 3/558.
([7])   (المنهاج في ترتيب الحجاج) ص173 وإنما عبروا في هذا القسم بـ (الوجوب) وبعضهم بـ (الثبوت) وبعضهم بـ (التعليل العامّ) لأن النزاع بين الخصمين وقع في حكم آحاد النوع، فيأتي الدليل من المستدل بإيجاب الحكم – أي إثباته – على الجملة. انظر (المقترح في المصطلح) ص364 – 365.
([8])   (نهاية الوصول) 8/3460.
([9])   (المنتخل) ص443 و(التمهيد في أصول الفقه) 4/186 – 187 وانظر هذا المثال باختلاف يسير في (روضة الناظر) 3/957 و(الواضح) 2/267 و(الجدل) لابن عقيل ص445.
([10])   (المنهاج في ترتيب الحجاج) ص174 و(الواضح) 2/266 و(التمهيد في أصول الفقه) 4/187 و(نهاية الوصول) 8/3460.
([11])    هو الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق الرَّبَعي المصري أبو عليّ، فقيه أصولي وكان شيخ المالكية في وقته بالديار المصرية، توفي سنة 632هـ. (الديباج المذهب) 1/333 ، قلت: وهو غير الشاعر الأندلسي الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق التغلبي، يكنى أيضاً أبا عليّ، وتوفي بعد سنة 674هـ. أخباره في (الإحاطة) 1/472 – 476.
([12])   (لباب المحصول) 2/704.
([13])   (المنهاج في ترتيب الحجاج) و(الواضح) 2/267 و(التمهيد في أصول الفقه) 4/187 وإنما عبروا في هذا القسم بـ (الجواز) لأن المستدل يعدل في دليله عن لفظ (الوجوب) ونحوه إلى لفظ (الجواز)، فيقول فيه: «فيجوز كذا» بدلاً من قوله: «فيجب كذا» أو «فيثبت كذا» أو «فيلزم كذا». انظر (المقترح في المصطلح) ص365.
([14])   (نهاية الوصول) 8/3460.
([15])   (نهاية الوصول) 8/3462 و(الفائق) 4/251.
([16])   (الواضح) 2/267 و(التمهيد في أصول الفقه) 4/187 – 188 و(المحصول) 5/270 و(روضة الناظر) 3/956 و(نهاية الوصول) 8/3461 و(شرح مختصر الروضة) 3/561.
([17])   (التمهيد في أصول الفقه) 4/188 و(نهاية الوصول) 8/3463 و(الفائق)4/251.
([18])   (روضة الناظر) 3/954 – 955 و(الإحكام) 4/111 و(نهاية الوصول) 8/3463 و(شرح المحلي على جمع الجوامع) 2/317 – 318 و(التحبير) 7/3678 و(فواتح الرحموت) 2/356.
([19])   (التمهيد في أصول الفقه) 4/190 و(نهاية الوصول) 8/3463 و(الفائق) 4/252 والمراد بعلة الخصم: السبب الباعث له على الحكم الذي يقول به.
([20])   (الواضح) 2/268 – 269 و(التمهيد في أصول الفقه) 4/190 و(نهاية الوصول) 8/3463.
([21])   (الإحكام) 4/111 و(شرح العضد) 2/279 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1405 و(التحبير) 7/3679.
([22])   اختلفت طريقتهم في عرض الأجوبة، فمنهم مَنْ فَصَلَ جواب كل قسم من القسمين السابقين عن أجوبة القسم الآخر، ومنهم مَنْ جمع الأجوبة عن القسمين في موضع واحد، وقد اخترتُ الطريقة الثانية لأمرين: أحدهما أنه لا يلزم من ذكر الأجوبة جملةً إمكان كل جواب عن كل قسم وكل نوع مما سبق وهذا شيءٌ معلوم، وثانيهما أن كثيراً من أجوبة كل قسم تصلح للقسم الآخر كما تراه في (الملخص) و(الإحكام) وغيرهما.
([23])   (نهاية الوصول) 8/3464 و(الفائق) 4/252 – 253.
([24])   (الإحكام) 4/113 و(شرح مختصر الروضة) 3/560 و(علم الجذل) ص80.
([25])   (روضة الناظر) 3/955 و(الإحكام) 4/112 ، 113 و(شرح مختصر الروضة) 3/560.
([26])   (المعونة في الجدل) ص248 – 249 و(المنهاج في ترتيب الحجاج) ص173 و(المنتخل) ص444 و(روضة الناظر) 3/956 و(الإحكام) 4/112 -113 و(نهاية الوصول) 8/3464 – 3465 و(علم الجذل) ص80.
([27])   (شرح مختصر الروضة) 3/561.
([28])   (المعونة) ص248 و(الملخص) 2/652 و(الكاشف عن أصول الدلائل) ص109 و(علم الجذل) ص80.
([29])   (المعونة) ص248 – 249 و(الملخص) 2/648 و(المنهاج في ترتيب الحجاج) ص173 و(الكاشف عن أصول الدلائل) ص108 و(روضة الناظر) 3/955 و(الإيضاح) ص208.
([30])   (الكاشف عن أصول الدلائل) ص109.
([31])   (روضة الناظر) 3/955 و(الإحكام) 4/113 – 114 و(الإيضاح) ص208 و(شرح مختصر الروضة) 3/559 – 560.
([32])   (الإحكام) 4/112 و(نهاية الوصول) 8/3464 و(الفائق) 4/253.
([33])   (الملخص) 2/651، 652 و(نهاية الوصول) 8/3465 و(الفائق) 4/253.
([34])   (الملخص) 2/650 – 651.
([35])   (المعونة) ص247 و(الملخص) 2/649 و(الكاشف عن أصول الدلائل) ص110.
([36])   انظر كتابيه (الملخص) 2/646 و(المعونة) ص246.
([37])   (المنتخل) ص440.
([38])   (الكاشف عن أصول الدلائل) ص108 وسيأتي في المتن بعد أسطر صنيعه في (المحصول) إن شاء الله تعالى.
([39])   (المحصول في أصول الفقه) 5/269 وتابعه عليه مختصرو  كتابه، فانظر (الحاصل) 3/190 و(التحصيل) 2/219 و(المنهاج) وهو مختصر الحاصل 2/900 وكذلك فعل ابن عبدالهادي في (شرح غاية السول) ص417.
([40])   (المنهاج في ترتيب الحجاج) ص173.
([41])   (علم الجذل) ص79.
([42])   انظر كتابيه (منتهى الوصول والأمل) ص200 و(مختصر المنتهى) 2/279.
([43])    هو محمد بن مفلح بن محمد المقدسي، فقيه حنبلي، من كتبه (الفروع) في الفقه، و(الآداب الشرعية) و(النكت على المحرر) توفي سنة 763هـ. (المنهج الأحمد) 5/118.
([44])   (أصول الفقه) لابن مفلح 3/1404.
([45])   (جمع الجوامع) مع (حاشية البناني) 2/317.
([46])   (التلويح) 2/95.
([47])   (التحرير) ص499.
([48])   (التحبير) للمرداوي 7/3677.
([49])   (مسلم الثبوت) 2/356 والعجيب أن صفي الدين الهندي قد مشى على هذه الطريقة في كتابه (الرسالة السيفية) ق83/ب – 84/ أ مخالفاً ما مشى عليه في كتابيه (نهاية الوصول) و(الفائق) على ما تقدم في الطريقة الأولى.
([50])   (شرح العضد) 2/279 و(تيسير التحرير) 4/124 و(التحبير) 7/3678 و(فواتح الرحموت) 2/356.
([51])   المتوسل إليه: يعني أنواع الجراحات القاتلة. انظر (تحفة المسؤول) 4/212 وكذلك قال العضد وغيره من شراح المختصر، وفسَّره حلولو بالنفس المقتولة أنه لا فرق بين الكبير والصغير والشريف والوضيع. انظر كتابيه (الضياء اللامع) 2/408 و(التوضيح في شرح التنقيح) ص355.
([52])   (أصول الفقه) لابن مفلح 3/1405 و(تحفة المسؤول) 4/212 و(شرح المحلي) 2/317 و(تيسير التحرير) 4/125 و(التحبير) للمرداوي 7/3678.
([53])   إنما قيدوها بعدم الشهرة؛ لأن مقدمة القياس المشهورة تكون بمنزلة المذكورة، فيرِد على الدليل قادح المنع إن كانت ممنوعة عند الخصم. (رفع الحاجب) 4/474.
([54])   (شرح العضد) 2/279 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1405 – 1406 و(شرح المحلي) 2/318 و(تيسير التحرير) 4/126 و(التحبير) للمرداوي 7/3679 و(فواتح الرحموت) 2/357.
([55])    هو محمود بن مسعود الشيرازي، فقيه شافعي أصولي مشارك في فنون عدة، من كتبه (شرح مختصر ابن الحاجب) و(شرح المفتاح للسكاكي) توفي سنة 710هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 2/237.
([56])   (الإحكام) 4/111.
([57])   (شرح مختصر ابن الحاجب) لقطب الدين الشيرازي ق 359/ أ.
([58])   (مسلم الثبوت) 2/357.
([59])   انظر كتابه (الإيضاح) ص207 – 208.
([60])   قال الرُّهوني: «وفيه نظر؛ لأن الحذف إنما يسوغ إذا كانت مشهورة » اهـ يعني: وقد شرطوا فيما سبق عدم الشهرة في المحذوف !! (تحفة المسؤول) 4/214.
([61])   (أصول الفقه) لابن مفلح 3/1406 و(شرح العضد) 2/ص280 و(التحبير) للمرداوي 7/3680.
([62])   أساطين الشيء: قوائمه وأعمدته الطويلة التي يقوم عليها، قال الزبيدي: «ويقال للعلماء (أساطين) على التشبيه » اهـ. (تاج العروس) 18/279 مادة (سطن).
([63])   (رفع الحاجب) 4/475 ونحوه في (التحبير) للمرداوي 7/3680.
([64])   (أصول الفقه) لابن مفلح 3/1406 و(التحبير) للمرداوي 7/3677 و(شرح الكوكب المنير) 4/346 وراجع (الإيضاح) ص208.
([65])    هو أحمد بن عبدالرحمن بن موسى القروي، فقيه مالكي أصولي، له شرحان على (مختصر خليل) توفي بعد سنة 895هـ. (توشيح الديباج) ص52.
([66])   انظر كتابيه (الضياء اللامع) 2/408 و(التوضيح في شرح التنقيح) ص355.
([67])    هو عبدالله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي، فقيه مالكي، من كتبه (نشر البنود) في الأصول، و(نَوْر الأقاح) منظومة في البيان، و(طلعة الأنوار) منظومة في مصطلح الحديث، توفي سنة 1235هـ. (الأعلام) 4/65.
([68])   (مراقي السعود) 2/220 وتابعه شراحه، فانظر (نشر البنود) للمؤلف نفسه 2/220 و(مراقي السعود إلى مراقي السعود) للمرابط ص378 و(فتح الودود) ص335 و(نثر الورود) 2/542.
([69])   انظر كتابيه (مذكرة في أصول الفقه) ص522 و(آداب البحث والمناظرة) 2/138.
([70])   (الضياء اللامع) 2/409 و(نشر البنود) 2/221 و(مذكرة في أصول الفقه) ص523 وسائر المصادر السابقة في الهامشين السابقين. ويلاحظ أن أصحاب هذه الطريقة جعلوا القسم الأول الذي ذكره ابن الحاجب والتاج السبكي جعلوه وارداً لخللٍ في طرف الثبوت، وجعلوا الثاني لخللٍ في النفي، وأحسن من هذا الصنيع ما فعله علاء الدين المرداوي في (تحريره) حيث قسم القول بالموجب إلى الأقسام الثلاثة التي ذكرها ابن الحاجب ومتابعوه، ثم ذكر أن القول بالموجب يَرِد في جانب النفي وجانب الإثبات. انظر (التحرير مع شرحه التحبير) 7/3681 – 3682 وتابعه مختصر كتابه، أعني ابن النجار في (شرح الكوكب المنير) 4/348.
([71])   (شرح مختصر ابن الحاجب) لقطب الدين الشيرازي ق 359/أ.
([72])    هو مظفر بن أبي محمد بن إسماعيل التبريزي، فقيه شافعي أصولي، من كتبه (تنقيح المحصول) و(مختصر في الفقه) و(سمط الفوائد) توفي سنة 621هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 2/91.
([73])   (نفائس الأصول) 8/3448.
([74])   (نفائس الأصول) 8/3448.
([75])   (الكافية في الجدل) ص 161 – 162.
([76])   إشارة إلى دليل الشافعية مثلاً في ثبوت القصاص حالَّاً على الجاني الملتجيء للحرم، خلافاً للحنفية.
([77])   أي المرأة الحامل إذا قَتَلَتْ عمداً عدواناً، فقد وجد فيها المقتضي لثبوت القصاص ولم يَجُز القصاص حالَّاً بل يؤخر.
([78])   أَوْحَى: أي أَسْرَعُ. انظر (تاج العروس) 20/280 – 281 مادة (وَحَى).
([79])   (المقترح في المصطلح) ص 362 – 263.
([80])   من الآية 169 سورة البقرة.
([81])   من الآية 36 سورة الإسراء.
([82])   (الإحكام) 4/48 و(نهاية السول) 2/811.
([83])   (الإحكام) 4/54.
([84])   من الآية 49 سورة المائدة.
([85])   (الإحكام) 4/49 و(شرح مختصر الروضة) 3/270.
([86])   (الإحكام) 4/54.
([87])   من الآية 38 سورة الأنعام.
([88])   من الآية 3 سورة المائدة.
([89])   (التبصرة في أصول الفقه) ص431 و(إرشاد الفحول) 2/856.
([90])   (التبصرة في أصول الفقه) ص431.
([91])   الحديث أخرجه أحمد 23245 ، 23276، 23386 ، 23419 والترمذي 3662 وابن ماجه 97 والحاكم 3/75 وصححه ووافقه الذهبي، وحسَّنه الترمذي، وكذا حسنه الحافظ ابن حجر في (موافقة الخُبْرِ الخَبَر) 1/143 وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة) برقم 1233.
([92])   (المحصول) 6/130 و(البحر المحيط) 6/61.
([93])   (المستصفى) 1/402.
([94])   (المحصول) 6/131.
([95])   الحديث أخرجه أحمد 4157، 13350، 16738، 21590 وأبو داود 3660 والترمذي 2657 وابن ماجه 230، 231 وحسَّنه الترمذي وصححه الحافظ ابن حجر في (موافقة الخُبْر الخبر) 1/364 وكذا الألباني في (السلسلة الصحيحة) برقم 404.
([96])   (التحبير) للمرداوي 5/2087 و(فواتح الرحموت) 2/145.
([97])   (الإحكام) 2/105 ولم أذكر الوجه الثاني في الجواب لعدم تعلق الغرض به.
([98])   أثبتُّ في عناوين المسائل مذهب القائل بالموجَب. 
([99])   من الآية 229 سورة البقرة.
([100])   من الآية 2 سورة الطلاق.
([101])   (البيان) للعمراني 10/88.
([102])    هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني، فقيه حنفي، من كتبه (البدائع) في الفقه، و(السلطان المبين في أصول الدين) توفي سنة 587هـ. (تاج التراجم) ص327.
([103])   (بدائع الصنائع) 3/106.
([104])   الحديث أخرجه أحمد 2050، 2065، 2081، 2916، 2917 والدراقطني 1631 والبيهقي 4459، 19030 والطبراني في (المعجم الكبير) 11803 والحاكم 1/300 وسكت عنه، وقال الذهبي: «غريب منكر » ، وضعفه البيهقي، وكذا ضعفه ابن حجر في (موافقة الخُبْر الخبر) 1/55 والألباني في (السلسلة الضعيفة) 2937 وانظر (نصب الراية) 4/206.
([105])   (المعونة على مذهب عالم المدينة) 1/657.
([106])   (بدائع الصنائع) 5/62.
([107])    هو يوسف بن قِزْأُغْلي بن عبدالله المعروف بسبط ابن الجوزي، فقيه حنفي مؤرخ، من كتبه (مرآة الزمان) و(شرح الجامع الكبير) و(إيثار الإنصاف) توفي سنة 654هـ. (تاج التراجم) ص320.
([108])   الفَرْق: الطريق في شعر الرأس. (تاج العروس) 13/391 وكأنَّ السِّبْط أراد به التجوز عن الرأس؛ قصداً للسجع والجناس.
([109])   (إيثار الإنصاف) ص528 وبنحو هذه العبارة أجاب أيضاً في (وسائل الأسلاف) ص116.
([110])   (المغني) 1/315.
([111])    هو أحمد بن محمد القدوري، فقيه حنفي من أكابرهم، له كتب منها (المختصر في الفقه) و(شرح مختصر الكرخي) و(التجريد في الخلاف) توفي سنة 428هـ. (تاج التراجم) ص98.
([112])   (التجريد) 1/250.
([113])    هو علي بن أحمد البغدادي، فقيه مالكي من القضاة، له كتاب في (مسائل الخلاف) لا يُعْرف للمالكية أكبر منه، توفي سنة 398هـ. (الديباج المذهب) 2/100.
([114])   (عيون الأدلة) 3/1197.
([115])   (عيون الأدلة) 3/1195 – 1196.
([116])   (التجريد) 1/250.
([117])   من الآية 75 سورة النحل.
([118])   (رؤوس المسائل) للزمخشري ص287.
([119])   (الذخيرة) 5/309 بتصرف يسير. 
([120])   من الآية 28 سورة الروم.
([121])   (الذخيرة) 5/308.
([122])   (الذخيرة) 5/309.
([123])   الحديث أخرجه مسلم 522.
([124])   (المغني) 1/325 وانظر هذا الاستدلال للشافعية أيضاً في (البيان) 1/270.
([125])   (عيون الأدلة) 3/1078.
([126])   الحديث أخرجه أحمد 21304، 21305، 21371، 21568 وأبو داود 332، 333 والترمذي 124 والنسائي 323 والحاكم 1/177 وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حجر في (إتحاف المهرة) 15/520 – 521 وكذا الألباني في (إرواء الغليل) برقم 153.
([127])   (عيون الأدلة) 3/1080.
([128])   (عيون الأدلة) 3/1080.
([129])   (التجريد) 1/213.
([130])   صورته: أن يكون له بنت وابن أخ مثلاً، فكلاهما وارث، وهو إن أقرَّ لابن أخيه لا يُتَّهم، وإن أقرَّ لابنته اتُّهِمَ. انظر (الإفصاح) لابن هبيرة 6/241 و(المغني) 7/333.
([131])   (الحاوي الكبير) 8/291.
([132])   (الذخيرة) 7/156.
([133])   من الآية 103 سورة التوبة.
([134])   (الإشراف) للقاضي عبدالوهاب 1/383 وانظر هذا الاستدلال للحنفية أيضاً في (اللباب) للمنبجي 1/381 – 382.
([135])   (الاصطلام) 4/414.
([136])   (المغني) 4/94.
([137])   الحديث أخرجه مسلم 1587.
([138])   (المبسوط) 12/184.
([139])   (الاصطلام) 3/75.
([140])   الترجيع: أن يأتي المؤذن حين يبتدئ بالشهادتين فيقول: (أشهد أن لا إله إلا الله) مرتين، ويقول: (أشهد أن محمداً رسول الله) مرتين، يخفض بهما صوته، ثم يرجع إليهما ويرفع بهما صوته. انظر (بدائع الصنائع) 1/147.
([141])   (التجريد) 1/413.
([142])   (الحاوي الكبير) 2/56.
([143])   من الآية 169 سورة آل عمران.
([144])   (شرح التلقين) 3/1186 – 1187 وانظر هذا الاستدلال للشافعية أيضاً في (تقويم النظر) لابن الدهان 1/394.
([145])   على إحدى الروايتين، والرواية الأخرى – وهي المذهب – أنه لا يصلَّى عليه. انظر (الإنصاف) للمرداوي 2/500.
([146])   (الانتصار) 2/633.
([147])   الحديث أخرجه ابن ماجه 2228 والدارقطني 2819 والبيهقي 10700 ، 10701 وابن أبي شيبة 23160 ، 23161 وضعفه البوصيري في (زوائد ابن ماجه) ص307  وحسنه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) 4/351.
([148])   (البيان) 5/446.
([149])   (المغني) 6/193.
([150])   شهود الأصل: هم الذين يباشرون الشهادة على القضية، وشهود الفرع: هم الذين يشهدون على شهادة شهود الأصل. وصورة المسألة: أن يقول شاهد الفرع: أشهد أن فلان بن فلان أشهدني أنه يشهد أن لفلان على فلان كذا وكذا، أو أنَّ فلاناً أقرَّ عندي بكذا. (المغني) 14/204.
([151])   (المهذب) 1/57 وانظر (المجموع) 2/310 وما بعدها.
([152])   (الانتصار) 1/404.