سلسلة " نحو تربية جنسية راشدة ".. (3) أمراض شائعة

1- التحرش الجنسي :
هي ليست مشكلة يتعرض لها الفرد وتمر بصعوباتها ، ولكنها مشكلة مجتمعات بأكملها ، وهي ظاهرة تحتاج إلى تأصيل ودراسة لتعرف على هذا الخطر الذي يهدد مجتمعاتنا الإسلامية. فلقد كشفت دراسة اعدت في دولة عربية مسلمة كبيرة وحدها عن التحرش الجنسي بالاطفال ؛ ان نسبة التحرش الجنسي بهم مرتفعة اذ يتعرض طفل واحد من بين كل اربعة لهذا الاعتداء .

 

 

وليس بالضرورة عدم وجود إحصائيات واقعية عن تلك الظاهرة المدمرة أنها غير موجودة أو قليل حدوثها ، فالواقع ينفي عكس ذلك تماما ، ولكن نتيجة للخوف من الفضيحة من جانب المجني عليه سواء كان ذكرا أو أنثى ، والنسبة الأكبر من تلك التحرشات تقع لأطفال دون العاشرة لأسباب عديدة أهمها عدم إدراك الطفل لأن ما يحدث له نوع من أنواع التحرش الجنسي ، وأيضا إمكانية السيطرة على الطفل بحيث يمنعه من إبار الكبار عما حدث .

وبداية نود ان نوضح ماذا يعني التحرش الجنسي بالطفل  ( هو كل إثارة يتعرض لها الطفل/ الطفلة عن عمد، وذلك بتعرضه للمشاهد أو الصورالفاضحة أو غير ذلك من انتهاكات لخصوصيته الجنسية الشخصية , أو تعليمه عادات جنسية سيئة فضلا عن الاعتداء المباشر في صوره المعروفة )

 

 

والطفل الذي يتعرض لأي من تلك الأفعال التحرشية يكون قد تعرض لما يمكن أن نطلق عليه ( إفاقة جنسية مبكرة ) ، فالأطفال في ذلك السن لايشعرون بتلك المشاعر الجنسية التي يشعر بها البالغون ، نتيجة لعوامل هرمونية عضوية  ، وأخرى اجتماعية . ولكن نتيجة لتعرضه لبعض السلوكيات الجنسية ، استثيرت لديه تلك الرغبات فخرجت إلى النور على هيئة أفعال يقوم بها .

وكما يقول المثل الوقاية خير من العلاج ، ولمنعها قبل حدوثها هناك بعض الوسائل التي ستعين كل مرب على حماية أولاده من ذلك الخطر المحدق بهم

 

 

أولا : التثقيف الموجه للطفل ، وهذا لا يمكن أن يتم إلا في وجود علاقة صداقة بين الوالدين والطفل ، فالتربية الجنسية مهمة وضرورية لحماية أبنائنا من تلك الأخطار المحدقة التي تتربص بهم ،
ويمكن أن نكتفي في هذا السن ببعض المعلومات ، فالتوعية تكون حسب عمر الطفل، وتكون مبسطة جدا مع الصغار وبتوضيح أكثر مع الكبار. مثل :
- توضيح خصوصية الأعضاء التناسلية للفرد ، وعدم نظر الأخرين لها أو كشفها أمام الغرباء .
- الكلام عن الحلال والحرام والعورة ، ويمكن البدء بدراسة تفسير أوائل آيات سورة النور ، وأداب الاستئذان للأطفال في بداية المرحلة الإبتدائية ( الأولية ).

ثانيا : تعويد الطفل على سرد ما حدث له طوال اليوم من احداث ومواقف للوالدين – حتى ولو كان بعضها حساس وخطير - ، ويكون ذلك كلها في جو من المحبة والود الأسري ، مع ضرورة عدم تعنيف الطفل ، وإشعاره بالأمان التام في أن يروي تفاصيل أي موقف دون عقاب أو زجر.

ثالثا : المراقبة الدائمة للطفل كما ذكرنا من قبل ( المراقبة الخفية ) ، خاصة عندما يختلون بأنفسهم، وقد يعملون أشياء تعتمد على التقليد للكبار وببراءة ، وكذلك لا يسمح للأطفال باللعب مع الكبار، والمراهقين لئلا يحدث المحظور، فيتم الاستغلال، والاعتداء، والانحراف، وهذه هي الطامة الكبرى.
رابعا : محاولة إيجاد فرص متنوعة لأنشطة وهوايات ورياضات يمارسها الطفل من سن صغيرة ويتطور فيها ويضيف إليها مع كل يوم يمر في حياته.
خامسا : نعلمه بعض أساليب الدفاع عن النفس، ومنها مثلا أن يصرخ بقوة عند تعرضه لموقف ما يثير الريبة ( كتقييد أحد له ، أو رغبة شخص غريب في الانفراد به .. ) ، وتعليمه بعض رياضات الدفاع عن النفس.
سادسا : عدم السماح للخدم والسائقين بالانفراد به مطلقا، والسماح لهم بالتعامل معه تحت نظر الوالدين بعيدا عن الأماكن المغلقة أو في عدم وجود الوالدين.

سابعًا : وحماية الطفل من مشاهدة قنوات فضائية أو مجلات أو أي مواد إعلامية غير مناسبة، مع غرس وازع رفض كل ما لا يحبه الله، واستخدام نعمه – كالعين مثلا – فيما يرضى فقط.

 

 

ولكن حدث ما حدث ، وتعرض الطفل للتحرش ، كيف للمربي أن يتعرف على أن الطفل قد تعرض لمثل تلطك الحوادث حتى ولو لم يخبره بذلك ؟ و ما الخطوات التي يجب اتباعها مع الطفل الذي تعرض للتحرش ؟

يلاحظ على الطفل الذي تعرض لحادث تحرش العلامات الآتية على سلوكه :
1- خوف ملاحظ من شخص ما أو من بعض الأماكن
2 - رد غير متوقع أو غير عادي من قبل الطفل فيما لو سئل إن كان أحدهم قد لمسه أو اعتدى عليه
3 - خوف غير مبرر من الكشف الطبي
4- رسومات تبين بعض الحركات أو التصرفات الجنسية
5 - تغير مفاجئ في سلوكياته، كتبليل الفراش أو فقدان السيطرة على أمعاءه
6 - الإدراك المفاجئ لبعض الألفاظ والحركات الجنسية
7 - محاولة حمل الأطفال الآخرين على ممارسة بعض الحركات الجنسية
8 - اثناء الفحص الطبي قد يلاحظ تغيرات واضحة في مناطق الاعتداء.

 

 

أما عن الخطوات التي يجب اتباعها مع الطفل الذي تعرض للتحرش ؟
أولا : استشارة طبيب نفسي متخصص في علاج مثل تلك الحالات ، ليحاول استرجاع ما حدث مع الطفل بدقة ، حتى لا تظل مختزنة بداخله بأثارها السلبية فتنشأ العقد النفسية نحو الجنس ، وايضا حتى لايختزن الطفل تلك الذكريات ويعيد تكراراها مع الأخرين ، فعادة ما يكون المتحرش هو شخص متحرَش به من قبل، وهذا ما يدفعه للتحرش بالآخرين.

ثانيا : يجب عدم معاقبة الطفل على ما حدث لأنه ليس له ذنب فيما جرى ، ولكن بتعنيفنا وعقابنا له نمنعه من التواصل معنا مرة أخرى ، مما يفقده الثقة في والديه .

ثالثا : مراقبته مراقبة عن بُعد ( مراقبة خفية ) ، ولا نجعله يشعر بتلك المراقبة ، ومحاولة توفير الصحبة الصالحة والنافعة.

رابعا : نحاول ان نشغل وقت فراغه بنشاطات يحبها ، تجعله يبتعد قليلا فقليلا عن ذكريات تلك الحادثة المؤلمة ، ويبعد تفكيره عن ممارسة أفعال جنسية شاذة نتيجة لوقع الحادثة على نفسه

خامسا : لا بد أن ينال المجرم عقابه بتقديم بلاغ للشرطة أو السلطة المختصة بالتعامل مع تلك الأمور، لأنه جزءا من العلاج لنفسية الطفل الذي تعرض للاعتداء أن يرى عقابًا رادعًا قد وقع على هذا المجرم. ومن ناحية أخرى التكتيم والتعتيم على تلك الجريمة يساعد المجرم لعلمه المسبق بتعاون الأهل معه في التعتيم على ما يرونه عارًا، وييسر له أن يعاود فعل هذه الكوارث مرات ومرات في أماكن جديدة ومع آخرين.

 

 

 

2- الاستمناء
    نتيجة للأنفجار الجنسي الذي تعيشه مجتمعاتنا ، وانحسار الفضيلة والبعد عن التعاليم الإيمانية ، وانتشار وسائل التعرف على الجنس ، يلجأ الطفل أو الطفلة إلى النشاط الجنسي الذاتي أو مايسمى بالظاهرة العالمية masturbation العادة السرية ( الاستمناء ) .

والاستمناء يعني ( العبث بالأعضاء التناسلية بطريقة منتظمة ومستمرة بغية استجلاب الشهوة والاستمتاع باستخراجها ).

وغالبا ما يكتشف الطفل تلك العادة من قبل أقرانه الأكبر منه سنًا ، أو قد يتعرف عليها ذاتيًا ، وغالبًا أيضًا ما تكون في سن التاسعة وما بعدها ، وترى بعض النظريات ان الطفل يمر بمرحلة تسمى ( الاستمناء الطفلي ) وهي تبدأ من سن صغير ، ويشعر الطفل فيها بدغدغة بسيطة في منطقة الأعضاء التناسلية عند ملامستها .

وفي إحصائية حول عدد المباشرين لهذه العادة من الذكور والإناث وجد أن 10% من الذكور يتعلمون هذه العادة تلقائيًا من سن 9 سنوات ، و94% من الذكور يتعلمونها ويمارسونها في سن 15 سنة ، و 62% من الإناث يتعلمونها ويمارسونها في سن 15 سنة. (1)

 

 

أخطارها :
1- بدايتها طريق للأنحراف ، فهي تبدأ بالنظر إلى ما حرم الله ، مما يشعر الفدر بالأثم والشعور بالخسة .
2- تؤدي للأجهاد البدني نتيجة للأستغلال السيء للبدن.
3- لا تساعد على التركيز ، فرغم أنها قد تؤدي لتخفيف التوتر الناتج عن الضغط الجنسي ، إلا أن الفرد يظل منشغلا بالصور والقصص الجنسية التي تثيره ، وبعد ممارستها يشعر بالأثم ويحاول التخفي والتستتر عما فعله مما يجعله يرى نظرات الأخرين حوله نظرات استهجان وتقزز ، مما يقلل من احترامه لذاته وإزدراءه لنفسه.

من طرق علاجها : (3)
1- الابتعاد عن المثيرات الجنسية ورفاق السوء .
2- ملء وقت الفراغ بالهوايات : فالنفس إن لم تشغلها شغلتك
3- الحمامات الباردة في الصيف
4- تجنب تناول الأطعمة المحتوية على بهارات وتوابل كثيرة.
5- النوم على الشق الأيمن ، وتجنب النوم على البطن.
6- التقويم العقلي والفهمي
7- تغيير البيئة والصحبة
8- كثرة الأذكار

 

 

 

3- اضطراب الهوية الجنسية :

تحدث تلك الاضطرابات نتيجة لوجود انفصام بين الجنس البيولوجي للطفل وهويته الجنسية ، فالجنس البيولوجي تحدده الكرموزمات والهرمونات الذكورية والأنثوية ، أما الهوية الجنسية فتتكون من خلال نمو الطفل على مختلف المستويات ( عقلية / اجتماعية / نفسية / بيولوجية .. )، فهو يدرك مع نموه وتعامل المجتمع من حوله معه على هويته كذكر او أنثى.

واضطراب الهوية الجنسية Gender identity disorder ( GID ) ( هو تشخيص يطلقه أطباء وعلماء النفس على الأشخاص الذين يعانون من حالة من اللا ارتياح أو القلق حول نوع الجنس الذي ولدوا به ).

ويتميز اضطراب الهوية الجنسية بنفور شديد بشأن جنس الشخص الفعلي ، مع رغبة للانتماء للجنس الآخر ، ويكون هناك انشغال دائم بملابس أو نشاطات الجنس الآخر مع رفض للجنس الفعلي ، وينتشر هذا الاضطراب في البنين أكثر منه في البنات

وغالبًا ما يفسر ذلك الاضطراب بشذوذ بيولوجي ناجم عن هرمونات غير سوية ، فعند الذكر قد نجد إفرازات الغدد الأنثوية نشط والعكس صحيح ، وقد يكون الاضطراب ناتج عن مشكلات نفسية تتعلق بإزدراء المجتمع لنوع الطفل ( كتفضيل بعض المجتمعات للذكر عن الأنثى ) ، أو بمشكلات نفسية أخرى قد مر بها الطف أثناء مراحل طفولته المبكرة.

وقد تتطور تلك الاضطرابات إلى انحرافات جنسية مثل شهوة الأزياء الجنسية fetishism Transvestic وهم من يلبس ملابس الجنس الآخر ولو سراً ويستثار جنسياً عند فعل ذلك وقد يمارس العادة السرية حينها. أو التحول الجنسي: Transsexual وهذه الفئة من لا ترضى بغير تغيير الجنس وقد تسعى لذلك من خلال العيادات المختصة في الغدد واستخدام الهرمونات أو من خلال عيادات الجراحة لإزالة الأعضاء التناسلية وتغيير الجنس.

علاجها :
أولاً : اهتمام الوالدين بتصرفات أولادهم والتي تدل على وجود ذلك الاضطراب في الهوية ، مع إبداء عدم رضاهم عن تلك التصرفات ، حتى لا يترك ذلك انطباع لدى الطفل بمباركة الوالدين لمثل تلك التصرفات مما يعززها نفيسا لديه.

ثانياً : قد تكون تلك الاضطرابات ناتجة عن تعرض الطفل لأذى جسدي أو جنسي في سنوات عمره المبكرة ، مما يدفعه للتفكير في التحويل للجنس الآخر للتخلص من تلك الآلام ، لذا جب الاهتمام بالجانب النفسي واستشارة طبيب نفسي متخصص لعلاج ما بعد تلك الحوادث.

ثالثاً : قد يؤدي غياب المثال الجيد لمظاهر الأنوثة أو الرجولة في حياة الطفل ، إلا عدم غرس المشاعر المرتبطة بجنسه فيه.

 

 -------------------------------------------------------
(1) بلوغ بلا خجل - ( أولادنا ) الكتاب الأول  – د/ أكرم رضا – صـ 207
(2) تربية الأولاد في الإسلام – عبد الله ناصح علوان – جـ1 – صـ 232
(3) بلوغ بلا خجل - ( أولادنا ) الكتاب الأول  – د/ أكرم رضا – بتصرف مختصر