عميدة كلية الشريعة بقطر للمسلم : شباب الحركات الإسلامية اليوم يقدمون الانتماء الحركي على الالتزام بالأصول!

أوضحت الدكتورة عائشة يوسف المناعي؛ عميدة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر أن من أكبر المشكلات "التي تواجه شباب الحركات الإسلامية المعاصرة أنهم اجتذبهم العمل الحركي السياسي، عن أن ينالوا القسط الضروري من التربية الإسلامية الهادئة"؛ معتبرة أن "كثيرًا من هؤلاء الشباب اليوم يقدمون الانتماء الحركي، والعمل الحركي، على التزامهم بكثير من الأصول والأعمال الإسلامية".

وقالت الدكتورة عائشة المناعي؛ أول عميدة لكلية شريعة في دول الخليج العربي؛ في حوار خاص للقسم التربوي بموقع "المسلم": "الشباب اليوم مجرد أدوات ووسائل ومظاهر للانتشار الجماهيري والضغط السياسي!، وأن التوجه السياسي الداخلي قد أثر على التشكيل الفكري والتربوي لأكثر شباب الحركات الإسلامية المعاصرة"، مشيرة إلى أن الأزمة تتلخص في أن "الحركات الإسلامية المعاصرة غدت مذاهب سياسية".

وأشارت المناعي إلى أن: "الأمَّةَ - أيَّةَ أمَّةٍ- في جُملتها إنما تكتسب قوتها ونهضتها وتقدمها من طاقة شبابها وحكمة شيوخها؛ فالأمة بغير الشباب تفقد القوة وتكتسب الخمول والوهن، وبغير الشيوخ المجربين تفقد الحكمة وتكتسب الرُّعُونَةَ والخَطَل"؛ لافتة إلى أن "الأنبياء في الغالب ـ مع كونهم مؤيدين أصلا بالوحي الإلهي ـ يُبعثون في وسط العُمُرِ بين الشبابِ والهَرَمِ؛ فيكون لهم حظُّ من قُوَّةِ الشَّبابِ ونَصِيبُ من خِبرةِ الشيوخ".

مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
* ماذا عن أهمية ومكانة الشباب (18 – 35 عاماً) داخل الحركة الإسلامية؟
** ابتداء وبصورة عامة ينبغي أن نقرر أنَّ الأمَّةَ أيَّةَ أمَّةٍ في جُملتها إنما تكتسب قوتها ونهضتها وتقدمها بأيدي الشباب الذين يتحركون بعزيمة واعية، وبريادة عقل يقظ يستروح بظل وارف من حكمة الشيوخ المجربين وخبرتهم؛ فالأمة بغير الشباب تفقد القوة وتكتسب الخمول والوهن، وبغير الشيوخ المجربين تفقد الحكمة وتكتسب الرُّعُونَةَ والخَطَل.
 
ولهذا كان الأنبياء في الغالب ـ مع كونهم مؤيدين أصلا بالوحي الإلهي ـ يُبعثون في وسط العُمُرِ بين الشبابِ والهَرَمِ؛ فيكون لهم حظُّ قُوَّةِ الشَّبابِ ونَصِيبُ خِبرةِ الشيوخ، ويشرعون في أداء وظيفتهم الكبرى على وُصْلَةٍ نَشِطَةٍ بالفريقين اللذين هما عِمادُ كلِّ أمَّةٍ، ورِفادُ كلِّ دعوة، وسِنادُ كلِّ حركة.. وقد قال الداعية والمفكر اللبناني الأستاذ فتحي يكن – يرحمه الله- في أحد مقالاته: (لو اقتصر الواقع الحركي على الشيوخ تعطلت القدرة التنفيذية والإجرائية، وإن اقتصر على الشباب تعطلت القدرة التشريعية والفكرية).

هذه هي مكانة الشباب الحقيقية قوةً دافعةً وناهضةً، وعقلا مستنيرًا معلقًا بالتجديد والتقدم والبناء؛ لكن ذلك لا يغني أبدًا عن حكمة الشيوخ وحنكتهم. وهذا ليس تنظيرًا مجردًا؛ فقد جُرِّبَ وكان للأمة الإسلامية مع تطبيقه تاريخٌ حافلٌ ومُشَرِّفٌ. لكن الكلام عن الحركات الإسلامية اليوم هو في الغالب كلام عن مذاهب سياسية معاصرة لا عن مؤسسات نهضة وتربية، والسياسة في زماننا وإن اتخذت الإسلام مرجعية لها ضرورات ومصالح حركية قد تتقدم التنظير المرجعي فيما ندركه من أعمال الحركات المعاصرة.

ولعل هذا هو الذي دعا الأستاذ حسن البنا – يرحمه الله- إلى أن يقول في مؤخر حياته؛ بحسب ما نقله عنه الشيخ محمد الغزالي– يرحمه الله-: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ لرجعت بالإخوان إلى أيام المأثورات)؛ يعني زوايا التربية؛ حيث كان العمل الإصلاحي المترفق غير الانقلابي، والحركة المعلنة غير السرية، ويعني الاهتمام بدور الشباب وتفعيل نشاطهم في تُؤَدَةٍ تُغَيِّرُ وَجْهَ الأمَّةِ وترجع بها سيرتها الأولى في جميع مجالات الحركة الإنسانية الإسلامية، وليس في المجال الحركي السياسي فحسب.

* ما هو في تقديركم الدور المتاح للشباب اليوم في تسيير العمل داخل الحركة الإسلامية؟
** دائما ينظر إلى القيادة الشبابية في المعارك، وفي هذا المقام يشار إلى أن الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أتاح للشباب قيادة أصحابه الكبار؛ فقاد أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ آخر غزوة أخرجها النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم. وقاد الشباب الناهض فيما بعد كثيرًا من معارك الفتوح الإسلامية.

ولكن مع ذلك ينبغي أن يشار أيضًا إلى دور الشباب في بناء الأمة، وقيادة الدعوة السلمية، والحفاظ على الدين؛ على نحو ما يشير إليه قول الله تبارك وتعالى: ((قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)) [الأنبياء/ 60]. وقوله ـ عز وجل ـ في أصحاب الكهف: ((إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)) [الكهف/ 13].

وما دمنا قد ذكرنا الأستاذ حسن البنا مؤسس أقدم الحركات الإسلامية المعاصرة؛ فمن المناسب أن نذكر أنه عاش مرحلة التأسيس وقادها شابًا فتيًا؛ بين عدد من الشيوخ الكبار من أمثال الشيخ المفسر طنطاوي جوهري، وغيره من رجالات أهل العلم، وكانت تلك القيادة على رضا منهم، وتقدير لإمكانات الأستاذ الشاب الفَتِيِّ.

وهذا يعني أنه يمكن أن يتاح للشباب الواعي بلوغ قيادة تسيير العمل داخل أية حركة إسلامية؛ في إطار ما أشرت إليه سابقًا؛ من تحقيق التوازن الرشيد بين قوة الشباب وحماستهم من جانب، وحكمة الشيوخ وخبرتهم من جانب آخر.

* ولكن هل – بنظركم – المكانة التي يحتلها الشباب اليوم هي في مركز وقلب منظومة الحركة الإسلامية؟ أم أنهم ما زالوا على الهامش؟!
** بحسب معرفتي ومتابعتي؛ لا أعتقد أبدا أنهم في مركز منظومة الحركات المعاصرة وقلبها، بقدر ما هم أدوات ووسائل ومظاهر للانتشار الجماهيري، والضغط السياسي في أكثر الأحيان!!.

* وهل تسمح قيادات الحركة الإسلامية اليوم للشباب بممارسة مهام حقيقية، أم أنهم مجرد أدوات ووسائل تستخدم عند اللزوم؟
** يبدو لي أن السؤال مُوَجَّهٌ على نحو ما، وأنه يقدم أكثر من نصف الجواب؛ بل هو يقدم سببًا من أظهر أسباب إبعاد الشباب عن مركز منظومة الحركات المعاصرة وقلبها، يضاف إلى ذلك ما سبقت له الإشارة من أن الحركات الإسلامية المعاصرة غدت مذاهب سياسية، ولها مع ذلك كوادر تنظيمية هرمية يترقى أتباعها في سلكها، وفق معايير منها: العمر والخبرة وطول العطاء وأسبقية الانتماء... ولعل الأحداث التي جرت قبيل انتهاء مدة المرشد العام السابق لجماعة الإخوان في مصر (ممد مهدي عاكف) خير شاهد على ظهور قضية (صراع الأجيال) بصورة واضحة جلية.

وقد يشبه ذلك في بعض وجوهه أن يكون مثل الكوادر التي يترقى في سلكها المعلم والباحث الجامعي؛ الذي يبلغ درجة الأستاذية، والقيادة الإدارية الكبرى؛ في الغالب مع دنو زمان تقاعده، أو وهن قوته، وانكسار عزيمته.. وأقول هذا في الغالب حتى لا أنفي وجود استثناءات ظاهرة جلية تفيد من إمكانات ريادة الشباب؛ المؤهل في جامعاتنا المنتشرة؛ في العالم العربي والإسلامي.

* ما هي - في نظركم- أهم الإشكالات التي يعاني منها قطاع الشباب داخل الحركة الإسلامية؟
** لن أسلط الضوء على مركزية الشيوخ، وشيوع ما يشبه العصمة بين أتباع حركاتهم، ولن أسلط الضوء على القلق الغالب من ظهور الحركات الإسلامية في صورة تيارات سياسية، وما يتولد عن ذلك من ضغوط سياسية مناهضة، وضغوط اجتماعية مستريبة؛ بل أسلط الضوء على أثر غلبة التوجه السياسي داخليًا على التشكيل الفكري والتربوي لأكثر شباب الحركات الإسلامية المعاصرة، أولئك الذين اجتذبهم العمل الحركي السياسي؛ عن أن ينالوا القسط الضروري من التربية الهادئة التي تهبهم التوازن في الحياة، وتهيئهم لمعايشة الآخر بعد قبول وجوده والاعتراف به.

وليس من المغالاة القول بأن كثيرًا من هؤلاء الشباب اليوم يقدمون الانتماء الحركي والعمل الحركي على التزامهم بكثير من الأصول والأعمال الدينية!.

* وما هي روشتة العلاج للخروج من هذا المأزق لكي يتم توظيف قدرات الشباب داخل الحركات؟
** ربما تكون روشتة العلاج من وجهة نظري مناقضة للمفهوم الحركي السياسي، وأحسب أن خير تلخيص أو تخليص لها هو ما سبق أن أشرت إليه من رغبة الأستاذ حسن البنا في أن يرجع بحركة الإخوان إلى أيام المأثورات والتربية الهادئة؛ التي تربط الشباب بدينهم ومثلهم الإسلامية الكبرى، وتتيح لهم بعد ذلك أن يعيشوا زمانهم بانفتاح لا ينسيهم حقيقتهم، وهويتهم، وأهدافهم في منظومة الحياة الإنسانية؛ التي تتسع لهم ولغيرهم من المسلمين أولا، ولغير المسلمين ثانيًا.

وحينما تكون الغاية في النفوس أكبر من المصالح الحركية سنجد مثل الشيخ طنطاوي جوهري وأقرانه يفسحون الطريق لمثل حسن البنا وأقرانه؛ أن يكونوا القادة الفتيان؛ عن رضا وتقدير لإمكانات الشباب الواعي.

إن الكلام في هذا الموضوع ذو شجون، وله أبعاد كثيرة يلزم سبر أغوارها؛ لكننا هنا بصدد استطلاع الرأي في عجالة.

* قبل أن أختتم حديثي؛ ولكونكم عميدة لكلية الشريعة الإسلامية بجامعة قطر؛ كيف تنظرين إلى دور المرأة في الدعوة الإسلامية؟
** لا شك أن الدعوة إلى الله مسئولية كبيرة ومهمة، والقيام بهذه المسئولية يُعد تحديًا كبيرًا، يحتاج إلى توافر قدرات معينة، وعلم غزير، في المرأة التي تدخل إلى هذا المجال، وفي تقديري فإن أمام المرأة طريقين إلى الدعوة الإسلامية يمكنها أن تعمل فيهما:-

الأول: طريق الدعوة العامة: وهذا لا تحتاج منها إلى كثير جهد وعناء، فكل ما تحتاجه فيه؛ معرفتها معرفة صحيحة بما يسمى "المعلوم من الدين بالضرورة"؛ حيث تدعو المرأة في إطاره قولا وسلوكًا والتزامًا بأوامر الشرع الحنيف، وهي في هذا الطريق غير مطالبة بالاجتهاد في فتواها، بل سلوكها هو خير فتوى ودعوة لبنات جنسها.

والثاني: طريق الدعوة المتخصصة: وهي التي قد تتصدى فيها المرأة المسلمة للفتوى، وقد يصل الأمر أحيانًا للاجتهاد في فتواها، وهذا الطريق يحتاج منها إلى التحلي بالصفات التي يجب أن تتوفر في الرجل الذي يتصدى للفتوى، ومنها: التصور الصحيح للعقيدة وما يتعلق بها، وفهم آيات القرآن الكريم فهمًا صحيحًا واعيًا؛ من خلال تلاوته ومعرفة أصول التفاسير، ومعرفة مناسبة نزول السور، والأحداث المرافقة للتنزيل، مع دراسة الحديث الشريف وسيرة الرسول-صلى الله عليه وسلم- ومعاملته للناس بصفة عامة، ومعاملته للنساء بصفة خاصة، والتثبت من الأحاديث الصحيحة، ومن الحسنة والضعيفة والموضوعة.. وهكذا. وكذلك الإلمام بقواعد اللغة العربية، فضلا عن دراسة جانب من الفقه، ومعرفة مسائل الحلال والحرام، والمندوب والمكروه والمستحب وما إلى ذلك، كل ذلك تحتاجه المرأة المسلمة لكي تكون أهلا للتصدي للفتوى والاجتهاد، ولكي تصح فتواها ويصح اجتهادها.
ـــــــــــــ