دكتور مرزوق عبد المجيد للمسلم : التربية الإسلامية منقذ الأمة الوحيد من الانهيار , كافة مشكلات العالم الإسلامي نتيجة أخطاء تربوية

أصبح من أصعب ما يواجه المربي كيفية تحقيق التوازن بين مبادئ التربية الإسلامية الصحيحة ومواكبة روح العصر ، وكيفية خلق جيل يحمل لواء الإسلام علي أكتافه في ظل انشغال الكثير من الأسر بتنشئة الابن علميا دون النظر إلي الجوانب التربوية الأخرى المتعلقة بثقافته الاجتماعية وأمور أمته الإسلامية التي يعتبر احد حاملي لوائها .
 
كما طرأت علي الأسر المسلمة الكثير من المتغيرات التي هزت كيان البعض منها وذهبت بالبعض الأخر إلي الهاوية ، فزادت في الفترة الأخيرة معدلات الجرائم الأسرية بشكل غير طبيعي في ظل زيادة تغلل القيم المادية الغربية في مجتماعتنا المسلمة ..
 
وأشارت الدراسات العلمية إلي تسارع الجرائم الأسرية في العالم العربي بشكل غير مسبوق ، مفسرة أسباب ذلك بضعف الوازع الديني وخلل في المنظومة التربوية إضافة إلي سوء الأحوال الاقتصادية والسياسية داخل هذه المجتمعات .
 
وحول هذه القضايا كان لموقع "المسلم" هذا الحوار مع الأستاذ الدكتور مرزوق عبد المجيد مرزوق أستاذ علم النفس التربوي بكلية التربية جامعة الإسكندرية الذي أكد أن التربية الإسلامية الصحيحة هي المخرج الأساسي لكل أزمات الأمة ، مشيرا إلي أن أكبر أزماتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تعود في جذورها إلي أخطاء تربوية من الآباء ومسئولي التربية في كل المؤسسات .
 
وأضاف أن التربية الإسلامية تعتبر الحاجز الذي يحول دون وقوع التأثير السلبي للغزو الثقافي والاجتماعي الغربي الذي أصبح يضرب بسهامه في كافة أرجاء المجتمع المسلم محاولا مسخ هويته .
 
مزيد من التفاصيل في نص الحوار ......
 
** انتشرت الانحرافات والجرائم الأسرية في الفترة الأخيرة بشدة .. تري ما أهم أسبابها.. وهل هي نتيجة أخطاء تربوية أم نابعة من ظروف المجتمع ؟
 
تتعدد أسباب الجرائم الأسرية والتي أصبحنا يوميا نطالعها في الصحف فهذا الابن يقتل احد والديه ، وتلك الأب يقتل أبناءه وزوجته ، وقد ترجع إلي أسباب داخلية أو خارجية أو الاثنين معا في الأغلب ، وتتمثل العوامل الخارجية في سوء الحالة الاقتصادية وارتفاع الأسعار وانتشار الأمراض والأوبئة وسوء الأحوال الاجتماعية السياسية ، أما العوامل الداخلية فترجع إلي أسلوب التنشئة والتربية الخاطئ التي يفتقد إلي لغة الحوار فيتربى الطفل على اللجوء للعنف لفرض رأيه على الآخرين ويقتنع بأنه الأسلوب الأمثل لحل المشكلات التي تواجهه .
 
ويأتي كذلك علي رأس الأسباب غياب الإيمان والرضا والصبر ، وهذا يؤدي إلى القنوط واليأس ، فالقضية إيمانية في المقام الأول ، إضافة إلى غياب البر بالوالدين والعكس بر الأبناء بآبائهم .
 
كما إنها تنبع نتيجة لعدم إدراك كل عضو من أعضاء الأسرة لدوره ومسئوليته فالرسول صلي الله عليه وسلم يقول :" كلكم راع ومسئول عن رعيته، الأب راع في بيته ومسئول عن رعيته والأم راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها"، فلو أدرك كل عضو دوره لما دار أي خلاف في الأسرة من أساسه ، والأسرة هي المكان الأول الذي ينشأ فيها الطفل ويترعرع فيرى الدنيا من خلال والديه فهم الذي يري من خلالهم الدنيا ويعتبرهم رمز الفضيلة.
 
 
** أشرت إلي أن فقدان الحوار الأسري احد أهم الأسباب للعنف ..كيف يمكن إرساء قواعده داخل الأسرة ؟   
 
نعم ، فالحوار هو الحل لأي مشكلة وكذلك فهو أسلوب تربوي ناجح بامتياز فالله سبحانه وتعالي يقول :"وشاورهم في الأمر"، ولنا أيضا القدوة في رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم فقد كان دائم المشاورة لزوجاته وأصحابه في الأمور والمشكلات التي تواجههم.
 
ولكل عصر وسائل تعمل علي تباعد أفراد الأسرة عن بعضهما البعض، وهي في عصرنا هذا الوسائل التكنولوجيا والانترنت فنجد الابن يعرض عن الحديث مع أهله في حين يقضي طوال الوقت يتحدث مع زملائه في كل مكان ، والآخر يتابع إحدى القنوات الفضائية، والبعض أمام الألعاب الإلكترونية ، وكذلك الأب والأم كل منهم مشغول بوسائله للترفيه بعيدا عن باقي الأعضاء .
 
ويمكن إرساء قواعد الحوار من خلال المشاركة أولا في العبادات فالأب يحرص علي الصلاة مع أبنائه وقراءة القران سويا ، والتسابق في حفظه وترتيله ، وان يكون هناك جانب للمناقشة في أمور المنزل والمشكلات الاخري التي تواجه المجتمع بأسلوب يعطي لكل عضو الفرصة لإبداء الرأي دون تشويش عليه .
 
ومن أهم فوائد الحوار انه ينثر الحب بين جميع الأطراف ويخلق أرضية قوية لمواجهة صعاب الحياة ، كما انه وسيلة من وسائل الاتصال ذات الأطراف المتعددة ، يخلق روح من الاتفاق في وجهات النظر والتفاهم لما في صالح الأسرة أولا والمجتمع ثانيا .
 
 
** دخلت علي المجتمعات العربية المسلمة الكثير من الظواهر التي تهدد هويتها مثل ظهور ما يسمي بالبويات أو الايمو .. ما الذي يتوجب علي البيت المسلم لمواجهة هذه الظواهر ؟
 
بداية "البويات" أو "الايمو" أو "الاسترجال" هي تشبه الإناث بالذكور وشذوذ عن الفطرة السليمة التي خلقها الله عليها ، و"البوية" هي التانيث لكلمة "بوي" أي ولد وهي تمرد من الفتاة على الفطرة السليمة التي خلقها الله عليها كأنثى، ومحاولة اكتساب صفات الذكور، بدءًا من ملبسهم وتصرفاتهم وحتى اسمها .
 
وقد لعن الرسول صلي الله عليه وسلم هؤلاء حيث قال :" لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" ، وقد كثرت بصفة خاصة في الدول الخليجية نتيجة التقليد الاعمي للغرب وقيمه البالية إضافة إلي انتشار قيمة المادة والبعد عن تعليم الدين الحنيف ، وبعد الأهل عن فتياتهم وحاجاتهم ، وترتبط تلك الظاهرة بفترة المراهقة والتي يسهل فيها وقوع المراهقات فريسة لأفكار واتجاهات متكونة لديهن من خلال صداقاتهن أو مشاهدتهن للقنوات الفضائية أو الجلوس لفترات طويلة أمام الانترنت .
 
ويمكن تحديد أهم أسباب هذا الانحراف في
-         انتشار وسائل الأعلام الحديثة التي تنقل قيما غربية تافهة تحاكي هذه الظواهر الشاذة وتظهرها لمراهقينا بشكل جذاب وتضفي على سلوك نجومها وأبطالها المثالية .
-         تقصير الآباء في القيام بدورهم في المراقبة والتوجيه والإصلاح نتيجة الانشغال فقط بتوفير الماديات ليهم
-         غياب الوازع الديني وابسط مبادئ الإسلام
-         دور جماعات الأصحاب في نقل هذه السلوكيات السلبية لأبنائنا
 
 
** في ظل المتغيرات العصرية المختلفة .. ما هي في تصوركم أهم العقبات التي تحول دون تحقيق التربية الإسلامية الصحيحة؟
 
اتفق كل علماء التربية علي أن الأسرة هي المهد الأول للطفل وهي المعهد الأول التي يلتحق به الطفل إجباريا ، ومنه فالوالدان هما الذين يحددان مساره فالرسول صلى الله عليه وسلم :"ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " فهم الذين يهيئونه من عوامل ومؤثرات في تربيته وإعداده هما المسئولان عن صبغة بصبغة الله والإسلام ، أو خلاف ذلك .
 
فالتربية الإسلامية تهدف أن تكون الأسرة المسلمة مؤسسة تربوية إسلامية، وليس مجرد مؤسسة تربوية لا تقيم أهمية لما سيكون عليه أبناؤها وأفرادها، جعلت التربية الإسلامية من وظائفها تربية أفراد المجتمع المسلم الكبار والمسئولين عن تكوين الأسر على معرفة المبادئ والمعايير والأحكام التي ينبغي أن تراعى في تكوين الأسرة ودور كل عضو من اعضائها والمسئولية الملقاة علي عاتقه .
 
والتربية الإسلامية هي المنقذ الوحيد للأمة من الضياع والانهيار فالقران الكريم والسنة النبوية المشرفة هي المصدر التربوي الأول والأساسي لأي مربي وهي التي تعد النش لكي يمارس تأثيره في مجتمعه وفق ما تعلمه وعمل به من دينه، فالطفل لابد أن يربي تربية إيمانية وروحانية منذ نعومة أظافره ، فالقران والسنة مصادر ثرية للوسائل الفضلى للتربية .
 
ولو ركزنا في كل المشكلات التي تحيط بنا سنجد بشكل أو بأخر أن جذورها تربوية فرجل الأعمال الذي يحتكر السلع ويضرب بها الأسواق يكون نتيجة تربية خاطئة له فقد تربي علي الجشع وعدم العدالة أو كفالة أخيه المسلم .
 
وتنقسم وسائل التربية إلي وسائل صحيحة وعلي رأسها التربية بالقدوة والتدعيم والموعظة الحسنة والثواب والعقاب ، وهناك وسائل خاطئة وتأتي علي رأسها التدليل الزائد واستخدام أسلوب العقاب باستمرار .
 
 لكن هناك بعض المعوقات أهمها جهل بعض الإباء بأسلوب التربية الصحيح من وجهة نظر الإسلام واعتمادهم على التقليد والمحاكاة، أو تقليد الآباء أو ترك عملية التربية للصدفة ، إضافة إلي أحاطتنا بوسائل الأعلام والتي تنقل لنا في الأغلب قيم غربية بعيدة عن روح الإسلام وتقلدها الأطفال دون وعي فتصبح جزء من أنماط حياتهم .
 
ولو تحدثنا بتركيز أكثر سنجد أن التربية تبدأ من الداخل أي من داخل الأسرة بمعني أن الأسرة الملتزمة سوف تجعل من الإسلام شعارها وأساسها في التربية والعكس ، ثم ستلحق الطفل بمدارس تطبق مبادئها وهكذا في مختلف مراحل حياته .
 
 
** تتركز جهود بعض الآباء علي تربية ابن متميز علميا ويفصلوه عن قضايا دينه ..لكن  كيف نربي طفلا يحمل هم الإسلام علي أكتافه ؟
 
لو طبقنا تعاليم الإسلام لكنا أفضل الأمم علي وجه الأرض ، والأبناء والشباب أمانة ومسؤولية في أعناق الآباء والأمهات، وفي أعناق المربين ، فالطفل شجرة صغيرة تنمو وتترعرع وإما أن تكون مثمرة وأما أن تكون جرداء خاوية ،وكل يتمنى أن يكون ولده شاباً قوياً نافعاً، يحمل رسالة ويبني حضارة وينفع أمته ، ولاشك كل أب يتمنى لابنه النجاح في دراسته، فهو دائماً يدعو الله بتوفيقه ولا جدال في ذلك ولكن بجانب ذلك لابد أن يخلق شاب أيضا قادر علي توظيف علمه هذا في خدمة دينه وأمته ولا فلا قيمة له .
 
ونحن في هذا العصر في اشد الحاجة إلي جيل قوي الإيمان ثابت على الحق، ويحمل لواء الإسلام، ويدافع عنه بكل طاقتهفعلا لا قولا فقط  ، فليس المقصود بالتربية التعليمية
فقط بل تربية دينية وأخلاقية وعقلية نفسية فالإسلام منظومة شاملة .
 
إضافة إلي أن أي مربي لابد أن يربيه علي الصبر والتحمل والبلاء ولنا في شعب غزة القدوة فهذه مدرسة تربوية مكتملة علي ارض الواقع ، فلابد للمربي أن يدرك جيدا أن التربية عملية شاملة .
 
ولابد أن تكون قضايا الأمة الإسلامية والتحديات التي تواجهها وأعداءها من ضمن مناهج التربية ، كما انه لابد من تدريس التاريخ الإسلامي وبطولات المسلمين ومجدهم .
 
** كثيرا ما يحتار الآباء خاصة في العصر بين مراقبة سلوكيات أبنائهم وبين إعطاء الحرية لهم ..فأي الطرق التربوية أفضل برأيك؟
 
الإمام على بن أبي طالب "كرم الله وجهه" قال:" ربوا أبنائكم لجيلهم فإنهم قد خلقوا لجيل غير جيلكم" فلكل عصر طرقه ووسائله في التربية ولابد أن يكون الآباء مدركين لها جيدا كي يصلوا بهم إلي بر الأمان ، فلكل عصر متغيرات ومثيرات لابد من تغير طريقة التربية والتعامل مع الأبناء ونحن الآن في عصر السموات المفتوحة وعصر السرعة فتختلف عن متغيرات العصور السابقة فلابد من التعامل معها ويجعلهم قادرين علي مواجهة هذا العصر
لابد من عمل نوع من التوازن بين المراقبة والحرية .
 
فالرقابة الشديدة مثل الإهمال كليهما خطأ تربوي فالتدخل ينبغي أن يكون في الأمور التي تستحق التدخل، وفي الأمور التي تكون فيها معرفة الابن محدودة أو يحتاج إلي التوجيه ، في المقابل لا يجب ترك الحبل له علي الغارب فيفلت منه ولنا في الرسول صلي الله عليه وسلم القدوة فيقول ً: "لاطفه سبعًا، وأدبه سبعًا، ثم صادقه سبعًا، ثم أطلق له الحبل على الغارب بعد ذلك" فيضع لنا أسس المدرسة التربوية التي تصلح لكافة العصور وكافة المتغيرات.
 
 
** انتشرت بكثرة الغرف التي تسب الإسلام ورموزه .. ما هي انسب الطرق لتعامل الشباب معها إذا صادف ودخل إليها ؟
 
بداية فأصحاب هذه الغرف يحرصون كل الحرص علي جذب شبابنا إلي الانهيار ولا يريدون العلو والهمة لأمة الإسلام وبالتالي لابد أن نعد جيلا قادرا علي مواجهة هؤلاء بنفس السلاح سلاح التكنولوجيا ولابد من التعريف الجيد بالإسلام وعظمته وعالميته وشموليته
 
ولابد من استخدام الحكمة والموعظة الحسنة في الحوار ، لا أسلوب السب والمغالطات التي يستخدمونه هم .
 
وسنعود لنفس النقطة إلا وهي التربية الإيمانية والأخلاقية والاجتماعية السليمة ستفرز الرد المناسب تلقائيا في حالة التعرض لهذه الغرف .
 
** ظهرت الآن الكثير من أساليب التواصل الاجتماعي من خلال الانترنت منها مواقع العلاقات الاجتماعية .. كيف نقي أبنائنا من العلاقات الضارة التي يمكن أن تنشي عنها .. وما هو الاستخدام الامثل لهذه المواقع ؟
 
المواقع الاجتماعية وعلي رأسها "الفيس بوك" مثلها مثل وسائل الاتصال الحديثة تعتبر سلاح ذو حدين به جان مفيد وجانب سلبي وتعتبر التربية الإسلامية هي الحاجز الذي يحول دون وقوع التأثير السلبي ، ونعود ونرجع للنقطة الأساسية وهو دور الآباء في الرقابة والمتابعة والتوجيه لأبنائهم إضافة إلي التأكيد علي أن الإنسان خليفة الله في الأرض وزيادة وتقوية إيمانهم ومراقبة الله تعالى والتأكيد علي انه لابد من تسخير هذه الوسائل الحديثة لما يخدم الإسلام والمسلمين ويعود بالنفع عليهم .
 
ولكني أعيد التأكيد علي أهمية الوازع الديني والفطرة السوية التي تتغلب علي عكسها خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الانترنت .
 
** أصبحنا الآن محاطين بآلاف من الدعوات التنصيرية والتشيعية والانبهار بالنموذج الشيعي .. كيف نخلق جيل من المربون قادر علي العبور بتلاميذه دون هذه الدعوات ؟
 
دعينا نقول أن تأثير هذه الدعوات سيكون صفر في حالة وجود حائط الصد القوي لها في نفوس أبنائنا وخاصة الشباب اليافع وهذا الحائط أهم دعائمه التربية الدينية السليمة النابعة من الفهم الصحيح للإسلام ، فهذه الدعوات تلقي طريقها في أصحاب النفوس الضعيفة دينيا ، والضعيفة تربويا أيضا فهي تفقد إلي أساس سليم تسير علي هديه والي أسرة مسلمة متماسكة.
 
وتبرز هنا أهمية جماعات الأقران أو الأصدقاء "المرء علي دين خليله" فتأثيرهم قوي جدا وهنا لابد أن يبرز دور الوالدين في المشاركة ولو بالرأي في انتقاء أبنائهم لهم ، فالمتشيع مثلا ما هو صديق لمتشيع أخر وهكذا ..
 
ولابد أن يكون المربي علي دراية كاملة بهذه التحديات ويربي تلاميذه علي التصدي لها ، بل ويجب أن يكون دارسا لحجج الرد علي هؤلاء وعلي الأسئلة التي تلح علي أذهان طلابه