اعترافات امرأة مسلمة

إيمان القدوسي  

الاعتراف ومكاشفة النفس أول طريق الإصلاح ، وقد بدأت الصحوة الإسلامية في مصر منذ نحو ثلاثين عاما وهو وقت كاف لإعادة النظر والتقييم وتحديد مناطق الضعف لتجنبها وإصلاح المسار .

ثلاثون عاما نضجت خلالها فتيات الصحوة وصرن أمهات وجدات أيضا ، واتضحت الصورة بشكل عملي في بيوتهن علي مستوي نجاح الأبناء ونجاح واستمرار العلاقة الزوجية وترابط الأسرة مع محيطها الاجتماعي مع تقديمها قدوة حسنة لمن حولها .

لابد من الصراحة مع النفس ، لم تنجح كل البيوت ، البعض أخفق تماما والبعض نجح مع الرأفة والبعض نجح نجاحا باهرا ، وهو شئ متوقع من أي تجربة بشرية والمهم هو تجميع ورصد نقاط القوة والضعف وتأملها لتتعلم منها الأجيال القادمة .

وحين أتكلم عن دور المرأة بشكل أساسي فذلك لأنها من أعرف جيدا ، أتأمل تجارب أخواتي وصديقاتي وتجربتي الشخصية ، وأيضا لحرصي الشديد عليها فهي أكثر اهتماما بنجاح وتماسك أسرتها وأشد تأثرا بالناحية الاجتماعية من الرجل الذي يجد السلوي في عمله وعلاقاته الخارجية .

ربما تبدأ القصة قبل الزواج ومنذ لحظة اختيار الزوج ، كثيرا ما تنبهر الفتاة ذات العاطفة الدينية الجياشة بمظهر الخاطب الذي يبدو ملتزما بدينه بشكل مختلف عمن حولها من معارف وأقارب فتسارع بالارتباط به دون معرفة حقيقية ودون أن تأخذ في اعتبارها جوانب أخري شديدة الأهمية لا تفطن لها إلا بعد سنوات من الزواج ويكون الوقت قد تأخر كثيرا .

رغم أهمية الالتزام الديني إلا أنه لا يعني الاكتفاء بمظهره فقط ، فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه )) لم يقل دينه فقط وفرق بين الخلق والدين ، الخلق هو الطباع التي تنشأ من طريقة التربية والبيئة الأولية وربما الجينات أيضا وهي مستقلة عن المظهر الديني بدليل أيضا قوله صلي الله عليه وسلم ( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا )

بعد الخلق هناك أيضا التكافؤ الذي أقره الشرع ثم الاستطاعة والقدرة المادية لفتح بيت وتكوين أسرة ، وأخيرا يأتي تجاوب الأرواح الذي عبر عنه الحديث الشريف تعبيرا عبقريا ( انظر إليها فإنه أحري أن يؤدم بينكما )

أما عن تربية الأطفال فقد تصورت بعض الأمهات اللاتي كن وقتها صغيرات ولا مرشد لهن ، أن خير وسائل التربية هي عزل الطفل في محضن الأسرة الداخلي وتلقينه كل الآداب الإسلامية ، وإذا كان تلقين الطفل الآداب الإسلامية وتحفيظه القرآن الكريم هو من أفضل الأعمال التي قامت بها الأسر الملتزمة وميزت أبناءهم وغرست غرسا طيبا بحق في نفوسهم الغضة ، إلا أن العزل المقصود أو غير المتعمد ثبت خطؤه وفشله التام ، فهو يحرم الطفل من البيئة الطبيعية المتنوعة التي تثريه وتعلمه الكثير وتجعله منفتحا علي العالم الخارجي وقادرا علي التعامل معه ومدركا محاسنه وعيوبه ومتمتعا بقدر من الصلابة النفسية والشخصية تسمح له بالنجاح والثبات في مواجهته .

عمدت بعض الأخوات اللاتي تعلمن بعض العلوم الشرعية من فقه أو تجويد أو تفسير إلي التقليل من شأن البيت والأعمال المنزلية وجعل الأولوية لمدارسة العلم في المساجد ، من الممكن بالطبع تنظيم الوقت بين البيت والاهتمامات الخارجية التي هي علامة نضج للشخصية ، علي أن تكون الأولوية دائما للبيت ، الطفل الذي يعود من المدرسة جائعا متعبا فيجد أمه خارج البيت وهو مضطر لانتظارها عند الجيران ، لا يعلم سوي الله مدي الإحباط والانكسار الذي يعانيه ، وعموما فإن النت والسيديهات والشرائط والتلفزيون كلها وسائط تغني المرأة عن كثرة الخروج ومن أرادت الخروج فليكن بتنظيم لا يخل بحق الأسرة .

الطهي داخل المنزل واجتماع الأسرة علي طعام الأم ـ وليس طعام السوق ـ نعمة لا يعوضها شئ ، وهي ليست مجرد وجبة تشبع المعدة ولكنها تشبع النفس وتقوم بدور خاص كمادة لاصقة تربط أفراد الأسرة سويا ، فلا يجب أن نستهين بهذا الدور الحيوي دور ربة البيت فهو أهم الأدوار علي الإطلاق داخل الأسرة ونجاح الزوجة فيه نجاح للأسرة كلها .

هناك صورة عكسية عندما تعتبر بعض الزوجات أن تفرغها للبيت معناه البطالة الكاملة وتزجية وقت الفراغ الطويل في أمور فارغة قد تجر المشاكل ، مثل الثرثرة والتزاور والقيل والقال وغيرها ، في الحقيقة كلنا سوف نحاسب عن وقتنا وأعمارنا فيم قضيناها ، والخلاصة أن الزواج المتكافئ وحسن رعاية البيت وإشاعة جو من التقبل والهدوء والاستقرار فيه ثم تربية الطفل بشكل معتدل وفي بيئة طبيعية والحرص علي العلاقة بالأسرة الممتدة وامتلاء وقت الفراغ بالنافع المفيد مع التوكل علي الله والاستعانة به هو السبيل للنجاح الأسري .
-----------------------------

المصدر : المصريون