يوميات الحاج (1)
20 ذو القعدة 1430
انجوغو مبكي صمب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:
فهذه كلمات يسيرة في بيان فضل الحج وأحكامه وصفته، وما يفعله الحاج كل يوم من أيام الحج المباركة، كما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال علماء الإسلام- رحمة الله تعالى عليهم-؛ كتبتها نصيحة للمسلمين من قاصدي بيت الله الحرام- ابتغاء وجه الله الكريم، ورجاء ثوابه العظيم-، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا للإخلاص والصواب.

 

فضل الحجِّ ومكانته:

إن حجَّ بيت الله تعالى هو أحد أركان الإسلام؛ لقوله عز وجل: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، [آل عمران:٩٧]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان))(1).
 ولأن الأمة قد أجمعت على كونه فرضا(2).

 

الحج المبرور:

والحج المبرور- وهو الحج الذي توفر فيه الإخلاص والمتابعة، مع اجتناب الرفث والفسوق والجدال- فضله عظيم، وجزاؤه جزيل؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((... والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))(3)، وعنه- أيضا- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ((أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور))(4).

 

من مقاصد الحج:

هناك حكم عظيمة، وفوائد جليلة في تشريع الحج، وهذه الحكم والفوائد منصوص على بعضها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي ملموسة- غالبا- عند أداء هذه العبادة.

 

ومنها على سبيل المثال:

تحقيق التوحيد:

وذلك في تعظيم الله تعالى بالعبادة التي هي جميع شعائر الحج، كالتلبية، والطواف، والسعي، والنحر، والحلق، ورمي الجمار، ونحوها من أنواع العبادات التي لا يجوز صرف شيء منها لغير الله عز وجل، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}، [البينة:٥]. وقال سبحانه وتعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}، [البقرة:١٩٦].

 

تحصيل التقوى:

وهي الامتثال مطلقا، وذلك بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فالحج مظهر من مظاهر التقوى؛ لما فيه من فعل طاعات متنوعة قد تشق على النفس، وما فيه من اجتناب كثير مما تعود عليه المرؤ في حياته اليومية من المباحات، فضلا عن المكروهات والمحرمات، قال تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ}، [الحج:٣٧].

 

اكتساب مكارم الأخلاق:

إن في الحج تعويدا للنفس على الصبر، والحلم، والسخاء، والعفة، والتواضع، والتسامح، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}، [البقرة:١٩٧]؛ فهو موسم خير يهيئ للمسلم فرصةَ الاستزادة من مكارم الأخلاق.

 

الشعور بالانتماء:

يشعر المسلم في الحج بانتمائه إلى أمة عظيمة، تقطن شتى بقاع الأرض، وتتألف من مختلف الشعوب، قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، [الحج:٢٧]، هذا التجمع لا شك في أنه يذكي جذوة الشعور بالانتماء.

 

تبادل المنافع:

وتشمل المنافع الدينية والدنيوية، كما قال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، [الحج:٢٨]، ومنها تلك السوق العالمية التي تقام أثناء الموسم، والتعارف بين المسلمين، وسائر المصالح الدينية.

 

إقامة ذكر الله تعالى:

هذا مدار الحج وغيرِه من العبادات، بل هو محور الدين الحنيف، وهو أعظم المقاصد:
فقد أمر الله به عباده عند أهم المناسك؛ فقال عز وجل: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}، [ البقرة: ١٩٨]. وأمرهم به في أثنائها؛ فقال سبحانه: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}، [البقرة: ٢٠٣]. وأمرهم به عند الفراغ منها؛ فقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً}، [البقرة:٢٠٠].
بل ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما جعل الطواف بالكعبة وبين الصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله عز وجل))(5).

 

شروط وجوب الحج:

لوجوب الحج شروط ذكرها أهل العلم، وهي: الإسلام، والتكليف- وهو العقل والبلوغ-، والاستطاعة، والحرية، وأمن الطريق، والزوج أو المحرم للمرأة، وقيل: أو الرفقة الآمنة(6)، فلا يجب الحج إذن على غير المسلم، ولا على الصبي، ولا على المرأة التي ليس لها زوج ولا محرم- أو لا تجد رفقة آمنة-، ولا يجب على الذي لم يجد من المال ما ينفقه على عياله مدة غيبته، وعلى نفسه في سفره، ولا على المريض مرضا يمنعه من القيام بأداء المناسك على وجهها، ولا على العبد إلا بإذن سيده، ويقاس عليه السجين، والمحاصر بحرب ونحوها، ولا على الذي يخاف على نفسه، أو ماله، أو عرضه(7).

 

أنواع النسك:

للنسك ثلاثة أنواع هي: الإفراد، والقران، والتمتع.
ويجوز للحاج أن يهل بما شاء منها من غير كراهة عند جمهور العلماء من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج والعمرة))(8).
وقد اتفق على ذلك جمهور أهل العلم(9).
أما الإفراد: فهو أن يحرم بالحج فقط.
وأما القران: فهو أن يحرم بالحج والعمرة معا.
وأما التمتع: فهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحج في العام نفسه، في سفر واحد، ويفصل بينهما بتحلل كامل.

 

والقارن والمتمتع كلاهما عليه هدي(10)، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع(11)؛ كما قال تعالى: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، [ البقرة:١٩٦].

 

________________

(1)    متفق عليه: صحيح البخاري، ح:(8)، صحيح مسلم، ح:(16).
(2)    انظر: بدائع الصنائع، للكاساني (2/117).
(3)    أخرجه مسلم: صحيح مسلم، ح:(1349).
(4)    أخرجه البخاري ومسلم: صحيح البخاري، ح:(26)، صحيح مسلم، ح:(83).
(5)    أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي: المسند، (6/64)، سنن أبي داود، ح:(1888)، سنن الترمذي، ح:(902)، وقال: ((حسن صحيح)).
(6)    انظر: المجموع، للنووي (7/86).
(7)    انظر: المجموع شرح المهذب، للنووي (7/18)، ط/ دار الفكر، الرسالة، لابن أبي زيد القيرواني، (ص:359)، ط/ المكتبة الثقافية- بيروت، بدائع الصنائع، للكاساني (2/120)، ط/1409ﻫ/ المكتبة الحبيبية- باكستان.
(8)    أخرجه البخاري، ومسلم: صحيح البخاري، ح:(1638)، صحيح مسلم، ح:(1211).
(9)    إلا ما روي عن عمر بن الخطاب وغيره من كراهية التمتع، وما روي عن ابن عباس من القول بوجوب التمتع رضي الله عنهم. انظر: المجموع شرح المهذب، للنووي (7/18)، ط/ دار الفكر، بدائع الصنائع، للكاساني (2/120)، ط/1409ﻫ/ باكستان، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/303)، ط/1/1427ﻫ/ مؤسسة الرسالة.
(10)    بشرط أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، أي من أهل مكة ساكنا أو مقيما. انظر: المرجع التالي.
(11)    لمزيد من الإيضاح وشرح أنواع النسك؛ انظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد (2/266-269)، ط/1415ﻫ/دار الفكر.