أحد قادة المرابطين بالأقصى: نشعر بأثر الحفر داخل المسجد..اليهود يعلنون نية الاقتحام ولا يخفونه استكبارا.. يدسون الجواسيس بيننا

"كانت أيام عصيبة ..كنا نستشعر معية الله عز وجل فى كل وقت ونشعر برحماته تتنزل علينا ولطفه يحيط بنا من كل جانب .... فإيماننا بالله ثم صمودنا وإصرارنا على حماية المسجد هوماجعلنا نتجاوز هذه المحنة "
بهذه الكلمات يصف الشيخ يوسف الباز - القيادي بالحركة الإسلامية وإمام المسجد الكبير بمدينة اللد وأحد المعتكفين في المسجد الأقصى - ؛ حاله وحال إخوانه طيلة أيام مرت عليهم وهم محاصرون عزل تحيط بهم قوات الاحتلال المدججة بالسلاح من كل جانب .
فقد استغل المتطرفون اليهود أسبوع احتفالات ما يعرف ب "عيد العرش" لممارسة شعوذاتهم التلمودية داخل ساحات وأروقة المسرى في محاولة منهم لفرض واقع جديد على المدينة تمهيدا لهدم الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم .
وقد كان لموقع المسلم هذا الحوار مع الشيخ الباز :
-         بداية من المؤكد أن احتفال الصهاينة بعيد العرش يتكرر كل عام ، فلماذا لم نسمع بهذه المواجهات في الأعوام السابقة ؟
** المسجد الأقصى دائما معرض لأخطار اعتداءات واقتحامات يهودية ، فمحاولات الاحتلال الصهيوني للسيطرة عليه متواصلة لم تتوقف منذ سقوط مدينة القدس في أيديهم عام   1967 إلى يومنا هذا .
 وتصاعد حدة المواجهات بين حماة المسجد الأقصى المبارك وبين الاحتلال تتعلق بالظروف المحيطة بالمسجد ، فهذا العام أعلنت الجماعات المتطرفة اليهودية عن نيتها اقتحام ساحات وأقبية المسجد فى أيام عيد العرش العبرى الذى بدأ يوم السبت الموافق 4 أكتوبر ، ونحن من سابق خبرتنا في التعامل مع هذا الاحتلال البغيض وجدنا أن القرائن التى أحاطت بهذا الإعلان دلت بما لا يدع مجالا للشك على أن السلطات الصهيونية قد بيتت النية لتسهيل طريق هذه الجماعات وتمكينهم من عملية الاقتحام .
 وهذه القرائن تجسدت فى قيام قوات الاحتلال بإيقاف ومنع مسيرة حافلات البيارق التى اعتدنا على أنها تنقل المصلين إلى المسجد الأقصى المبارك ، فعندما تم ايقاف هذه المسيرة على مداخل المدن الفلسطينية داخل الخط الأخضر ، كان لابد لنا وبشكل ومباشر أن ندرك الخطر وأن نسارع بالاعتكاف والرباط داخل المسجد الأقصى المبارك لنحميه بأرواحنا التي لا نملك غيرها .
-         كم كان عددكم ؟
** انتهجنا ألا نمكن الإحتلال من معرفة أعدادنا ؛واتفقنا على أن نقول أننا بضع مئات داخل المسجد ،إضافة إلى الآلاف من أبناء الداخل الفلسطيني الذين كانوا يرابطون على بوابات الأقصى ، فقد منع الاحتلال من هم دون ال50 من دخول المسجد ، حيث وقفت الشرطة مدججة بالسلاح حول أسوار المسجد وقاموا بإغلاق جميع البوابات عدا بابين فقط ، وقد كان هذا سبب في تجمهر الآلاف ممن هبوا نصرة للأقصى المبارك ،الذين رفضوا العودة عندما منتعتهم قوات الاحتلال ورابطوا في محيط المسجد وقد كان هذا سببا مباشرا فى عدم تمكنهم من اقتحام المسجد .
 
-         لكن بالتأكيد هم يعلمون أن الإعلان عن الاقتحام سيواجه بتأهب للمواجهة من قبلكم ، فلماذا أعلنوا ولماذا لم يجعلوه سرا حتى تتم المباغته ويتحقق لهم الأمر ؟
**لأنهم يتحدثون بلغة الاستكبار ولغة القوى الذى يمتلك السلاح والعدة والعتاد ويملكون القانون والمحاكم المجيرة لخدمتهم والشرطة والجيش والمخابرات فهم يتعاملون مع المسجد الأقصى بلغة التحدى والتصدى ، لذلك هذه اللغة يستعملونها لكى يذلوا المسجد الأقصى المبارك لأن فى نيتهم أن يبنوا بداخله كنيس يهودى يقيمون فيه صلواتهم وطقوسهم الدينية ونحن نعلم أن مخططهم فى نهاية المطاف يهدف إلى هدم المسجد الأقصى من ليبنون هيكلهم المزعوم مكانه ، فهم يعتمدون على بطشهم وعلى قوتهم ولذلك يستعملون هذه اللغة مع المسجد الأقصى المبارك
-         منذ أن عقدتم النية على الاعتكاف والرباط داخل الأقصى ... كيف كنتم تنظرون للقادم ....ماهي توقعاتكم حول نوعية المواجهات ومدى التضييق عليكم والمدة التي ستقضونها ؟ وكيف هيأتم أنفسكم وأهليكم مادياً ومعنويا لذلك ؟هل توقعتم الشهادة مثلا أم ماذا؟
**نحن دائما نقول أن المسجد الأقصى الذي هو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحق منا أن نبذل فى سبيله الغالى والنفيس بما في ذلك أموالنا وأرواحنا ، ولذلك عندما سمعنا عن نية هؤلاء المتطرفين اقتحام المسجد ،ودلت القرائن على نية الاحتلال تمكين هؤلاء من اقتحام المسجد لم نفكر كثيراً أعددنا انفسنا نحن عزّل كما يعلم الجميع ، لا نملك إلا أرواحنا في أجسادنا ، وذهبنا بمئاتنا لكي نعتكف فى الاقصى من أجل أن نصد هؤلاء بأجسادنا لنمنعهم من دخول المسجد وتدنيسه ، والحمد لله اعتكفنا فيه من أول أيام العيد العرش العبري إلى آخرها ولم يدخل أحد من هؤلاء إلى ساحات المسجد الأقصى المبارك . 
-         وماذا عن توقعاتكم لردود الأفعال خارج المسجد ؟هل توقعتم اندلاع انتفاضة ثالثة ؟
**نحن شعب أعزل ،وشعبنا كله دون استثناء يحب المسجد الأقصى ، وبفضل الله تمكنا من الوصول إلى داخل المسجد واعتكفنا فيه ،وبطبيعة الحال بعد قيام قوات الاحتلال بحصارنا داخل المسجد انقطعت أخبار العالم الخارجي عنا ولكننا علمنا عن الجهود المباركة والمشكورة لكثير من الدول العربية والإسلامية من أجل تحذرهم من مغبة المساس بالمسجد الأقصى المبارك مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن لم يكن هناك مكان في أن نفكر فيما هو متوقع أن يحدث وإن كانت آملنا في أمتنا العربية والإسلامية كبيرة فالمسجد الأقصى ليس مسجد الفلسطينيين وحدهم ولا مسجد العرب وحدهم إنما هو مسجد ذكره الله في القرآن الكريم في آية محكمة فمكانته كبيرة فى عقيدة المسلمين ويكمن وراءه مليار ونصف المليار من المسلمين ، فلم يكن لدينا بد إلا أن ننوب عن هؤلاء المليار ونصف المليار وأن نعتكف في المسجد الأقصى المبارك لنحمية بأجسادنا وصدورنا ؟
-         هذا يدفعنا إلى السؤال عن ضعف ردود الأفعال حيث لم ترق إلى مستوى الحدث ..في رأيكم ما السبب ؟
**نحن نقول دائما لابد من تصاعد وتيرة التعاطف العربى والإسلامي مع المسجد الأقصى المبارك ، نحن سمعنا عن اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين لبحث وضع المسجد الأقصى لذلك نحن وعبر إحدى الفضائيات المهمة في عالمنا العربي وفي يوم الاجتماع نفسه قد وجهنا نداءنا من داخل المسجد وأنا شخصيا تحدثت ووجهت نداءَ إلى مندوبي الجامعة المجتمعين ، وطالبتهم بأن يباردوا إلى رفع مستوى النضال العربى من أجل تحرير المسجد ومرة أخرى وعبر منبركم أقول أنه ويجب على حكام العرب والمسلمين أن يسألوا أنفسهم كيف يطيب لهم عيش وكيف يطيب لهم نوم مادام الاحتلال الصهيوني جاثما على صدر المسجد الأقصى المبارك.
-         ولكن أيضا على المستوى الشعبي جاءت ردود الأفعال أدنى من المطلوب ، فلماذا وكيف يمكن معالجة هذا الخلل ؟
**الشعوب العربية مغلوب على أمرها ، فهي مستضعفة من قبل الحكومات العربية ، وينبغي على الحكام العرب أن يتصالحوا مع شعوبهم ويرفعوا أيديهم عن قمعهم ويكفوا عن قهرهم ، وتتكاتف جهودهم وتتوحد كل القوى فى عالمنا العربى من أجل إنقاذ الأقصى ، فبدون أدنى شك شعوبنا العربية فيها من الخير الكثير ولو خلوا بينهم وبين الأقصى فسنرى منهم العجب العجاب.
- أيام الحصار ..كيف قضيتموها ؟
**كانت أيام كلها صعبة ، جيش مدجج بالأسلحة ، وشرطة ومخابرات تحيط بالمسجد ونحن بداخله ، كانت لحظات عصيبة ،ولم يعنا على هذه المحنة إلا إيماننا بالله وحده ثم صمودنا وإصرارنا على حماية المسجد الأقصى ، فقد كنا فى ساعات الليل نطفيء الأنوار ونغلق باب المسجد لأن جنود الاحتلال كانوا يحاولون عبر الكاميرات أن يرصدوا حركتنا بكشافات كبيرة عن طريق تضيء المسجد لكي يتمكنوا من مراقبتنا ، فكنا نقضي هذا الوقت في الصلاة قراءة القرأن والنوم ، ونتعبد ونصنع حلقات علم ،أما فى ساعات النهار فكنا نرابط بالقرب في الساحات وتتكثف أعدادنا عند باب المغاربة وهو الباب الذي تفتحه قوات الاحتلال عادة ليدخل منه الجماعات المتطرفة ،وكان ينضم إلينا الكثير من المصلين من غير المعتكفين فتصل أعدادنا بالنهار إلى الألاف وكنا نقضي هذا الوقت في حلقات العلم والحديث عما يدور.
-         ومن أين لكم بالطعام ؟وكيف تمكنتم من تدبير احتياجاتكم الأساسية ؟
** قامت قوات الاحتلال بتفتيش دقيق جدا لمن يتوافدون إلى المسجد من المصلين غير المعتكفين ؛ فمنعت دخول كسرة الخبز حتى يرغموننا على الخروج والاستسلام وبالطبع لم نكن نحمل معنا ما يكفينا لمدة ثمان أيام ، حتى أن إحدى الأخوات أرادت الدخول للصلاة في المسجد وكانت تحمل بين يديها طفلها الصغير ومعه رضاعة الحليب ، فقام أحد الجنود الصهاينة فانتزاع الرضاعة من فم الطفل بحجة أن الحليب طعام ودخول الطعام ممنوع !! فأخذ الطفل يصرخ واحتارت الأم ماذا تفعل !؟ فقام أهل الخير من سكان البيوت الملاصقة للمسجد باستضافتها وتجهيز رضاعة أخرى للطفل ، إلا أننا رغم ذلك تمكنا عبر أهلينا فى القدس من إدخال الطعام بطرق سرية لا يمكنني التصريح بها عبر وسائل الإعلام حتى لا أمكن الاحتلال من منعها في المرات القادمة .
-         ذكرت في حديثك أنكم مررتم بالعديد من المواقف الصعبة فهل تذكر أحدها ؟
** نعم ؛ من أشد المواقف التي تعرضنا لها جميعا في هذه الفترة صعوبة الوصول إلى الحمامات وأماكن الوضوء ، فالشرطة الصهيونية أوقفت رجالاتها بالقرب من الحمامات وأماكن الوضوء في محاولة منها لاصطياد من يخرج منا لقضاء حاجته ، وأنا شخصيا تعرضت لمحاولة اعتقال أثناء خروجي للحمام ،فقد قاموا بمطاردتي داخل ساحات المسجد ،إلا أنني وبفضل الله سبحانه وتعالى تمكنت من الإفلات منهم بمساعدة بعض الإخوة والعودة الى داخل المسجد حيث لا تجرؤ الشرطة على الوصول إلى هناك من أجل اعتقالي .
-         هل واجهتم محاولات من الشرطة بالاندساس بين صفوفكم أثناء فترة الاعتكاف ؟
** نعم كان هناك محاولات من هذا القبيل ، وقد كانوا متواجدين بيننا ولكنننا كنا نعرفهم ونأخذ حذرنا منهم ، كما كان هناك بعض المستعربين الذين حاولوا اختراق صفوفنا ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك بفضل الله تعالى.
-         وأين النواب العرب أعضاء الكنيسيت من هذه الأحداث؟
**لا أظن أن الكنيسيت له دور فى الدفاع عن العرب فهو مؤسسة صهيونية تخدم الاحتلال بالدرجة الأولى ، وأعضاء الكنيسيت إن سلمنا بصدق نواياهم وبحبهم للمسجد الأقصى المبارك إلا أن تأثيرهم فى قضية المسجد الأقصى وخدمته تصل فى أحسن حالاتها إلى صفر.
 
-         تردد في وسائل الإعلام أن خروجكم جاء باتفاق بينكم وبين سلطة الكيان الصهيونى بأن تنهوا اعتكافكم على ألا يقوموا باعتقالكم ، ما مدى صحة هذه الأنباء؟
**هذه كذبة وشائعة من ترويج الإعلام العبرى الخادع والمضلل ، نحن نوينا الاعتكاف عندما شعرنا بالخطر المحدق بالأقصى ،فدخلنا إلى المسجد بإرادتنا وخرجنا منه بإرادتنا عندما تأكدنا أن الاعتكاف قد حقق الهدف الذي كان لأجله وهو منع وأن الخطر قد زال ،والدليل على ذلك أننا خرجنا فى آخر ليلة من ليالى العيد فلم تكن هناك أية صفقة مع الإحتلال ولا أي اتفاق ولا أي ضمان بعدم اعتقالنا ،فقد خرجنا كما دخلنا فقط بإرادتنا .
-         بعيدا عن الاعتكاف ....أنتم كمصلين في الأقصى هل تلاحظون آثار الأنفاق على أبنية المسجد ؟
**نعم فى الماضى سقطت بعض الحجارة من أرضية المسجد بسبب هذه الأنفاق وقبلها سقطت شجرة من ساحة الأقصى بجانب باب القطانين والكل يعلم تأثير حفر هذه الأنفاق التي تحفر من تحت المسجد والتي وصل عددها إلى العشرات ، كما أنها امتدت لتشمل جميع الجهات وعلى الأخص من جهة مدينة سلوان وقدوصلت إلى منطقة الكاس التى تقع بين المسجد القبلى وقبة الصخرة ، ومؤخراً قامت مؤسسة الأقصى بالكشف عن هذه الأنفاق وتوثيقها وتصويرها ، كما أن المصلين يشعرون أحيانا بأصوات غريبة تحت المسجد ولكن معظم الحفر يتم ليلاً أثناء فراغ المسجد من المصلين.
 
-         من داخل معتكفكم في الأقصى المبارك ، ما هى الرسالة التى توجهونها لإخوانكم المسلمين في كل مكان ؟
**أقول لهم أن المسجد الأقصى هو آية فى كتاب الله ،كما أنه يمثل عقيدة للمسلمين وليس مسجدا للفلسطينين وحدهم وكذلك ليس للعرب وحدهم ،لكنه مسجد للأمة الإسلامية التى تعادل مليار ونصف مليار مسلم ،ينبغي على كل واحد منهم ألا يغمض له جفن ولا يهنأ لهم عيش ولا يطمئن أحدهم ولا يرتاح حتى يزول الاحتلال الصهيوني عن هذا المسجد وليس أقل من ذلك أبدا ،فكل مسجد يستطيع أن يقدم في سبيل المسجد الأقصى المبارك ، كل في مجاله وكل بطريقته يعمل حتى يتحرر الأقصى وتتحرر مدينة القدس بإذن الله من الاحتلال الصهيوني .