Happy Birthday!(يوم ميلاد سعيد!!)

إن الذي ينادي ويفتي ويدعو إلى جواز ما يسمى بعيد الميلاد (وإن سماه يوم الميلاد) وكذلك جواز الاحتفال بمرور عام (مثلاً) على الزواج أو بناء البيت أو غيرها من الأمور التي طرأت علينا في السنوات الأخيرة ولم نكن نعرفها نحن في مجتمعاتنا الإسلامية العربية، هو ينادي من حيث شعر أو لم يشعر بمحاكاة الفكرة الغربية والتي نتجت من خواء فكري خالي من عقيدة!!
فإن دعوى أن العالم اليوم قرية واحدة ومجتمع واحد دعوى لا تجعلنا أبداً نشابه الكافرين، بل إنه متى علمنا بأن هذا من سنن الكافرين فإنه يجب علينا وجوباً حتمياً عزله وتركه.


إن التشبه بالكافرين، واتباع سنن اليهود والنصارى، أمر حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منه لما في ذلك أخوة العقيدة من الذل والتميع والركون إلى الكافر والذي يؤدي إلى انسلاخ مبدأ البراء وانعدامه مع مرور الأيام، فيصبح المرء لا يجد ثمة فرق بينه وبين الكافر فهو يحتفل باليوم الذي يحتفل فيه الكافر، ثم مع مرور الأزمان وتعاقب الأجيال يصبح العيد الإسلامي والعيد الطاغوتي شيئان لا يفترقان فقد تمازجا وأصبحا من الأعياد التي يحتفل بها ويفرح بمرورها..  فنقع فيما خاف علينا النبي صلى الله عليه وسلم منه، ونفقد الميزة والخيرية التي خصنا الله بها عن سائر الأمم والديانات..
أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه علم من أعلام نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم عليه وسلم، يبين فيه صلى الله عليه وسلم حال كثير من هذه الأمة في اتباعهم سبيل غير المؤمنين، ومشابهتهم لأهل الكتاب من اليهود والنصارى حيث جاء في روايات الحديث: (قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) وهذا التشبيه في المتابعة (شبرا بشبر وذراعاً بذراع) وفي رواية: حذو القذة بالقذة كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي لا الكفر، والقذة بالضم هي ريش السهم وهو دال على كمال المتابعة. ثم إن هذا اللفظ خبر معناه النهي عن اتباعهم وعن الالتفات إلى غير الإسلام لأن نوره قد بهر الأنوار وشرعته نسخت الشرائع، وقوله: "حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" مبالغة في الاتباع لهم، فإذا اقتصروا في الذي ابتدعوه فستقتصرون، وإن بسطوا فستبسطون حتى لو بلغوا إلى غاية لبلغتموها.


إن التشبه بالكافر دليل على الميل له ومحبته، وهو عدول عن التشبه بالمؤمنبن ولزوم طريقهم والويل كل الويل لمن ترك سبيل المؤمنين وعدل عنه إلى غيره!!
فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم المحكم: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (النساء:115).


أفلا يخشى على نفسه من عمل بعمل الكافرين أن يكون منهم ويحشر معهم، فإن الأدلة تظافرت بهذا وحذرت منه، وهذا الأمر (أعني التشبه بالكافر) أمر حذر منه الشرع أيما تحذير، والبراء من الكافرين ركن متين بني عليه هذا الدين، ألم تعلم عن قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (البقرة: من الآية256)، العروة الوثقى هي شهادة التوحيد لا إله إلا الله كما فسرها بذلك ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك، فلا يصبح مسلماً حتى يتبرأ من الطاغوت ولا بد من ولاء وبراء ولا يستقيم أمر الدين إلا عليهما.

وقال شيخ الإسلام وحامي عقيدة السنة – أحمد بن تيمية - في معرض حديثه عن عمرو بن لحي الخزاعي الذي تشـبه بالمشـركين ونصب الأنصاب حول الكعبة، قال: "فقد تبين لك أن من أصل دروس دين الله وشرائعه وظهور الكفر والمعاصي: التشـبه بالكافرين". أ هـ اقتضاء الصراط المستقيم: 1/352
ويخطئ من يظن أنه لابد من قصد التشبه فيقول: أنا لا أقصد التشبه بهم ولا تقليدهم.. فقد رد ابن تيمية على من يقول هذا القول واستدل بالحديث في صحيح مسلم الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي المرء عند غروب الشمس وذلك لفعل الكفار.قال شيخ الإسلام: "ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان، ولا أن الكفار يسجدون لها، ثم إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت؛ حسماً لمادة المشابهة بكل طريق".

وفي الدليل الآخر الذي حسنه الألباني قوله صلى الله عليه وسلم: غيروا الشيب ولا تشـبهوا باليهود " قال شيخ الإسلام: " دليل على أن التشـبه بهم يحصل بغـير قصد منا، ولا فعل، بل بمجرد ترك تغيـير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية"، وعلى هذا فإنه لا عبرة بادعاء عدم القصد؛ فإن من فعل ما هو تشـبه بالمشـركين، وهو يعلم حكمه فإنه قد وقع في التشبه المنهي عنه، ولو كان لا يقصد مشابهتهم فيه.

أخيراً أقول:
من تتبع نصوص الشرع علم علماً يقيناً أن مخالفة الكفار مقصد قام عليه الشرع فقد سن لنا نبينا صلى الله عليه وسلم سنن كان منطلقها مخالفة الكافرين كصبغ اللحية وجز الشارب وإعفاء اللحية فهذا حديث في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: ((جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)).
فمن أراد أن يسلك الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه فعليه أن يجانب هدي المشـركين في شأنه كله، بل في أدق شؤونه وأقربها إلى جانب العادات، وهذا معنى أمرِه صلى الله عليه وسلم عليه وسلم لأمته.

وبالمناسبة:
فإن لشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني _ رحمه الله _ كتاب عظيم: (اقتضاءُ الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)، هذا السفر الجليل الذي كتبه إمام من أعظم أئمة أهل السنة والجماعة، فقد جمع فيه الكثير من التأصيل والفوائد والفرائد التي من قرأها ووعاها وعمل بها: فهم معنى التشبه في القرآن والسنة، وكان في خندق حصين من جميع أشكال الموالاة للكفار، فلله در هذا العالم الجليل، والكتاب طبع في مجلدين بتحقيق الشيخ: د. ناصر عبد الكريم العقل.