فقر يأتي بغنى، وذل يجلب العزة!

لتعلم جيداً أخي القارئ أن الموازين الربانية مختلفة، والتعامل مع الله جل جلاله يختلف اختلافاً تاما عن التعاملات الدنيوية مع البشر، وقياس البشر على رب البشر، من حيث شعرنا أو لم نشعر سيجلب لنا الخلط والسير في ظلمة وتيه وضياع.!
وهكذا عندما نقيس أحوال الدنيا على أحوال الآخرة، فإننا نعيش في أفق ضيق ومجال محدود، لأن عقولنا الصغيرة وإمكانياتنا المحدودة التي وهبها الله لنا لا تسمح بتصورات من هذا النوع، ومن هنا خرجت بعض الفرق التي تنكر البعث لأنهم يقيسون بمقاييسهم المحدودة، فألقوا بالنصوص المعصومة واستبدلوها بعقول ضعيفة خلقها الله وهو أعلم بها فقال: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)؛؛؛
من خلال ما سبق هل لنا أن نتصور بأفهامنا القاصرة أن هناك ذلاً يثمر عزة وفقراً يثمر غنى؟
بالتأكيد أن في تعاملاتنا البشرية هذا لا يتصور؟
أما في تعاملنا مع ربنا وخالقنا ورازقنا (الله) الواحد الأحد فالحديث يتغير والمنطق يتعطل ونعيش مع القدرة الإلهية مسلمين لها مؤمنين بها عالمين ومعترفين بضعفنا؛؛ إن الغني أيها الإخوة عند الله هو العبد المفتقر بين يديه، العبد الذي أظهر فقره ومسكنته وحاجته لله عز وجل وأن لا يملك شيئاً أبداً - حتى نفسه التي بين جنبيه – فكل شيئ عنده هو ملك لله فهو الغني سبحانه وغيره فقير..
يخاطب الله الناس أجمعين في كتابه الكريم فيقول جلت قدرته: " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد".
إن في هذا الفقر الذي يظهره العبد غناه..
وإن العزيز عند الله أيها الإخوة هو الذليل المنكسر المنطرح بين يدي خالقه والمنعم عليه والمتفضل عليه بالنعم الواسعة والتي لو عمل ما عمل لم يوفها حقها، فهو يستشعر عزة الله فيعلم بذله وحاجته الشديدة إلى عفو الله ومغفرته، ولو عمل العبد من الأعمال ما عساه أن يعمل..
من الواجب علينا والمتحتم أن نعلم حق الله علينا ولا نكتف بالبحث عن حقنا على الله، فعندها نحرم معرفة الله والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره..
قال ابن القيم - رحمه الله - " فمن أنفع ما للقلب النظر في حق الله على العبد، فإن ذلك يورثه مقت نفسه، والإزراء عليها، ويخلصه من العجب ورؤية العمل، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي الله واليأس من نفسه، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته... ".
علينا أيها الأفاضل أن نصدق في دعاء الله عز وجل وأن نظهر فقرنا ولا ندعوه دعاء المستغني، فإن في هذا هلكة للعبد وانقاع لذته، ولكن ندعوه بقلوب وجلة عالمة علم اليقين بضعفها إلى ربها، وبنفوس قد استشعرت تقصيرها في حق الله، فدعته طامعة فيما عنده من الثواب، وجلة من عذابه الذي لا يرد راد ولا يمنعه مانع..
قال الإمام أحمد: حدثنا ابن القاسم حدثنا صالح المدني عن أبي عمران الجوني عن أبي الخلد أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام "إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك، وكن عند ذكري خاشعاً مطمئناً، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك، وإذا قمت بين يدي فقم مقام العبد، العبد الحقير الذليل، وذم نفسك فهي أولى بالذم، وناجني حين تناجيني بقلب وَجِل ولسان صادق"..
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك..

يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.