بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن من شعائر الإسلام وواجباته العظام فريضة زكاة الفطر، وقد فرضها الله لحكم عظيمة، وقد بين رسوله صلى الله عليه وسلم أحكامها، وذكر أهل العلم نوازلها وما يشكل على الناس فيها بأتم بيان وأوضحه استنباطاً وفهماً وقياساً ومراعاة لمقاصد الشرع دون تعطيل للنصوص، والعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم الأمناء والحراس بعد الأنبياء على وحي الله وشرعه.
والكتاب والسنة الصحيحة والإجماع هما مصادر الشريعة بالإجماع ويلحق بهم القياس والخلاف فيه شاذ وضعيف(1)، وفهم الصحابة والتابعين وسلف الأمة مقدم على غيرهم، وعند الاختلاف يقدم قولهم وفهمهم، وهم حضروا التنزيل، وعرفوا التأويل، وهم أعرف بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم، لكونهم معه، وبحضرته، وأقرب عهدًا بنور النبوة، وأكثر تلقيًا من المشكاة النبوية فيجب الرجوع إلى تفسيرهم، واجتهادهم أقرب إلى الصواب، وأبعد عن الخطأ، فهم أعلم بالتأويل، وأعرف بالمقاصد، فيكون قولهم أولى، كالعلماء مع العامة.
ويختص بفقه قواعد هذه الشريعة، ومعرفة مقاصد أحكام هذا الدين: الراسخون في العلم؛ إذ هم الذين يميَّزون الحق من الضلال والسنة من البدعة، ويدركون المصلحة والمفسدة على هدى من الله.
وقد جمعت في هذا المقال عددًا من مسائل زكاة الفطر وأحكامها، وذكرت بعض الأدلة والأقوال مختصرة، لتسهل قراءتها، ولا يملّها الملول في زمن الخلاصة والسرعة والاختصار، مختصرة، مدللة، معللة، تناسب الحال والمقال، وعددها: (أربعون مسألة)، مذكّرًا بها نفسي وإخواني، وهي امتداد لسلسلة الخلاصات الفقهية، وأصلها رسائل عبر برنامج التواصل (الواتس).
وأحكامها مبثوثة في كتب العلماء على مختلف مذاهبهم الفقهية، ومن أراد الاستزادة فيمكنه الرجوع إليها.
والعلم يحيا بالمذاكرة والفكرة والدرس والمناقشة، والعيش مع العلم من أعظم العيش وألذّه وأمتعه وأسماه وأسناه لمن حسنت نيته وصفت روحه، ونسأل الله ذلك.
وما أهدى المرء لأخيه المسلم هدية أفضل من حكمة يزيده الله بها هدى أو يرده بها عن ردى.
وإذا الإخوانُ فاتَهم التلاقي*** فَما صلةٌ بأحسنَ من كتابِ
وهي بعنوان: (فَوحُ العِطْرِ بأحكامِ زكاة الفِطْرِ)
تقبله الله قبولًا حسنًا، ونفع به العباد والبلاد، والحاضر والباد، وجعله عملاً صالحًا، دائمًا، مباركًا على مر السنوات والأزمان، صدقة لوالديّ وأهل بيتي، ومشايخي وطلابي، وأن يحيينا جميعًا على العلم النافع والعمل الصالح، وأن يمتّعنا متاع الصالحين، وأن ينصر عباده المؤمنين، هو خير مسؤول وأكرم مأمول.
وإليكموها رحمكم الله، وعين الرضا عن كل عيب كليلة.
المسألة الأولى:
الزكاة في اللغة: النماء، والزيادة، والصلاح.
والفطر: اسم مصدر من قولك: أفطر الصائم إفطاراً.
أضيفت الزكاة إلى الفطر؛ لأنه سبب وجوبها، وقيل لها فطرة، كأنها من الفطرة التي هي الخلقة.
قال النووي: يقال للمخرَج: فطرة، والفطرة - بكسر الفاء لا غير - وهي لفظة مولدة لا عربية ولا معربة بل اصطلاحية للفقهاء، فتكون حقيقة شرعية على المختار، كالصلاة والزكاة.
شرعاً: زكاة الفطر في الاصطلاح: صدقة مقدرة عن كل مسلم قبل صلاة عيد الفطر في مصارف معينة.
المسألة الثانية: حكمة مشروعية زكاة الفطر:
الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث، وأنها زكاة للبدن؛ حيث أبقاه الله تعالى عاماً من الأعوام، وأنعم عليه بالبقاء؛ ولأجل ذلك وجبت للصغير الذي لا صوم عليه، والمجنون، ومن عليه قضاء قبل قضائه، وأنها من شكر نعم الله على الصائمين بالصيام، وغير ذلك من الحكم.
المسألة الثالثة: زكاة الفطر واجبة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية والشافعية والحنابلة، وبه قال عامة أهل العلم، وحكي فيه الإجماع، حكاه ابن رشد والبيهقي وابن المنذر وغيرهم(2).
ومستند الإجماع: ما ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة). وفي لفظ آخر: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، على الصغير والكبير، والحر والمملوك) رواهما البخاري ومسلم.
المسألة الرابعة: تجب زكاة الفطر على كل مسلم، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، والدليل، ما تقدم، وحكى ابن رشد وابن قدامة الإجماع على ذلك.
المسألة الخامسة: تجب صدقة الفطر على كل مسلم ملك فاضلاً عن قوته وقوت من يلزمه، ولو لم يملك نصاباً، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم.
المسألة السادسة: هل يلزم الزوج إخراج صدقة الفطر عن الزوجة؟
محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يلزم الرجل إخراج صدقة الفطر عن زوجته إذا قدر على ذلك، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، لأن النكاح سبب تجب به النفقة، فوجبت به الفطرة.
القول الثاني: لا يلزم الرجل إخراج صدقة الفطر عن امرأته، وعلى المرأة فطرة نفسها، وهذا مذهب الحنفية والظاهرية، وبه قال سفيان الثوري واختاره ابن المنذر وشيخنا ابن عثيمين.
الراجح: الأول، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فرضها على الصغير، والصغير ينفق عليه ولا مال له في الغالب فدل على أنها تجب على من ينفق عليه، فكذلك الزوجة، وهو الذي عليه عمل السلف وعمل الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
المسألة السابعة: هل تلزم الزوج فطرة المرأة الناشز؟ محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: لا تلزم، وهو مذهب الحنابلة وعليه أكثرهم، لأنه لا نفقة لها.
القول الثاني: يلزمه، لبقاء الزوجية، وهو رواية عن الإمام أحمد.
والراجح: الأول، لما تقدم.
المسألة الثامنة: المرأة التي عقد عليها زوجها فقط ولم يدخل بها وهي عند أهلها فترة ما بين العقد والزواج فلا يجب على الزوج زكاتها، وهو مذهب المالكية ومقتضى مذهب الحنابلة، لأنه في هذه الفترة لا تجب نفقتها عليه.
فرع: المطلقة رجعياً الخلاف فيها كالخلاف في الزوجة.
المسألة التاسعة: من لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه هل تجزئه؟
كالابن يخرج عن نفسه من غير علم والده والزوجة كذلك.
فيه قولان: والصحيح الإجزاء، وهو مذهب الحنابلة، لأنه أخرج فطرة نفسه بنفسه.
المسألة العاشرة: من لم تلزمه نفقته وأخرج عنه من غير إذنه هل تصح؟
لا تصح، قال الآجري وهو قول فقهاء المسلمين، لأنها عبادة فلا تسقط عن المكلف بغير إذنه.
المسألة الحادية عشرة: إذا أخرجها بإذنه في المسألتين السابقتين أجزأت اتفاقاً.
المسألة الثانية عشرة: الخادمات داخل المنازل كثير من الناس لا يلتفت لزكاتهن: إما يتركها مطلقاً ولا يزكي عنها أو يخرج عنها ولا يخبرها، وكلاهما خطأ، لاسيما أن الخادمات: إما جاهلة أو حديثة عهد بإسلام، فالصواب يعلمها، فتخرج عن نفسها أو يخرج عنها بإذنها كما تقدم.
المسألة الثالثة عشرة: هل يخرج عن الجنين؟
نعم يخرج، وهل هو على الوجوب أو الاستحباب؟ محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: الاستحباب، وحكي الإجماع، لفعل عثمان رضي الله عنه رواه ابن أبي شيبة، وورد عن أبي قلابة وهو من كبار التابعين قال: (كانت تعجبهم - أي السلف من الصحابة والتابعين - صدقة الفطر عن الصغير والكبير حتى الحبل في بطن أمه) رواه عبدالرزاق.
القول الثاني: واجب، وهو رواية عند الحنابلة.
والراجح: الأول، لعدم الدليل على الوجوب، ولأنه غير مكلف.
المسألة الرابعة عشرة: كم عمر الجنين الذي تستحب؟
قيل: من نفخ فيه الروح، وقيل: قبل ذلك.
والأقرب: الأول، وهو ظاهر اختيار ابن حجر، لأنه أصبح نفساً، وإن كان ظاهر أثر عثمان رضي الله عنه الإطلاق.
المسألة الخامسة عشرة: من تكفل بمؤنة شخص شهر رمضان هل تلزمه فطرته؟
كاليتيم والخادمة والسائق إذا كان طعامه على صاحب البيت وغيرهم.
القول الأول: تلزمه، وهو مذهب الحنابلة، لحديث: (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون) رواه الدارقطني والبيهقي وفيه ضعف وإرسال.
القول الثاني: لا تلزمه، وهو رواية عند الحنابلة، قال ابن قدامه؛ (وهو قول أكثر أهل العلم وهو الصحيح).
الراجح: الثاني، لأن الأصل أن كل إنسان يؤدي الواجب عليه بنفسه، والنفقة هنا على وجه التبرع وليس إلزاماً شرعياً.
المسألة السادسة عشرة: ما هو الشيء المخرج وضابطه؟
لدينا ثلاثة قيود، وهي كالتالي:
الأول: أن يكون طعاماً بنص الحديث (صاعاً من طعام) رواه البخاري فلا يكون شراباً ونحوه.
الثاني: أن يكون قوتاً، وهذا معنى استنبطه الفقهاء من أحاديث الأصناف.
والقوت في اللغة هو: ما يقوم به بدنُ الإنسان من الطعام.
الثالث: هل يشترط في القوت أن يكون غالب قوت البلد؟
محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: أن ذلك شرط، وهو مذهب المالكية والشافعية سواء من المنصوص عليه أو غير المنصوص (وجعلها المالكية تسعة أصناف)، (وجعلها الشافعية في كل ما يجب فيه العشر من الحبوب والثمار) ومعناه أن تلك الأصناف ليست تعبدية واختاره ابن تيمية وذكره رواية في مذهب الحنابلة، وأنه قول أكثر العلماء وقال ابن عبد البر: (والواجب اعتبار القوت في كل زمان).
القول الثاني: أن ذلك ليس بشرط وإنما الشرط أن يكون من المنصوص عليه في الحديث، وهي الشعير والتمر والزبيب والأقط (والبر على قول في معنى الحديث)، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، ومعنى ذلك أنها تعبدية.
وعند الحنفية: (يخرج المنصوص أو القيمة) وعند الحنابلة (إذا لم يجد المنصوص أخرج كل حب وثمر يقتات).
القول الثالث: أن المخرج يكون من قوت الإنسان نفسه وبه قال بعض المالكية وهو وجه عند الشافعية.
القول الرابع: يجزئ التمر والشعير فقط، وهو مذهب الظاهرية.
الراجح: الأول لما يلي:
١-لعموم قوله تعالى: (من أوسط ما تطعمون أهليكم).
٢-قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر).رواه البخاري.
٣-أن النص ليس فيه التعيين والحصر لا نصاً ولا معنى.
٤-أن مراد الشارع الإغناء للفقير والنظر إلى حاجته، وليس حاجة المنفق أو السوق ونحوه، ومقصد الشارع محل اعتبار، وهنا يبعد إعمال النص دون اعتبار المقصد، وإلا كانت ظاهرية مشكلة، ولم يستفد الفقير من هذا الطعام وصار تعطيلاً للمعنى الشرعي، وتعطل هذا الباب والتعليل بالمقصد هنا يدور في دائرة الطعام وليس على إطلاقه فيفتح الباب بدون قيد.
٥-العرف، والنفقات والكفارات في جملتها مبناها على العرف.
٦-أن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً، وارتفاع الحكم هنا ارتفاع عن محله وليس ارتفاعاً من الشريعة.
فإن قال قائل كيف الجواب عن حكاية الإجماع في إجزاء الأصناف المنصوص عليها؟
الجواب: أن الإجماع من حيث الأصل في الإجزاء كتشريع، ولذا قع الخلاف في الإخراج، وذلك لاختلاف الزمان في كونه غالب قوت البلد وحكاه من مثله لا يخفى عليه الخلاف.
فإن قال قائل أليست القاعدة أن العلة أو المعنى المستنبط إذا عاد على النص بالبطلان لا عبرة به فكيف الجواب؟
فيقال:
أ-بأن التحقيق من كلام الأصوليين أن عود التعليل على المنصوص عليه بالتفسير أو التخصيص أو التعميم مقبول، وهو شائع في كتب الفقه بمختلف المذاهب، وإنما الممنوع هو عودها عليه بالإبطال بحيث لا يكون للمنصوص أي معنى واعتبار.
ب- وقد يقال بأن المعنى في حكم المنصوص لحديث أبي سعيد.
ج- وقد يقال: بأن الشارع لم يرد الحصرية، والمعنى هنا غالب.
د- وقد يقال بأنه لا تعارض وإنما ذلك يختلف باختلاف الأحوال.
ه- وقد تتخلف القاعدة في التطبيق لمعنى آخر، وهذا كثير في كتب الفقهاء والله أعلم.
المسألة السابعة عشرة: ويجوز الانتقال من الغالب إلى الأصلح للاقتيات أي الأنفع للبدن، وهو الأفضل في مذهب الشافعية.
المسألة الثامنة عشرة: وهل المراد بغالب قوت البلد في العام كله أو وقت وجوب الزكاة؟
فيه خلاف عند الشافعية، والمذهب عندهم قوت العام.
المسألة التاسعة عشرة: وأيهما الأفضل؟ القوت الغالب كل العام أو الغالب وقت الوجوب؟
فيه قولان عند الحنابلة، وقوى المرداوي الثاني.
المسألة الموفية للعشرين: وفي مذهب الشافعية: (لو عدل عن قوت البلد إلى قُوتٍ أعلى، فإن كان قوته الشعير؛ فأخرج الحنطة، جاز وزاد خيراً. وإن عدل إلى شيء دونه؛ مثل: أن كان قوته الحنطة؛ فأخرج الشعير –لا يجوز وإن كان قوتهم تمراً؛ فأخرج حنطة أو شعيراً - جاز؛ على الأصح؛ لأنه أبلغ في الاقتيات. وإن كان قوتهم حنطة، وشعيراً؛ فأخر تمراً، لم يجز؛ على الأصح).
المسألة الحادية والعشرون: هل المراد بقوت البلد أن يكون وجبة رئيسة بصفة دائمة أو غالبة أو المراد أن له اعتبار عند الناس ويستعمل في حياتهم وإن لم يكن كثيراً؟
الأمر محتمل، والثاني: أقرب، ودليله أن الظاهر من الزبيب والأقط لم يكن في استعمال عصر النبوة بصفة غالبة أو كثيرة أو دائمة، ولا يمكن جعل كل ما ورد في النص في درجة واحدة في الاقتيات وغلبته، وهذا ظاهر من طبيعة هذه الأطعمة، والله أعلم، وأستغفر الله من الزلل.
المسألة الثانية والعشرون: وأما إخراج الزكاة من المتروك من الطعام المنصوص عليه في الحديث فلا يجزئ وكذلك النادر كما تقدم فقهاً وتعليلاً.
المسألة الثالثة والعشرون: وكل ذلك يختلف باختلاف البلدان والأزمان والفقر والغنى، فالحكم يدور مع العلة زماناً ومكاناً، وهذا من أمثلة ما يقال (يتغير الحكم بتغير الزمان والمكان) فهو يخضع للعرف والعادة.
المسألة الرابعة والعشرون: زكاة الفطر تخرج من طعام أهل البلد ثلاثة كيلو من الأرز، وهو الأحوط مقداراً وقيل غير ذلك، وباقي الأطعمة كل حسب مقدار الصاع فيه بالكيلو.
المسألة الخامسة والعشرون: هل يصح أن تجعل الفطرة الواحدة أكثر من نوع؟
له حالتان:
أ-إن كان لم يجد إلا هذا ففي صحته وجهان عند الشافعية.
ب-إن كان واجداً ففيه خلاف: فالشافعية يمنعون، والحنابلة يجيزون، ككفارة اليمين.
المسألة السادسة والعشرون: هل تخرج نقداً محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: تخرج طعاماً ولا يصح نقداً، وهو مذهب جمهور الفقهاء.
القول الثاني: تخرج نقداً، وهو مذهب الحنفية ورواية عند الحنابلة، وبه قال بعض المالكية، نظرة مقاصدية لحاجة الفقير.
القول الثالث: يخرج نقداً عند الحاجة واختاره ابن تيمية وغيره.
والراجح: الأول، لما يلي:
أ-لقوله وفعله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنه، فأخرجوها طعاماً مع وجود النقد في زمنهم، ولو كان جائزاً لجعل الأمر على التخيير أو قيمته، والنظر المقاصدي لا يغيب عنهم، فهم شاهدوا التنزيل، وهذا في حكم الإجماع من الصحابة رضي الله عنهم.
ب-أن الشارع قصد التنويع في الزكاة، فجعل في المال زكاة وفي بهيمة الأنعام وفي الحبوب والثمار كل ذلك نظرة تكاملية لسد حاجة الفقير، فجعل سبحانه لكل شيء قدراً وحكماً، والله أعلم بأحوال العباد، ومن شرط إعمال المصلحة ألا تتكون في المحدودات والمقدرات الشرعية.
ج- النظرة المصلحية والمقاصدية لا تكون مطلقة بدون قيد، بحيث تكون مخالفة للنص من كل وجه.
د-أن زكاة الفطر تجري مجرى الكفارات فهي عن البدن ولا تجري مجرى زكاة المال.
د- أن ما ورد عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إخراج القيمة فإن صح فيبقى قول تابعي، وقوله ليس بحجة على الصحيح، وحكي الاتفاق إذا خالف النص وقال الإمام أحمد: (نأخذ بقوله ونترك السنة).
ه-لو أن الناس نوعت الإخراج لما احتجنا للقيمة فمنهم من يخرج الأرز، ومنهم من يخرج الدقيق، ومنهم من يخرج المكرونة وغير ذلك مما يقتاته الناس، وكفينا الفقير عن كثير من الحبوب التي يحتاجها في طعامه، ولما احتاج إلى شراء الطعام فترة من الزمن، ولو أعطيناه النقود لصرفت ربما في الكماليات من طعام ونحوه لزهادة المال.
ز- سلوك سبيل الاحتياط هنا متوجه قال الإمام أحمد: (في إخراج القيمة أخاف أن لا يجزئه).
فإن قال قائل نجد بعض الفقراء إذا أعطيته الطعام باعه وربما بثمن بخس أليس الأولى أن يعطى المال؟
فالجواب:
١-أنه إذا ملك الطعام جاز بيعه.
٢-أن هذا الاحتجاج إذن سنورده في كل الكفارات والأضحية والهدي وبالتالي صار تغييراً لأحكام الدين، وكلها مقصودها الفقير وإطعامه وإغناؤه، فتدبر رحمك الله.
٣-أن المسلم عليه أن يفعل ما أمر به شرعاً.
٤-أنه حتى لو أعطيته المال فهو عرضة لأن يستخدم في غير ما أعطي له من سد حاجته، وربما في محرم، فالاحتمال يرد على الأمرين.
٥-أن هذا الاحتمال وارد في عصر النبوة والصحابة والتابعين ولم ينقل تجويزه لا نصاً ولا اجتهاداً.
٦- إذا علمنا بفعله فهو لَيْس بحاجتها فلا يعطى حينئذ.
المسألة السابعة والعشرون: من أخرجها نقداً بناء على فتوى علماء بلده وأنها الفتوى السائدة عندهم فيصح ولا يلزم بإعادة إخراجها طعاماً مراعاة للخلاف على الصحيح، ولأن العامي لا يسعه إلا التقليد.
المسألة الثامنة والعشرون: وقت إخراج زكاة الفطر، وهو ثلاثة أنواع:
أولاً: وقت الوجوب، وهو محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: تجب زكاة الفطر بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو قول عند المالكية ومذهب الشافعية على الأصح، والحنابلة، وبه قال بعض السلف.
القول الثاني: أن وقت وجوبها يبدأ من طلوع الفجر من يوم الفطر، وهو مذهب الحنفية، وقول عند المالكية، وهو قول الشافعي القديم.
والأقرب: الأول، لأن الشارع أضاف إخراجها إلى يوم الفطر، ويدخل بوقت غروب شمس آخر يوم من رمضان.
ثانياً: وقت الأفضلية، الأفضل إخراج زكاة الفطر يوم العيد قبل صلاة العيد، وحكي الإجماع على ذلك، لحديث: (وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري.
ثالثاً: وقت الجواز أي هل يجوز تعجيلها عن وقتها؟ محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يجوز تعجيل زكاة الفطر عن وقتها بيوم أو يومين فقط، وهو مذهب المالكية، والحنابلة، واختاره الشوكاني.
القول الثاني: من أول شهر رمضان، وهو مذهب الشافعية وبعض الحنفية والحنابلة، لأن سبب زكاة الفطر الصيام.
القول الثالث: يجوز تقديمها قبل سببها وهو شهر رمضان، وهو مذهب الحنفية.
الراجح: الأول، وكان ابن عمر رضي الله عنهما «يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» رواهما البخاري، واختلف في قوله الذين يقبلونها هل المراد بهم الفقراء أم الذين يوزعون الزكاة؟، ولأن النص مقدم على التعليل، ولأن هذا أقصى ماورد في التعجيل، ولم ينقل عنهم أكثر من ذلك، وهو أمر ظاهر غير خفي، ولو ورد لنقل إلينا نقلاً مشتهراً.
المسألة التاسعة والعشرون: آخر وقت لإخراج زكاة الفطر محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: آخر وقت زكاة الفطر الذي يحرم تأخيرها عنه هو غروب شمس يوم عيد الفطر، وهذا قول بعض الحنفية ومذهب المالكية، والشافعية والحنابلة.
القول الثاني: أن آخر وقت زكاة الفطر هو صلاة العيد، ويحرم تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد، فإن أخرها لم تقع زكاة فطر، وإنما له أجر الصدقة، وهو مذهب الظاهرية، واختاره ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وابن باز، وابن عثيمين.
الراجح: الثاني، لحديث: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر؛ طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين؛ من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود وصححه جماعة من أهل العلم وحمله الجمهور على الأفضل.
المسألة الموفية للثلاثين: من وجبت عليه زكاة الفطر وهو مسافر فأين يخرجها؟
محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: فيجب عليه أن يخرجها في البلد الذي هو فيه، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، لأن زكاة الفطر تتبع الإنسان حيثما كان.
القول الثاني: إذا وكل من يخرجها عنه في بلده فجائز، وهو قول للمالكية ورواية في مذهب الحنابلة، واختاره شيخنا ابن باز.
القول الثالث: لا يجوز نقلها لبلد آخر إلا عند الحاجة والمصلحة، وهو مذهب المالكية، واختاره ابن تيمية، وابن عثيمين.
القول الرابع: يكره نقلها إلا لحاجة، وهو مذهب الحنفية.
والأقرب: الثاني: لعدم الدليل الصريح البين لتحديد موضع إخراج الزكاة، ومنع خلافه، وكان صلى الله عليه وسلم تأتيه الزكاة من البلدان الأخرى.
المسألة الحادية والثلاثون: إذا سافر الإنسان إلى بلد فهل له أن يخرج زكاة الفطر عن أهل بيته في المكان الذي هو فيه إذا كانوا ليسوا معه؟
محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: أن العبرة بمكان المخرج للزكاة، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، لأن أهله تبع له، والتابع تابع.
القول الثاني: أن العبرة بمكان المؤدى عنهم، فيخرجها الأب عن نفسه في مكان إقامته، وعمن يلزمه الإخراج عنهم في مكان إقامتهم، لأن زكاة الفطر تتبع الإنسان في مكانه الذي هو فيه، وهو قول أبي يوسف من الحنفية وقول عند الشافعية والحنابلة.
والأقرب: كله يجوز لما تقدم.
المسألة الثانية والثلاثون: ما الحكم إذا أخرجها عنهم في المكان الذي هو فيه؟ لها حالتان:
الأولى: إذا أخرجها بناءً على فتوى عالم أو مذهب علماء بلده فلا يعيد، لأنه قلد عالماً أو مذهباً، ولأنه فعل ما في وسعه.
الثانية: إذا أخرجها جهلاً فإن الصحيح لا يعيد، ولعدم الدليل الصريح في المسألة، فهي محتملة، والأصل الصحة إلا بدليل واضح بيّن.
المسألة الثالثة والثلاثون: إذا سافر أحد أفراد الأسر لدراسة ونحوها كالطلاب المبتعثين ونحوهم فهل يخرج الزكاة عن نفسه أو يخرجها عنهم والدهم؟
لها حالتان:
الأولى: إذا كان غير مستقل بنفقته فيكون على الخلاف المتقدم أين تخرج زكاة الفطر في بلد المزكي أم المزكى عنه؟
الثانية: إذا كان مستقلاً بنفقته فيخرج في المكان الذي هو فيه أو يوكل.
المسألة الرابعة والثلاثون: إذا سافر الإنسان إلى بلد لا يعرف فيه مستحقاً للزكاة فإنه يوكل من يخرجها عنه في أي بلد فيه فقراء.
المسألة الخامسة والثلاثون: من سافر وفقد أو انقطع خبره ولا يعلم حاله فإنه لا يخرج عنه واختاره ابن قدامة، فإن علم حياته بعد ذلك وجب القضاء، وأما إذا غاب ويغلب على الظن وجوده فيخرج عنه.
المسألة السادسة والثلاثون: للفقير أن يبيعها ولكن ليس للمعطي أن يشتريها، لقوله صلى الله عليه وسلم:
(لعمر رضي الله عنه في صدقته التي أخرجها لا تشترها) متفق عليه.
المسألة السابعة والثلاثون: يجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد ويعطي الواحد ما يلزم الجماعة.
المثال الأول: فطرة شخص تعطى لأكثر من شخص.
المثال الثاني: فطرة خمسة أشخاص تعطى لشخص واحد.
المسألة الثامنة والثلاثون: هل يلزم الاقتراض لأجل إخراج زكاة الفطر؟ له حالتان:
أ- إن كان لا يجد ما يسدد به فلا يقترض.
ب-إن كان يجد فَفيه خلاف عند المالكية والصحيح لا يجب، إلا إذا كان له مال بعيد عنه ونحوه ويحصله فيقترض ويزكي.
المسألة التاسعة والثلاثون: مصرفها محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: مصرف زكاة المال، وهو مذهب الجمهور، لآية الأصناف الثمانية.
القول الثاني: للفقراء والمساكين، وهو مذهب المالكية ورواية عند الحنابلة واختاره تقي الدين.
المسألة الموفية للأربعين: هل تعطى الكافر؟ محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: لا تعطى، وهو مذهب جمهور الفقهاء وجماعة من التابعين، كزكاة المال، وحكى ابن قدامة الإجماع على زكاة المال.
القول الثاني: يصح، ورد عن أبي حنيفة.
والراجح: الأول؛ لآية الصدقات، ويعطى الكافر من الصدقة غير الواجبة، ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما وجماعة من السلف.
المسألة الحادية والأربعون: حكم الزكاة إذا تلفت؟ له حالتان:
الأولى: إذا تلف المال بعد وجوب زكاة الفطر وبعد التمكن من أدائها لا يسقطها، بل تستقر في ذمته اتفاقاً.
الثانية: إذا كان تلف المال قبل التمكن من الأداء في سقوط زكاة الفطر؟
القول الأول: تسقط كزكاة المال، وهو الصحيح في مذهب الشافعية والحنابلة.
القول الثاني: لا تسقط، وهو وجه عند الشافعية والحنابلة.
القول الثالث: سقوط زكاة الفطر بالتلف، إلا أن يخرجها في غير وقتها فتضيع، فإنه يضمنها حينئذ، وهو مذهب المالكية.
المسألة الثانية والأربعون:
١-هل للوكيل في الزكاة إذا وكله موكله في توزيعها أن يأخذ منها إن كان من أهل الزكاة؟
القول الأول: لا يجوز، لأنه وكيل، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، واختاره ابن باز.
القول الثاني: يجوز، وهو مذهب المالكية.
الراجح: الأول، لأنه وكيل والوكيل مؤتمن، ولا يعمل هنا ما يعود لمصلحته، ولأنه أمره بتوزيعه وصرفه لا أخذه، ولأنه لو علم الموكل لربما لم يرض به، وإذا أراد أن يأخذ فلابد أن يستأذن من موكله.
٢-هل له أن يعطي لوالديه وأولاده وإخوته؟
فيه وجهان عند الحنابلة، والأقرب: الجواز، بشرط ألا يحابيهم.
٣-هل يجوز أن يصرف الوكيل الزكاة لغير من عين له الموكل؟
لا يجوز، وهو مذهب الحنفية والشافعية، لأنه تصرف في غير ما وكل فيه، والأصل أن يفعل وفق ما وكل فيه ولا تجوز المخالفة، ولأنه ربما له قصد في التخصيص.
٤-هل يصح جعل الفطرة (الصاع الواحد) أكثر من صنف فمثلاً يجعل منها كيلو من الأرز وكيلو من الحب وكيلو من التمر؟
القول الأول: يصح، وهو مذهب الحنفية ووجه عند الشافعية ومذهب الحنابلة.
القول الثاني؛ لا يصح، وهو مقتضى مذهب المالكية ومذهب الشافعية ووجه عند الحنابلة واختاره ابن حزم، وقوفاً مع النص.
الراجح: يصح، لأنه فعل صورة تدخل من ضمن الكفارة.
٥- لا يصح إخراج زكاة الفطر عن الأموات، وهو عمل غير مشروع، لأنها تكون عن الأحياء، والعبادات توقيفية.
٦- يصح إخراج الطعام مطبوخاً حسب الأصناف المتقدم ذكرها لكن بشرط ألا ينقص المقدار الشرعي، وإن كان الأفضل غير المطبوخ لأنه أحفظ للفقير وأدوم.
المسألة الثالثة والأربعون: يكثر السؤال عن إخراج زكاة الفطر مع جائحة كورونا من الأفراد والجمعيات الخيرية بسبب الحجر والاحتراز من الاجتماع واللقاء ونحوها، فيتعذر تسليم الزكاة طعاماً للفقراء بصفتها الشرعية وفي وقتها الشرعي فما الحل؟
الجواب: المخرجون لها نوعان:
١-جمعيات خيرية موكلة من الناس تسلم الزكاة للفقراء.
٢-أفراد لأفراد.
يمكن أن نوجد حلولاً فقهية للنوعين على النحو التالي:
١-يجوز أن تعطى الجمعيات الخيرية قيمة زكاة الفطر مبكراً، فهي وكيلة في إخراجها في الوقت الشرعي، وهذا لا إشكال فيه.
٢-أن الجمعيات الخيرية إذا جعلناها وكيلة عن ولي الأمر وولي الأمر نائب عن الفقراء فحينئذ يجوز على هذا التخريج لأن الوكيل في منزلة الموكل (الفقير)، قال شيخنا ابن عثيمين: (يجوز دفع زكاة الفطر لجمعيات البر المصرح بها من الدولة، وهي نائبة عن الدولة، والدولة نائبة عن الفقراء، فإذا وصلتهم الفطرة في وقتها أجزأت ولو لم تصرف للفقراء إلا بعد العيد؛ لأنهم قد يرون المصلحة في تأخير صرفها).
٣-يمكن الأخذ بقول أن نهاية وقت زكاة الفطر بغروب شمس يوم العيد وهو مذهب الأئمة الأربعة، ويصار له للحاجة والعذر.
٤-الاتصال بالفقير وجعله يوكله في استلام الزكاة عنه، فيكون الفقير وكل مخرج الزكاة في قبضها ومتى تيسر له أخذها أخذها، فيكون القبض للفقير حكماً لا حقيقة.
٥-أن يعطى الفقير المبلغ نقداً أو تحويلاً لكي يقوم هو بالشراء للطعام في الوقت الشرعي، والفقير مؤتمن من حيث إخراجها، واشترط عليه المخرج من حيث النوع والوقت، لأن الوكيل مؤتمن، والمسلمون على شروطهم، ولا يكون من قبيل إخراج النقد.
٦-إذا تعذر كل ما تقدم فحينئذ يجوز التأخير للعذر، والفقهاء يجيزون تأخير الزكاة كانتظار قريب وغائب وحاجة ونحوها، وهو مذهب الأئمة الأربعة، والإثم مرفوع للعذر وتنال الفضيلة وأجر اتباع السنة، وهذا له نظائر في الشريعة كتأخير الصلاة عن وقتها لعذر وتأخير قضاء رمضان وصوم الكفارات وغيرها عن وقتها لعذر.
٧-تجهيزها وإعدادها للتوزيع نوع من الإخراج إذا تعذر التسليم في الوقت الشرعي، وبه قال الإمام أحمد، وورد عن محمد بن يحيى الكحال: قلت لأبي عبد اللَّه أي الإمام أحمد بن حنبل: (فإن أخرج الزكاة ولم يُعطها؟ قال: نعم، إذا أعدَّها لقوم)قال ابن قدامة: (واتباع السنة أولى) وهو يحتاج مزيد تأمل وتحرير، فلتحرر.
فإن قال قائل: لماذا لا يقال بجواز التقديم وهو مذهب الحنفية والشافعية فالجواب:
أن التقديم محل خلاف فعند المالكية والحنابلة لا يصح ومقتضى كلامهم لعذر ونحوه، وأما التأخير لعذر فيجوز عند الجميع ولا تسقط فيصار لأمر متفق ولا يصار لأمر مختلف فيه، وهذه قاعدة من قواعد الترجيح، وهذا كذلك له نظائر في الشريعة كالصلاة فلا يجوز تقديمها عن وقتها لعذر ولكن يجوز التأخير لعذر اتفاقاً ومثله الصيام ونحوه، ولأن التأخير خارج عن قدرة الإنسان وإرادته، ولعموم رفع الحرج عند العجز.
فإن قال قائل: ألا يصار للقول بخروج زكاة الفطر نقداً حفاظاً على الوقت فالجواب:
أن الجمهور على المنع، ويصار إليه كما تقدم، ولأن المحافظة على الركن أولى في الجملة من النظر إلى الوقت وهذا في أضيق الحالات، ولأنه لا يجعل الوقت مبطلاً للأصل وهو الطعام، والحفاظ على الوقت والصفة مقدم مادام يمكن الجمع بينهما على ضوء ما تقدم من الحلول الفقهية، ثم كل ذلك يختلف فيما هو الأنسب من الحلول من حيث الدول والمدن والجمعيات والأشخاص، ولا يتساهل في ذلك، والله أعلم.
اللهم فقهنا في الدين وفق سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وثبتنا عليه، واجعلنا من دعاته وأنصاره، اللهم رضاك وصلاحاً وثباتاً لقلوبنا وطهارة لنفوسنا وذرياتنا، ونصراً وعزاً للإسلام والمسلمين وبلادنا وبلاد المسلمين وولاتها، وجمعاً للمسلمين على هداك، وهلاكاًً للظالمين المعتدين.
وإلى لقاء آخر يسره الله بمنه وكرمه على طريق العلم والهدى.
إنّا على البِعادِ والتفرقِ ***لَنلتقي بالذكرِ إن لم نَلتق
__________________________________
(1) وباقي الأدلة محل خلاف، ولا يخفى ذلك على ذي علم.
(2) وفي قول للمالكية مقابل للمشهور: إنها سنة، واستبعده الدسوقي، قال ابن حجر: (وهو قول بعض أهل الظاهر، وابن اللبان من الشافعية)
كتبه / فهد بن يحيى العماري
البلد الحرام 23/9/1442هـ
[email protected]