حكم من أكل أو شرب ناسيًا
11 رمضان 1440
عبد الله بن صالح الفوزان

حكم من أكل أو شرب ناسيًا (*)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل أو شرب ناسيًا فليتمّ صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" (1)

الحديث دليل على أن من أكل أو شرب ناسيًا فصومه صحيح لا نقص فيه، ولا إثم عليه، إذ لا قصد له في ذلك ولا إرادة، بل هو رزق ساقه الله إليه، ولهذا أضاف الرسول صلى الله عليه وسلم إطعامه وسقيه إلى الله تعالى، وقد جاء في رواية أخرى: "فإنما هو رزق ساقه الله إليه"، وما يكون مضافًا إلى الله تعالى لا يؤاخذ عليه العبد، لأنه إنما ينهى عن فعله، والأفعال التي ليست اختيارية لا تدخل تحت التكليف، ولا فرق بين الأكل والشرب القليل والكثير لعموم الحديث.

وليس عليه قضاء؛ لأنه أمر بالإتمام، وسمّي الذي يتمّ صومًا، فدل على أنه صائم حقيقة.

ويقاس على الأكل والشرب بقية المفطرات، لحديث أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أفطر في شهر رمضان ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة"(2).

وتخصيص الأكل والشرب في الحديث باعتبار الغالب، والتخصيص بالغالب لا يقتضي مفهومًا، فلا يدل ذلك على نفي الحكم عما عداه.

وهذا الحكم في الصائم فرد من أفراد القاعدة العظيمة العامة في قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )(3).

وقد صح في الحديث الشريف أن الله تعالى قال إجابة لهذا الدعاء: (قد فعلت).

وفي رواية: (قال: نعم)(4)، وهذا من لطف الله تعالى بعباده، وتيسيره عليهم، ورفع الحرج والمشقة عنهم.

ومن رأى صائمًا يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسيًا وجب عليه إعلامه وتذكيره؛ لأن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والأكل والشرب في نهار رمضان منكر، والناسي معذور، فوجب إعلامه في الحال.

ومن اغتسل أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء إلى حلقه بلا قصد لم يفسد صومه. وكذا لو طار إلى حلقه ذباب أو غبار من طريق أو دقيق أو نحو ذلك بغير اختياره لم يفسد صومه؛ لعدم إمكان التحرز من ذلك؛ لأنه لا قصد له ولا إرادة، فهو كالناسي في ترك العمد وسلب الاختيار.

اللهم وفقنا لما يرضيك، وجنبنا معاصيك، واجعلنا من عبادك الصالحين، وحزبك المفلحين، واعف عنا وتب علينا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

------------

(*) المادة مستفادة من كتاب مختصر أحاديث الصيام طبعة دار ابن الجوزي.

(1) البخاري (1933)، ومسلم (1155).

(2) أخرجه ابن حبان (8/287)، والحاكم (1/430)، وصححه على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي، وصححه الحافظ في "البلوغ"، انظر: "سبل السلام" (2/317)،  "الإرواء" (4/87).

(3) سورة البقرة، الآية: (286).

(4) رواه مسلم رقم (199، 200)، موقوفًا على ابن عباس، واللفظ الثاني على أبي هريرة، لكن له حكم المرفوع إذ لا يقال مثله بالرأي، والله أعلم، انظر "الإرواء" (1/124).